q
الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على درجات السلّم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطا بما نراكمه من سلعٍ مادية أو ما نحوزه من سُلطة، بقدر ما يرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع لأن نتلقّاه نتيجة للمكانة العالية، فمن الممكن تثمين كلٍّ من المال والشهرة والنفوذ بوصفها شارات رمزية للحب...
بقلم: عماد أبو الفتوح

بنهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أصدرت مجلة "الإيكونوميست" (economist) البريطانية مقالا تحليليا يحمل عنوانا مباشرا يقول: "لماذا سيشهد عام 2023 ركودا اقتصاديا عالميا حتميا؟"، يشرح من خلاله فريق تحرير المجلة المتخصصة في الشؤون الاقتصادية العالمية الأسباب التي ستجعل عام 2023 عاما صعبا على الاقتصاد العالمي، سواء على مستوى الدول أو الشركات مهما كان حجمها، وبالتالي التأثير على حياة كل فرد حول العالم بشدّة متفاوتة. (1)

وبالتأكيد يأتي رواد الأعمال وأصحاب المشاريع والمديرون على رأس الأشخاص الذين سيواجهون الركود العالمي وجها لوجه، مع تراجع المبيعات وتصاعد مشكلات التمويل والنمو والتوظيف، وما يعنيه ذلك من اهتزاز استقرار الأعمال على المدى القريب والبعيد، مما يستدعي -بالضرورة- وقفة من رواد الأعمال لمواجهة عام لن يكون سهلا، وإعادة النظر في الكثير من الأمور الخاصة بالحياة أولا قبل العمل.

في هذا التقرير نقترح مجموعة من كتب التطوير الذاتي المهمة التي تساعدك في مواجهة ظروف استثنائية.

كتاب قلق السعي إلى المكانة

"إنّ الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على درجات السلّم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطا بما نراكمه من سلعٍ مادية أو ما نحوزه من سُلطة، بقدر ما يرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع لأن نتلقّاه نتيجة للمكانة العالية، فمن الممكن تثمين كلٍّ من المال والشهرة والنفوذ بوصفها شارات رمزية للحب ووسائل للحصول عليه، وليس بوصفها أهدافا في حد ذاتها". (آلان دو بوتون، قلق السعي إلى المكانة)

لا يمكن لأحد إنكار أن كل رائد أعمال مهما كان مجاله ومستواه قد يبدو ظاهريا يسعى إلى تحقيق النجاح لنفسه وشركته وفريقه -وهذا بديهي-، ولكنه في حقيقة الأمر يسعى لتحقيق ما هو أهم: المكانة. تلك الكلمة السحرية التي تشير إلى قيمة المرء في أعين الناس، التي تنعكس بدورها على موقف الشخص من نفسه، فإما الشعور بالرضا والامتلاء الذاتي، وإما الشعور بالمهانة والدنو مقارنة بغيره.

من المهم للغاية قراءة هذا الكتاب في عام يشهد ركودا اقتصاديا عالميا. كتاب "قلق السعي إلى المكانة" (Status Anxiety) للكاتب البريطاني السويسري "آلان دو بوتون" صدر للمرة الأولى عام 2004، وعُدَّ من أهم الكتب التي تضرب بعمق في محاولة تحليل دوافع الإنسان عموما، والإنسان المعاصر خصوصا، في التحرك في أي اتجاه، سواء لحصد الثروة أو لحصد العلاقات العاطفية الصحيحة. الكتاب يُعَدُّ من أشهر الكتب التي تعيد ضبط "البوصلة" إن جاز التعبير، ويحمل معاني عميقة تساعد القارئ على التوقف قليلا ليعرف ماذا يفعل ولماذا يفعل ما يفعل.

قسّم المؤلف كتابه إلى 10 فصول موزّعة على جزأين كبيرين، يبحث في الجزء الأول أسباب السعي إلى المكانة بكل ما تحمله من مشقة وأعباء نفسية وجسدية على كل شخص تؤثر مباشرة على تفاصيل حياته ومستوى سعادته وتعاسته، بينما يسلط في الجزء الثاني الضوء على الحلول التي تساعد على تبديد هذه الأعباء وضبطها في إطارها الصحيح الذي يكفل لكل شخص تحقيق ما يصبو إليه حقا دون أن يحترق طوال عمره، ليكتشف في النهاية أنه كان في الحقيقة يطارد سرابا لا وجود له إلا في عقله هو فقط.

الكتاب يحمل أبعادا فلسفية واضحة، لكن بوتون استخدم فيه لغة جزلة يمكن استيعابها بسهولة من القارئ غير المتعمق في الفلسفة أو المفاهيم الفكرية والعقلية العميقة، مما جعله من أفضل الكتب التأسيسية التي تُعيد ضبط مفاهيم رائد الأعمال وتوقعاته في الحياة، ويجد مكانة دائمة في قوائم ترشيحات الكتب التي يُنصح بقراءتها لإعادة بناء نظرة جديدة للحياة والتعامل معها.

كتاب المتميزون

مالكوم غلادويل صحافي غنيّ عن التعريف، عمل في عدد من كبريات الصحف الأميركية على رأسها نيويورك تايمز وواشنطن بوست، ونال شهرة كبيرة في العقدين الماضيين. يكفي أنه ألَّف 6 كتب حتى الآن تصدرت جميعها قائمة نيويورك تايمز لأفضل الكتب مبيعا في أوقات مختلفة، بداية من الكتاب الأول الشهير الذي نُشر عام 2000 "نقطة التحول"، وانتهاء بكتابه الأخير الذي صدر عام 2019 بعنوان "التحدث إلى الغرباء".

من بين كتبه الستّة نختار واحدا من أهم الكتب وأمتعها بعنوان "المتميزون" (Outliers) الذي صدر عام 2008، وعُدَّ واحدا من أكثر الكتب انتشارا آنذاك. في هذا الكتاب يسلط غلادويل الضوء على واحد من أهم الأسئلة التي يطرحها أكثر الناس فيما يخص تقييم قدراتهم ومقارنتها بقدرات الآخرين: هل المتميزون يجب أن يكونوا عباقرة حقا؟ هل هم مختلفون عنا، لديهم قدرات مختلفة عنا، ظروف أفضل، أم أن الأمر يخضع دائما لاجتهاداتنا وحسن اختياراتنا؟

في تسعة فصول يتعمق غلادويل في محاولة سبر أغوار المتميزين وتحليل الأسباب والظروف التي قادتهم إلى هذه المكانة، ويبدو واضحا في كتابه أن الأمر لا يتعلق فقط بالإصرار والمثابرة والتعلم المستثمر كما يُشاع في كتب التطوير الذاتي، وأن هناك دائما أسبابا مباشرة وأيضا أسبابا غير مباشرة. ضرب غلادويل مقدمة ممتازة في بداية كتابه، تتحدث عن أهل بلدة إيطالية لا يعاني سكانها من أي أزمات صحية، كان من المنطقي أن يكون نظام التغذية هو السبب، أو نظام الحركة أو حتى الجينات، لكن الحقيقة كانت "الترابط الاجتماعي" بين أهالي البلدة وانعزالهم عن العالم الخارجي ومنغصاته.

على المنوال نفسه يسير غلادويل في كتابه، محاولا التوصل إلى الأسباب الخفية لتميز العباقرة والأثرياء وأصحاب المناصب المرموقة، التي تبتعد عن إكليشيهات العمل والحظ والتطور الشخصي أو العبقرية الوراثية. ومن بين فصول الكتاب، جاء تنظيره عن قاعدة الـ"10 آلاف ساعة" لتعلُّم أي شيء، وهي القاعدة التي تناولتها العديد من الكتب والدراسات لاحقا في محاولة لإثباتها أو دحضها.

هو كتاب "متميز" عن المتميزين، يجمع بين الدراسات والإحصاءات العلمية من جانب، والأسلوب الأدبي الرفيع من جانب آخر، وأيضا القصص المتعلقة بالأعمال والتفوق فيها من جانب ثالث، مما يجعله من أكثر الكتب دسامة التي تُقدِّم جوانب معرفية في العديد من المجالات، من المفيد جدا التشبّع بها في مطلع عام جديد.

كتاب عمل عميق

يمكن القول بلا مبالغة إن الإخفاق في إنجاز الأعمال وتأدية المهام بفعالية يُعَدُّ الكابوس الأكبر لأي شخص يطمح لتحقيق تطوّره المهني. وبالتأكيد يأتي على رأس الأسباب التي تؤدي إلى هذه الإخفاقات ذلك الكم الهائل من المشتتات التي تحيط بنا في كل لحظة، في زمن "الترندات" المتصدرة كل يوم، وصراع الجميع على الظهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل عبر التطبيقات، وغيرها من عناصر التشتيت التي تؤثر على تركيز المرء في إنجاز أعماله بشكل عميق، مما ينعكس بالضرورة سلبا على مستواه المهني بشكل كامل.

كالفن نيوبورت الحاصل على درجة الدكتوراه في علم الحاسب، والذي يعمل محاضرا في جامعة جورجتاون، أصدر كتابا قيّما تُرجم إلى معظم لغات العالم بما فيها اللغة العربية بعنوان "عمل عميق" (Deep Work)، يستعرض فيه حلولا مركزة لهذه الأزمة بالتحديد: كيف يمكنك إتقان عملك -مهما كان مجالك- بمستوى عالٍ في مختلف الأوقات بغضّ النظر عن مستوى المشتتات الذي يحيط بك.

في كتابه، يتناول "نيوبورت" مفهوم العمل العميق مُركزا على أساليب إنجازه بطرق واقعية بعيدة عن التنظير، بعد أن قسّم العمل -مهما كان نوعه- إلى نوعين: عمل سطحي، وعمل عميق. الأول لا يتطلب مجهودا ذهنيا كبيرا ويمكن إنجازه بأداء جيد وسط المشتتات، بينما الثاني يحتاج إلى خلق ظروف مواتية لإنجازه بأفضل طريقة ممكنة في زمن محدد، وهو ما خصص له القسم الأكبر من كتابه.

نال كتاب "عمل عميق" (Deep work) مراجعات نقدية إيجابية، ويُعَدُّ على رأس الكتب الحديثة التي تركز بأساليب عملية على طرق بناء الظروف المواتية لإنجاز الأعمال العميقة في ظروف بعضها مستحيل تقريبا، مستدلا بعشرات القصص الحقيقية من بينها قصة المؤلف نفسه. الكتاب بلا شك من أهم الكتب المفيدة قراءتها أثناء وضع خطط العام الجديد، لأنه يناقش أهم عنصر في أي خطة: التنفيذ.

كتاب قوة العادات

واحد من أشهر كتب التحفيز الذاتي خلال السنوات الماضية، من تأليف تشارلز دويغ خريج كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد العريقة، الذي قرر أن يجمع بين تخصصه في عالم الإدارة والأعمال من جانب وبين مهارات بناء العادات الإيجابية الفعالة من جانب آخر، وطرح كل هذه الأفكار في كتابه "قوة العادات: لماذا نفعل ما نفعل في حياتنا الشخصية والعملية؟".

الكتاب يحتوي كل ما يهم القارئ في جانب بناء العادات الإيجابية لمصلحة الارتقاء بالحياة الشخصية، خصوصا نطاق المال والأعمال. لذلك قسَّم المؤلف الكتاب إلى 3 أقسام، قسم يتناول عادات الأفراد وكيفية بنائها، وقسم آخر يتناول عادات الفرق والمؤسسات، والقسم الثالث يركز على عادات المجتمعات، أي إن الكتاب يبدأ بالفرد أولا، ثم يتوسّع إلى الفريق أو الأسرة أو المجموعة الصغيرة، ثم ينتهي بتسليط الضوء على بناء العادات للمجتمعات.

أغرق المؤلف كتابه بالأمثلة في جميع مجالات الأعمال تقريبا، حيث تطرق بشكل مُفصل لطرق بناء مجموعة من المشاهير لعاداتهم الإيجابية التي قادتهم إلى المكانة التي وصلوا إليها، وأيضا يتطرق الكتاب إلى ذكر محطات في مشوار بناء شركات عملاقة مثل "ستاربكس" و"تارجت" وغيرها من الشركات العالمية، ويتناول كلًّا من الفرد والجماعة من جهة تحليل نجاحاتها وحتى إخفاقاتها بناء على عادات قادتها وموظفيها وفِرَق عملها.

تظل المزية الأساسية لكتاب "قوة العادات" أنه رغم استهدافه منهجية "بناء العادة الإيجابية" عموما، فإنه دائما ما يطوّعها في عالم المال والكسب والأداء الوظيفي، مما يجعله كتابا ممتازا للقارئ الذي يهتم بالجانبين: العادات والنجاح المهني، وهما العنصران اللذان اعتبرهما الكاتب سببا ونتيجة تظهر مباشرة في حياة مَن يستطيع تطبيق الخطوات بشكل صحيح.

كتاب القوانين اليومية

ماذا لو جمعت أهم خلاصات كتب المؤلف الأميركي الشهير "روبرت غرين" في كتاب واحد مكون من 366 فصلا، كل فصل عبارة عن صفحة واحدة فقط تحتوي على فكرة مركزة من أهم كتبه التي نُشِرت خلال السنوات الماضية؟ كتاب "القوانين اليومية" (The Daily Laws) صدر عام 2021، ولاقى إقبالا عالميا كبيرا بما فيها النسخة العربية التي طُرحت في المكتبات خلال العام 2022.

روبرت غرين هو مؤلف مجموعة من أهم كتب الحياة والتطوير الذاتي العالمية التي تحتل مكانة دائمة في أرشيف الكتب الأكثر ترشيحا للقراءة، بداية من كتابه الأشهر "48 قاعدة لامتلاك القوة"، مرورا بكتابه الذي لا يقل شهرة "33 إستراتيجية للحرب"، وليس انتهاء بكتب "فن الإغواء" و"الإتقان" وكتاب "القوانين البشرية". يأتي كتابه الأخير ليضم جميع الأفكار التي طُرحت في كتبه السابقة، على شكل كبسولات مختصرة لكل يوم من أيام العام.

الكتاب في الأساس يستهدف التطوير الذاتي لقارئه فيما يخص تصحيح قراراته المهنية والتأقلم مع الحياة واقتناص الفرص والاستفادة بشكل أكبر منها، بل وحتى مواجهة الإخفاقات والأخطاء والصراعات. بدون شك يُعَدُّ هذا الكتاب فرصة ممتازة للقراء الذين لا يملكون الكثير من الوقت لقراءة أعمال غرين -ضخمة الصفحات دائما-، وفي الوقت نفسه يسعون إلى معرفة خلاصات أفكاره التي أنتجها على مدار 25 عاما من البحث المكثف في موضوعات الإستراتيجية والإتقان والقوة والطبيعة البشرية.

أخيرا، ربما يكون عام 2023 في نظر الخبراء والمصرفيين عاما صعبا في مُجمله، ولكن التاريخ يثبت أن الصعوبات العامة دائما ما تكون فرصة ممتازة للرياديين أصحاب العقليات الخلّاقة في توليد فرص وتحقيق مكاسب لم يكونوا ليحققوها في الظروف العادية، أو -على الأقل- الثبات في وجه العاصفة الذي هو بمنزلة انتصار في حد ذاته!

* المصدر: الجزيرة-ميدان

......................................
1 – Why a global recession is inevitable in 2023

اضف تعليق