q
الملايين من المواطنين ينتظرون بفارغ الصبر هذا اليوم الذي تعود به الحياة الى المدن بشكل اعتيادي، لكنهم لم ينتبهوا الى مدى الخطورة التي سترافق هذا القرار على صحة العامة، الجهات المسؤولة في المحافظة أمامها قرارات صعبة في حال اتخاذها، فعليها ان تعرف متى يجب ان يتحرك المواطنين...

اتصل بي أحد الأصدقاء المقربين ليسأل عن أحوالي، فهو منذ أكثر من شهر لم يزرني الى المنزل، بسبب حظر التجوال الذي فرضته الجهات الأمنية لمنع انتشار فيروس كورونا الذي ضرب العالم دون تميز.

بان الاشتياق علينا وبقينا نتحدث لأكثر من ساعة، تبادلنا أطراف الحديث، واستعرضنا الاحداث الجارية وصولا الى قرار الحكومة المحلية الذي يفيد بقرب رفع حظر التجوال الداخلي، وبقاء إغلاق المداخل الرئيسة للمدينة، امام المحافظات الأخرى لحين التأكد من خلو العراق من الإصابات بالفيروس القاتل، بعدها وعدني بالقدوم الى المنزل بمجرد السماح لنا بالحركة كما قبل.

الملايين من المواطنين ينتظرون بفارغ الصبر هذا اليوم الذي تعود به الحياة الى المدن بشكل اعتيادي، لكنهم لم ينتبهوا الى مدى الخطورة التي سترافق هذا القرار على صحة العامة.

الجهات المسؤولة في المحافظة أمامها قرارات صعبة في حال اتخاذها، فعليها ان تعرف متى يجب ان يتحرك المواطنين، وما حجم الحركة او العودة المطلوبة، وما مفروض عليها اتباعه لإنقاذ ارواح البشر في ظل رفع الحظر، الى جانب ضرورة خلق التوازن في الحياة العامة مع الحرص على منع الضرر من التسلل لشرائح المجتمع.

ان إعادة الحياة الى سابقتها قبل انتشار الفيروس يرافقه الكثير من المخاطر، فلا تزال العدوى تنتقل بين دول العالم ولم تتمكن دولة من إيجاد الحال المناسب لإيقافها، ما يعني اننا لا نزال في دائرة الخطر.

فمن الممكن ان عودة الأسواق الى نشاطها السابق، يكون خطرا يهدد السلامة العامة، فهل هنالك احد يضمن ان جميع المتبضعين خاليين من الإصابة؟، انا شبه المتأكد لا احد يجازف ويقول جميع المتواجدين لا يوجد بينهم مصاب، لو سلمنا بوجود إصابة او إصابات بين الاشخاص المارة، فهذا يعني ان شبح الخطر لا يزال يقترب من منازلنا ونحن امام تحدي جديد لم نعرف كيف ومتى سينتهي.

فإذا رفعنا الحظر فهذا يعني اننا امام موجة قد تكون اكبر من الموجة السابقة، لاسيما مع عدم توفر الإجراءات التي تحد من العدوى، فلا تزال اساسيات الانتقال ذاتها، وهي ملامسة الاشخاص المصابين او الاقتراب منهم اكثر من المسافة المحددة لضمان تجنب الإصابة.

يتوجب على الجهات المعنية ان لا تضيع جهودها التي بذلتها خلال الفترة المنصرمة، فهي قطعت أشواط كبيرة، وحققت نجاحات باهرة في التصدي للمرض ومنع انتشاره، اما اذا تهاونت في الأيام القادمة فان احتمالية عودة الانتشار قائمة وحينها ستذهب الجهود والأموال التي صُرفت مهب الريح.

لا حظنا بعض الدول التي تفشى بها الفيروس بشكل مخيف كيف تمكنت من السيطرة عليه وكبح جماحه، فهي لم تبذل جهدا مستحيلا او خياليا، فما عملته هو مجرد إحكام سيطرتها على المدن ومنع الدخول اليها والخروج منها بشكل مطلق وبذلك ضمنت بقاء الفيروس مقيد لا يمكنه الحركة كما يتمنى ويفتك بالبشر كا يحب ان يفتك.

لا يمكن انكار ان الأفراد اعتادوا على سماع الأخبار المتعلقة بالفيروس، وأصبحت نسبة القلق والخوف منه قليلة نسبيا مقارنة بالأيام الأولى من التفشي، بمعنى ان المواطنين اصبح لديهم القدرة على عدم الالتزام بالتعليمات التي اصدرتها منظمة الصحة العالمية واكدت عليها المؤسسات الصحية في البلدان المختلفة.

ومع هذا الاعتياد اصبح من غير السهل إقناع الاشخاص بالبقاء في المنازل، اذ تولدت في نفوسهم مشاعر الطمأنينة، وراح البعض منهم يتهكم بالإجراءات الصارمة التي لا تزال تعتمدها الجهات الأمنية، فهو بذلك التهكم ساعد وبشكل كبير على زيادة التمرد على القوانين الموضوعة، وشجع الكثير من الأفراد على عدم الالتزام وبالنتيجة ستعم الفوضى ويسود اللانظام.

اغلب التصريحات التي ادلى بها العلماء المختصون اشارت الى إمكانية الوصول لإنتاج لقاحات ضد الفيروس في السنة القادمة، امر يحتم على الجميع عدم التراخي في التعامل مع الوباء الخطير، وإعداد العدة الكاملة للقضاء عليه.

من عوامل التخلص من الفيروس المستجد هو تحديد المحددات التي من الممكن مراعاتها لتجنب خطر الإصابة، فمن الممكن ان يكون رفع الحظر على مستويات محددة مثلا اقتصاره على نوع معين من المحال التجارية التي تمس حياة المواطنين بصورة مباشرة مع إعطاء فرصة لأصحاب السلع الكمالية ليتمكنوا من توفير متطلبات حياتهم الأسرية، فهم بالتأكيد لديهم عوائل يتحملون مسؤولية توفير احتياجاتها.

وبعد ان عرفنا الفئات الأكثر عرضة للإصابة وهم كبار السن والأطفال من الممكن ان يقتصر الخروج على شريحة الشباب او المتوسطة في الوقت الحالي، ذلك لمنع الفيروس من الانتشار فيما بينهم، والحفاظ على سلامتهم.

ومن ثم لابد من مواصلة عملية التعفير في الأحياء والأماكن التي يقل فيها التزام الأهالي بالإرشادات الوقائية، فمع قلة تسجيل الإصابات في الأيام الأخيرة، قد تكون إمكانية الانتقال الى مرحلة الهجوم على الفيروس بدلا من الدفاع عن النفس مثلما كان التعامل في الوهلة الأولى عملية بسيطة جدا.

اضف تعليق