من المعروف ان الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل كبير جداً ومن المعروف ايضاً ان القطاع النفطي يُعد من الصناعات كثيفة رأس المال، وبالتالي فان زيادة الاعتماد على النفط تؤدي الى مزيد من المشاكل التي تواجه الاقتصاد الكلي وتقف المشكلة الاجتماعية المتمثلة بالبطالة على رأس تلك المشاكل بالإضافة الى التضخم وعجز ميزان المدفوعات وانخفاض النمو الاقتصادي، تظهر هذه المشاكل نتيجة لسوء توظيف الايرادات النفطية بما يحقق التنويع الاقتصادي المتمثل بتفعيل القطاعات الانتاجية كالقطاع الصناعي التحويلي والزراعي والسياحي وغيرها، من اجل بناء الوعاء الضريبي، الذي يُزيد من فاعلية تنويع الايرادات العامة.
إذ ان احد الوسائل اللازمة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، هو خطة الموازنة العامة بشقيها الجاري والاستثماري انفاقاً و ايراداً، وبالتأكيد ان مدى قدرة الموازنة على مواجهة تلك المشاكل يعود لفلسفة الدولة في التدخل من عدمه، فاذا كانت الدولة تتبنى مبادئ النظام الرأسمالي فان الدولة تقتصر على الوظائف التقليدية المتمثلة بالدفاع الخارجي والامن الداخلي وتحقيق العدالة ما بين المواطنين، وتكون الموازنة اقل فاعلية في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، واذا كانت تتبنى مبادئ النظام الاشتراكي فالموازنة تكون اكثر مواجهة لتلك المشاكل.
وان ما يدلل على اعتماد العراق على النفط هو نسبة الايرادات النفطية من الايرادات العامة التي لم تنخفض عن 97% كمعدل للمدة 2005-2013 لكنها سرعان ما انخفضت إلى 83.62% والى 85.40% من اجمالي الايرادات العامة في عاميّ 2015 و2016، والسبب هو انخفاض اسعار النفط العالمية، هذا ما تسبب في حساب موازنة هذين العامين على اساس 56 دولار للبرميل الواحد وبطاقة تصديرية قدرها 3300 الف برميل يومياً في عام 2015، و45 دولار للبرميل الواحد وتصدير 3600 الف برميل يومياً في عام 2016.
وان الايرادات النفطية لا تكفي وحدها لتغطية النفقات العامة فحسب بل المشكلة تتمثل في استنزاف الثروة الوطنية الموجودة في باطن التي كان من المفروض ان تتحول الى ثروة وطنية على سطح الارض تتمثل بالمشاريع الانتاجية سواء اكانت زراعية ام صناعية ام بنى تحتية ام غيرها، لتحقيق التنويع الاقتصادي والابتعاد عن المخاطر الملازمة للاعتماد على النفط نتيجة ارتباط تحديد اسعاره بالأسوق النفطية العالمية، اي لإبد ان نتجه لزراعة النفط في ظل سيادة النفط لتحقيق ما كان يدره النفط من عملات اجنبية بعد انتهاء عصر النفط.
استنزاف الثروة الوطنية في العراق يتم من خارج المالية العامة كسوء استخراج الثروة النفطية الذي يؤثر على الثروة الوطنية او سوء الاتفاق مع الشركات المنتجة للنفط او غيرها هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى يتم من داخل نطاق المالية العامة كسوء توظيف الايرادات النفطية بالشكل الامثل الذي يضمن العدالة ما بين الاجيال الحالية والمستقبلية باعتبارها ثروة وطنية عامة.
ذلك الاستنزاف يتجلى في النفقات الجارية عند مقارنتها بالنفقات الاستثمارية التي ينبغي ان تكون مساوية للنفقات الجارية على اقل تقدير، إذ شكلت النفقات الجارية أكثر من 85% من اجمالي النفقات العامة كمعدل للمدة 2005-2013، لكنها انخفضت هذه النسبة الى 65.50% في عام 2015 وهذا الانخفاض يعطي انطباع ايجابيي على تحسن الاقتصاد العراقي إلا هذا التحسن لم يكن بشكل حقيقي، لان هذا الانخفاض يعزى الى انخفاض اسعار النفط دون الـ 50 دولار للبرميل الواحد من ناحية، وارتفاع نسبتها في عام 2016 إلى 75.68% من ناحية اخرى.
وبالمقابل ان النفقات الاستثمارية التي تعتبر مفتاح التنويع الاقتصادي وخصوصاً في البلدان النفطية (لان اغلب الاموال التي تمول النفقات العامة هي ثروة نفطية فضلاً عن انها ناضبة وغير مستقرة في اسعارها وهي لجميع الاجيال) ورغم كل هذا فهي لم تشكل إلا 15% من مجمل النفقات العامة كمعدل للمدة 2005-2013. أما في عام 2015 فقد شكلت 34.43% من اجمالي النفقات العامة وهذا ما يبعث الامل على الاتجاه الصحيح للاقتصاد العراقي، إلا انها لم تستمر بالارتفاع بل انخفضت وشكلت 24.31% من اجمالي النفقات في 2016 ومع هذا الانخفاض إلا انها افضل من نسبة 15% التي كانت قبل 2013. هذا الارتفاع يعود الى انخفاض حجم النفقات الجارية لتقليل حجم العجز المتوقع ان يبلغ في العام الجاري 24 تريليون دينار (20.5مليار دولار).
اما موازنة عام 2017 التي تبلغ اكثر من 100 تريليون دينار فقد تم اعتمادها على اساس 35 دولار للبرميل الواحد، وهو اقل بـ 10 دولار للسعر الذي تم اعتماده في موازنة2016، البالغ 45 دولار للبرميل الواحد، وبطاقة تصديرية تبلغ 3880 الف برميل يومياً وهي اكثر من الطاقة التصديرية لعام 2016 البالغة 3600 الف برميل يومياً، ومن المتوقع ان يصل حجم العجز فيها 30% من حجم الموازنة اي اكثر من 30 تريليون دولار، وذلك بسبب انخفاض اسعار النفط من ناحية وزيادة النفقات العسكرية ومخصصات النازحين من ناحية اخرى.
هذا يعني ان الثروة النفطية بدأت تفقد قيمتها في الموازنة العراقية وليس انتفاء الفائض الذي كانت تحققه الثروة النفطية قبل 2013 فحسب بل اصبحت الموازنة تعاني من عجز كبير، مما يلزم الاتجاه إما نحو زيادة الاقتراض سواء من الدخل ام من الخارج لتغطية هذا العجز والاسوء من الاقتراض هو سوء توظيف المبالغ المقترضة الذي يجعل الاقتصاد العراقي يعاني من مشكلة المديونية. وأما الاتجاه نحو تنويع الاقتصاد العراقي الذي يتطلب تخفيض نسبة الايرادات النفطية الى الايرادات الاخرى كالضرائب والرسوم وارباح القطاع العام والايرادات الرأسمالية والايرادات التحويلية وغيرها.
اضف تعليق