أن صدام القوى العُـظمى الوشيك بين الولايات المتحدة والصين يستلزم بشدة اختراقا استراتيجيا آخر من هذا القبيل. إن البلدين، اللذين تغذيهما روايات كاذبة ذات دوافع سياسية، يسيران على مسار تصادم دون أي مَـخـرَج واقعي. ولن يتطلب الأمر الكثير ــ واقعة في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي...
بقلم: ستيفن روش
نيوهافين- في مثل هذا الشهر، قبل خمسين عاما، استقال ريتشارد نيكسون من منصبه كرئيس للولايات المتحدة. ومع توجه كل الأنظار إلى الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، تزودنا هذه الذكرى السنوية بفرصة للنظر في التناقضات المتأصلة التي تعيب القيادة السياسية الأميركية.
كانت إساءة استغلال السلطة التنفيذية من جانب نيكسون متناقضة بشكل حاد مع إنجازاته في السياسة الخارجية. فبصفته مناهضا لدودا للشيوعية، فاجأ العالم بالذهاب إلى الصين في عام 1972. لقد نجحت استراتيجية الـضِـلع الثالث التي تبناها نيكسون في عزل الاتحاد السوفييتي السابق، وساعدت في نهاية المطاف في إنهاء الحرب الباردة.
تُـرى هل من الممكن أن يحدث مثل هذا الاختراق مرة أخرى؟ من المؤكد أن صدام القوى العُـظمى الوشيك بين الولايات المتحدة والصين يستلزم بشدة اختراقا استراتيجيا آخر من هذا القبيل. إن البلدين، اللذين تغذيهما روايات كاذبة ذات دوافع سياسية، يسيران على مسار تصادم دون أي مَـخـرَج واقعي. ولن يتطلب الأمر الكثير ــ واقعة في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، أو تصعيد سياسة الاحتواء الأميركية ــ لإشعال شرارة تصعيد الصراع.
إذا فاز دونالد ترمب في نوفمبر/تشرين الثاني، فمن غير المرجح أن يحل الصراع بين الولايات المتحدة والصين. فكما فعل في إدارته الأولى، يعتزم ترمب أن يبدأ بفرض الرسوم الجمركية. فقد اقترح رفع الرسوم الجمركية الأميركية على الواردات الصينية إلى ما بين 50% و60% بعد أن رفعها خلال إدارته الأولى من 3% في أوائل عام 2018 إلى 19% في عام 2020.
وكما كانت الحال مع الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب في وقت سابق، فإن هذه الجهود من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية. فبادئ ذي بدء، تشكل الرسوم الجمركية ضريبة على المصدرين الصينيين ترفع الأسعار التي يتحملها المستهلكون الأميركيون. وفقا لبحث حديث أجراه معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، من المنتظر أن تعادل التكاليف الإضافية الناجمة عن الرسوم الجمركية الجديدة التي اقترحها ترمب 1.8% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يقرب من خمسة أمثال تلك الناجمة عن جولته الأولى من الرسوم الجمركية.
ثانيا، كما زعمتُ لفترة طويلة، لن تعمل الرسوم الجمركية المفروضة على الصين على تقليص العجز التجاري الإجمالي المبتلى به الاقتصاد الأميركي الذي يفتقر إلى المدخرات. بل إنها تعمل بدلا من ذلك على تحويل العجز إلى منتجين أجانب آخرين أعلى تكلفة إلى حد كبير. هذا ما حدث بعد الرسوم الجمركية الأولية التي فرضها ترامب: انكمش اختلال التوازن الثنائي مع الصين، لكن العجز المتزايد مع المكسيك، وفيتنام، وكندا، وكوريا الجنوبية، وتايوان، والهند، وأيرلندا، وألمانيا عَـوَّضَ عن ذلك الانكماش وزاد عنه.
على النقيض من ذلك، يبدو أن كامالا هاريس لا تعتزم رفع الرهان على الرسوم الجمركية. لكنها تبدو ميّالة إلى تأييد مبدأ جو بايدن: "الفِـناء الصغير والسياج العالي"، الذي وصفه الرئيس الصيني شي جين بينج على أنه "الاحتواء الشامل، والتطويق، والقمع" للصين. وهذا يشمل استمرار الرسوم التي فرضها بايدن (الـمُـرَحَّـلة إلى حد كبير من عهد ترمب)، والعقوبات الموجهة، فضلا عن استراتيجيات تقليل المخاطر وتعزيز الاعتماد على الدول الصديقة. وفي حين أن النهج المناهض للصين الذي ورثته هاريس عن بايدن أقل عدوانية من الرسوم الجمركية الضخمة المحتملة من جانب ترمب، فإنه لن يهدئ التوترات إلا بالكاد.
ويبدو من المرجح أن يتبنى كل من المرشحين وجهة نظر مختلفة بشأن تايوان. ففي مقابلة أجراها في أواخر يونيو/حزيران مع Bloomberg Businessweek، أكد ترمب على نهج أكثر اعتمادا على الصفقات في الدفاع عن تايوان ضد الصين. وزعم أن "تايوان يجب أن تدفع لنا مقابل الدفاع عنها"، ربما في هيئة أقساط تأمين. اتخذ ترمب ذات الموقف في السابق، حيث أكد أن الدول الغنية يجب أن تدفع مقابل الحماية الأميركية ــ مع أوروبا، وحلف شمال الأطلسي، بل وحتى اليابان.
الواقع أنني لا أؤيد نهج المرتزقة في التعامل مع السياسة الخارجية الأميركية. ولكن يجب أن أعترف بأن تكتيكات ترمب قد تحول عبء ردع الصين من الولايات المتحدة إلى تايوان. وقد يكون هذا تطورا إيجابيا، إلى حد أنه قد يقلل من التوترات المباشرة بين القوتين العظميين. لكنه يظل بعيدا عن كونه وصفة استراتيجية لحل الصراع.
في حين لا يُـبدي ترمب أو هاريس أي استعداد لإنهاء الصراع بين الولايات المتحدة والصين، فقد يشير تطور محتمل إلى اختراق على غرار ما فعله نيكسون مع الصين: اختيار هاريس لحاكم ولاية مينيسوتا تيم والتز مرشحا لمنصب نائب الرئيس.
فمثله كمثل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، الذي شغل منصب رئيس مكتب الاتصال الأميركي في بكين في الفترة 1974-1975، يجمع بين والتز والصين ارتباط خاص. سافر والتز إلى هناك لأول مرة كمدرس في عام 1989، أثناء الأحداث المأساوية في ساحة السلام السماوي، والتي شكلت وجهات نظره حول ما وصفه لاحقا بميول الصين "التي لا يمكن تصورها". حتى أن والتز اختار الزواج في يوم الرابع من يونيو 1994، الذي وافق الذكرى الخامسة لمأساة ساحة السلام السماوي.
في ضوء هذه التجربة، ركز والتز على قضايا حقوق الإنسان في الصين أثناء عمله كعضو في الكونجرس من عام 2007 إلى عام 2019. وقد أيد قرارا قضى بإحياء الذكرى السنوية العشرين لأحداث شهر يونيو 1989 فضلا عن الإجراءات التي اتخذها الكونجرس في التعاطف مع ناشطين صينيين، بما في ذلك تشين جوانج تشنج، وليو شياو بو، والجماعات المؤيدة للديمقراطية في التبت وهونج كونج.
ولكن بالإضافة إلى مخاوفه بشأن حقوق الإنسان والعدوان العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي، أكد والتز أيضا على أهمية العلاقات المستدامة بين الولايات المتحدة والصين، مُـحتجا بأن الحوار يشكل ضرورة أساسية و"يجب أن يحدث حتما". بعبارة أخرى، سيجلب والتز الحس البرجماتي الذي يفتقر إليه بشدة موقف أمريكا المتزايد الكراهية في التعامل مع الصين.
نادرا ما ينظم نواب الرئيس مبادرات سياسية كبرى. ولكن في حالتنا هذه، تساعد آراء والتز بشأن الصين في زيادة احتمالات انطلاق مبادرة على غرار مبادرة نيكسون من قِـبَـل إدارة هاريس. تتقاسم هاريس ووالتز المخاوف بشأن حقوق الإنسان في الصين والتوترات في بحر الصين الجنوبي. لكنهما يدركان أيضا الحاجة إلى مواجهة الضرورة الملحة المتمثلة في تصحيح المسار في العلاقات الصينية الأميركية المضطربة.
هذا المنظور الدقيق من شأنه أن يسمح لهما بأداء أكثر من مهمة واحدة في ذات الوقت. وسوف يشجعهما على إعطاء الأولوية للعودة إلى المشاركة على التمسك بمواقف عنيدة عند كل نقطة احتكاك في علاقة متضاربة. هذا هو ما سمح لنيكسون بحرية تنحية تحيزاته الإيديولوجية جانبا والانخراط مع الصين في عام 1972. وقد يساعد والتز في ترجيح كفة سياسة هاريس في التعامل مع الصين.
الواقع أن كثيرا من الظروف الجيوستراتيجية اليوم تشبه على نحو مخيف مناخ الحرب الباردة قبل نصف قرن من الزمن. ومن قد يتمكن على نحو أفضل من رئيس أميركي جديد عميق التفكير من التخفيف من ديناميكية خطيرة مع قوة عظمى أخرى ويحول العلاقة بين القوتين من عدائية إلى تنافسية، ومن تصعيد الصراع إلى حل الصراع؟
في ظل حكم ترمب وبايدن، تحولت مشكلة الصين في أميركا من سيئ إلى أسوأ. وإذا كانت الـغَـلَـبة لهاريس في نوفمبر/تشرين الثاني، فلن تظل هذه هي الحال بالضرورة.
اضف تعليق