q
الحديث عن ملف الاعمار في العراق ربما يحتاج الى فصول ولا يمكن ان يغطيه مقال قصير، ذلك لما يشوب هذا الملف من شبهات ملاصقة لجميع مفردات ومراحل الاعمار التي تشهدها بعض المحافظات والمدن العراقية، ولم نعرف لهذه اللحظة من المسؤول عن كمية الاخاء المصاحبة لتنفيذ بعض المشروعات...

الحديث عن ملف الاعمار في العراق ربما يحتاج الى فصول ولا يمكن ان يغطيه مقال قصير، ذلك لما يشوب هذا الملف من شبهات ملاصقة لجميع مفردات ومراحل الاعمار التي تشهدها بعض المحافظات والمدن العراقية، ولم نعرف لهذه اللحظة من المسؤول عن كمية الاخاء المصاحبة لتنفيذ بعض المشروعات.

حركة الاعمار ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وتحديدا عقب خروج الآلاف من المحتجين على الأداء المتلكئ من قبل النخبة السياسية، والجهات المعنية بتقديم الخدمات للمواطنين، وكجزء من ردة فعل حكومي إزاء الأوضاع الشعبية المرتبكة، إطلاق العديد من المبادرات العمرانية من بينها وضع حجر الأساس للكثير من المشروعات والمرافق الخدمية.

وتعدى الامر هذه العملية الى الشروع بمرحلة جديدة من التوظيف في المؤسسات الحكومية، وعلى الرغم من مما يحمله هذا الموضوع من مخاطر وسلبيات على الأوضاع الاقتصادية في البلد، لكنه يعد جزء من سياسة لجم الافواه المطالبة بالحقوق وانتزاعها من سالبيها.

نعود الى الحديث عن فصل الاعمار المشوه الذي أصبح ظاهرة في اغلب المدن العراقية، اذ بالإمكان لكل مواطن ان يتلمس ذلك الخلل والتخبط عند مداخل اغلب المحافظات التي عمدت الى تغيير مسار العجلات الداخلة اليها بسبب حالة الاعمار المتواصل والممتد على مدار سنوات دون انقطاع.

اهم ما يتصف به الاعمار في العراق، ان كل مرحلة من مراحله وكل جزء من اجزاءه، ينفصل عن الأجزاء الأخرى، ولكل مشروع او مرحلة بداية ونهاية لم تتمكن الجهات المسؤولة من الربط بين هذه المراحل واعتبارها مرحلة واحدة طويلة او مقسمة الى أجزاء يكمل بعضها الآخر.

وخير المصاديق على ذلك، نشاهد عمليات الحفريات انتهت قبل سنوات، وتلتها عملية الاكساء وتعبيد الطرقات ورص الأرصفة، وتزينها بأعمدة الانارة، التي تدلل على انتهاء المراحل العمرانية في هذا الشارع او تلك المنطقة، ومن ثم التوجه الى مناطق أخرى لم تزورها الآليات العاملة.

ولم يستمر الحال بهذه الدرجة من الاستقرار الا شهور معدودة، بعد ذلك تقتحم آليات التنفيذ المباشر او التابعة لاحد المقاولين لتعلن البدء بهدم ما تم بناءه منذ فترة وجيزة، والسبب هذه المرة هو لمد أنبوب مياه ثقيلة، او قابلوات ضوئية او كهربائية، وبذلك تكون عملية الاعمار قد عادت الى المربع الأول الذي بموجبه ازدادت الحفر في الطرقات وتصاعدت أعمدة الاتربة في الاحياء السكنية.

الاعمار بهذه الطريقة من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الجهات المنفذة والمخططة للمشروعات، حيث استمر الخطأ إلى أن أصبح غير قابل للعلاج، واستعصى على السلطة حله، وتحول بعد ذلك الى حالة من التشوه الحقيقي لمعالم المدن لاسيما التي تشهد حركة بناء وتغيير مستمرة لكنها لا تقوم على أسس علمية وتخطيط مدروس.

فقدان البصيرة والتخطيط العشوائي لم يكن بصورة عفوية، فهو جاء مصاحبا للسرعة الفائقة بالتنفيذ لكسب الدعم والرضى المؤقت عن الجهات الحكومية العاملة في المدينة، وهي بذلك قد حققت انعكاسات إيجابية على المدى القريب وتبدأ بعد ذلك ظهور السلبيات التي تؤكد ان عملية الاعمار والبناء تعبر عن صحوة حكومية متأخرة.

قبل اعوام انتشرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي من يشاهدها لأول مرة يصاب بالضحك بصورة لا ارادية، لكن من يُمعن النظر فيها قد تبكي عيناه لما انتهت اليه علمية الاعمار العشوائي، هذه الصورة توضح بقاء عمود للطاقة الكهربائية بمنتصف احدى الطرق المعبدة حديثا، ولم يبادر المهندس المشرف على المشروع الى تغيير مسار الطريق او نقل العمود الى أحد جانبيه.

عملية الاعمار أقرب ما يكون اليها هو بناء المنازل، اذ يجب ان تتم هذه العملية وفق تتابع زمني منطقي لا يجوز فيه تأجيل مرحلة والبدء بأخرى، أي البدء من صب الاساسات ومن بعدها بناء الجدران مرورا ببقية المراحل وصولا الى الانهاءات والسكن، لكن الاعمار العراقي لا يحترم او يعترف بهذه التعاقبات وبالتالي ارتكب جريمة بحق الأجيال القادمة التي لن تجد مدن وبنى تحتية ولا تعرف من المسؤول ومن هو المخطئ.

اضف تعليق