قوى الشرق ليست أيضا محلا للثقة في حفظ التحالفات، وما الأسد عنا ببعيد، لكن السياسة تلعب بجميع الأوراق ومن كل الجهات بدبلوماسية وتحفظ كل المواقع المحتملة لكسب الآخر. ويبدو أن السعودية قد أدركت هذه الحقيقة؛ أن الشرق والغرب ليسا محل الثقة في مواقع الخطر والشدة ولذلك اتجهت إلى من...

هل جاء تجديد هذا التعاون بناء على اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل بعد تراجع ردع محور المقاومة؟ وهل سيكون هذا التحالف مقدمة لتشكيل ناتو إسلامي، وما هو دور الولايات المتحدة في هذا التحالف؟

رغم اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل بعد تراجع ردع محور المقاومة؛ فإن تجديد التعاون السعودي الباكستاني لم يأت نتيجة مخاوف السعودية من هجوم إسرائيلي محتمل، كما حصل لقطر قبل أيام عدة، وإنما جاء نتيجة المخاوف التي قد يسببها الصراع الإيراني-الإسرائيلي الغربي، وانفلات الوضع في المنطقة فيتكرر ما حدث على الجبهة اليمانية وسط خذلان أميركي حيث توتر سطح ثقة السعودية بالغرب -جزئيا لا فعليا-.

وقد جاء هذا التحالف في نفس سياق علاقات السعودية مع روسيا والصين ، وطلب السعودية وساطة الصين بينها وبين إيران.

 من هنا فإن هذا التعاون أعمق وأكثر استراتيجية من تبدل أو تداول محور الردع والمواجهة، وإنما يرتبط بالدخول إلى مرحلة جديدة من مراحل الصِدام بين الحضارات كما تنبأ به صاموئيل هنتنغتون والتي هي عبارة عن مرحلة الصراع بين الصين المتحالف مع المسلمين والغرب المتحالف مع إسرائيل.

وعليه فإن ذاك التحالف أوسع من كونه ناتو إسلامي، وإنما هو تحالف إسلامي شرقي بعد أن فقد الغرب ضمنا مصداقيته السابقة حينما كان هو المتحالف مع المسلمين ضد امبراطورية الشرق..

يروي هنتنغتون في كتابه نقلا عن جراهام فوللر الخبير في الشوؤن الإسلامية في وكالة المخابرات الأميركية السي آي إيه قائلا: "إن تحالفا كونفوشيا إسلاميا غير رسمي قد يتحقق، لا لأن "محمد" و"كونفوشيوس" معاديان للغرب، وإنما لأن هذه الثقافات تقدم أداة للتعبير عن الظلم الذي يعتبر الغرب مسؤولا عنه إلى حد ما.. الغرب الذي يُعمِل سيطرته السياسية والعسكرية والاقتصادية بشكل متزايد، في عالم تشعر فيه الدول بأنها "لم تعد تقبل ذلك".. 

ومع ذلك فإنَّ قوى الشرق ليست أيضا محلا للثقة في حفظ التحالفات، وما الأسد عنا ببعيد، لكن السياسة تلعب بجميع الأوراق ومن كل الجهات بدبلوماسية وتحفظ كل المواقع المحتملة لكسب الآخر.

ويبدو أن السعودية قد أدركت هذه الحقيقة؛ أن الشرق والغرب ليسا محل الثقة في مواقع الخطر والشدة ولذلك اتجهت إلى من يشاركها في الفكر والإيديولوجية وهي باكستان.

ولو عدنا إلى التاريخ نجد أن المخاوف السعودية ليست جديدة، فلقد سبق وأن أرسل العاهل السعودي حينها الملك فيصل مبعوث إلى الإمبراطور الإيراني آنذاك محمد رضا بهلوي مطالبا إياه بتحالف يحمي البلدين والمنطقة لنفس الأسباب التي تطرح الآن؛ أنه لا يثق بالقوى الدولية التي قد تغدر في لحظات الأزمة، إلا أن الشاه رفض طلبه قائلا: وضعنا يختلف عنكم ولا نحتاج إلى من يحمينا. (راجع مذكرات مسعود بهنود عن لقاء أسدالله علم والشاه).

من هنا وبناء على ما سبق؛ فإن التعاون السعودي الباكستاني وإن كانت تعتبر خطوة ذكية، إلا أنها تفقد أي قرائن أو دلالات تضمن نجاحها ومفعوليتها في الساعة المطلوبة، وذلك لما تحمله السعودية من صبغة لا يستطيع المال اللامحدود أو حتى التظاهر بالانفتاح أن يغطي عليها..

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية تحت عنوان: (التعاون السعودي- الباكستاني وتحولات الردع الاقليمي في منطقة الشرق الأوسط)

اضف تعليق