ملف النفط في العراق وفي ظل ما تشهده البلاد من ازمات ومشكلات امنية وسياسية واقتصادية، لا يزال من اهم واخطر الملفات الخلافية التي اسمت بشكل واضح وكما يقول بعض المراقبين في تخريب اقتصاد هذا البلد، الذي يعتمد كثيرا على صادرات النفط التي تشكل اكثر من 94% من مجموع العائدات، هذه الازمة تفاقمت بعد تراجع اسعار النفط في الاسواق العالمية وهو ما أثر على قطاع النفط الذي يعاني اليوم من مشكلات صعبة ومشاريع متعثرة، ولعل أهمها هو الخلاف المستمر بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان حول هذا الملف.

حيث يرى بعض الخبراء ان حكومة الاقليم، تسعى الى خلق المشاكل والمعوقات في سبيل تأمين حصصها المالية من بيع النفط المنتج بمعزل عن الحكومة الاتحادية، التي عدها البعض حكومة تابعة وضعيفة امام رغبات وطموحات حكومة كردستان التي أصبحت أكثر قوة في فرض قراراتها وآرائها من خلال الاستفادة من الاحداث والازمات التي يمر بها العراق وبتالي الحصول على مكاسب وتنازلات جديدة، كان اخرها الخلافات بين بغداد واربيل بشأن الاتفاق النفطي الذي اعقب حكومة المالكي والذي عده الكثير خطوة ايجابية ومهمة في تحسين العلاقات بين الخصوم.

من جانب آخر يقول بعض الخبراء ان الحكومة العراقية واذا بقيت في مسارها وخططها الحالية، ربما ستتعرض الى مشكلات اقتصادية خطيرة في المستقبل القريب، خصوصا وانها قد اعتمدت خطط لتنفيذ سياسة التقشف من أجل تجنب الازمة المالية، هذا بالإضافة الى انها تعتمد ايضا على الدعم المالي البسيط المقدم من جهات اخرى منها البنك الدولي الذي يقدم الدعم المالي المشروط، مبينة على رفع الدعم وزيادة اجور الخدمات التي ستثقل كاهل الشعب العراقي الذي قدم الكثير من التضحيات والدماء الطاهرة في حربة الاخيرة ضد تنظيم داعش الارهابي.

ازمة المركز وحكومة الاقليم

وفي هذا الشأن قال وكيل شحن إن العراق أبلغ ميناء جيهان التركي بإلغاء كل تحميلات خام كركوك بسبب نقص النفط بعد أن زاد إقليم كردستان العراق المبيعات المستقلة. ورفع إقليم كردستان شبه المستقل المبيعات المستقلة في يونيو حزيران وخفض الكميات المخصصة لشركة تسويق النفط العراقية (سومو) وسط نزاع بشأن حقوق التصدير ومدفوعات الميزانية. ووفقا لقوائم الشحن ألغت شركات منها إيني وسوكار وريبسول وبي.بي شحنات.

وقال وكيل الشحن في مذكرة إلى العملاء "سومو بغداد أرسلت تعليمات إلى الميناء بأن كل المخصصات قد ألغيت." وقال مصدر تجاري إن شركة التسويق العراقية خاطبت أيضا مشتري الشحنات حيث طلبت منهم إلغاءها في حين قال مصدر تجاري ثان إن شركته تلقت إخطارا بعدم تخصيص أي كميات في المستقبل المنظور. ولم يصدر تعليق رسمي عن سومو لكن مصدرا بقطاع النفط في بغداد قال إنه يأمل أن تستأنف الصادرات قريبا.

وقال مصدر نفطي عراقي مطلع "نعم حدثت إلغاءات - لمعظم الشحنات في الوقت الحالي لكن نأمل أن يستأنف التصدير في المستقبل القريب." ومنذ منتصف يونيو حزيران باع إقليم كردستان ما لا يقل عن 12 مليون برميل من النفط من جيهان بحسب بيانات الشحن وتجار مقارنة مع خمسة ملايين برميل خصصها لسومو في أوائل يونيو حزيران قبل أن تتوقف تلك الكميات تقريبا. بحسب رويترز.

من جهة اخرى قال المتحدث باسم حكومة الإقليم سفين دزيي في بيان خاص تناقلته بعض وسائل الاعلام المحلية إن "حكومة الإقليم ملزمة بحل مشاكلها حسب قانون رقم 5 لعام 2013 الصادر عن برلمان كردستان"، مؤكداً أن "تصدير النفط بشكل مباشر للأسواق العالمية سيكون من أولويات الحكومة من اجل تغطية العجز في ميزانية الإقليم وحل هذه الأزمة". وأضاف دزيي، إن "شركات النفط العالمية أبدت موقفاً جدياً في التعاون مع إقليم كردستان لتصدير النفط الخام بشكل مباشر"، مبيناً أن "التصدير المباشر للنفط من الإقليم سيوفر أكثر من 90% من احتياجاته".

وأشار دزيي، إلى أن "الأحزاب والقوى السياسية المشتركة في حكومة الإقليم والكتلة الكردية في مجلس النواب العراقي أيدت ودعمت حكومة الإقليم في إيجاد حلول للقضاء على الأزمة المالية"، لافتاً إلى أن "احتياجات الإقليم لتوفير الرواتب والمصاريف الأخرى تصل إلى ما يقرب من مليار دولار شهرياً". وتابع دزيي، أن "تصدير النفط بشكل مباشر سيوفر مبلغ 800-900 مليون دولار، إضافة إلى الدخل المحلي الذي یساعد في سد باقي الاحتياجات"، مشيراً إلى أن "التغطية الكاملة لاحتياجات الإقليم بحاجة لمزيد من الوقت".

وشدد دزيي، إن "الأزمة المالية في الإقليم تسببت في إيقاف أكثر من ستة آلاف مشروع بميزانيات وأحجام مختلفة، إضافة إلى تباطؤ في حركة الأسواق في الإقليم مما سبب الكثير من المشاكل المالية للمقاولين". وكان رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني حذر، من انهيار اقتصادي كبير قد يحدث في الاقليم بسبب القتال ضد (داعش) ووجود أكثر من مليون نازح على اراضيه، وفيما أشار إلى أن الإقليم قدم مقترحاً لاتفاق نفطي جديد بين الطرفين، أكد أن الاتفاقية النفطية بين الطرفين غير مناسبة حالياً لكردستان. واكد رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني، إن مسألة رئاسة إقليم كردستان لا تتعلق بشخص أو حزب واحد، ودعا القوى الكردستانية إلى التفاوض لحلها ، فيما أشار إلى وجود محاولات لتوقيع اتفاقية جديدة مع بغداد.

وكان التحالف الوطني قرر، يوم الثلاثاء (7 تموز 2015)، تشكيل لجان مختصة مع الحكومة لمتابعة "الانتكاسة" التي تعرضت لها الاتفاقية النفطية بين بغداد واربيل وشحة الاطلاقات المائية في البلاد، وفيما أكد ضرورة متابعة هذه الموضوعات لأهميتها وخطورتها، اشار إلى أهمية تسريع تنفيذ العقود الموقعة مع الجهات الدولية لتحرير المناطق المحتلة من تنظيم (داعش). وتتهم اربيل بغداد، بعدم تطبيق بنود الاتفاقية النفطية بين الجانبين وعدم توفير الموازنة الكاملة للإقليم مع تهديدات ببيع النفط مباشرة من دون الرجوع الى الحكومة المركزية، مع تأكيدات من المركز بضرورة تطبيق الاتفاقية بين العاصمة والإقليم.

وأكد وزير النفط عادل عبد المهدي في وقت سابق، أن اتفاق بغداد واربيل مازال "صامداً وقائماً"، وأشار إلى أن الاتفاق "غير نهائي ولا يمكن الاعتماد عليه"، وفيما عزا أسباب الخلافات بين وبغداد والمحافظات وإقليم كردستان إلى عدم إقرار قانون النفط والغاز، حذر من ازدياد الثغرات في الاتفاق النفطي بين الإقليم والمركز في حال عدم إقراره والاتفاق على التفاصيل. وكانت الحكومتان المركزية وإقليم كردستان اتفقتا في (الثاني من كانون الأول 2014)، على تخصيص جزء من تخصيصات القوات البرية العراقية الاتحادية إلى قوات البيشمركة، وتسليم حكومة إقليم كردستان 250 ألف برميل من النفط يومياً إضافة إلى تصدير العراق 300 ألف برميل يومياً من نفط كركوك. فيما تضمن الاتفاق أيضاً منح ترليون و200 مليار دينار لقوات البيشمركة وتخصيص نسبة من موازنة وزارة الدفاع لها.

استقرار انتاج النفط

الى جانب ذلك فمن المرجح أن يظل إنتاج النفط العراقي مستقرا في العام 2015 في الوقت الذي تكافح فيه بغداد للتصدي لانخفاض أسعار الخام الذي قلص إيرادات الحكومة وأجبر البلد العضو بمنظمة أوبك على إعادة التفاوض بشأن عقود خدمات مع شركات نفط كبرى. ويقول مسؤولون تنفيذيون بشركات وخبراء بالسوق إن زيادة إنتاج الخام في العام القادم ستكون أشد صعوبة إذا بقيت الأسعار منخفضة وفشلت بغداد في سداد مستحقات شركات النفط أو إقرار خطط تطوير حقول في الوقت المناسب.

وتقول مصادر بالقطاع إن موافقة بغداد على عطاءات لبناء منشآت جديدة لمعالجة الخام تأجلت بالفعل لما يصل إلى ستة أشهر في بعض الحقول الجنوبية الرئيسية. وطلبت بغداد من شركات نفط أجنبية منها بي.بي ورويال داتش شل وإكسون موبيل وإيني ولوك اويل تعديل خططها لتطوير الحقول بدراسة تأجيل مشروعات جديدة وتأخير مهام التزمت بها بالفعل. ويقول المسؤول التنفيذيون إن هذا قد يؤدي إلى تباطؤ الإنتاج عما كان متوقعا في البداية.

وقال مسؤول تنفيذي يعمل في جنوب العراق "الأولوية الآن هي للحفاظ على استقرار الإنتاج. لن تكون هناك زيادة تدريجية في 2015 أو حتى 2016." وأضاف "من أين؟ بالتأكيد ليس من الجنوب. فمن سيزيد (الانتاج)؟" وتهدف بغداد لإنتاج أربعة ملايين برميل يوميا بنهاية ديسمبر كانون الأول ويشمل ذلك إنتاج الخام من المنطقة الكردية بشمال البلاد. لكن اتفاقا لتصدير النفط بين بغداد وحكومة اقليم كردستان يعاني من اضطراب بالفعل نظرا لأن التدفقات من المنطقة الكردية أقل من المستوى المتفق عليه وبسبب تأخر سداد المستحقات أيضا.

ويعني هذا أن أي زيادة في الإنتاج ستأتي من الحقول الجنوبية الكبيرة التي تطورها شركات النفط الكبرى. وقال مسؤول تنفيذي آخر "أربعة ملايين (برميل يوميا) هو حلم بعيد المنال. لن يحدث هذا أبدا." وتقول الشركات الأجنبية- التي تشكو بالفعل من قيود تتعلق بالبنية التحتية وبطء عملية الحصول على الموافقات لتطوير الحقول- إنها لا ترى فرصة تذكر لزيادة الإنتاج العراقي في العام الحالي أو القادم. وطلب من بعض تلك الشركات خفض الإنتاج بسبب عراقيل في طريق الصادرات ومشكلات تتعلق بجودة الخام.

وقال مايكل تاونسند رئيس بي.بي الشرق الأوسط "لا أتوقع أن يشهد 2016 قفزة كبيرة (في الإنتاج). أعتقد أنها في الأغلب ستكون أكثر تدرجا." وأضاف "العراق يمر باضطرابات بشأن حجم الميزانية التي يمكنه إنفاقها لأن كل دولار ننفقه نسترده وينبغي أن يتوافق ذلك مع ميزانيتهم أيضا." وأضاف أنه يتوقع استقرار الإنتاج من حقل الرميلة -الأكبر في البلاد- عند مستواه الحالي 1.4 مليون برميل يوميا. ويبلغ انتاج العراق حاليا حوالي 3.3 مليون إلى 3.4 مليون برميل يوميا.

وتسبب انخفاض أسعار النفط العالمية بنحو النصف منذ الصيف الماضي في أن تدفع بغداد للشركات أكثر كثيرا مما كانت ستدفعه بموجب عقود تقاسم الإنتاج المتبعة في مناطق أخرى. وتعمل الشركات الدولية في حقول جنوب العراق بموجب عقود خدمات تستند حاليا إلى سعر ثابت بالدولار لكميات الإنتاج الإضافي وهي آلية أدت إلى تضخم فواتير بغداد مع انهيار إيرادات الخام. وقال غاتي الجبوري النائب الأول لرئيس لوك اويل اوفرسيز إن الشركة - التي تدير حقل غرب القرنة 2- تلقت طلبا بخفض الإنتاج بأكثر من 50-75 ألف برميل يوميا بسبب اختلافات في جودة الخام من الحقول الجنوبية. وقال الجبوري "لا أتوقع انخفاض انتاج العراق أبدا لكن أتوقع تباطؤا في نمو الإنتاج في العراق (في 2016-2017) وسيكون هذا نتيجة تأجيل مشروعات إذا لم تتمكن ميزانية العراق من تمويلها."

على صعيد متصل تفيد بيانات لتحميلات السفن ومصدر بقطاع النفط أن متوسط صادرات العراق من الخام بلغ 3.20 مليون برميل يوميا منذ بداية يونيو حزيران لتتجه شحنات ثاني أكبر منتج في أوبك صوب مستوى قياسي مرتفع. ويسلط ارتفاع صادرات العراق الضوء مجددا على تركيز الأعضاء الرئيسين بمنظمة البلدان المصدرة للبترول على حماية حصصهم السوقية لا كبح المعروض لدعم الأسعار. وبحسب بيانات شحن وتصريحات مصدر بالقطاع بلغ متوسط الصادرات من المرافئ الجنوبية للعراق ثلاثة ملايين برميل يوميا في الخمسة عشر يوما الأولى من يونيو حزيران ارتفاعا من 2.69 مليون برميل يوميا في مايو أيار بأكمله. بحسب رويترز.

وقفزت الشحنات بعد قرار العراق تقسيم الخام إلى صنفي البصرة الثقيل والبصرة الخفيف لحل مشاكل تتعلق بالجودة. وقام بعض الشركات العاملة في حقول النفط العراقية بزيادة الإنتاج إثر تلك الخطوة. وقال غاتي الجبوري النائب الأول للرئيس في لوك أويل أوفرسيز خلال مؤتمر في لندن عن صناعة النفط العراقية "الآن وبعد بدء تصدير خام البصرة الثقيل لم يعد هناك ما يكبح إنتاجنا." وتتولى لوك أويل تشغيل حقل غرب القرنة 2 في العراق. وتنتج الحقول الجنوبية معظم نفط العراق. وتقع تلك الحقول بعيدا عن مناطق سيطرة تنظيم داعش وتواصل الضخ رغم الصراع الدائر في البلاد.

تصنيف سيادي

من جانب اخر قال وزير المالية العراقي هوشيار زيباري إن بلاده تسعى للحصول على تصنيف سيادي وتتواصل مع وكالات التصنيف الائتماني فيما تستعد لاصدار سندات ضخم بقيمة خمسة مليارات دولار مطلوبة لتغطية عجز الميزانية الناجم عن انخفاض أسعار النفط. وقال زيباري "بدأنا العملية. تسعى البنوك أيضا لمساعدتنا في هذا الاتجاه."

وقد أعلن العراق أنه سوف يصدر سندات بقيمة خمسة مليارات دولار في أول اصدار له في سوق السندات الدولية منذ تسع سنوات. والعراق في أمس الحاجة إلى السيولة إذ توقعت الحكومة أن يصل العجز هذا العام لنحو 25 في المئة من حجم الميزانية البالغ 100 مليار دولار تقريبا. والحصول على تصنيف سيادي من وكالة ائتمان كبرى وهو ما يفتقر اليه العراق حاليا قد يساعد في اقناع مديري الصناديق العالمية والبنوك الدولية في الاكتتاب في السندات.

وذكر زيباري أن العراق يسعى للتواصل مع اثنتين أو ثلاث من مؤسسات التصنيف الائتماني لكنه لم يسمها. ويناقش العراق خطة اصدار السندات مع سيتي بنك ودويتشه بنك. وعملية الحصول على تصنيف ائتماني قد تكون حساسة بالنسبة للعراق إذ سيضطر لفتح دفاتره أمام هذه المؤسسات ويكشف عن ميط اللثام عن معلومات جديدة بشأن ماليته العامة. ولم يفصح زيباري عن الموعد الذي يتوقع فيه استكمال العملية.

ومن المتوقع أن تجتذب احتياطيات العراق النفطية الضخمة -التي لم تصل اليها يد تنظيم داعش- مشترين لهذا الطرح. لكن كثيرين من مديري الصناديق يعتقدون أن بغداد ستواجه صعوبة في بيع خمسة مليارات دولار في فترة قصيرة حتى لو كان التسعير سخيا. وردا على ما إذا كان رقم خمسة مليارات طموحا للغاية قال زيباري "لدينا في الميزانية التزام باصدار ستة مليارات. بالتالي هذا هو الحد الأدنى هذه هي خطتنا لسد العجز. لكن ليس هناك سبيل لاصدارها في شريحة واحدة." بحسب رويترز.

وللعراق اصدار قائم من السندات الدولارية يستحق في عام 2028 ودفعت موجة بيع مذعورة اواخر العام الماضي مع تهاوي أسعار النفط العائد على هذه السندات إلى الارتفاع لمستوى قياسي عند 10.49 في المئة من نحو 7.2 بالمئة في سبتمبر أيلول. لكن العائد تراجع منذ ذلك الحين إلى 8.04 في المئة. والى جانب اصدار سندات دولية اتخذ العراق أو يعتزم اتخاذ اجراءات مالية اخرى بينها اصدار سندات بالعملة المحلية للبنوك وفرض ضرائب على بعض السلع الاستهلاكية وخفض المرتبات في القطاع العام. كما يبحث طلب مساعدة من صندوق النقد الدولي.

اضف تعليق