q
احتساب المبيعات لم يكن بالقياسي سابقاً وكان الاحتساب بالطبيعي فقط، وهنا يبرز التساؤل بشكل واضح، لماذا تم اعتماد احتساب المبيعات بالقياسي وهو يحرم الشركة والموازنة هذه المبالغ؟ ان الغاء احتساب المبيعات بالقياسي، يُعد خسارة بالنسبة لأصحاب المحطات الأهلية، مما دفع بهم إلى الامتناع عن استلام المنتجات النفطية وتوزيعها...

ظهرت خلال الايام القليلة الأخيرة أزمة في وقود البنزين في العراق، حيث أخذت المركبات تلزم طابوراً أمام محطات توزيع المنتجات النفطية في العاصمة والمحافظات العراقية.

تناط مهمة توزيع المنتجات النفطية في العراق بشركة توزيع المنتجات النفطية ذات الملكية العامة التابعة لوزارة النفط.

ولأجل إتاحة المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في القطاع النفطي، انطلاقاً من وانسجاماً مع التوجه الجديد نحو اقتصاد السوق في العراق بعد 2003، قامت وزارة النفط/ شركة توزيع المنتجات النفطية وعبر فروعها المنتشرة في عموم محافظات العراق بالتعاقد مع 1300 محطة أهلية، لاستلام المنتجات النفطية وتوزيعها على المواطنين.

وبحكم اختلاف طريقة احتساب مبيعات المنتجات النفطية وفقاً لما يُعرف بالقياسي والطبيعي، ولأجل ايضاح كلا الطريقتين نسوق المثال الآتي:

حمولة السيارة الخاصة بنقل وقود البنزين تبلغ 36 ألف لتر على سبيل المثال (إذ ان هناك حمولات مختلفة 35 الف، 36 الف، 40 ألف وغيرها) وعند ضرب هذه الكمية بسعر البنزين (المدعوم بالأساس) البالغ 430 دينار سيدفع صاحب المحطة إلى شركة توزيع المنتجات النفطية 15480 الف دينار مقابل كمية الوقود، هذا الحساب يسمى بالطبيعي أي الحمولة الطبيعية للسيارة دون الأخذ بعين الاعتبار مسألة المسافة والحرارة والتبخر وغيرها.

وفي حال اخذ مسألة المسافة والحرارة والتبخر بعين الاعتبار، وفق معادلات حسابية معينة من قبل قسم القياس والمعايرة في شركة توزيع المنتجات النفطية، في هذه الحالة سيتم تجهيز تلك السيارة بـ 36 ألف لتر وعند تطبيق المعادلات الحسابية ستظهر الكمية أقل لأنها أخذت بعين الاعتبار المسافة والحرارة والتبخر، أي إن الكمية الطبيعية المجهزة ستنخفض بحكم المسافة والحرارة والتبخر، وهذا ما يسمى بالقياسي، وعند احتساب كمية البيع على ضوء القياسي وليس الطبيعي ستدفع المحطة أقل مما تم تجهيزها به، وهذا يمثل خسارة للشركة والموازنة العامة.

جدير بالذكر، إن العمل بطريقة القياسي يكون أكثر جدوى في البلدان ذات المسافات الشاسعة ما بين مراكز التخزين ومنافذ التوزيع، كالولايات المتحدة الامريكية، وليس في البلدان ذات المسافات القليلة ما بين مراكز التخزين ومنافذ التوزيع كما هو الحال في العراق.

حيث تحصل كل محطة بحدود 485 ألف شهرياً بحكم اعتماد طريقة الاحتساب بالقياسي وليس الطبيعي، وعند الاخذ بعين الاعتبار عدد المحطات الأهلية البالغ 1300 محطة، سيبلغ ما تُحرم منه شركة توزيع المنتجات النفطية والموازنة أكثر 630500 ألف دينار شهرياً، وعند أخذ هذا المبلغ على عدد أشهر السنة، سيكون المبلغ الذي تُحرم منه الشركة والموازنة أكثر من 7500 مليون دينار عراقي سنوياً.

هذا ما التفتت إليه شركة توزيع المنتجات النفطية وعملت على معالجته وذلك من خلال إلغاء احتساب المبيعات بالقياسي والعودة لاحتساب المبيعات بالطبيعي، وهذا ما يعني تلافي المبالغ التي كانت تُحرم منها سابقاً.

وتجب الاشارة إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي إن احتساب المبيعات لم يكن بالقياسي سابقاً وكان الاحتساب بالطبيعي فقط، وهنا يبرز التساؤل بشكل واضح، لماذا تم اعتماد احتساب المبيعات بالقياسي وهو يحرم الشركة والموازنة هذه المبالغ؟!

ان الغاء احتساب المبيعات بالقياسي، يُعد خسارة بالنسبة لأصحاب المحطات الأهلية، مما دفع بهم إلى الامتناع عن استلام المنتجات النفطية وتوزيعها على المواطنين، في سبيل تحريك الشارع وخلق الضغط على الشركة والوزارة من أجل التراجع عن هذا القرار المتمثل في اعتماد طريقة الاحتساب وفق الطبيعي وليس القياسي، مع العلم إن البنزين متوفر في أغلب مراكز التخزين.

هذا الامتناع عن استلام المنتجات النفطية وتوزيعها، دفع بالمركبات أن تكوّن طابوراً أمام بعض المحطات في العاصمة بغداد وبعض المحافظات، مما خلق توقعات لدى المجتمع بأن هناك أزمة في البنزين مما دفع به لزيادة الطلب نوعاً ما لتجنب تفاقم الأزمة المتوقعة.

وبما إن البنزين متوفر في أغلب مراكز التخزين، هذا ما يعني إن الأزمة ليست حقيقة لان الأزمة الحقيقة تتمثل في عدم توفر المنتجات النفطية، ونظراُ لتوفرها في مراكز التخزين فالأزمة ليست حقيقية بل هي أزمة مفتعلة من قبل أصحاب المحطات الأهلية.

وأخذت شركة توزيع المنتجات النفطية تتوعد المحطات الأهلية بالملاحقة القانونية لأنها أخلت بالتعاقد معها في سبيل تحقيق مصالحها الخاصة على حساب المواطن والصالح العام.

وأن الأزمة في طريقها إلى الانفراج لان المحطات الحكومية استمرت في التجهيز على مدار الساعة من جانب وإن المحطات الأهلية سترى أنها المتضرر الوحيد من امتناعها عن الاستلام والتوزيع للبنزين من جانب آخر، فتعود لعملها الطبيعي وتنحل الأزمة.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2022
www.fcdrs.com

اضف تعليق