الأوطان لا تبنى بكثرة التعطيل، بل تبنى بكثرة التخطيط والعمل الجاد المنتج، ومن يعتاد على نظام سيء لا يمكن مغادرته، ومن الأشياء السيئة التي اعتاد عليها الموظف في القطاع العام هو كثرة العطل، والخمول المصاحب بالكسل والممزوج برغبة قضاء الأيام بشكل متشابه، وهنا يكون حاصل الإنتاج لا يساوي شيء...
وفي خبر عاجل قررت حكومة كربلاء المحلية اعتبار يوم غدا عطلة رسمة بمناسبة، (....)، فيما أكد محافظ بابل تعطيل الدوام الرسمي ليوم غدا ايضا، ولأننا مهتمون بمتابعة وسائل الإعلام المختلفة، فقد تصدرت هذه العواجل والاخبار جميع الوكالات والمجموعات على التطبيقات، بينما الموظفون فرحين بما تقدمه لهم الحكومات من هدايا في الأسبوع الواحد.
انتقلت شرارة العطل الرسمية التي أطلقتها الحكومة المحلية الأولى الى عدد من المحافظات بشكل أسرع من النار في الهشيم، وكأن الامر مرتبط بتسجيل الحضور والتعاطف مع الجماهير، (الموظفين)، الذين يفضلون الجلوس في المنازل لإيام عديدة دون معرفة عواقب هذا الجلوس على المواطن البسيط.
المحافظون الذين يكثرون بمنح العطل في محافظاتهم، قفزوا خلف الاسوار الآمنة التي تحميهم من رشقات الجمهور العاطفي الذي يرغب بالحصول على مزيد من الاستراحات، بدوافع احياء المناسبات او ذكرى تحقيق احدى المنجزات على الصعيد الوطني، فضلا عن التعاطف مع بعض الشرائح وإعلان التعطيل لإشعارهم بالرعاية والاهتمام الكاذب.
كثرة إعطاء العطل في السنوات الأخيرة يحتاج الى التفكير العميق، والبحث الدقيق عن الأهداف والاغراض التي تمنح من اجلها، وبتفسير بسيط فان العطل الأخيرة خاضعة الى المكاسب السياسية والارضاء الجماهيري، فمن يعطي أكثر يحصل على تعاطف ومقبولية من قبل الشارع بشكل أكبر.
المحافظون بهذه العطل وكثرتها غير خارجين عن القانون، وقد تم تخويلهم وفق قانون مجالس المحافظات، لكن ما يؤخذ على ذلك هو عدم معرفة الابعاد السلبية نتيجة هذه الخطوات غير المحسوبة، ولا يكون الكلام موجه فقط الى المحافظين، بل يشمل المسؤولين في رأس السلطة.
ولو تتبعنا وأحصينا عدد أيام العطل في السنة الواحدة قد يتصدر العراق جميع دول العالم او المنطقة على اقل تقدير، وبذلك يكون الأول بكمية الاضرار الناجمة عن ذلك، فالعطلة تعني تعطيل لكل شيء، وتعني إيقاف لجميع المصالح العامة، فالكثير من المعاملات الضرورية والمهمة بالنسبة للمواطن تتأخر لإيام عديدة بسبب مصادفة تكرار العطل في الأسبوع الواحد.
الدولة عندما تنظم او تشرع قانون معين فهي تريد ان ترتب حياة الناس وليس تعقيدها، بينما الذي يحصل نتيجة كثرة العطل خلال السنة يُسهم في اضرار المواطنين وعرقلة اشغالهم وارباكهم في تأدية الواجبات اليومية سواء بالقطاع الخاص او ما يخص الموظفين الذين يتركون دوائرهم لغرض المراجعة.
لا يمر شهر في العراق دون الاحتفال بيوم مميز فيه، وكل هذه الأيام التي يحتفل بها قابلة للتشذيب، وإبقاء جزء يسير منها حفاظا على المصلحة الوطنية والعامة، فالكثير من الاحداث والمناسبات لا يصح ان تُعطى يوم كامل من الراحة المنزلية، ويمكن الاكتفاء بتقديم التهاني عبر الوسائل الرسمية والحث على مواصلة الدوام والإنتاج الفعلي.
الأوطان لا تبنى بكثرة التعطيل، بل تبنى بكثرة التخطيط والعمل الجاد المنتج، ومن يعتاد على نظام سيء لا يمكن مغادرته، ومن الأشياء السيئة التي اعتاد عليها الموظف في القطاع العام هو كثرة العطل، والخمول المصاحب بالكسل والممزوج برغبة قضاء الأيام بشكل متشابه، وهنا يكون حاصل الإنتاج لا يساوي شيء.
يمكن ان تأتي الحكومة ببديل ناجح واستثمار أيام العطل عبر تنظيم ورش عمل باختصاصات مختلفة لجميع الموظفين، وبذلك يكون يوم العطلة يصب في مصلحة الموظف والبلد في آن واحد، ومن يبقى في منزله لا يمكن تتلاحق أفكاره ويخرج بشيء يساعده على تقديم الأفضل والتميز بالعمل، وسيكون الركود الفكري هو المخيم على طبيعة وسلوك هذا النوع من الافراد العاملين في القطاع العام.
اضف تعليق