في سوق تتغير فيه أسعار الأسهم بثوانٍ، وتصبح حركة المؤشرات أشبه بالأمواج العاتية، اتجهت بلقيس موسى داخل إلى الذكاء الاصطناعي كمرشد لفهم هذه الفوضى المنظمة. تحاورت معها لنكتشف كيف يمكن لخوارزميات التعلم العميق أن تفك شفرة بيانات السوق العراقية، وتحول تقلباته إلى رؤى قابلة للتطبيق...

في سوق تتغير فيه أسعار الأسهم بثوانٍ، وتصبح حركة المؤشرات أشبه بالأمواج العاتية، اتجهت بلقيس موسى داخل إلى الذكاء الاصطناعي كمرشد لفهم هذه الفوضى المنظمة. تحاورت معها لنكتشف كيف يمكن لخوارزميات التعلم العميق أن تفك شفرة بيانات السوق العراقية، وتحول تقلباته إلى رؤى قابلة للتطبيق.

خلال الحوار، كشفت بلقيس عن التحديات الحقيقية: من جمع البيانات عبر سنوات من التقلبات إلى تكييف الخوارزميات مع سوق ناشئ، مروراً بدمج المؤشرات الفنية التقليدية مع قدرة الذكاء الاصطناعي على التعلم العميق، وصولاً إلى آليات دعم القرار الاستثماري دون استبعاد الدور البشري الرقابي.

هذا الحوار لا يقدم مجرد نتائج بحث، بل رحلة متكاملة في فهم السوق، واختبار حدود الذكاء الاصطناعي، واستشراف مستقبل الاستثمار الذكي في العراق، حيث تلتقي البيانات مع القرار في أجواء من الدقة والتحدي.

بدايةً، من المعلوم أن التنبؤ بحركة أسعار الأسهم يعد تحدياً قديماً يعرف في الأوساط المالية بـ"صعوبة التنبؤ". ما هو التحدي الأكثر جوهرية الذي واجهكِ في محاولة "تطويع" خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتجاوز هذه الفرضية في بيئة سوق العراق للأوراق المالية تحديداً، والتي قد تتسم بتقلبات خاصة؟

لم يكن التحدي في إثبات قدرة الذكاء الاصطناعي أو تطويعها على التنبؤ بحد ذاته، بل في تكييف هذه الخوارزميات مع بيئة سوق ناشئة، بما يحقق توازناً بين الدقة التنبئية والواقعية الاقتصادية، ويجعل النتائج قابلة للتطبيق العملي وليس مجرد تفوق عددي في مؤشرات الأداء والتحدي الأكبر كان في صعوبة جمع البيانات حيث اعتمد البحث على اخذ 1000 مشاهدة لكل شركة من الشركات عينة البحث والبالغ عددها 10 شركات وكذلك قلة التداول لبعض الشركات مما استدعى النزول من عام 2024 إلى عام 2012 للحصول على 1000 مشاهدة وبعض شركات العينة استبدلناها بشركات أخرى بسبب قلة تداولها خاصة في فترة كورونا كاد أن يكون التداول معدوم ولم نحصل على العدد المطلوب من المشاهدات.

اعتمدت الدراسة على مقارنة نماذج قوية مثل الشبكات العصبية ذات التغذية الأمامية العميقة (FDLNN) وخوارزمية آلة المتجهات الداعمة (SVM) ما هو المنطق العلمي الدقيق وراء اختيار هذين النموذجين للمقارنة؟ وما الذي يضيفه التعلم العميق (Deep Learning) - المتمثل في FDLNN - كقيمة نوعية لا تستطيع خوارزميات التعلم الآلي "السطحية" مثل SVM توفيرها في سياق تحليل بيانات السوق المالي المعقدة؟

تم اختيار FDLNN لأنها أكثر ملاءمة للتعامل مع عدم الكفاءة السوقية والتقلبات الحادة. لما لها من قدرة على استيعاب تداخل الإشارات وضعف البنية الخطية في البيانات، وهو ما يميز بيانات سوق العراق للأوراق المالية تحديداً. والقيمة النوعية التي يضيفها التعلم العميق ممثلاً بـFDLNN، تكمن في تحسين مؤشرات الدقة، وتم اختيار SVM بوصفها أحد أكثر نماذج التعلم الآلي التقليدية نضجاً واستقراراً في التطبيقات المالية ولها قدرة عالية على التعامل مع العينات المحدودة، وهو أمر مهم في سوق يعاني من فترات ركود وقلة التداول. جاء اختيار FDLNN لتمثيل منهج التعلم العميق (Deep Learning)، وذلك لما توفره من خصائص نوعية تتجاوز ما تقدمه النماذج التقليدية وعليه، فإن مقارنة FDLNN مع SVM كانت مقارنة بين فلسفتين في التعلم: فلسفة تعتمد على الضبط الرياضي الصارم والاستقرار، وأخرى تعتمد على العمق والقدرة التكيفية.

 لم تكتفِ الدراسة بالذكاء الاصطناعي وحده، بل دمجت مؤشرات التحليل الفني الكلاسيكية مثل (MACD) و (MFI) كيف أثر دمج هذه المؤشرات "المعلنة" مع القدرة الحسابية الفائقة للذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التنبؤ؟ وهل يفتح هذا الدمج باباً جديداً للتحليل المالي يجمع بين الخبرة البشرية (في اختيار المؤشرات) والقدرة الآلية؟

إن هذه المؤشرات تمثل خلاصة خبرة بشرية تراكمية في توصيف سلوك السوق. فقد استخدمت في هذا البحث كمدخلات كمية استطاعت الخوارزميات استغلالها لاكتشاف علاقات غير خطية وأنماط خفية لا يمكن ملاحظتها بالتحليل التقليدي وحده، مما انعكس إيجاباً على دقة التنبؤ واستقراره. كما أتاح هذا التكامل تقليل الضوضاء في البيانات الخام، يفتح هذا الدمج بالفعل باباً جديداً للتحليل المالي يقوم على التكامل بين الخبرة البشرية في اختيار المؤشرات ذات الدلالة الاقتصادية، والقدرة الآلية في معالجتها وتعلّم أنماطها المعقدة، بدلاً من استبدال أحدهما بالآخر.

 توصلتِ إلى نتيجة مفادها تفوق نموذج (FDLNN) على خوارزمية (SVM) في دقة التنبؤ بإشارات البيع والشراء. ما هي الآلية الجوهرية والفريدة التي مكنت FDLNN من الحفاظ على "قدرة عالية في الفصل بين فئات الشراء والبيع والاحتفاظ" بدقة أكبر، خاصةً في بيئة متقلبة؟

الآلية الجوهرية التي مكنت نموذج FDLNN من التفوق على خوارزمية SVM في الفصل بين فئات الشراء والبيع والاحتفاظ تتمثل في قدرته على التعامل مع مجموعات بيانات حقيقية رقمية معقدة وضخمة من Stock Market ويدعم قرارات تصنيفية وانحداريه. ويوفر أدوات تحسين مثل اختيار دالة التنشيط، وتقليل دالة الخسارة ويعتمد على مبدأ التعلم العميق أي أنه يتعلّم من السوق على مراحل متعددة، وليس من مستوى واحد فقط مثل SVM. كما له القدرة على توليد المؤشرات الفنية لزيادة الدقة ويستخدم أساليب اختيار الميزات لتحسين نتائج التنبؤ.

أشرتِ إلى أن أداء نموذج FDLNN تفاوت بين الشركات المُدرجة، مرجعة ذلك إلى "طبيعة بيانات كل شركة". ما هي أبرز الفروقات في "طبيعة البيانات" هل هي السيولة، أم التقلب، أم عوامل أخرى التي جعلت النموذج أكثر كفاءة في التنبؤ بسهم شركة معينة دون الأخرى؟ وكيف يجب على المحلل المالي فهم هذا التباين؟

بالتأكيد كل هذه العوامل السيولة والتقلب وتذبذب التداول من شركة إلى أخرى فالشركات ذات التداول المنتظم وأحجام الصفقات المرتفعة توفر بيانات أكثر استقراراً واستمرارية، مما يساعد النموذج على تعلّم أنماط سعرية واضحة. في المقابل، يؤدي ضعف السيولة والانقطاعات في التداول إلى تشويه السلاسل الزمنية وإضعاف القدرة التنبئية. والشركات ذات السيولة العالية والتداول المنتظم تكون أسهل في التنبؤ لأن حركتها أوضح. أما الأسهم قليلة التداول أو شديدة التقلب فتكون إشاراتها غير مستقرة، مما يقلل دقة التنبؤ. وعلى المحلل المالي أن يفهم هذا التباين بوصفه اختلافاً في سلوك الأسهم ويستخدم النموذج كأداة مساعدة لا كحكم نهائي.

ذكرتِ أن مصفوفة الالتباس هي الأداة الأهم لتقييم أداء نماذج التصنيف. ما هي القراءة الأكثر قلقاً أو الخطأ الأكثر تكلفة الذي كشفت عنه هذه المصفوفة في نتائج نموذجك؟ بمعنى آخر، ما هو نوع "التنبؤ الخاطئ" الذي يجب على المستثمر الانتباه إليه بشكل خاص عند استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي؟

تُعد مصفوفة الالتباس من أهم الأدوات الإحصائية لتقييم أداء نماذج التصنيف، حيث تقدم تفصيلاً دقيقًا لكفاءة الأنموذج في التمييز بين الفئات المستهدفة (شراء، احتفاظ، بيع) وأكثر قراءة مقلقة كشفت عنها مصفوفة الالتباس هي حالات تصنيف إشارة البيع على أنها شراء، لأنها تمثل الخطأ الأعلى كلفة من منظور استثماري. فهذا النوع من الخطأ يدفع المستثمر إلى الدخول في السوق في توقيت غير مناسب، ما قد يؤدي إلى خسائر مباشرة عند هبوط السعر بدلاً من الاستفادة من الارتفاع المتوقع. أما الأخطاء الأخرى، مثل تصنيف الاحتفاظ كبيع أو العكس، فعادةً ما تكون أقل خطورة لأنها لا تدفع إلى قرار استثماري حاد. لذلك ينبغي على المستثمر الانتباه إلى أنه ليست كل الأخطاء متساوية في تأثيرها، وأن أخطرها هو الخطأ الذي يولّد إشارة دخول خاطئة، حتى وإن كانت الدقة الكلية للنموذج مرتفعة.

بما أن الهدف الأسمى للبحث هو دعم القرارات الاستثمارية، كيف يمكن للمستثمر الفرد أو مدير الصندوق في سوق العراق للأوراق المالية أن يستفيد عملياً ومباشرة من مخرجات نموذجك (FDLNN) قبل اتخاذ قرارات الشراء أو البيع؟ هل يجب أن يكون الاعتماد على التوصية الآلية مباشراً، أم بحاجة إلى مرشحات بشرية؟

يمكن للمستثمر استخدام مخرجات نموذج FDLNN كإشارات تساعده على معرفة متى يشتري أو يبيع، خاصة في توقيت القرار. لكن لا يُنصح بالاعتماد عليها بشكل كامل ومباشر يجب مقارنتها مع الأخبار، والسيولة، ووضع السوق العام لذلك فالدور الأفضل للنموذج هو دعم القرار الاستثماري وليس استبدال خبرة المستثمر.

أوصيتِ بـ"ضرورة عدم الاعتماد الكامل" على هذه التقنيات. ما هي المخاطر الكامنة العميقة في الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ، والتي دفعتك إلى وضع هذا التحذير الجوهري؟ وهل يتعلق الأمر بـ"الأحداث المفاجئة" (Black Swan Events) التي تقع خارج نطاق ما يمكن للخوارزميات تعلمه من البيانات التاريخية؟

نعم، إن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى قرارات غير مدروسة في لحظات التحول الحاد، مما يبرر ضرورة الإبقاء على الدور البشري الرقابي إلى جانب الأدوات الذكية. بسبب وجود مخاطر جوهرية لا تستطيع الخوارزميات تجاوزها مهما بلغت دقتها. وأهم هذه المخاطر أن النماذج تتعلم فقط من البيانات التاريخية، وبالتالي تعجز عن التنبؤ بـالأحداث المفاجئة وغير المتوقعة (Black Swan Events) مثل الأزمات السياسية أو القرارات الحكومية المفاجئة، وهي مؤثرة بشدة في سوق العراق للأوراق المالية.

أوصيتِ بإدخال متغيرات الاقتصاد الكلي مثل أسعار الفائدة والصرف في البحوث المستقبلية. هل إغفال هذه المتغيرات في البحث الحالي قلل من دقة التنبؤ على المدى الطويل في السوق؟ وهل أنتِ واثقة من قدرة نماذج التعلم العميق مثل (FDLNN) على معالجة هذا التعقيد الإضافي بنجاح؟

عدم إدخال متغيرات الاقتصاد الكلي مثل أسعار الفائدة وسعر الصرف لم يؤثر كثيراً على التنبؤ قصير الأجل الذي اعتمده البحث، لكنه قد يقلل من الدقة على المدى الطويل لأنها تؤثر في اتجاه السوق العام. وقد تم استبعادها لتحديد نطاق البحث والتركيز على البيانات السعرية والمؤشرات الفنية. وبشكل عام، نماذج التعلم العميق مثل FDLNN قادرة على التعامل مع هذه المتغيرات الإضافية. لكن ذلك يتطلب بيانات دقيقة وتصميماً مناسباً للنموذج في الدراسات المستقبلية. حيث أن نموذج FDLNN قابل للتعديل والتطوير ليشمل متغيرات جديدة، سواء كانت مؤشرات اقتصادية كبرى أو بيانات إضافية للسوق.

ما هي الآلية العملية التي يمكن لوزارة المالية أو الجهات الرقابية في سوق الأوراق المالية العراقية أن تتبعها لتؤسس فرق عمل لمراقبة وتحليل أداء نماذج الذكاء الاصطناعي، كما أوصيتِ؟ وهل يجب أن تكون هذه النماذج جزءاً من أدوات "الرقابة الاحترازية" لمتابعة وتقييم المخاطر في السوق؟

يمكن لوزارة المالية أو الجهات الرقابية تأسيس فرق عمل تضم خبراء ماليين، محللي بيانات، ومتخصصي ذكاء اصطناعي لمراقبة نماذج التنبؤ. تقوم هذه الفرق بمراجعة أداء النماذج بشكل دوري، مثل مقارنة التنبؤات بالنتائج الفعلية وتحليل الأخطاء الكبيرة. ويجب أن تكون هذه النماذج جزءاً من أدوات الرقابة الاحترازية للكشف المبكر عن المخاطر وتقلبات السوق. مثل هذا الإجراء موجود في بعض الأسواق المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، واليابان، حيث تعتمد الهيئات الرقابية على فرق متخصصة لمراقبة نماذج التداول والخوارزميات المستخدمة في الأسواق المالية. بهذه الطريقة، تساعد النماذج في دعم القرار الرقابي وليس استبدال الدور البشري.

أخيراً، بناءً على خلاصة رسالتكِ العلمية، إذا أمكنكِ توجيه رسالة واحدة إلى الدولة والشركات العاملة في العراق، فما هي الرسالة التي تحملها هذه الدراسة لدعم التنمية الاقتصادية في البلاد عبر تبني هذه التقنيات؟

إن تقنيات الذكاء الاصطناعي لم تعد أداة تقنية أو ترفيهية بل هي ضرورة منهجية وعلمية فيجب على كل دولة أو شركة تسعى للتقدم تبني هذه التقنيات التي تمثل المستقبل في جميع المجالات، ومواكبة التطور التقني الرهيب الحاصل في العالم والاستفادة من هذه التقنيات التي وجدت من اجل تسهيل المهام في جميع القطاعات، والاستثمار هو دعم للتنمية الاقتصادية لذلك الاستثمار في الذكاء الاصطناعي هو استثمار في استقرار السوق، وكفاءة القرار، ونمو الاقتصاد الوطني فالذكاء الاصطناعي يمثل مستقبل تداول الأسهم والاستثمار الذكي.

في نهاية هذا الحوار الغني بالأفكار والرؤى، نتقدم بجزيل الشكر للباحثة بلقيس موسى داخل على الوقت والجهد الذي خصصته لتوضيح تفاصيل بحثها العلمي ومشاركة رؤاها حول دور الذكاء الاصطناعي في سوق الأوراق المالية. مساهمتها تمثل إضافة قيمة لفهم العلاقة بين التكنولوجيا والاستثمار في العراق، وتشكل مصدر إلهام للباحثين والمستثمرين على حد سواء.

اضف تعليق