تقليص الفجوة الطبقية حيث تقل النزاعات الاجتماعية الناتجة عن الشعور بالظلم أو التهميش، وتعزيز الثقة بالدولة فكلما شعر المواطن بعدالة التعامل، زاد ولاؤه للسلطة السياسية، كذلك الوقاية من التطرف والعنف إذ تُعد التفاوتات الحادة أرضية خصبة لانتشار العنف المجتمعي والفكر المتطرف، بالإضافة إلى دفع عجلة التنمية فالمجتمعات المستقرة...

العدالة الاجتماعية مبدأ جوهري في بناء الدول الحديثة، حيث تقوم على ضمان تكافؤ الفرص وتوزيع الموارد والخدمات بشكل منصف بين مختلف فئات المجتمع، وتبرز أهمية هذا المفهوم بشكل خاص في مجال توزيع الخدمات العامة، مثل التعليم، والصحة، والإسكان، والبنى التحتية، والتي تمثل أدوات أساسية لتحقيق الرفاه الاجتماعي، تطرح هذه المقالة تساؤلاً مركزياً: كيف تؤثر العدالة في توزيع الخدمات العامة على الاستقرار المجتمعي؟ ويُفترض أن ضعف هذه العدالة يفاقم التفاوت الاجتماعي ويهدد النسيج الوطني.

العدالة الاجتماعية في هذا السياق تُعنى بتوفير الخدمات العامة لكل المواطنين على أساس من المساواة، والاحتياج، والجدارة، دون تمييز بسبب الانتماء الطبقي أو الجغرافي أو العرقي، وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمبادئ حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، حيث يُعد الحصول على الخدمات العامة حقاً أساسياً لا امتيازاً، وتتطلب العدالة في التوزيع مراعاة الفروقات الجغرافية والاجتماعية، مما يعني تقديم معاملة تفضيلية للمناطق المحرومة أو المهمشة بهدف تحقيق التوازن العام.

أما عن آليات تحقيق العدالة في توزيع الخدمات العامة فهي تتجسد في التخطيط التنموي الشامل الذي يراعي التوزيع الجغرافي العادل للمشاريع والخدمات، والشفافية والمساءلة في تخصيص الموارد لضمان عدم احتكار النخب أو السلطات المحلية لبعض الخدمات، كذلك في القوانين والسياسات التفضيلية كقوانين الضمان الاجتماعي والموازنات التكميلية للمناطق النائية، بالإضافة إلى المشاركة المجتمعية التي تعزز الرقابة الشعبية على أولويات توزيع الخدمات.

وللعدالة الاجتماعية أثر بالغ في توزيع الخدمات على الاستقرار المجتمعي يتمثل تقليص الفجوة الطبقية حيث تقل النزاعات الاجتماعية الناتجة عن الشعور بالظلم أو التهميش، وتعزيز الثقة بالدولة فكلما شعر المواطن بعدالة التعامل، زاد ولاؤه للسلطة السياسية، كذلك الوقاية من التطرف والعنف إذ تُعد التفاوتات الحادة أرضية خصبة لانتشار العنف المجتمعي والفكر المتطرف، بالإضافة إلى دفع عجلة التنمية فالمجتمعات المستقرة قادرة على توجيه طاقاتها للبناء لا الصراع.

ولا يخلو الامر من تحديات تواجه العدالة في توزيع الخدمات العامة منها ما يتعلق بالفساد الإداري والمالي، غياب قاعدة بيانات دقيقة للاحتياجات المجتمعية، الهيمنة السياسية في توجيه المشاريع، وضعف اللامركزية الإدارية.

وعلى سبيل طرح المصاديق الناجعة من نماذج وتجارب مقارنة نلفت عناية القارئ إلى النموذج الاسكندنافي كمثال على نجاح توزيع الخدمات بشكل عادل، ما أدى إلى استقرار داخلي متين، وعلى النقيض منه نجده في بعض دول الشرق الأوسط حيث تعاني من اختلالات حادة في توزيع الخدمات، ما ساهم في تفكك اجتماعي وموجات احتجاجية.

ختامًا- إن العدالة الاجتماعية في توزيع الخدمات العامة ليست مسألة إدارية فحسب، بل هي حجر الأساس في تحقيق السلم الأهلي والتنمية المستدامة، كما أن تجاهل هذا المبدأ يؤدي إلى أزمات متكررة تهدد بقاء الدولة الحديثة، لذا، فإن بناء منظومة خدمات عادلة وشفافة يجب أن يكون أولوية في السياسات العامة القادمة لأي دولة تسعى إلى استقرار طويل الأمد.

* الدكتورة جمانة جاسم الأسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسية في جامعة كربلاء

اضف تعليق