حينما لا تعد للإنسان جدوى للبقاء على قيد الحياة وأنه لم يعد لديه ثمة أمل لتحقيق أي هدف يصبو اليه بعد أن فقد النصير والعشير، وأن الحياة لا معنى لها تحت قيود الذل والعبودية، ولعل أقرب مثال الى ما نقول هو حينما نكون تحت قبضة حاكم مستبد...

(سأل رجل حكيما الى متى يحرص الانسان على الحياة؟ فقال الحكيم: الى أن يشعر أن الموت أفضل من الحياة)

هكذا يرى الحكيم الأمر وأنها لرؤية صادقة شجاعة، فما جدوى الحياة والانسان يعيش فيها مهانا ذليلا اذ الموت حينئذ أكرم وأشرفان ن الانسان حريص على الحياة يريد أن يمضي بها هانئا سعيدا لا ينغصه شيء يقلقه ويكدر صفوه، تسوقه آمال وأمنيات تدفعه دفعا هينا الى ما يصبو اليه، ان الأحلام تراوده في أن يكون غده أفضل من يومه آمنا قانعا سعيدا، وماذا يريد المرء أكثر من أنه آمن في سربه قانع في رزقه سعيد في وطنه.

غير أن مسيرة الحياة لا يمكنها أن ترضي كل ما نحلم به ونصبو اليه، قد نتعثر في الطريق ونفشل، وقد تأتينا ضربات موجعة لا قدرة لنا بالوقوف ازائها، فكم من غني افتقر وكم من عزيز غدا ذليلا وكم من رجل موفور الصحة أصبح سقيما.

ولعل أهم ما يكدر صفو الانسان أن سنوات الزمن لا تتوقف فاذا بعهد الصبا والشباب ينقلب الى عهد كهولة وشيخوخة واذا بالقوة والحركة تتحول الى ضعف وعجز، وهذا يعني أن ربيع العمر أصبح خريفا وأن نهاية الرحلة غدت قاب قوسين أو أدنى.

وحينما يقع الانسان زمنا طويلا تحت وطأة الفقر والمرض والذل فانه يشعر أن الموت أفضل له من الحياة وأنه قد يجد في الموت راحة لم يجدها في حياته الدنيا، غير أن الأهم في هذه المسألة والأمر خطير فيها هو حينما لا تعد للانسان جدوى للبقاء على قيد الحياة وأنه لم يعد لديه ثمة أمل لتحقيق أي هدف يصبو اليه بعد أن فقد النصير والعشير، وأن الحياة لا معنى لها تحت قيود الذل والعبودية.

ولعل أقرب مثال الى ما نقول هو حينما نكون تحت قبضة حاكم مستبد يخنق أنفاسنا ويقيد حريتنا ويلغي وجودنا فاننا حينئذ نضيق بالحياة ونرى في الموت أفضل منها، ويتراءى لنا في الصورة مشهد امرأة فقدت بعلها وولدها هل تراها تبتسم للحياة أم ترى في الموت راحة لها!

وهؤلاء النازحون الذين تشتتت بهم السبل وضاقت بهم الأرض بما رحبت هل تراهم سعداء بما آلت اليه حالهم أم أنهم فقدوا طعم الحياة ولم يعودوا يجدون فيها راحة ولا سكنا بعد أن طاردهم الارهاب واحرق الأخضر واليابس من ديارهم.

ان المرء اذا فقد لذة العيش الكريم وشعر بالخوف والفزع من كل ما يحيط به فانه يشعر بأن الموت أفضل من الحياة، لقد صدق الحكيم بحكمته هذه التي ترسم لنا نهجا واضحا قد نسير على خطاه كلما شعرنا بأن حياتنا لم تعد تطاق وأن الموت الذي هو قدرنا جميعا قد يحمل في طياته الخلاص من كل المنغصات التي كانت تراودنا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق