ما جرى مؤخراً في مدينة البصرة جنوب العراق وما سبقها في مدينتي العمارة والناصرية من تظاهرات منددة بزيارة نائب رئيس الجمهورية وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لم تكن الاولى كما ولن تكون الاخيرة وإنما هي محصلة تنافس وصراع وصدام ما بين المالكي والتيار الصدري يضاف اليه قوى اخرى وعلى مختلف المستويات.

فعلى المستوى العسكري وتحديداً في مدة الولاية الاولى للسيد المالكي وما شهدته من مواجهات محتدمة ما بين القوات الامنية وما بين الجناح العسكري للتيار الصدري المتمثل بجيش المهدي قبل ان يجمده الصدر بما عرف بصولة الفرسان والتي ابتدأت شرارتها الاولى في مدينة البصرة لتنتقل لبقية المدن في اكبر حملة لما اسمتها الحكومة بسط الامن ومحاربة المليشيات والجماعات خارج القانون، فيما اعتبره التيار استهداف لقواعده الشعبية بالتعاون مع الامريكان وزج المئات منهم في السجون، كما وتكررت تلك المواجهة في مناسبات عدة.

وأما على المستوى السياسي فقد كان التيار الصدري يشغل قرابة الـ40 مقعدا في دورتي السيد المالكي وقرابة ال6 وزراء ومع تصاعد حده الاختلاف ما بين الطرفين انسحب التيار من تلك الوزرات وجرى استبدال وزرائه بشخصيات رشحها السيد المالكي وتكرر المشهد في الولاية الثانية والتي شهدت حالة من الصراع السياسي ما بين الطرفين اثر اتهامات متبادلة بسوء الخدمات وتهم فساد وصولاً لسقوط مدينة الموصل وما اعقبها من احداث.

وبعد انتخابات عام 2014 وأحداث سقوط الموصل سعت اطراف عدة لمنع وصول المالكي للولاية الثالثة ومن ابرز الرافضين هم التيار الصدري متهمين المالكي بالتقصير والتسبب في سقوط الموصل الامر الذي ينفيه ائتلاف دولة القانون فيما اتجه التيار اضافة للمجلس الاعلى وجهات اخرى لترشيح بديل عن السيد المالكي فوقع الاختيار على السيد حيدر العبادي باعتباره عضو بائتلاف المالكي كما ويعد من الكوادر المتقدمة لحزب الدعوة الاسلامية وحصل على تأييد من قبل الكثير من السنة والكرد والتحالف الشيعي باستثناء جناح المالكي والذي اظهر قبولاً فيما بعد.

وبعد قرابة العامين على تولي العبادي لرئاسة الوزراء عاد التيار الصدري للتظاهر مجدداً يساندهم التحالف المدني وقوى اخرى وتخللت الاحتجاجات اقتحام للبرلمان ومجلس الوزراء واتهم التيار الصدري بتلك الحادثة إلا ان العبادي حافظ على علاقته مع التيار ولم ينجر لمعركة جانبية معتبراً ان الحرب مع داعش هي معركة العراق ضد الارهاب وربما هنا ازدادت الفجوة ما بين المالكي والعبادي لا سيما ان كتلة المالكي قد اعتبرت عدم رد العبادي على تجاوزات التيار ضعفاً على حد تعبيرهم، وحتى على المستوى السياسي فقد جرت محاولا عدة لاستجواب العبادي وبعضاً من الوزراء اسفرت عن تنحية لقرابة الـ5 وزراء فيما اعلن التيار سحب وزرائه وتخويل العبادي بالمجيء بوزراء تكنوقراط ولا زالت بعض الحقائب الوزارية شاغرة وعلى رأسها الدفاع والداخلية.

ومع اقتراب معركة الموصل من نهايتها تزداد المخاوف على كافة الأصعدة، فالخلافات الكردية-الكردية هي على اشدها فيما يتصاعد التنافس السني-السني وكلاً يبحث عن موطئ قدم في المناطق المحررة محاولاً تصحيح الاخطاء السابقة وسط ظهور منافسين جدد من ابناء تلك المناطق لا سيما من اشتركوا مع القوات الامنية والحشد الشعبي في تحرير مناطقهم.

اما على المستوى الشيعي فليس الحال بأفضل فملامح الاختلاف والتنافس واضحة وكلاً يسعى لوضع ما تحقق من انتصارات في خانته وينسب فكرة الحشد اليه او هو من حرر المناطق التي احتلها داعش ساعياً لكسب ود الحشد الشعبي وبالتالي كسب قاعدة جماهيرية كبيرة، مع العلم ان الحشد الشعبي بعد التصويت على قانونه مؤخراً قد اصبح قوات رسمية تأتمر بأمر رئيس الوزراء.

ومن صورة ذلك التنافس ومخاوف ما بعد داعش ما حصل مؤخراً من اقتحام متظاهرين لمبنى عقد مؤتمر يحضره المالكي في البصرة وحصول مشاجرات وتبادل تهم ما بين الطرفين فقد اتهم حزب الدعوة جناح المالكي ان من يقف وراء ذلك التيار الصدري داعيا كوادره للتهيؤ لما اسماه بصولة فرسان جديدة وحاسمة ضد من اسموهم بالخارجين عن القانون في اشارة واضحة للتيار الصدري، والذي رد بدوره بنفي مسؤوليته عن الحادثة معتبراً ما جرى تعبيراً عن الرأي قامت به جماهير منددة بزيارة المالكي ومطالبين بحقوق ضحايا شهداء سبايكر.

اما الموقف الحكومي الرسمي فجاء على لسان رئيس الوزراء معلقاً على بيان حزب الدعوة بقوله ان من واجب الحكومة ان تحمي من يتظاهر وبنفس الوقت واجبها ان تؤمن الطرف الاخر، ومن حقه ان يعقد مؤتمراً او حفلاً وواجب الحكومة حمايته، وربما هو رد دبلوماسي من السيد العبادي كما ويعتبر رداً هادئاً قد اسهم في اخماد الاصوات المتعالية من كافة الاطراف.

اما دلائل هذه الحادثة فهي عديدة منها ان التيار الصدري سيسعى بكل قواه لمنع عودة المالكي للواجهة من جديد كما وان المجلس الاعلى الاسلامي قد اظهر نوعاً من الرضا على الاحداث الأخيرة، اذ ربما يعدها ضربة موجهة للمالكي لا سيما ان مناطق الجنوب هي قواعد انتخابية لكل الاطراف الشيعية وبالتالي سيكون التنافس على اشده، وتشير هذه الاحداث ولا سيما بعدما امتنع العبادي عن الرد بأي تحرك عسكري ضد التيار الصدري بوجود تقارب ما بين العبادي والتيار الصدري اضافة للمجلس الاعلى وقوى اخرى وهذه اولى الملامح لتحالف جديد، وربما السيد المالكي سيسعى للدخول بقائمة لا تخلو من قادة الحشد الشعبي لا سيما السياسيين منهم.

ايضاً من ضمن دلالات حادثة البصرة المخاطر المحدقة ما بعد داعش مع انتشار السلاح خارج اطار الدولة، فاغلب الاحزاب الشيعية باتت تملك اذرع مسلحة ولا يستبعد اللجوء او التلويح بها، وهذه مؤشرات خطيرة لاحتمال حصول مواجهة لا تخلو من السلاح ما بين الاطراف الشيعية نفسها وربما تزداد خطورتها كلما اقتربنا من موعد اجراء الانتخابات.

وهنا يبرز دور العقلاء في تهدئة الاطراف والعمل على احتواء تلك المشاكل وبطبيعة الحال الدور الاكبر سيقع على عاتق مرجعية النجف باعتبارها تحظى بمقبولية واسعة، وعلى الجانب الايراني الذي ربما سيستخدم نفوذه للتأثير على الفصائل الشيعية المتصارعة، فضلا على ذلك الحكومة العراقية مطالبة ان تتعامل بحزم من اجل تطبيق القانون وردع الخارجين عنه.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق