ان المتابع لأحداث المنطقة، بكل ما تحمله من تقلبات ومواقف متعارضة، وصراع ارادات بين دولها من جهة، وبينها وبين القوى الدولية من جهة اخرى، يرى انه لا يوجد حل قريب لازمات المنطقة، او حتى تسوية مؤقتة الى حين، فكل طرف يحاول ان يروض الطرف الاخر، الصراع بين دول الاقليم لا ينطلق فقط من سعي كل دولة للحصول على مصالح ونفوذ استراتيجي، بل اغلبه ينطلق من اطر ايديولوجية دينية لكل دولة، لهذا فان اسباب التنافس الاقليمي الدولي في المنطقة هو:
1- المصالح الاستراتيجية الدولية في المنطقة، الكل يعرف ان للولايات المتحدة وغيرها من دول العالم الكبرى مصالح مهمة في الشرق الاوسط، وهي من الحيوية ما تجعل هذه الدول تضرب كل القرارات الدولية من اجل الحفاظ عليها، وما احتلال العراق عام 2003، خير دليل على ذلك، لهذا فان اتهام ايران بزعزعة استقرار المنطقة حسب وجهة نظر امريكا، او الوقوف بوجه الاندفاع الامريكي نحوها، يجعلها تلجأ الى كل الوسائل المتاحة لديها لكبح جماح اية دولة تقف في امامها، او تحاول عرقلة توسيع اهدافها.
2- المصالح الامريكية في المنطقة تقع في دولة محددة، وهذا يحتم عليها ان تأخذ بنظر الاعتبار وجهات نظر هذه الدول، وان تحقق امنها ونفوذها ايضا، خاصة وان اغلب دول المنطقة هي دول تتقاطع مصالحها مع ايران، بل وهي في تنافس جيواستراتيجي واسع، واهم هذه الدول السعودية التي تضم اهم المصالح الامريكية، لأنها تملك اكبر احتياطي عالمي من النفط، واكبر منتج له ايضا، اضافة الى موقعها الاستراتيجي المهم، لهذا فان امريكا ومن اجل كسب ود هذه الدول وارضاءها، تلوح دائما بالتهديد والعقوبات ضد ايران، لردعها عن هذه الدول.
3- الشركات الامريكية، الولايات المتحدة تملك اكبر اقتصاد في العالم، وهذا متأتي من ما تملكه من موارد وصناعات متطورة، كذلك الى استثمارات الشركات الامريكية في الخارج، واغلبها يعمل في مجال الطاقة الاحفورية، لهذه فهناك منافسة حادة بين الشركات الامريكية وشركات الدول الاخرى لاستحواذ على نفط الشرق الاوسط، خاصة وان اغلب نفط المنطقة الان هو تحت نفوذ الشركات الامريكية العملاقة، ولم يتبقى سوى نفط ايران، لهذا هناك سعي امريكي لوضع يدها على كل نفط المنطقة.
4- حماية النفوذ، ان منطقة الخليج والشرق الاوسط هي محط انظار العديد من دول العالم الاخرى، لما تحويه من موارد هائلة، وبما ان امريكا ومن اجل حماية نفوذها ومصالحها فيه، فهي دائما تحاول ابعاد دول العالم الاخرى عن هذه المنطقة، بل وتمنع أي دولة اخرى من تكون قاعدة للدولة المنافسة لها في المنطقة، لهذا نرى ان امريكا تنظر لأي دولة تستعين بقوى عالمية اخرى مثل الصين وروسيا، من خلال منحها التسهيلات اللازمة على انها دولة متمردة، لهذا فان امريكا تحاول دائما ان تلوح بالقوة واحتواء هذه الدول.
ان سياسة الرئيس الامريكي في المنطقة وخاصة تجاه ايران تنطلق الان من منطلق فرض القوة، والتهديد بها، بل وصل الامر الى مستوى اتهام ايران بانها راعية للإرهاب، على الرغم من ان دولا اخرى بدأت تستعين بإيران من اجل وقف العنف في دول المنطقة، مثل روسيا في الازمة السورية، وهذا كما اسلفنا ينطلق من ادراك امريكا لأهمية ايران والخشية من اندفاعها الى جانب روسيا والصين، بل هناك مساعي اوربية عديدة لعودة العلاقات مع ايران، بعد الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن ايران، وهذا ما زاد من خشية امريكا، لهذا فان اشتداد الازمة بين ايران وامريكا سيكون له انعكاسات على دول المنطقة، وهي من تتحمل الوزر الاكبر منه، اذ ان أي صراع امريكي ايران في منطقة مشتعلة مسبقا بالأزمات سيقود الى توترات عديدة، وسوف لن تكون دولة في مأمن منها.
كذلك تطور الصراع في اليمن بين الحوثيين واتباع الرئيس السابق (علي عبدالله صالح) المدعومة من ايران من جهة وحكومة الرئيس (عبد ربه منصور هادي) المدعومة من السعودية من جهة اخرى، الصراع في البحرين بين النظام والمعارضة، والازمة السورية المتشابكة والمؤثرة جدا على العراق، كل هذه تلقي بضلالها على العراق، وعلى مجمل الاوضاع فيه، وهنا كيف يتحرك العراق ازاء هذه الصراعات في المنطقة؟، وموقفه من أي صراع محتمل بين قواه الدولية والاقليمية؟، خاصة وان العراق يواجه ازمات عديدة سياسية واقتصادية وامنية كبرى.
لهذا فان الاعتقاد السائد لدى اغلب المتابعين ان العراق وفي الفترة الاخيرة بدا يتخذ سياسات مستقلة وبعيدة عن صراعات المنطقة، ولن يتدخل في أي صراع قد يحدث بين ايران وامريكا، فموقف الحكومة العراقية الحالية بقيادة السيد (حيدر العبادي) اعلنت ولأكثر من مناسبة ان العراق سوف لن يكون طرفا في أي نزاع اقليمي او دولي في المنطقة، وان الحكومة العراقية حريصة على مصالح شعبها واستقرار البلاد، وهذا ملاحظ من سياسة الناي بالنفس التي تتبعها الحكومة العراقية وعلى المستوى الرسمي من احداث المنطقة مثل ازمة البحرين وحداث المنطقة الشرقية السعودية واليمن، والتوتر بين ايران وامريكا مؤخرا، واحداث اليمن بل حتى الازمة السورية، نرى هناك صمتا عراقيا رسميا تجاه هذه الاحداث في المنطقة، والتركيز على اوضاع الداخل العراقي اولا، وهناك عدة اسباب من تقف وراء هذه السياسية هي:
1- ادراك الحكومة العراقية ان الصراع في المنطقة هو تنافس على مناطق النفوذ في العراق والاستحواذ على خيراته، وان ما يعلن من دول الجوار حول العراق هو غير ما تخفيه تجاه العراق، وان ادعاء دول الجوار بالدفاع عن امن العراق وعن الاقليات التابعة لها، ما هو الا غطاء لمد نفوذها للعراق والسيطرة عليه وابعاد نفوذ كل دولة للأخرى.
2- ان العراق في هذه المرحلة هو امس ما يكون للاستقرار وحفظ امنه الداخلي، ومجابهة التحديات الخارجية، لهذا فان انحياز العراق الى هذه الجهة او تلك سوف يقود الى زيادة تدخل دول الجوار المتنافسة في شؤونه الداخلية، وزيادة الاستقطاب الطائفي والقومي فيه، لهذا فان سياسة التاي بالنفس سوف تحافظ على امن واستقرار ووحدة العراق، وتوفر مساحة واسعة للعراق للتحرك في محيطه الاقليمي والدولي.
3- الدور الاقليمي للعراق، مع انتهاء الحرب العراقية الايرانية عام 1988، ومع ازمة الكويت عام 1990، وما تلاها من احداث، والعقوبات الدولية السياسية والحصار الاقتصادي، ثم جاء الاحتلال الامريكي للبلاد عام 2003، ما جعل العراق يبتعد او يفقد دوره ونفوذه الاقليمي الذي كان يتمتع به سابقا، هذا ما فسح المجال لدول اقل منه امكانية وقدرة من ان تتقمص ادوار اقليمية وتتدخل في شؤون العراق ودول اخرى في المنطقة، وقد ادى تدخلها الى حدوث ازمات كبرى في المنطقة العربية اشدها كان في العراق وسوريا واليمن وليبيا، لهذا فان اتباع العراق لسياسة مستقلة وقوية، وموقفه الحالي في مجابهة الارهاب وتحرير اراضيه بإمكانياته الذاتية، واعادة بناء قواته المسلحة، واعادة دوره العربي والاقليمي المنضبط والمتوازن، سوف يعيد للمنطقة استقرارها وامنها، وسوف يبعد سياسات الدول الغير مؤهلة لان تلعب دورا اقليميا اكبر من حجمها وامكانياتها، لان استقرار العراق وامنه هو استقرار لمنطقة الشرق الاوسط بأكملها.
4- ادراك العراق لموقف امريكا المساند للعراق ضد أي تدخل اقليمي في شؤونه الداخلية، خاصة بعد استلام الرئيس الامريكي (ترامب) للسلطة هذا العام، وتصريحاته ضد ايران، بل وحتى ضد السعودية، فقد اكد الرئيس الامريكي في خطابه الاخير على حرص امريكا على استقرار العراق، كما انتقد الانسحاب الامريكي من العراق عام 2011، وان العراق سيحصل على مساعدات مالية وعسكرية كبيرة من امريكا، كما ان بعض التحليلات ذهبت الى رغبة امريكا في بناء قواعد عسكرية في العراق، وان هذا لم يكن بالمجان، اذ ذكرت التقارير ان هناك رغبة امريكية لدخول شركاتها النفطية من دخول العراق والاستثمار فيه، الا ان ما يلاحظ من توجه في العراق هو لتقوية العلاقات مع امريكا لإعادة بناء العراق وقوته في المنطقة.
5- ادراك اغلب المواطنين في العراق ان امن ووحدة العراق، واستقراره، ونبذ الطائفية فيه لا يتم الا من خلال ابعاد عن دول الاقليم المجاورة للعراق عن شؤونه الداخلية، وظهر في الآونة الاخيرة اتجاه عام لدى قطاعات واسعة في العراق بعدم اللجوء الى الخارج لتسوية الخلافات السياسية بين العراقيين، بل هناك اتجاه قوي ومحاولات لنبذ كل من يدعوا الى اللجوء الى دول الجوار، وهذا ما لوحظ اخيرا في الانبار، من نبذ واستبعاد كل اصحاب الاجندات الخارجية، وحاليا في الموصل هناك اتجاه عام باستبعاد الذين يدعون لتدخل دول الجوار في الازمة العراقية.
6- التكاليف الباهظة التي قد يتحملها العراق من أي انحياز الى طرف معين في صراعات المنطقة، ان أي مواجهة قد تحدث بين دول المنطقة او بين احدى دوله وامريكا، لن تكون سحابة عابرة، بل سوف تشمل اغلب دول المنطقة، وقد ينتج عنها دمار هائل، فقد اقدمت امريكا على احتلال العراق عام 2003، بصمت دولي واقليمي مطبق، بل بالحصول على مساعدة من دول جوار العراق، لهذا ان امريكا ان صممت على امر سيكون محسوب العواقب، ولن يثنيها عنه دول الجوار، بقدر ما يوقفها مدى تضرر مصالحها العليا منه، كما ان دول المنطقة المتنافسة تحاول قدر الامكان تجنب الخسائر في اراضيها وشعوبها، من خلال الصراع بالوكالة داخل دول اقليمية اخرى، لهذا فان العراق ادرك ويدرك ذلك جيدا، وان انجح سياسة هي الابتعاد عن صراع دول الاقليم.
خلاصة القول، ان العراق معني اولا بحماية امنه وسيادته، وانهاء العصابات الارهابية على ارضه، واعادة اعمار المدن المدمرة، واعادة النازحين، ولم شمل العراقيين، وبناء دولة المواطنة على اساس الولاء للعراق بعيدا عن الاجندات الخارجية، وبعيدا عن تدخل دول الجوار في شؤونه الداخلية، لان تدخل دول الجوار هو لمصالحها اولا واخيرا، وما العراق الا جسرا لمصالحها الخاصة، ان نفوذ القوى الكبرى مرفوض ايضا، ولكن يجب على العراق الاستفادة من المساعدات الدولية وتسليح الجيش العراقي، ومساعدة الدول الكبرى للعراق مهمة للقضاء على الارهاب هو لفائدة كل شعوب العالم، فأمريكا هي من احتل العراق وبسببها وصل ما وصل اليه، لهذا عليها واجب دولي واخلاقي بدعم العراق لإعادته كقوة اقليمية مهمة في المنطقة، حتى يكون قادرا على درء أي تدخل او نفوذ دوله اخرى في شؤونه الداخلية.
اضف تعليق