q
اقتصاد - تنمية

ست خطوات لإصلاح المؤسسات الخدمية

قليل من الحديد، وقليل من التكنولوجية

المؤسسات الحكومية الخدمية أضحت شبه عاجزة عن أداء وظائفها الخدمية، من حيث توفير الخدمة، ومن حيث استدامتها، ومن حيث تحسين جودتها، على مستوى الحكومة الاتحادية، وعلى مستوى الحكومة الإقليمية، وعلى مستوى الحكومات المحلية. والسكان المحليون يعبرون-بشكل مستمر- عن امتعاضهم من سوء تلك الخدمات، ونتائج ذلك...

لا شك أن المؤسسات الحكومية الخدمية أضحت شبه عاجزة عن أداء وظائفها الخدمية، من حيث توفير الخدمة، ومن حيث استدامتها، ومن حيث تحسين جودتها، على مستوى الحكومة الاتحادية، وعلى مستوى الحكومة الإقليمية، وعلى مستوى الحكومات المحلية. والسكان المحليون يعبرون-بشكل مستمر- عن امتعاضهم من سوء تلك الخدمات، ونتائج ذلك واضحة في المظاهرات والاعتصامات في بغداد والمحافظات في الآونة الأخيرة.

إن مشكلة المؤسسات الحكومية، ومؤسسات خدمة المواطن بالتحديد، هي مشكلة معقدة؛ ومركبة؛ ومتداخلة؛ ومتخمة، مشكلة تتكون من سوء التخطيط، وضعف الإدارة، وفقدان المتابعة، وانعدام التقييم والتقويم، وكثرة الموظفين، وإهمال الواجبات الأساسية، واستغلال للوظيفة، والمحاباة والمحسوبية، وأخذ الرشوة، والابتزاز، وعدم احترام المواطن، وقصد إذلاله بطرق ووسائل مختلفة. ولا تحديد للخدمة، ولا بيان مدة إنجاز ها، ولا رسومها ولا ضرائبها، وهلم جرا.

فلا يذهب أي مواطن إلى أي مؤسسة حكومية خدمية قبل أن يبحث عن موظف يعرفه هو، أو يعرفه شخص آخر ليتوسط له، مقابل مال أو من دون مقابل لإنجاز معاملته، ولا يذهب مواطن أي مواطن إلى أي مؤسسة حكومية خدمية إلا ويذهب إلى كاتب العرائض عند باب المؤسسة؛ فهو مفتاح موظفي المؤسسة، وبواسطته تنجز المعاملات المشروعة وغير المشروعة، مقابل بدل مالي يدفعه المواطن، وهو ممنون من خدمة كاتب العراض هذا؛ لأنه أنجز معاملته بوقت قياسي!

ليس هذا وحسب، بل يصرح الكثير من مسؤولي الدولة؛ المدنيين والعسكريين على حد سواء أنهم دفعوا بأنفسهم أو عن طريق أبنائهم أو أحد أقربائهم أو أصدقائهم مبلغا ماليا بعنوان (هدية) إلى موظفين حكوميين من أجل انجاز معاملتهم، ومن دون تلك (الهدية) لا يمكن أن تنجز تلك المعاملات، ولو كانت معاملات سليمة وشرعية، واللافت للنظر أن المؤسسات الدينية الخدمية، كالأوقاف وهيئة الحج وغيرها هي من المؤسسات الحكومية الخدمية، وهي من المؤسسات التي تكثر فيها عناصر الفساد والافساد؛ فحتى الذهاب لحج بيت الله لا يكون إلا بواسطة أو هدية مالية!

إن الذي يراهن على إصلاحات تقليدية للمؤسسات الحكومية، لا سيما مؤسسات خدمة المواطن سيخسر رهانه حتما، فلا تصلح المؤسسات الحكومية الخدمية بتنصيب مسؤول يتمتع بالنزاهة، ولا تصلح بدمج مؤسسة خدمية بأخرى، ولا باستبدال موظفين بموظفين آخرين، ولا بمساءلة ومحاسبة المسؤولين والموظفين الفاسدين، ولا بتشكيل لجان إشراف للمتابعة، أو لجان تقييم أداء العمل، ولا بإجراءات الجهات الرقابية، ولا بإصدار الأحكام القضائية، ولا بسن تشريعات أو إصدار قرارات، أو إعلان توجهات، ولا نقل صلاحيات، ولا بتوفير تخصيصات مالية، ولا...ولا... فكل هذه المبادرات والمعالجات تكاد أن تطبق في كل المؤسسات الحكومية، ولا سيما الخدمية منها، ولكن النتائج دائما مخيبة للآمال، فالخدمة بتراجع مستمر، والمواطنون ينفذ صبرهم!

هل من مسؤول لم يستخدم المترو، أثناء تنقله من منطقة إلى منطقة، في الدول المجاورة أو في غيرها؟ هل من مسؤول لم يلحظ الآلف المسافرين، وهم ينتقلون بانسيابية عالية من محطة إلى محطة؟ هل من مسؤول شاهد موظف من موظفي المترو يتدخل في عملية انتقال المسافرين، فيأذن لهذا المسافر، ويمنع ذلك المسافر؟ هل من مسؤول سأل يوما كيف يمكن أن ينتقل كل هؤلاء المسافرين من محطة إلى أخرى، ويستخدمون عربات القطار كل دقيقة، من دون أن يتدخل موظف المترو، ومن دون أن يشتكي أحد المسافرين، مع تحسن مستمر في الخدمة؟ هل من مسؤول حكومي عاد إلى وزارته أو مؤسسته أو دائرته، وقرر أن يقدم خدمته للمواطنين مثلما تقدمها هيئة إدارة المترو في دول الجوار على الأقل؟

أيها السادة: رجاء توقفوا؛ لا تنفقوا المزيد من الأموال والجهد والوقت على إصلاحات لا تثمر إلا شيصا، ولا تشغلوا أنفسكم وموظفيكم بأدوات أضحت خردة في عالم الإدارة الحديثة، فمشكلة دوائر الخدمة ليست في الأموال، ولا في الصلاحيات، وليست في المعارف، ولا في المهارات، وليست في الأبنية، ولا في الأثاث، إنما مشكلة دوائر خدمة المواطن في البشر، فيكم أنتم المسؤولون، في فلسفتكم للإدارة، وفي طريقتكم للإدارة، وفي موظفيكم، ونظرتهم للخدمة، وفي إجراءاتكم وعقدها.

وهذه المشكلات لا تحل بالدعوة إلى مخافة الله، وهي لازمة، ولا بالتحلي بالخلق الرفيع، وهي مطلوبة، ولا في تعديل الإجراءات، أو نقل صلاحيات، ولا بورش عمل، ولا بالدورات التدريبية، إنما تحل جزما بقليل من الحديد، وقليل من التكنولوجية، كما هي إدارة المترو.

وهناك ست خطوات لإصلاح المؤسسة الخدمية، هي:

1- تحديد سلطة المسؤولين: أيها المسؤول مهمتك أن تشرف دون أن تتحكم في توزيع الخدمة؛ فنظام الخدمة لدينا لا يسمح لك بذلك.

2- تحديد سلطة الموظفين المباشرين: أيها الموظف مهمتك أن تؤدي الخدمة من دون أن تتدخل، فنظام الخدمة لدينا لا يسمح لك بذلك.

3- تحديد الإجراءات: إجراءاتنا محددة وواضحة، ليس فيها زيادة ولا نقصان، تبدأ من نقطة 1 وتنتهي بنقطة 5.

4- تحديد نوع الخدمة: عزيزي المواطن نحن مؤسسة حكومية مختصة بتقديم الخدمة أ والخدمة ب فقط.

5- تحديد الوثائق المطلوبة: عزيزي المواطن إذا كنت ترغب في الحصول على خدمتنا فعليك بالوثيقة أ و ب فقط.

6- تحديد الرسوم والضرائب: عزيزي المواطن لتتمكن من دفع رسومك وضرائبك وفرنا لك هذه الكارت، ولك أن تدفع في المكان الذي أنت فيه.

هل هذه الخطوات الإصلاحية مستحيلة؟ الجواب كلا، ولكن... لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي... ولو نارُ نفخت بها أضاءت، ولكن أنت تنفخ في الرماد.

.....................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2019

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق