متاخراً أدرك ذلك مسعود برزاني الذي طالما راهن على بنيامين نتنياهو، وكاد يرفع نجمة داود فوق منزله لـ "ذوبانه" في النموذج الاسرائيلي. متأخراً أيضاً، لاحظ أنه، مثل غالبية حكام العرب، حجر على رقعة الشطرنج، حجر ووقع، عليه أن يغادر.
من التقوه، كتبوا أنه شديد التمثل بإسرائيل، حلمه أن يكون "بن غوريون الكردستاني". ومثل مناحيم بيغن يرى في العرب أمة ميتة، لا مكان لها في زمننا، هذا رأي الايرانيين والأتراك، بطبيعة الحال رأي الاسرائيليين وسائر أهل الغرب.
كثيرون نصحوه بعدم المحاكاة بين الحلم اليهودي باسرائيل الكبرى والحلم الكردي بكردستان الكبرى، وكان يقول ان الشعب اليهودي أمضى قروناً في التيه، شيئاً فشيئاً تمكن من أن يفرض نفسه كأمر واقع (وراسخ) حتى بات باستطاعة اسرائيل أن تهزم مائة مليون عربي في غضون ساعات.
وقال ما معناه "نحن موجودون على أرضنا منذ بدايات الخليقة، هكذا حدثني والدي (الملاّ مصطفى). ويفترض ألا تندثر الشخصية الكردية بين تلك الهويات التائهة".
الخطيئة الكبرى حين ارتمى بين ذراعي السلطان النيوعثماني، ثمة عازف كردي خاطبه غاضباً "ذاك الذي مشى فوق أرواحنا". خطيئة مماثلة حين أخذ بوعد (لكأنه الوعد الالهي) رجل أعمال يهودي نمساوي تردد أنه نجل صمويل ايزنبرغ الذي فتح أبواب آسيا الوسطى أمام اسرائيل , بأن التعاون الاستراتيجي بين أربيل وتل أبيب سيجعل من كردستان الفردوس الذي يستقطب أكراد المنطقة وأهل المنطقة.
لم يدرك زعيم الأقليم أن الكرد أن الكرد الذين يخوضون فيما بينهم، وكما قال لنا كبير مستشاري عبد الله أوج آلان، صراع المراعي أنثروبولوجيا، قد يكونون مثل العرب. الصرخة القبلية هي التي تجلس القرفصاء داخل اللاوعي، وغياب تام لمنطق المؤسسة التي هي المظهر الأكثر تعبيراً عن المفهوم الفلسفي للحداثة.
اليهود شيء آخر، المؤسسة اليهودية، اذا ما عدنا الى كتاب اسحق دويتشر "اليهودي واللايهودي"، عرفت كيف تعقد المصالحة الكبرى بين الشخصية التوراتية والشخصية الحديثة (والمركبة). هكذا "حكم" ثلاثة يهود (كارل ماركس، وألبرت أينشتاين وسيغمند فرويد) القرن العشرين.
هم في هوليوود كما في وول ستريت، وفي البيت الأبيض كما في الاليزيه و10 داوننغ ستريت، هم في "النيويورك تايمز"، و"اللوموند" و"الغارديان " و"دير شبيغل"، انهم داخل اللعبة الثقافية، وداخل اللعبة الاستراتيجية، وداخل اللعبة التكنولوجية. أين أشقاؤنا الكرد من كل هذا الا اذا كان "الزعيم الأوحد" يريد أن يكون ذراعاً لإسرائيل؟
الأيام الأخير أظهرت أن مسعود برزاني الذي راهن على بعثرة العراق انما نجح في بعثرة كردستان، لا أحد الا ويعترف للكرد، رجالاً ونساء، بقوة الشكيمة، وبالشهامة، لكن الرجل لا يتمتع بالحد الأدنى من الحنكة الديبلوماسية، وعن الرؤية الاستراتيجية الرأس الفولاذي لا يكفي لصناعة دولة.
شخصيات من أربيل والسليمانية نصحته بعدم المجازفة لأن الخسارة، هذه المرة ستكون لها تداعيات كارثية على "الحلم الكردي"، هل هي العشوائية أم السذاجة أم الرعونة في تحديد موعد الاستفتاء، واعلان الاستقلال؟
حتى أن رجب طيب أردوغان الذي عاث خراباً في الشمال العراقي كما في الشمال السوري، وكان عرّاب الانفصال، تخلى عنه في اللحظة القاتلة، بعدما زعزعت سياساته تركيا، ارتجاج دراماتيكي في المؤسسة العسكرية، ضياع في الجهاز القضائي، واختلال في القطاع الأكاديمي.
مسعود برزاني لم يكتف بكل هذا، التحق بقافلة البرابرة الذين يعملون لتفتيت المنطقة طائفياً ومذهبياً (اتصال الملك سلمان بحيدر العبادي كان هاماًفي هذا الوقت).
لا أحد ينفي أن الايرانيين استخدموا الايديولوجيا لاختراق هذا الخواء العربي (جيوسياسياً)، لكن الذي دخل الى كركوك هو الجيش العراقي بمؤازرة قوى عراقية رديفة، بالتنسيق مع جهات كردية استشعرت أن رئيس الاقليم انما يقود الكرد الى التهلكة.
بغية الاستقطاب المذهبي والسياسي، أعلن أن الحرس الثوري هو من دخل كركوك، عبر الحشد الشعبي، قطعاً لا هذا لا يعني أن طهران لم تلوّح لدونالد ترامب بأنها ستواجهه في العراق وغيره اذا ما مضى في سياساته الهوجاء. هنا الميدان من يحدد قواعد (وآليات) الصراع.
اضف تعليق