من مظاهر عنف الليبرالية بصورتها العولمية المتأمركة، هي فرض نمط من الحياة على باقي الدول التي تعاني من سطوة الأنظمة الدكتاتورية من دول العالم الثالث، ألا وهو نمط الحياة الأمريكية المتسارعة نحو عوالم الشركات عابرة القارات، ونحو MacdonaldوBurger king وKFC، لتعيش حياة Takeaway وتسير مسار الحياة الأمريكية المتسارعة...

من مظاهر عنف الليبرالية بصورتها العولمية المتأمركة، هي فرض نمط من الحياة على باقي الدول التي تعاني من سطوة الأنظمة الدكتاتورية من دول العالم الثالث، ألا وهو نمط الحياة الأمريكية المتسارعة نحو عوالم الشركات عابرة القارات، ونحو MacdonaldوBurger king وKFC، لتعيش حياة Takeaway وتسير مسار الحياة الأمريكية المتسارعة التي يحكمها نظام رأس المال الحر، على قاعدة دعه يعمل، دعه يمر، وكأن دول هذا العلم الثالث مستلبة الإرادة، إما يتحكم بها دكتاتور يدعي الوطنية ويقمع كل رأي حر، أو يتحكم بها نمط حياة يختارها لها “شرطي العالم” الذي يحمل عصًا غليظة، ويأمر العلم بأن يأتمروا بأوامر “الشايلوكي المحتكر” الذي يتحكم في السياسة المالية للعالم، ويتحكم في صياغة حياة الشعوب التي سلبها الدكتاتور حق التعبير.

لم تكن رؤية “فوكوياما” بقولة في “نهاية التاريخ” متأتية من فراغ، أو من رجل “الكاوبوي” الأمريكي، الذي فرض سطوته على مقدرات أمريكا وقمع واضطهد شعبها الأصلي من الهنود الحمر، كما بين ذلك (تودوروف) في كتابه (فتح أمريكا)، حينما ميز بين القاهر والمقهور، إنما جاءت بتخطيط ستراتيجي منذ أن صرح لنكولن مخاطبًا أمريكا بالقول: “ينبغي أن نكون مدينة فوق تل، وأنظار جميع الناس مصوبة نحونا”، وقد حدث ما توقعه أو عمل عليه لنكولن ومن تبعه من فلاسفة البراجماتية، الذين في أول محاولة فلسفية عندهم، تمكنوا من الخلاص من سطوة وهييمنة الفكر الإنكليزي بنزعته التجريبية البحتة، لينتجوا لهم فلسفتهم الخاصة في الجمع بين النزعة العقلية والتجريبية، والنزعة المثالية والواقعية.

بل والنزعة الروحية والمادية، لتكون الفلسفة البراجماتية وسطًا بين هذه الفلسفات، ولتبني نزوعًا فكريًا جديدًا مكن الأمريكيين الوافدين والمواطنين من قبولها على أنها فلسفة تمنح الحق للجميع في نيل المواطنة الأمريكية، عدا تمكن هذا الفرد (المواطن) بمعزل عن دينة وأصله وعرقه ولونه أن يُقدم لأمريكا ماهو ونافع، لأن ما هو نافع فهو صادق، والعكس صحيح بحسب تعبير “وليم جيمس” فيلسوف البراجماتية الأشهر.

بحسب فلسفتهم هذه التي تُتتيح الحريات للجميع، وهي فلسفة ليبرالية في مضمونها تمكن الأميركيون من إقناع الشعب الأصل في أمريكا والشعوب الوافدة على أن قيمة الفكر في ما يقدمه أصحابه من خدمة للوطن الذي يعيشون فيه. بمعنى أن التركيز ينبغي أن يكون على صناعة المستقبل، وعلى سكان أمريكا الأصليين أن يتناسوا أو ينسوا ما مر بهم من عنف مارسه بحقهم “رجال الكاوبوي”، وأن يبدؤوا حياة جديدة يشاركوا فيها الرجل الأبيض بعد أن تقبل وجودهم واعترف بحقهم في المواطنة. عليهم أن يعملوا مع “الرجل الأبيض” لتكون أمريكا “الليبرالية” “مدينة فوق تل، لأنها المستقبل.

تجلى عنف الليبرالية في احتلال أمريكا للعراق الذي تبين في ما بعد أن لا وجود لمسوغات مقبولة دوليًا لاحتلاله، بل الأمرّ من ذلك تصوير احتلال العراق من قبل اليمين الأمريكي، وكأنه رسالة سماوية اختار فيها الله بوش وزمرته لتخليص العراقيين من الدكتاتور وزمرته.

لقد شخص نعوم جومسكي في كتابه (إعاقة الديموقراطية) فشل النظام الأمريكي في تصدير الليبرالية على أنها كما قال “فوكوياما” أنها توجت عرش العالم، لأنها “ليبرالية وصاية” وليست “ليبرالية تحررية”، بمعنى أنها ليبرالبية مُسلحة تُهدد كل شعوب الأرض إن لم تقبل بوصاية “شرطي العالم”، لذلك يرى نعوم جومسكي أن مثل هكذا “ديموقراطية ليبرالية” إنما هي “بالونية كاذبة” لأن الليبرالية بدت واتضحت على أنها “نظام توتيتالي” شمولي، القصد منه فرض النموذج الأمريكي في الحياة، لتكون “الشعوب المقهورة”، مستهلكة لنمط الليبرالية “البالوني” هذا.

تلك الليبرالية التي حدثنا عنها فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، التي استمد بعض رؤاه من فلسفة “هيجل” والتي توقع أنها ستكون “نهاية التطور” في نزوع الإنسان للحرية، والتي أكد فيها أن التاريخ لا يتوقف، وأنه يسير في أحداثه، ولكن الليبرالية ستكون خاتمته.

أقول إنها للآن صارت خاتمة مأساوية لهذا التاريخ، ونحن العراقيين عشنا مأساة عنف الليبرالية هذا في احتلال العراق، واليوم أثبتت الليبرالية الأمريكية عنفها الأشر في الحرب الروسية ـ الأوكرانية، التي لا نعرف لها نهاية غير الخراب والدمار الذي شاهداناه ونشهده يوميًا في أوكرانيا بسبب دعم الليبراليون الجدد لها وعنت الروس في الحرب وعنادهم في الاستمرار فيها.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق