q
تعاني مناطق واسعة في العالم من موجة جفاف مؤذية أصابت عدد من الدول، وفي بعضها وصلت درجات الحرارة الى معدلات غير مسبوقة، يضاف الى ذلك قضية الصراع بين الدول على حصصها المائية خاصة تلك التي تشترك في نهر واحد مثل اثيوبيا والسودان ومصر التي تقع على نهر النيل، وهناك مشكلات دولية تتعلق بالحصص المائية...

تعاني مناطق واسعة في العالم من موجة جفاف مؤذية أصابت عدد من الدول، وفي بعضها وصلت درجات الحرارة الى معدلات غير مسبوقة، يضاف الى ذلك قضية الصراع بين الدول على حصصها المائية خاصة تلك التي تشترك في نهر واحد مثل اثيوبيا والسودان ومصر التي تقع على نهر النيل، وهناك مشكلات دولية تتعلق بالحصص المائية.

لعل أحدثها تأثيراً حرب المياه بين العراق ودول جوارها، فقد أدى معدل الانخفاض الحالي، إلى مخاوف في العراق من نقص كمية مياه نهر دجلة إلى نصف الكمية، بعد أن بدأت تركيا بتشغيل سد إليسو الذي انتهت من بنائه في يناير/كانون الثاني 2018. مما عجّل من انخفاض منسوب المياه، ووضع العراق أمام مشكلة حقيقية، خصوصاً بعد أن حولت إيران أيضاً مجرى الأنهار التي كانت تساهم بتزويد العراق بالمياه، وتشكل الأمطار 30 في المئة من موارد العراق المائية، بينما تشكل مياه الأنهار الممتدة من تركيا وإيران 70 في المئة بحسب المديرية العامة للسدود في العراق.

ويوم بعد آخر تبرز مشكلة الجفاف لتصبح مشكلة عالمية بحاجة الى حلول ناجعة، ففي تونس أدى الجفاف الى نضوب سدود بأكملها ونفوق أسماكها مثل سد "نبهانة" (وسط) الذي تبلغ طاقة خزنه القصوى 23 مليون متر مكعب. وكان هذا السد يروي أراضي زراعية في القيروان وسوسة والمنستير والمهدية (وسط) ويوفر يوميا خمسين ألف متر مكعب من مياه الشرب لسكانها، وفق وزارة الزراعة.

وظهرت علامات كثيرة على انعكاس الجفاف سلبا على تونس، حيث شهدت خلال فصل الصيف انقطاعات في المياه، وتراجعا في منسوب السدود، ونقصا في الري، نتيجة جفاف غير مسبوق في البلاد منذ سنوات عديدة، ما أثار توترات اجتماعية في مناطق عدة.

في المسار نفسه يعاني عشرات آلاف الفلسطينيين منذ ايام، وسط قيظ الصيف من انقطاع للمياه، بينما يتبادل المسؤولون الفلسطينيون والاسرائيليون الاتهامات في آخر حلقات النزاع حول هذا المورد النفيس. ولا توجد عدالة حتى في توزيع الماء واستهلاكها البشري الفردي، فالفرد في اسرئيل يستهلك أضعاف حصة الفلسطيني في اليوم الواحد.

فبحسب ائتلاف "اي-واش" غير الحكومي الذي يعمل على تحسين خدمات الماء والصحة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، فان معدل استهلاك الفرد في الضفة الغربية المحتلة يبلغ 73 لترا يوميا. وهذا دون المئة لتر التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية ضرورية. كما انه يمثل اقل من ثلث معدل ما يحصل عليه الفرد في اسرائيل والبالغ 240 لترا يوميا.

من جهة اخرى هناك صراع بين مصر واثيوبيا في قضية الحصة المائية لكل دولة من نهر النيل فضلا عن بناء سد أثيوبي تنظر له مصر بعين الشك اثار حفيظة المصريين من هذا السد، لدرجة ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سعى بنفسه لتهدئة مخاوف المصريين بشأن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل وقال إن المفاوضات مع الجانب الإثيوبي بشأن الآثار المحتملة للسد تسير بشكل جيد. وقال وزراء الخارجية والري في مصر وإثيوبيا والسودان إن الدول الثلاث وقعت اتفاقا يحدد بصورة نهائية الشركتين اللتين ستجريان دراسات حول الأثر المحتمل للسد على تدفق مياه النيل إلى السودان ومصر.

وقد خاضت مصر وإثيوبيا في السابق حربا كلامية حول المشروع الإثيوبي الذي يتكلف أربعة مليارات دولار. واشتمل إعلان المبادئ الذي وقع في مارس آذار على إعطاء أولوية لدولتي المصب في الكهرباء المولدة من السد وهي طريقة لحل الخلافات والتعويض عن الأضرار.

أن بالنسبة للأردن هذا البلد الذي يواجه شحة مزمنة في الماء، فإن هذا السف كان أكثر صعوبة عليه لقلة الموارد المائية من جهة، وتصاعد رجات الحرارة من جهة أخرى حيث يواجه الأردن، الذي يُعد واحداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، "عاصفة من الضغوط الهائلة"، من بينها الندرة المزمنة، والإفراط في الاستخدام، والهدر، والزيادة الهائلة في الطلب الناجمة عن تدفق اللاجئين إلى أراضيه، وفقاً لتقرير نشرته المنظمة غير الحكومية فيلق الرحمة هذا الشهر.

العراقيون بين فكي إيران وتركيا و"حرب على المياه"

قالت وزارة الموارد المائية في العراق، إن بناء مرافق تخزين المياه من قبل كل من تركيا وإيران إلى جانب هطول الأمطار غير المنتظمة أدى إلى انخفاض مستوى المياه في الأنهار الرئيسية في العراق بنسبة 40 في المئة على الأقل.

وقد انخفض مستوى المياه في خزان سد الموصل إلى أكثر من 3 مليارات متر مكعب مقارنة بمستوياته في العام الماضي التي تجاوزت 8 مليارات متر مكعب حسب تصريحات صحفية لمدير سد الموصل رياض عز الدين، وأكد أن كمية المياه في السد انخفضت بنسبة 50 في المئة بعد تشغيل سد إليسو في الأول من يونيو/حزيران.

وقالت حكومة إقليم كردستان العراق إن إيران " غيرت مجرى نهر الكارون بالكامل وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل". وأكدت ان تدفق المياه توقف كلياً. ويعد الزاب الصغير أحد أهم الروافد الخمسة الرئيسية لنهر دجلة". وسيؤثر تحويل إيران لمجرى 43 رافداً على المدن والمناطق المحيطة بالنهر إلى تعجيل جفاف الإقليم.

في خمسينيات القرن الماضي، اقترحت تركيا بناء سد إليسو، وهو مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية، وبدأت ببنائه عام 2006، على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو، على طول حدود محافظتي ماردين وشرناق في تركيا. وانتهت منه وافتتحته في فبراير/شباط 2018، وبدأت بملء خزانه المائي في أوائل يونيو/حزيران من العام الحالي.

أثار مشروع السد غضباً دولياً لعدة أسباب، من أهمها انخفاص مستوى المياه المتدفقة إلى سوريا وإيران والعراق إلى جانب تأثر أكثر من 50 ألفاً من سكان المناطق المحيطة بمنطقة السد في تركيا في قرية إليسو وغيرها من القرى المحيطة التي ستغرق كلياً تحت مياه السد. وبررت تركيا إنشاء السد بأنه سيوفر الطاقة الكهربائية وفرص العمل للمنطقة الفقيرة في جنوب شرقي الأناضول ذات الغالبية الكردية.

لا تقتصر تأثيرات سد إليسو على مناطق العراق فقط، بل تشمل كلاً من تركيا وإيران، ويُذكر أن عددا من المدن الرئيسية تضررت من هذا السد، وهي: الموصل والسليمانية وبغداد والعمارة ومناطق البصرة في الجنوب. بالإضافة إلى المناطق الزراعية المحيطة بنهر دجلة في أقصى شمالي سوريا.

كما أن منطقة قلعة دزة والمناطق المحيطة بنهر الزاب الصغير، تعتمد بشكل رئيسي في مياه شربها على ذلك النهر الذي قطعت إيران عنه الروافد بحسب رئيس بلدية قلعة دزة، باكير بايز. بالاضافة إلى بعض الأراضي الزراعية المحيطة به في أقصى شمال شرقي سوريا.

أما في إيران، فيهدد سد إليسو بحيرة الحور العظيم بالجفاف، والذي سيؤدي إلى كارثة بيئية في المناطق المحيطة بالبحيرة. ورغم شكوى الإيرانيين لدى الأمم المتحدة عن أضرار سد إليسو التركي على البحيرة، إلا أنهم غيروا مجرى 43 رافدا من أصل 45 التي كانت تتدفق إلى العراق وتصب في نهر دجلة، وهذا عجل من جفاف نهر دجلة في مناطق شمال بغداد وكردستان.

الجفاف يفاقم أزمة المياه في تونس

في هذا السياق شهدت تونس خلال فصل الصيف انقطاعات في المياه، وتراجعا في منسوب السدود، ونقصا في الري، نتيجة جفاف غير مسبوق في البلاد منذ سنوات عديدة، ما أثار توترات اجتماعية في مناطق عدة.

في ولاية باجة (شمال غرب)، تراجع منسوب الماء في سد سيدي سالم، أكبر سدود تونس، إلى "أدنى مستوياته"، بحسب مدير السد شريف القاسمي. وبلغ مخزون مياه السد حتى مطلع الشهر الحالي 192 مليون متر مكعب مقابل 451 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من 2015، وفق وزارة الزراعة. وقال القاسمي وهو ينظر الى أسماك تسبح في مياه السد "نضخ كل شهر خمسين مليون متر مكعب من المياه: 80 بالمئة مياه شرب موجهة الى مناطق بولايات نابل ومنوبة بن عروس (شمال شرق) وصفاقس وسوسة (وسط شرق)، والبقية تروي حقولا بولايات باجة ومنوبة نابل". وأضاف "إن لم تنزل الامطار قبل نهاية سبتمبر/أيلول سنصبح في أزمة كبيرة".

ونهاية أغسطس/آب الماضي، أعلن وزير الزراعة آنذاك سعد الصديق إن الأوضاع ستصبح "كارثية" إن لم تنزل الأمطار قبل نهاية الشهر الحالي. ودعت وزارة الشؤون الدينية أئمة المساجد إلى إقامة صلاة "الاستسقاء".

وأدى الجفاف الى نضوب سدود بأكملها ونفوق أسماكها مثل سد "نبهانة" (وسط) الذي تبلغ طاقة خزنه القصوى 23 مليون متر مكعب. وكان هذا السد يروي أراضي زراعية في القيروان وسوسة والمنستير والمهدية (وسط) ويوفر يوميا خمسين ألف متر مكعب من مياه الشرب لسكانها، وفق وزارة الزراعة.

ومنذ منتصف أيار/مايو، تشهد مناطق عدة في تونس انقطاعات لمياه الري والشرب كانت تتراوح بين بضع ساعات وثلاثة أيام، بحسب ما أعلن الرئيس المدير العام لـلشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه محمد الداهش في مقابلة مع التلفزيون الرسمي. وأحصت وزارة الزراعة أكثر من 700 انقطاع حتى اليوم بحسب فرانس برس.

وقال منسق المرصد الوطني للمياه (منظمة غير حكومية) علاء المرزوقي لفرانس برس ان المياه انقطعت في بعض المناطق الداخلية "لفترات قاربت الشهر". وحذر المرصد من "انتفاضة العطش" ومن "تفاقم الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في مختلف جهات البلاد"، في حال لم تجد السلطات "حلولا عاجلة". وفي نهاية آب/أغسطس، بلغ مخزون المياه في السدود التونسية 746 مليون متر مكعب مقابل مليار و226 مليون متر مكعب في التاريخ نفسه من 2015. والأمطار هي المصدر الرئيسي للمياه في تونس.

وقال وزير الدولة المكلف بالموارد المائية والصيد البحري عبد الله الرابحي لفرانس برس ان كمية الامطار في تونس هذا العام أقل بحوالى ثلاثين في المئة مقارنة بالعام السابق. وبسبب نقص الامطار، اضطر معز بن قيراط الذي يملك منبت أشجار مثمرة في منطقة الخليدية قرب العاصمة تونس الى ري أشجاره بمياه بئر، لكنها سرعان ما نضبت.

وقال معز "لم يبق أمامنا سوى شراء مياه قناة تمر من هنا نحو ولاية نابل، ما يجعل كلفة الانتاج ترتفع ثلاثة أضعاف"، مشيرا في الوقت نفسه الى انخفاض منسوب مياه القناة المذكورة (قنال مجردة) الى "حوالى النصف عما كانت عليه قبل عام". وفي 2016، كبد الجفاف قطاع الزراعة خسائر بنحو ملياريْ دينار (أكثر من 800 مليون يورو)، بحسب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (النقابة الرئيسية للمزارعين).

وبين عامي 2012 و2013، ازداد استهلاك مياه الشرب في "تونس الكبرى" التي يقطنها 2،6 مليون نسمة بنسبة 12 بالمئة، بحسب تقرير للبنك الدولي، ما جعلها تشهد في 2013 "أول انقطاع لمياه الشرب". ومؤخرا، دعت شركة المياه الحكومية المواطنين الى الاقتصاد في استهلاك المياه الذي قالت انه يرتفع بنسبة 30 بالمئة في الصيف.

ويذكر المرزوقي بأن دراسات أعدها البنك الدولي منذ أكثر من عشر سنوات "حذرت من اننا سنصل الى هذا الوضع بسبب التغيرات المناخية، لكن الدولة لم تضع ما يتعين من استراتيجيات تحسبا لذلك". ويضيف ان "نسبة كبيرة من المياه تضيع بسبب تقادم شبكة القنوات" التي يبلغ طولها، بحسب وزارة الزراعة، 70 الف كلم.

وخارج أوقات الجفاف، يؤدي "تكلس" المياه داخل القنوات وإعطاب معدات ضخ تجاوز عمر بعضها 30 عاما، الى انقطاع المياه، وفق وزارة الزراعة. ويقول الداهش ان شركة المياه لا تملك التمويل اللازم لصيانة القنوات أو تجديدها بسبب ارتفاع ديون الشركة لدى المواطنين والشركات الخاصة والعامة والتي بلغت نحو 150 مليون دينار (60 مليون يورو) في 2016.

وبعد الثورة التي أطاحت مطلع 2011 بنظام زين العابدين بن علي، تعطل إنجاز مشاريع مائية جديدة في تونس مثل بناء سدود وحفر آبار عميقة. وبحسب السلطات، رفض مواطنون إقامة مشاريع على أراضيهم وطالب آخرون الدولة بتعويضات مالية أعلى بكثير مما اقترحته مقابل السماح لها باستخدام اراضيهم.

وعندما تسلمت الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد مهامها مطلع فبراير/شباط 2015، بلغت قيمة المشاريع المائية "المعطلة أو التي كانت تسير ببطء كبير، حوالى 935 مليون دينار (378 مليون يورو)"، وفق سعد الصديق. إلا ان الرابحي أكد استئناف العمل بأغلب هذه المشاريع في الفترة الاخيرة. ويقول "بالاضافة الى بناء سدود وحفر آبار عميقة جديدة، سنبني محطات لتحلية مياه البحر في جربة والزارات (جنوب) وصفاقس (وسط)".

انقطاع مياه الشرب في الضفة الغربية المحتلة

في سياق مقارب يعاني عشرات آلاف الفلسطينيين منذ ايام، وسط قيظ الصيف من انقطاع للمياه، بينما يتبادل المسؤولون الفلسطينيون والاسرائيليون الاتهامات في آخر حلقات النزاع حول هذا المورد النفيس.

وتجلس فاطمة علي في حديقتها ذات الارضية المشققة من الجفاف بين نافورة بلا ماء وقن لم تحصل دجاجاته على نقطة ماء منذ ايام، في بلدة سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة. ولم تحصل فاطمة وافراد اسرتها السبعة على ماء منذ مرور صهريج قبل خمسة ايام تم تخصيصه لتزويد سكان سلفيت الذين يقدر عددهم ب 15 الف شخص وآلاف آخرين من سكان القرى المجاورة.

وقالت "لدي احفاد لا يمكنهم الاغتسال وهم بحاجة الى مياه للشرب". وتقارب درجات الحرارة الاربعين عند الظهر. وفي هذه المنطقة التي تمتد فيها بساتين الزيتون وواحات النخيل على مد البصر عند سفوح التلال، يخصص قسط من الماء للري. واجلت فاطمة مادبة افطار رمضاني لعشرين شخصا كانت مقررة مساء اليوم ذاته.

وأوضحت "لا يمكنني ان اطبخ ولا انظف الاواني ولا تقديم مياه الشرب كما لا يمكن لضيوفي ان يغسلوا اياديهم". وتضطر سلفيت كغيرها من المدن الفلسطينية لشراء المياه من اسرائيل. ومع اشتداد درجات الحرارة يتم تحويل قسم من الماء العائد للفلسطينيين الى المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وفق السلطات الفلسطينية.

ويقول شاهر اشتية رئيس بلدية المدينة "سلفيت تحتوي على اكبر مخزون مياه جوفية في فلسطين التاريخية، وليس لدينا ماء لنشربه لان مياهنا سرقت وحولت الى اسرائيل او المستوطنين" الذين يستولون كل عام على المزيد من الاراضي في الضفة الغربية المحتلة. لكن اوري سخور المتحدث باسم هيئة المياه الاسرائيلية يقول ان ذلك غير صحيح وان الفلسطينيين والاسرائيليين يعانون بالتساوي من نقص الماء الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاستهلاك.

واتهم سخور السلطة الفلسطينية بالتسبب في نقص الماء بسبب "رفضها التام" الموافقة على تغيير قنوات المياه القديمة. وفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي احد اقدم نزاعات العالم، تعد السيطرة على الارض والماء من اكبر الرهانات بحسب فرانس برس.

وبحسب ائتلاف "اي-واش" غير الحكومي الذي يعمل على تحسين خدمات الماء والصحة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، فان معدل استهلاك الفرد في الضفة الغربية المحتلة يبلغ 73 لترا يوميا. وهذا دون المئة لتر التي تعتبرها منظمة الصحة العالمية ضرورية. كما انه يمثل اقل من ثلث معدل ما يحصل عليه الفرد في اسرائيل والبالغ 240 لترا يوميا.

ويقول صالح عتانا مدير قسم المياه في بلدية سلفيت ان المستوطنين "لا يحدث لديهم انقطاع في الماء، الامر لا يطال الا المدن والقرى الفلسطينية وبالتالي فان الاسرائيليين لا يقولون الحقيقة حين يؤكدون ان الامر يطال المنطقة كلها". ويندد الفلسطينيون بهيمنة اسرائيل على اللجنة المشتركة المكلفة منح تراخيص حفر الابار واقامة البنى التحتية. ويقولون ان اللجنة لم تجتمع منذ سنوات.

واعتبر المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية ايمانويل نحشون ان سبب نقص الماء هو قرصنة المياه في الجانب الفلسطيني. وقال "في الجانب الاسرائيلي الماء يدار بشكل افضل ولا احد يسرق الماء مباشرة من شبكة الانابيب". في الاثناء يتذمر زاهر ماضي من الآثار المأسوية على قطيعه من البقر.

وقال الفلسطيني البالغ من العمر 49 عاما "نفقت حيوانات واجهضت بقرات". واضاف "احتاج الى عشرة امتار مكعبة من الماء يوميا (..) ولا اتلقى حاليا الا عشرة امتار مكعبة كل اربعة ايام" مشيرا الى اربعة اسطل ماء متبقية من الكمية التي حصل عليها قبل يوم. وتابع "احيانا اضطر لعدم اعطاء العلف خشية ان تطلب الماء تاليا (..) اذا استمر الوضع ساتخلى عن كل شيء".

مصر تعارض انشاء سد النهضة الاثيوبي

من جهته سعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتهدئة مخاوف المصريين بشأن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل وقال إن المفاوضات مع الجانب الإثيوبي بشأن الآثار المحتملة للسد تسير بشكل جيد. وقال وزراء الخارجية والري في مصر وإثيوبيا والسودان إن الدول الثلاث وقعت اتفاقا يحدد بصورة نهائية الشركتين اللتين ستجريان دراسات حول الأثر المحتمل للسد على تدفق مياه النيل إلى السودان ومصر.

وكانت الدول الثلاث وقعت إعلان مباديء في الخرطوم في مارس آذار مهد الطريق إلى نهج مشترك بشأن موارد المياه الإقليمية. وقال السيسي عن المفاوضات مع إثيوبيا "أعرف أنكم قلقون وأنا معكم في هذا القلق ولكن أقول لكم اطمئنوا والأمور تسير بشكل جيد ومطمئنة." وأضاف في كلمة نقلها التلفزيون بمناسبة تدشين مشروع لاستصلاح مليون ونصف فدان للزراعة "صحيح أن المياه حياة أو موت لكن ... نحن نتفهم أنهم يريدون أن يعيشوا كما نريد نحن أن نعيش." وتابع "هناك تفاوض بيننا كي نحقق المصلحة المشتركة بيننا".

وتزايد قلق المصريين من بناء السد خاصة في ظل استمرار أديس أبابا في أعمال بناء السد قبل إجراء الدراسات الفنية. ويقول مسؤولون إن 50 في المئة من إنشاءات السد تمت بالفعل. وكانت الدول الثلاث اختارت في البداية في ابريل نيسان شركة بي.آر.إل الفرنسية وشركة دلتاريس الهولندية لإجراء الدراسات لكن الشركة الهولندية انسحبت في وقت لاحق مما جعل الدول الثلاث تتفق في الخرطوم على أن تحل شركة أرتيليا الفرنسية محلها.

وخاضت مصر وإثيوبيا في السابق حربا كلامية حول المشروع الإثيوبي الذي يتكلف أربعة مليارات دولار. واشتمل إعلان المباديء الذي وقع في مارس آذار على إعطاء أولوية لدولتي المصب في الكهرباء المولدة من السد وهي طريقة لحل الخلافات والتعويض عن الأضرار.

وتعهد الموقعون أيضا بحماية مصالح دولتي المصب عند ملء خزان السد. واشتكت إثيوبيا كثيرا من أن مصر تضغط على الدول المانحة والمقرضين الدوليين للانسحاب من المشروع الذي يقدر أن يولد 6000 ميجاوات. وتبني السد شركة ساليني إمبرجيلو. وسعت مصر التي تعتمد بالكامل تقريبا على النيل في سد مختلف احتياجاتها المائية للحصول على تأكيدات بأن السد لن يؤثر بشكل كبير على المياه المتدفقة إليها في النهر خاصة مع النمو السكاني المتسارع لديها.

اتفاق على مبادئ حول تقاسم مياه نهر النيل

في السياق ذاته اعلن وزراء خارجية السودان ومصر واثيوبيا في الخرطوم التوصل الى اتفاق على مبادىء حول تقاسم مياه نهر النيل ومشروع انشاء سد النهضة الاثيوبي. وقال وزير الخارجية السوداني علي كرتي في ختام الاجتماع "حدث توافق تام بين دولنا الثلاث على مبادئ حول تعاوننا للاستفادة من حوض النيل الشرقي وسد النهضة الإثيوبي وهو مسار جديد في علاقة دولنا الثلاث". واضاف "سترفع الوثيقة الى رؤساء دولنا الثلاث لدراستها والموافقة عليها"، ولم يعط كارتي مع ذلك اية تفاصيل حول الاتفاق.

وقال وزير خارجية مصر سامح شكري "هذه المبادئ تعد بداية لمزيد من التعاون بين الدول الثلاث في المسار السياسي والفني". وقال وزير الخارجية الإثيوبي تادروس ادنهاوم "اعرب عن رضى اثيوبيا من النتائج التي حققناها في الايام الثلاثة" مشيرا الى ان الاتفاق "يفتح فصلا جديدا بين الدول الثلاثة وسنلتزم بهذه المبادئ".

وتناولت المحادثات التي بدأت الثلاثاء في الخرطوم مسألة تقاسم مياه النيل بين الدول الثلاث وعلى حل الخلاف حول انشاء سد النهضة الاثيوبي. وتخشى مصر من ان يؤدي بناء سد النهضة الى تقليص حصتها من مياه النيل. واكدت اثيوبيا في عدة جلسات خلال المحادثات ان مشروع السد لن يؤثر على تدفق المياه الى السودان ومصر.

ومن ناحيته، قال وزير الري المصري حسام مغازي للصحافيين"هذه الوثيقة هي اتفاق مبادئ على المسار السياسي وهي تجيب على شواغل دول المصب في مصر والسودان وهي بداية للمسار السياسي اما المسار الفني فان الخبراء الذين سيجتمعون في الخرطوم على مدى ثلاثة ايام سيعلمون عن اسم المكتب الاستشاري الخاص بدراسات السد يوم التاسع من مارس لينطلق المسار السياسي والفني". وينضم النيل الازرق الى النيل الابيض في الخرطوم ليشكلا معا نهر النيل الذي يجتاز السودان ومصر قبل ان يصب في البحر الابيض المتوسط.

وبدأت اثيوبيا بتحويل مياه النيل الازرق في ايار/مايو 2013 لبناء السد الذي سينتج ستة الاف ميغاوات من الكهرباء وسيكون اكبر سد في افريقيا عندما ينتهي العمل به في العام 2017. وحسب مسؤولين اثيوبيين، فان تكاليف مشروع بناء السد الذي يبلغ طوله 1780 مترا وعلوه 145 مترا ستصل الى 4,2 مليار دولار (3,2 مليار يورو). وتعتبر مصر ان "حقوقها التاريخية" في النيل مضمونة بموجب اتفاقي 1929 و1959 اللذان يعطيانها حق استعمال 87% من مياه النهر.

مشروع خط أنابيب مياه مثير للجدل بالاردن

يواجه الأردن، الذي يُعد واحداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، "عاصفة من الضغوط الهائلة"، من بينها الندرة المزمنة، والإفراط في الاستخدام، والهدر، والزيادة الهائلة في الطلب الناجمة عن تدفق اللاجئين إلى أراضيه، وفقاً لتقرير نشرته المنظمة غير الحكومية فيلق الرحمة (Mercy Corps) هذا الشهر.

وبالإضافة إلى الإجهاد المائي، تمر البلاد حالياً بأكثر مواسم الأمطار جفافاً منذ عدة عقود. ومن المقرر تنفيذ أحد الحلول المقترحة بحلول منتصف 2018 بعد توقيع الأردن على اتفاقية تقاسم المياه المثيرة للجدل مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ديسمبر 2013، بعد عقود من المباحثات.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق يمهد الطريق لتنفيذ مشروع ناقل مياه البحرين الأحمر والميت (RSDSWC) الذي يُناقش منذ فترة طويلة، وإن كان نقل المياه سيتم على نطاق أصغر بكثير. ويشمل المشروع بناء محطة لتحلية المياه في ميناء العقبة الأردني، والتي ستقوم بتحلية ما بين 800 و1,000 مليون متر مكعب سنوياً تتقاسمها البلدان المشاركة، وضخ الماء المالح لإحياء البحر الميت عبر خط أنابيب/قناة بطول 180 كيلومتراً.

وقد أفادت وزارة المياه والري أن الأردن سيختار المقاول بحلول أبريل 2015، وستبدأ أعمال البناء في نهاية عام 2015، وسيستغرق التنفيذ ما يقرب من عامين ونصف. وقال نبيل الزعبي، مدير برنامج البحر الأحمر - البحر الميت في الوزارة: "بهذا، سنكون قد تمكنا من حل مشاكل الأردن لثلاثين سنة مقبلة على الأقل".

ومن المتوقع أن تنتج المحطة 80 مليون متر مكعب على الأقل كل عام، وفقاً للزعبي، الذي أضاف أن "إسرائيل سوف تشتري ما يقرب من 50 مليون متر مكعب من الأردن بتكلفة 0.42 دولار أمريكي لكل متر مكعب، وسيذهب الباقي - حوالي 30 إلى 40 مليون متر مكعب - إلى محافظة العقبة الأردنية". وينص الاتفاق على حق الأردن في شراء حوالي 50 مليون متر مكعب من المياه من إسرائيل (من بحر الجليل) لتوفير المياه للعاصمة عمّان والجزء الشمالي من الأردن. وأفاد الزعبي أنه "لا توجد طريقة أخرى يستطيع الأردن من خلالها معالجة ندرة المياه، نظراً لتزايد عدد السكان والتحديات الناجمة عن تغير المناخ".

ولكن بعض الخبراء عبروا عن مخاوف بشأن مشروع ناقل البحرين بسبب التكلفة المقدر بنحو 4 مليارات دولار، والمخاطر البيئية المحتملة التي ستنجم عن نقل الماء المالح إلى البحر الميت. وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت خبيرة البيئة وتغير المناخ أمل دبابسة: "هذا هو الحل المناسب، لكنه صعب للغاية نظراً للسياق السياسي الحالي والاضطرابات الإقليمية والموقع الجغرافي وارتفاع تكلفته،" مضيفة أنه "سيتم تنفيذ المشروع على طول الوادي المتصدع، الذي يشهد نشاطاً زلزالياً كبيراً، وهذا سيجعل أي جهة مانحة تفكر مرتين قبل تمويل مثل هذا المشروع".

وفي هذا السياق، حصل المشروع على دعم معنوي وفني من البنك الدولي، الذي نشر دراسة جدوى حوله، ولكن حتى الآن لم يتم تخصيص أي تمويل لهذا المشروع، ولا يزال من غير الواضح من الذي سيتحمل نفقات البنية التحتية. ويقول الأردن أنه يحاول تأمين التمويل لمرحلة خط الأنابيب في المشروع من دول "مجاورة وصديقة". وأوضح الزعبي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "إنقاذ البحر الميت مسؤولية دولية ولا تقع على عاتق الأردن فقط".

وقال مكتب البنك الدولي في الأردن في بيان لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "الأردن مؤهل للحصول على قروض وصكوك مالية من البنك الدولي ولكنه لم يطلب أي مساعدات مالية [لمشروع الربط بين البحرين] الأحمر والميت". وفضلاً عن توفير مصدر للمياه العذبة في بلد يعاني من ندرة المياه، يهدف مشروع خط الأنابيب إلى إحياء البحر الميت، الذي ينحسر بمعدل يزيد عن متر واحد سنوياً.

وأفادت دبابسة أن "هناك نظاماً بيئياً فريداً من نوعه في منطقة البحر الميت - النباتات والطيور والحشرات والكائنات الدقيقة التي يجب حمايتها. وأيضاً استخراج المعادن [لمنتجات التجميل] مهم جداً للأردن، ويجب الحفاظ عليه". ولكن خبيرة المياه والاستشارية الدولية فاليري يورك تقول أن "كميات المياه/المياه المالحة التي سيتم توجيهها إلى البحر الميت لن تزيد عن جزء ضئيل من الكمية المطلوبة للتعويض عن الانخفاض السنوي في منسوب البحر الميت".

وأضافت أنه "علاوة على ذلك، هذا الربط بين البحر الأحمر والبحر الميت يمكن أن يؤدي إلى كارثة بيئية". وقالت يورك في مقابلة مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عبر الهاتف أن اختلاط مياه البحرين "(إدخال ماء مالح إلى البحر الميت) "يمكن أن ينتج عنه تفاعل كيميائي من شأنه أن يؤدي إلى تكون الجبس والطحالب".

بهذا، سنكون قد تمكنا من حل مشاكل الأردن لثلاثين سنة مقبلة على الأقل وفي السياق نفسه، أصدرت وزارة المياه والري الشهر الماضي بياناً يحذر من أنها بالفعل تشعر بالقلق إزاء "تلبية احتياجات الناس" لمياه الشرب هذا الصيف بعد هطول 31.3 بالمائة فقط من متوسط الأمطار السنوية المسجل على المدى الطويل هذا الشتاء (موسم الأمطار)، مما جعل منسوب المياه خلف السدود الأردنية ينخفض إلى 43 بالمائة من طاقتها.

"ونظراً لقلة الموارد الإضافية داخل البلاد التي يمكن تطويرها لتضييق الفجوة، يمكن أن يواجه الأردنيون الفقر المائي المطلق بمعدل 90 متراً مكعباً سنوياً فقط للشخص الواحد بحلول عام 2025،" كما أوضحت يورك في ورقة عمل. وترى يورك والعديد من خبراء البيئة في هذا الصدد أن الحل البديل لمشاكل المياه في الأردن هو التقاسم الأفضل للمياه الإقليمية والاستخدام الأفضل للموارد المتاحة. ويشعر العديد من الخبراء بالقلق من أن مشروع خط الأنابيب لن يوفر القدر الكافي من المياه، وسوف يستغرق إنشاؤه عدة سنوات، بينما يستمر تفاقم أزمة المياه في الأردن.

وفي أحسن الأحوال، يحتل الأردن المرتبة الرابعة بين أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، حيث يبلغ نصيب الفرد من المياه 145 متراً مكعباً في العام الواحد، بعد أن كان يبلغ 360 متراً مكعباً في عام 1946، أي قبل عامين من استقبال الأردن لحوالي 700,000 فلسطيني فروا من ديارهم جراء حرب 1948.

وتواجه المياه الجوفية، التي تشكل 54 بالمائة من إجمالي إمدادات المياه، تحدياً يتمثل في "الاستخراج غير المستدام" بسبب "النمو السكاني والتوسع الزراعي"، وفقاً لاستراتيجية الحكومة في مجال المياه للفترة من 2010 إلى 2022. ويحذر خبراء المياه من أن مصادر المياه الجوفية في الأردن تتعرض للاستغلال المفرط بنسبة تصل إلى 200 بالمائة من مستوى العائد المأمون.

وأفاد عاطف الخرابشة، من المركز الدولي لبحوث المياه والبيئة والطاقة في جامعة البلقاء التطبيقية، أن "عشرة من كل 12 مصدراً للمياه الجوفية في الأردن يواجه الإفراط في استخراج المياه، وأحياناً بضعف معدل التغذية المتجددة تقريباً". وأضاف أن "هذا أمر مقلق نظراً لاستمرار النمو السكاني".

ومن الجدير بالذكر أن الوضع ليس أفضل حالاً فوق سطح الأرض، فقدرة الأردن على الوصول إلى المياه السطحية محدودة وتخضع لاتفاقات المياه الدولية. ويتهم الأردن إسرائيل منذ فترة طويلة بالإفراط في ضخ مياه نهر الأردن، التي أصبحت الآن شديدة التلوث ويدعي أيضاً أن سوريا تنتهك اتفاقية 1987 بشأن تقاسم نهر اليرموك. وأشارت دبابسة إلى أن "سوريا شيدت أكثر من 47 سداً على نهر اليرموك، مما يعوق وصول الأردن إليه.

وقد استقبل الأردن أكثر من 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية، وتم تسجيل أكثر من 600,000 منهم كلاجئين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد أضاف هذا ضغطاً هائلاً على الموارد المائية المحدودة في البلاد. ويستهلك مخيم الزعتري، الذي أصبح موطناً لنحو 92,000 سوري، أكثر من مليون لتر من المياه يومياً، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

اضف تعليق