خياران أحلاهما مر، فأما رفض السياحة والتفريط بأموال واستثمارات قادمة مع السياح من دول الخليج الى البوسنة، او غلق ابواب البلد بوجه هذه السياحة بسبب مخاوف تخص التفريط بخصوصية حياة الناس هنا في هذه الدولة الصغير التي مزقتها الحرب في التسعينيات، ومصدر المخاوف يأتي من سلوكيات جديدة جلبها معهم السياح، منها ما يتعلق بالدين والصلاة (في الهواء الطلق بالمنتجعات) بملابس قصيرة، او تلك التي تخص الطعام والشراب.
فحتى يتم استقطاب السياح المسلمين القادمين من الخليج، بادرت كثير من الفنادق والمطاعم وحتى الدكاكين بالامتناع عن بيع الخمور ولحم الخنزير وما شابه، حتى يواصل السياح اقبالهم على هذه الأماكن، ومثل هذه الخطوات في الامتناع عن بيع هذه المشروبات والأطعمة قد تستقطب اكبر عدد ممكن من السياح الى البوسنة، ما يعني أن الاموال القادمة معهم كسائحين يمكن استثمارها بصورة جيدة لاستعاد الاقتصاد البوسني عافيته.
بعض العاملين في السياحة البوسنية لا يرون مبررا في اعلان مواطنين من البوسنة عن مخاوفهم من هؤلاء القادمين بسلوكيات قد تغير طبيعة الحياة في هذا البلد الصغير، وبعضهم يرى في هذا التدفق السياحي مع الاموال فرصة لا يصح التفريط بها، خاصة ان البلد المتضرر من الحرب لا يزال يعاني من تلك الأضرار على الرغم من مضي اكثر من عقدين عليها.
لماذا يخشى بعض البوسنيين من السياح القادمين من الخليج؟؟ ثم لماذا هذا التدفق المضطرد للسياح على هذا البلد الأوربي الصغير؟.
شركات البوسنة السياحية تسعى لاستقطاب السياح
هناك بعض الخبراء في السياحة والاقتصاد لا يرون مبررا لهذه المخاوف، ولكن ما يجري في واقع الحياة البوسنية، والتغييرات التي تطرأ على حياتهم، واقبال السياح على امتلاك عقارات كثيرة في ربوع هذه الدولة، يجعلهم يعيشون في حالة من التوجس والتخوف من القادمين بأموالهم الى بلد صغير يريد أهله أن يعيشوا بسلام.
بعضهم أو الغالبية قد يفضلون الاقتصاد الهش على التغييرات التي قد يتسبب بها السياح القادمون من الخليج، ليس البوسنيون وحدهم يتخوفون من السياح، بل هنالك سياح خليجيون تتملكهم مخاوف شبيهة أيضا، فهؤلاء ايضا يخشون من تأثير بعض التقاليد الاوربية عليهم!.
وهكذا فإن المخاوف المتبادلة قد لا تصمد أمام الحاجة المتبادلة للطرفين، فالبوسنة تحتاج الى الأموال لتحريك وانعاش الاقتصاد وتفعيل الاسواق وبث الحياة في شرايين الاقتصاد التي شارفت على الجفاف وربما الموت، فهذه الحاجة القصوى قد تضرب بالمخاوف عرض الحائط.
من جانب آخر السياح الذين يفرون من بلدانهم الساخنة بسبب لفح الشمس، يجدون في ارض البوسنة مكانا مناسبا لدرء خطر الصيف عليهم، اضافة الى اسعار العقارات الرخيصة جدا، فضلا عن انخفاض اسعار الطعام والخضر، فالرخص الذي عليه الحياة هنا، يعطي اندفاعا اضافيا لتدفق السياح من الخليج على البوسنة.
منتجعات مناسبة في سراييفو
يستمتع عبد الله السنوسي بالنسيم العليل في منتجع راق على مشارف سراييفو حيث اشترت أسرته شقة هربا من حرارة الصيف في وطنه الكويت وهو واحد من آلاف المشترين العرب الجدد الذين تسببت استثماراتهم في حالة من الاستقطاب بالمجتمع المحلي. واكتشف الخليجيون جبال البوسنة التي يشكل المسلمون نصف سكانها عقب الربيع العربي الذي تسبب في حالة من عدم الاستقرار في وجهات تقليدية لتمضية العطلات مثل مصر وتونس.
وتزايد الاقبال على البوسنة مع زيادة عدد الرحلات المباشرة وبناء منتجعات جديدة وإلغاء القيود على تأشيرات السفر. ورحب الوكلاء العقاريون والشركات بالدعم الاقتصادي. لكن في دولة علمانية يعاقر مسلموها الخمور ويرتدون الملابس الغربية يساور البعض القلق من بناء السعوديين مركزا للتسوق لا تباع فيه الخمر ورؤية غطاء الوجة والجلباب العربي التقليدي.
وقال السنوسي (28 عاما) الذي يعمل بقطاع الإعلام في الكويت "يأتي الناس من الشرق الأوسط إلى هنا بسبب الطبيعة والطقس الجيد والأسعار الرخيصة للعقارات والسلع الأخرى." وتابع من شقته في منتجع أغلب سكانه من الخليجيين "يرى عدد كبير من المسلمين أنه مكان مناسب. يشعرون أنهم وسط أهلهم. يشعرون بالارتياح هنا."
هل يمتنع البوسنيون عن استقبال السياح من الخليج؟ لابد ان تكون هناك خسائر لمثل هذا الإجراء، ولكن الأموال التي تحصدها السياحة هنا، هي اموال لا تخلو من مرافقة الخوف لها، وهكذا يعيش الشعب البوسني وربما الحكومة بين نارين، أما الاستفادة من الأموال القادمة مع السياح مع التفريط بشيء من الخصوصية والطمأنينة، وأما قطع دابر هذه السياحة وخسارة الأموال والفرص الاستثمارية القادمة معها، وهكذا يكون أولي الأمر في البوسنة أمام خيارين متناقضين يحملان معهما الربح والخسارة مع بعض.
تزايد مضطرد لعدد السائحين
وشيدت المنتجع الذي افتتح العام الماضي شركة كويتية. وبحسب بيانات الفنادق الصادرة عن مجلس السياحة في سراييفو ارتفع عدد الزائرين من الإمارات العربية المتحدة إلى 13 ألفا في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي مقابل سبعة آلاف و265 زائرا في العام الماضي. وفي 2010 كان عدد الزوار من الإمارات 65 شخصا فقط بحسب رويترز.
ولا توجد هيئة سياحة وطنية في البوسنة وبيانات مشتريات الأراضي غير كاملة. وبحسب تقديرات غير رسمية يصل إجمالي عدد السائحين العرب إلى ما بين 50 و60 ألفا ويشتري نحو الربع عقارات. ويجلب الزائرون سيولة نقدية يحتاجها الاقتصاد الذي لم يتجاوز بعد آثار الحرب التي شهدتها البلاد في التسعينيات.
لكن عددا كبيرا من السكان المسلمين الذين يؤدون الصلاة في منازلهم أو المساجد فقط صدموا حين رأوا مجموعة من الرجال العرب يرتدون الجلباب يصلون في الهواء الطلق بمنتجع شهير لتمضية عطلة نهاية الأسبوع قرب سراييفو. واستاء البعض الآخر من مركز التسوق الذي شيد بتمويل سعودي ويحظر بيع الخمور ولحم الخنزير.
وقالت أمينة الصيدلية المسلمة من سراييفو وهي في الخمسينيات من عمرها "لست سعيدة بقدومهم. يساورني القلق من تأثيرهم على أبنائي إذا أقاموا هنا."
امتناع الفنادق عن بيع الخمور
في سياق آخر يتذكر كثيرون من سكان البوسنة المقاتلين العرب الذي قدموا لبلادهم لمساندتهم في قتال الصرب والكروات من عام 1992 إلى 1995 وجلبوا معهم تعاليم أكثر صرامة راقت للبعض ليتجه عدد منهم للقتال في سوريا والعراق في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي نهاية الحرب امتنع عدد من المطاعم والمقاهي في المدينة القديمة بالعاصمة التي ترجع للحقبة العثمانية عن بيع الخمور ولحم الخنزير ويقول السكان إنهما اختفيا من قوائم الأطعمة والمشروبات في مقاه أخرى بدأت تحذو نفس الحذو.
وكتب أسعد دوراكوفيتش أستاذ الدراسات العربية بجامعة سراييفو في مقال نشره موقع ديبو نيوز الشهر الماضي أن شراء الزوار الخليجيين للعقارات قد يضر بالتوازن الديني الدقيق في البوسنة.
وتابع "لا يتعلق الأمر بالسياح الذين يأتون ويذهبون لكن هناك من يقيمون بشكل دائم في ممتلكاتهم."
وأضاف أن هذا الأمر قد يؤجج رغبة الانفصال لدى صرب البوسنة الذين "لا يودون العيش في مسلمستان."
ويهون وكلاء السفر والعقارات من هذه المخاوف ويقولون إنه ينبغي الترحيب بالأموال كي يستعيد الاقتصاد عافيته موضحين أن الزائرين يأتون صيفا فقط هربا من حرارة الجو في بلادهم.
مخاوف قد تكون في غير محلها!
يرى بعض العاملين في قطاع السياحة في البوسنة، انه لا توجد مبررات لمخاوف البعض من السياحة، ويرى هؤلاء ان تدفق السياح من الخليج يعد فرصة لاستعادة الاقتصاد البوسني لعافيته بعد تأثيرات الحرب المدمرة في تسعينيات القرن الفائت.
فقد قال عبد العال مصطفي المدير العام لشركة اتش.آر هوليدايز التي مقرها السعودية "حقا لا أدري لماذا يشكك الناس في (الاستثمارات العربية) بدلا من الاستفادة منها.. أراه أمرا محزنا." ويريد الوكلاء أن تحسن الدولة التشريعات لتشجيع عدد أكبر من الزائرين والمستثمرين على القدوم إلى البوسنة.
وقال طارق برجاق المدير التنفيذي لرواسي العقارية الكويتية "القوانين تعرقل أموالا كثيرة." وتشيد شركته مجمعا سكنيا بتكلفة 25 مليون يورو عند سفح جبل إجمان قرب سراييفو سيضم 246 وحدة سكنية بحسب رويترز.
ويقول ميرسادا جوستفسيتش الذي يبيع العسل وعصير التوت قرب المنتجع الذي تقيم فيه أسرة السنوسي في سراييفو إنه لا يرى سببا لكل هذه الضجة. ويضيف بينما يتجول زائرون عرب بين أكشاك يبيع فيها مزارعون محليون منتجاتهم "لا مانع عندي في مجيء العرب. لا أعرف ماذا يثير ضيق الناس. الحياة في هذا البلد صعبة ونتطلع لكسب مزيد من المال."
اضف تعليق