في ضوء كل من الارادات المتوافقة العراقية والسعودية والاماراتية والخليجية بشكل عام، تسعى كل الاطراف الى تطوير هذه العلاقات بما ينعكس ايجابيا عليهم كدول مؤثرة في المنطقة. ولكن واقع الحال، توجد عدة تحديات في الجانب العراقي تزايد دورها مع بداية التوجه العراقي الى استئناف العلاقات...
حظيت زيارة رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي الى المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة باهتمام خليجي وعربي كبير ومراسيم استقبال لم تحظى به زيارات رؤساء الوزراء السابقين السيد عادل عبد المهدي والسيد حيدر العبادي.
دلالات الاستقبال تحمل مضامين عدة منها ان العربية السعودية والامارات العربية المتحدة لا زالتا برؤيتهما القائمة على ان استقرار العراق سينعكس ايجابا على استقرار المنطقة ككل، فضلا عن ان كلاهما يريدان مواصلة دورهما في التحالف الدولي لمواجهة داعش بقيادة الولايات المتحدة الاميركية.
والاهم من ذلك كله ان السعودية والامارات تدركان ما ستكون عليه طبيعة الاوضاع الشرق اوسطية في ظل رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لدول الخليج العربية. فمع بدء مرحلة قيادة الديمقراطيين للولايات المتحدة الاميركية ووصول جو بادين الى البيت الابيض، باتت العربية السعودية والامرات العربية غير مطمئنة للاستراتيجية الاميركية في الشرق والتي سبق لها ان قوت من شوكة إيران في المنطقة ومكنتها من مد نفوذها في دول عدة ومنها العراق في عهد الرئيس الاسبق باراك اوباما. وباتتا تدركان بضرورة لملمة شتات المنطقة استعدادا لبلورة رؤية اقليمية بالضد من الدور الايراني المتزايد في المنطقة.
وتأتي هذه الخطوة مكملة لخطوة قمة العلا لدول مجلس التعاون الخليجي والتي تمخضت عن مصالحة قطرية مع جيرانها الاعضاء في المجلس. كل هذا يشير الى ان القيادات السعودية والاماراتية تعمل لما يقوي دورها الاقليمي ويخلع عنها عبء الخلافات والصراعات الاقليمية وحتى خارج الاقليمية. وهذا ما يفسر اهداف زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة. الى مصر يوم 24 من نيسان الجاري.
هذا التوجه الخليجي تُرجم عبر مخرجات الزيارة وما تضمنه البيان الختامي بعد لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. اذ اعربت السعودية عن ارادتها بحسر النفوذ الايراني في العراق وتحييده لمنعها من ان تكون معرقل لتطور العلاقات الاقتصادية والسياسية والامنية مع العراق. ولهذا ترجمت السعودية خطواتها تجاه العراق بخطوات ملموسة في إطار مجلس التنسيق الاقتصادي العراقي–السعودي من خلال فتح معبر عرعر الحدودي، والاعلان عن تأسيس صندوق للاستثمار في العراق بقيمة 3 مليارات دولار.
هذه الرؤى والاهداف تتناسق وتوجهات الحكومات العراقية بعد اعلان الهزيمة العسكرية لداعش في كانون الاول/2017 الهادفة لإيجاد مخرج للازمة الامنية والسياسية والاقتصادية عبر بوابة تفعيل العلاقات الاقليمية السياسية والاقتصادية مع المحيط العربي. وهو الامر الذي حصل ايضا مع الاردن ومصر.
في ضوء كل من الارادات المتوافقة العراقية والسعودية والاماراتية والخليجية بشكل عام، تسعى كل الاطراف الى تطوير هذه العلاقات بما ينعكس ايجابيا عليهم كدول مؤثرة في المنطقة. ولكن واقع الحال، توجد عدة تحديات في الجانب العراقي تزايد دورها مع بداية التوجه العراقي الى استئناف العلاقات مع المحيط العربي التي شهدت تصدع كبير عقب غزو العراق للكويت في بداية تسعينيات القرن الماضي ولازالت هذه التحديات تفرض نفسها.
كل العقبات التي تواجه تطور هذه العلاقات يضمها إطار عام مضمونه وجود ارادة داخل العراق تعارض تطور هذه العلاقات، وهي تستثمر ماكينتها الاعلامية وقوتها النيابية وتأثيرها السياسي باتجاه عزل العراق عن محيطه العربي لخدمة مصالحها الفئوية الضيقة وخدمة مصالح إيران في المنطقة. كما ان هذه الارادة تريد للدولة ومؤسساتها وسلطاتها ان تكون اسيرة لها وفق ما يخدم مصالحها تلك.
تبرز تحديات اخرى كنتاج لهذا الإطار وهي التحديات الامنية المتضمنة عدم سيطرة الدولة ومؤسساتها الامنية على كامل اقليميها. وهذا سيسبب في اجهاض اي محاولة للاستثمارات في العراق سواء اكانت عربية او غير عربية، وهذا ما تجسد في عرقلة خطط الاستثمارات السعودية في البادية العراقية بذرائع واهية وغير موضوعية دفعت بها الجهات الموالية لإيران على الرغم من توجه الدولة ومؤسساتها نحو تعزيز الاقتصاد العراقي والارتقاء بمؤشراته، وطبقا لذلك عملت السلطات على سن قانون للاستثمار الذي يعد من قوانين الاستثمار الجيدة على مستوى المنطقة.
وعلى الرغم من توفر هذا القانون، لازال تعارض القوانين وتقاطعها يسبب في عدم اكتمال الإطار التشريعي المناسب لجذب الاستثمار الاجنبي للعراق. وهذا الخلل التشريعي هو أحد اهم اسباب الفساد والابتزاز الطارد لأي تطور اقتصادي في العراق. وهو أحد اهم التحديات التي تواجه تطوير علاقات العراق الاقتصادية مع محيطه العربي والاقليمي على الرغم من توافر العوامل الاقتصادية المشجعة على ذلك، وبالتالي الارتقاء بمؤشرات الاقتصاد الكلي.
العراق، مع كل ما يشهده من صعوبات ومظاهر عدم استقرار سياسي وأمني يبقى في عيون العرب بلد كبير مطلوب منه ان يعود الى دوره الاقليمي الفاعل، وهذا يتطلب حتما ترتيب الاوضاع داخليا سياسيا واقتصاديا وامنيا. واليوم هذه الزيارات وتطور العلاقات مع المحيط العربي ودول الخليج العربية، يصب في صالح تحقيق هذا الهدف إذا ما تم استثماره داخليا عبر بلورة ارادة سياسية وطنية دافعة باتجاه بناء الدولة وتعزيز قدرات سلطاتها ومؤسساتها، وحمايتها من التأثير السياسي.
الحكومة العراقية لازالت تؤكد ان مواجهة هذه الارادة المحلية المعارضة لعلاقات العراق الخليجية والعربية، وتقف بنفس الوقت ضد بناء الدولة وتعزيز سيادتها، تكلف دماء كثيرة. وبالتالي تتبنى الحكومة العراقية تكتيك تحييد هذه الجماعات عبر السياسة من الاقليمي الى الداخلي، اي تحييد هذه الجماعات عبر اشراك إيران –الداعم لها- ودول الخليج العربية في حوار وتواصل ربما ينجم عنه في المستقبل توجه ايراني نحو التهدئة.
هذا التوجه مستغرب، فما هو متعارف عليه وثبت عمليا ان الدور الدولي للدول كوحدات دولية يبدا من الداخل وليس من الخارج، ولهذا لا نرى جدوى بتوجه الحكومة العراقية نحو الفاعلين الاقليميين لدفعهم نحو ترتيب الاوضاع داخليا، وستستنفذ الكثير من الوقت والجهد في ظل عدم ثبات المتغيرات الحاكمة للتفاعلات الاقليمية. ولهذا تبقى المواجهة الداخلية السياسية والامنية العاجلة هي الاقل كلفة، وان تأجيلها سينجم عنه مضاعفة التكاليف بشتى صورها.
اضف تعليق