q
ان قرار حل الحزب السياسي حساس وخطير وتداعياته أحيانا أصعب من قرار تشكيله، ولهذا يتم إيكال مهمة اتخاذ قرار الحل الى السلطة القضائية حصرا، لكيلا تخضع طريقة اصداره الى التدخلات السياسية من خلال الأجهزة التنفيذية، ولهذا أُوكل المشرع العراقي اتخاذ قرار حل الحزب السياسي الى النظام الداخلي للحزب...

أُثيرت قبل فترة ردود أفعال متعددة ومتباينة على قرار الهيئة القضائية الانتخابية برد طلب دعوى حل حزب التقدم الذي يترأسه السيد محمد الحلبوسي، وبناءً على دعوى لعدد من أصحاب المصلحة عبر دائرة الأحزاب في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وتزامن الطلب بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا بإنهاء عضوية السيد الحلبوسي من مجلس النواب.

ان قرار حل الحزب السياسي حساس وخطير وتداعياته أحيانا أصعب من قرار تشكيله، ولهذا يتم إيكال مهمة اتخاذ قرار الحل الى السلطة القضائية حصرا، لكيلا تخضع طريقة اصداره الى التدخلات السياسية من خلال الأجهزة التنفيذية، ولهذا أُوكل المشرع العراقي اتخاذ قرار حل الحزب السياسي الى النظام الداخلي للحزب نفسه او بقرار قضائي قطعي وفقا لقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية.

وقد نص الدستور العراقي لسنة 2005 على حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وعلى حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، والانضمام اليها، مكفولة، وقد صدر قانون الأحزاب السياسية رقم 36 لسنة 2015، لتنظيم عمل هذه الأحزاب من حيث المبادئ العامة وأحكام التأسيس وإجراءاته والحقوق والواجبات والتحالف والاندماج وتوقف نشاط الحزب والأحكام الجزائية.

ماذا يقصد بحل الحزب؟

ان حل الحزب يعني إنهاء الوجود القانوني للحزب وانقضاء شخصيته الاعتبارية وزوالها، بناءً على قرار قضائي لمخالفته للشروط والأحكام القانونية الواردة في قانون الأحزاب.

الجهات المختصة بحل الحزب

إن الجهة المختصة لحل الحزب تكون من خلال طلب لدائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي ترتبط بمجلس المفوضين، وبناءً على حكم قضائي صادر من محكمة الموضوع والتي هي (الهيئة القضائية للانتخابات) المشكلة من قضاة في محكمة التمييز الاتحادية، وللحزب السياسي الصادر بحقه الحل من قبل الهيئة القضائية الانتخابية التمييز امام المحكمة الاتحادية العليا ويكون قرارها باتا ملزم وغير قابل للطعن او التمييز.

الأسباب الموجبة لحل الحزب

وفق المادة 32 من قانون الأحزاب تم تحديد الأسباب الموجبة للحل القيام بالأفعال والممارسات التالية:

أ‌- فقدان شرط من شروط التأسيس المنصوص عليها في المادتين (7) و (8) من هذا القانون. وبالعودة الى المادة (7) فهي تنص على: يكون لكل حزب اسمه الخاص به وشعاره المميز له وينبغي ان يكون الاسم الكامل لكل حزب واسمه المختصر وكذلك الشعار المميز له مختلف عن تلك العائدة لأحزاب سياسية سابقة ومسجلة وفق هذا القانون.

اما المادة (8) فهي تنص على: يشترط لتأسيس أي حزب ما يأتي:

أولاً: عدم تعارض مبادئ الحزب او أهدافه او برامجه مع الدستور.

ثانيا: يكون للحزب برنامجه الخاص لغرض تحقيق أهدافه.

ثالثا: أن لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة.

رابعا: أن لا يكون من بين مؤسسي الحزب وقياداته او أعضائه من ثبت بحكم بات قيامه بالدعوة او المشاركة للترويج بأية طريقة من طرق العلانية لأفكار لا تتعارض مع أحكام الدستور.

ب‌- قيامه بنشاط يخالف الدستور.

ج- قيامه بنشاط ذا طابع عسكري او شبه عسكري.

د- استخدام العنف في ممارسة نشاطه السياسي.

ه‌- امتلاك او حيازة او خزن الأسلحة الحربية او النارية أو المواد القابلة للانفجار أو المرقعة في مقره الرئيسي أو أحد مقار فروعه او أي محل آخر خلافا للقانون

و‌- قيامه بأي نشاط يهدد أمن الدولة، أو وحدة أراضيها أو سيادتها أو استقلالها.

هذه الأفعال والممارسات التي على أساسها يتم اتخاذ قرار بحل الحزب.

الشروط الشكلية والموضوعية للحل:

حدد القانون للشروط الشكلية بخصوص حل الحزب بوجود طريقتين:

الأولى: ان لكل ذي مصلحة تقديم شكوى الى دائرة الأحزاب ضد أي حزب خالف أحكام هذا القانون.

الثانية: ان تتحرك دائرة الأحزاب من تلقاء نفسها ضد أي حزب.

تتمثل هذه الشروط في تقديم طلب تحريري من صاحب مصلحة او دائرة الأحزاب إلى عنوان محكمة الموضوع وهي الهيئة القضائية الانتخابية، متضمنا الطلب سبب الحل من الناحية الواقعية والقانونية التي تم الاستناد لها، ذاكرين الأسباب القانونية التي تم الاستناد إليها. أما الشروط الموضوعية:

تتمثل هذه الشروط عند طلب الحل، في تحقق الحالات التي وردت في المادة (32) والمذكورة أعلاه، ومن الجدير بالذكر ان المشرع العراقي قد حصر الحالات التي بموجبها يتم الحل لغرض عدم الاجتهاد والتمدد والأخذ بحالات أخرى.

تبنى المشرع العراقي عند حل الحزب، الحل القضائي، وليس الحل الإداري، أي زوال الحزب وشخصيته القانونية من خلال السلطة القضائية تحديدا، وليس من اختصاص الأجهزة الإدارية، وبهذا سلب من دائرة الأحزاب صلاحية حل الحزب، وان دور الدائرة يكمن في استلام الطلب من صاحب مصلحة متضرر أكان ذلك شخص او حزب او مؤسسة، أو تقوم الدائرة بتقديم الطلب من تلقاء نفسها بشرط القيام بتسبيب طلبها من خلال ذكر الوقائع والفقرات القانونية التي تؤدي الى حل الحزب والمذكورة في الحالات المنصوص عليها في المادة (38) من قانون الأحزاب السياسية، وإذا لم تقم بالتسبيب، سترد الهيئة القضائية الطلب، وعدم الاخذ به، وللهيئة القضائية الانتخابية، السلطة التقديرية باتخاذ القرار الموجب، على ضوء الأسباب والوقائع والأدلة المتوفرة لديها، بحل الحزب او رفض طلب الحل.

ولم يكتف المشرع العراقي بقرار هذه الهيئة القضائية، إنما منح للحزب الذي أُتخذ القرار بحله من قبل الهيئة القضائية الانتخابية، الطعن امام المحكمة الاتحادية العليا. وبهذا أتاح المشرع العراقي للحزب السياسي العديد من الضمانات التي تتعلق بقرار حله والتي يمكن اختصارها بالتالي:

1- يجب يُسبب طلب حل الحزب من قبل دائرة الأحزاب.

2- إصدار قرار الحل من قبل الهيئة قضائية للانتخابات وهي تتشكل من قضاة في محكمة التمييز.

3- للحزب الصادر بحقه الحل من قبل الهيئة القضائية الانتخابية، التمييز امام المحكمة الاتحادية العليا.

ان توفر هذه الضمانات تُحسب للمشرع العراقي وهي متفوقة على ما هو موجود في العديد من قوانين الأحزاب السياسية في الدول الأخرى، كقانون الأحزاب السياسية المصري رقم (40) لسنة 1977. وقانون الأحزاب السياسية الأردني رقم (39) لسنة 2015، وبهذا أصبحت الأحزاب السياسية في العراق بمنأى عن التأثيرات السياسية على الجهاز الإداري، وان البت في طلب الحل يخضع للسلطة القضائية التي هي صاحبة الاختصاص الأصيل في طلب حل الحزب.

ومن كل ذلك ان المتصدي لحل أي حزب سياسي، عليه التمعن جيدا قبل اقدامه لهذه الخطوة، حيث قرار الحل ليس بيد الأجهزة الإدارية ودائرة الأحزاب السياسية تحديدا، انما من خلال هيئتين قضائيتين من السلطة القضائية، ومنها المحكمة الاتحادية العليا وهي أرفع هيئة قضائية في الدولة.

اضف تعليق