بالرغم من أن الحديث عن الإرهاب يتصدر اليوم مكان الصدارة في الاهتمامات المحلية والدولية، إلا أن مفهوم الإرهاب ما زال يكتنفه الغموض وتتباين المواقف حول الفعل العنيف الذي يوسم بالإرهاب، وحول الجماعات والدول التي تندرج في إطار الجماعات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب، حتى بات يجوز القول بأن المشكلة في الإرهاب ليس في محاربته فقط بل في تعريفه وفي الاتفاق حول الجماعات والأفعال التي يمكن وصفها بالإرهابية.

لأن السياسة صراع إرادات وتضارب مصالح، ولأن السياسة جُرِدَت من الأخلاق منذ زمن أو أن الأخلاق باتت بحد ذاتها ميدانا للاختلاف، ولأن السياسة باتت محكومة بالمصالح التي تبرر كل شيء، لكل ذلك فإن الدول والجماعات السياسية تتوسل كل الطرق لتحقيق أغراضها بما في ذلك العنف والإرهاب.

عليه يمكن القول إن كل ممارسة سياسية سلطوية تتضمن درجة ما من العنف، والعنف يتضمن إرهابا بدرجة أو أخرى، والفرق بين العنف والإرهاب ليس في الأثر المادي أو حتى بالهدف، بل بحالة الرهبة والخوف التي يولدها، وفي حكم القيمة الذي تضفيه الأطراف المتصارعة على العمل العنيف.

نظرا لأن العمليات (الإرهابية) تولد ضحايا قد يكونوا أبرياء، وتثير مشاعر الخوف والرهبة عند الناس، فإن الاتجاه الغالب هو التهرب من المسؤولية عن هذه الأعمال، ومحاولة إلقاء التبعية على الآخرين، فالآخرون هم الإرهابيون والقتلة، وحتى في الحالات التي تلجأ فيها دولة أو جماعات إلى ممارسة هذا النوع من العنف، فإنها تضفي عليه مسميات مثل الدفاع عن النفس أو الجهاد... الخ من المسميات.

كل شكل من أشكال العنف السياسي يمكن أن يتحول إلى إرهاب في حالة تجاوزه للقانون وللأعراف الدولية وللثقافة والقيم السائدة في المجتمع. كما أن الإرهاب السياسي قد يأخذ بعداً دوليا ويسمى (إرهاب دولي) إذا تجاوز حدود الدولة الواحدة، كأن يمارسه أفراد أو جماعات ضد أشخاص أو مصالح دولة أخرى أو ضد مصالح دولتهم في الخارج.

المشكلة تكمن في تحميل بعض أشكال العنف المشروع صفة الإرهاب المُدان وبالتالي إسقاط الشرعية عن ممارسيه بغض النظر عن الأهداف والغايات التي يسعى إليها ممارسو العنف، وفي نفس الوقت تجاهل أعمال عنف دموي أكثر إرهابا تمارسه دول قوية ضد أخرى ضعيفة، أو ضد شعوب خاضعة لاستعمارها. وفي هذا السياق فإن العنف الذي تمارسه حركات التحرر الوطني في مواجهة جيش الاحتلال – يعتبر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أبرز وآخر نموذج للاحتلال في العالم- لا يعتبر إرهابا بل مقاومة مشروعة، وهو امر تقر به الشرعية الدولية والفقه القانوني الدولي. إلا أن التبعية التنظيمية والأيديولوجية لحركات التحرر الوطني أو فصائل منها، لدول وحركات أجنبية، يؤدي أحيانا إلى حدوث تداخل أو لبس في تصنيف هذه الحركات كحركات تحرر وطني.

الإرهاب ظاهرة غربية المنشأ تأسيسا وغربية التمويل والتوجيه حاليا

الاستعمار الذي مارسته الدول الغربية على شعوب العالم الثالث يعتبر أخطر أشكال الإرهاب، وكل أسلحة الدمار التقليدية والشاملة، الجرثومية والكيماوية والذرية هي نتاج الغرب، وأشرس الحروب وأطولها وأكثرها إيقاعا للضحايا وقعت في الغرب أو كانت دوله الفاعل الرئيس فيها، وأهم الحركات العنصرية والمتطرفة والإرهابية، كالنازية والفاشية واليمين المتطرف والعنصرية والصهيونية – قبل انتقالها إلى فلسطين- ظهرت في الغرب وتغنى بها ومجدها رجال فكر وأدباء غربيون.

إذن فإن نشأة ظاهرة الإرهاب الحديث ظهرت في الغرب سواء إرهاب الدولة أو إرهاب الجماعات والأفراد، وذلك قبل أن ينتقل إلى دول الجنوب، وحتى في هذه الحالة الأخيرة كان الغرب حاضرا بقوة، سواء كممارس للإرهاب ضد الشعوب المستعمَرة من طرفه، أو متلق لضرباته من طرف حركات التحرر في إطار ممارسة حقها في الدفاع عن النفس وتقرير مصيرها، أو مموِلا لجماعات إرهابية تعمل في معسكر الخصم وضده أو تنفذ أعمالا إرهابية لصالح دول غربية.

بدءا من الربع الأخير من القرن العشرين ظهرت جماعات إسلام سياسي تلجأ للعنف تحت عنوان الجهاد، ومع أن هذه الجماعات كانت موجودة سابقا إلا أن قيام الثورة الإيرانية وجماعات المجاهدين في أفغانستان ثم انهيار المعسكر الاشتراكي ومحاولات الهيمنة الأمريكية على العالم والشرق الأوسط خصوصا، ساعد على انتشار هذه الجماعات وأهمها وأكبرها تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وما تفرع عنهما من تنظيمات امتد نشاطها للقارات الخمس وإن كان مركزه الشرق الأوسط.

يمكننا استخراج العناصر المكونة للعمل الإرهابي السياسي بصورة عامة وهي أنه :

1- عمل عنيف يثير الرعب والرهبة و يعرض أرواح وممتلكات الأفراد للخطر أو يهدد بتعريضها.

2- موجه إلى أفراد أو مؤسسات ومصالح أو كليهما معا تابعة لدولة ما.

3- تقوم به دول، أو جماعات بصورة مستقلة أو يكونون مدعومين من طرف دولة ما.

4- لا تلتزم أو تعترف هذه الجماعات بقوانين الحرب التي وضعتها الشرعية الدولية، ولا بقوانين الدولة التي تعيش فيها.

5- لا يحظى العمل الإرهابي بتأييد شعبي كبير.

6- يزعم ممارسوه أنه يسعى لتحقيق أهداف سياسية مشروعة أو دفاعا عن معتقد ديني.

من خلال العناصر أعلاه المكونة للعمل الإرهابي بصورة عامة، يمكن القول إن الإشكالية تتمحور اليوم حول العنصر الأخير، أي الهدف السياسي للعمل الموسوم بالإرهابي، ذلك أن تحديد شرعية العمل الإرهابي أو عدم شرعيته يرتبط بمدى شرعية الأهداف السياسية والدينية، مع الإشارة إلى تداخل الدين مع السياسة بالنسبة للجماعات الإسلامية التي تمارس (الجهاد). فشرعية الأهداف، تسقط صفة الإرهاب بمعناه الإجرامي عن العمليات العنيفة التي يقوم بها ممارسو (الإرهاب) من وجهة نظر ممارسيه، والمستَهدَفون من هذه الأعمال هم من ينعتونها أعمالا إرهابية.

ولكن يبقى السؤال الذي يجعلنا ندور في حلقة مفرغة، من هي الجهة أو المرجعية التي لها الحق في تقييم شرعية أو عدم شرعية العمل (الإرهابي)؟ ومن أين تستمد هذه الجماعات شرعيتها؟ ومن فوض ممارسي (الجهاد) القيام بهذه الأعمال باسم الدين أو باسم الأمة حتى وإن كانت الأهداف المعلنة – إسقاط نظام دكتاتوري مثلا - مقبولة وشرعية؟.

إن أية مقاربة عقلانية واقعية لمشهد العنف الذي يضرب دولنا العربية اليوم من طرف جماعات إسلام سياسي كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن والعراق ومصر لا يمكنه إلا الخروج بنتيجة مفادها:

1- إن هذه الأعمال لا تنتمي للثورة وفكرها وثقافتها، حتى وإن أدرجها البعض تحت مسمى (الربيع العربي). وأن كل ما يجري تحت عنوان (الربيع العربي) هو صراع نخب على السلطة داخليا، التقت مصالحها مع مصالح دول خارجية لها أهدافها في المنطقة العربية، وكان هذا على حساب قوى ثورية ديمقراطية حقيقية أطلقت شرارة الثورة بداية.

2- إن الدين الإسلامي بالنسبة لغالبية هذه الجماعات مجرد أيديولوجيا يتم توظيفها لإضفاء شرعية دينية على أعمالها، وإلا كيف نفسر مقاتلة هذه الجماعات لبعضها البعض بضراوة لا تقل عن ضراوة قتالها للقوات الحكومية؟ ولماذا تتحالف بعض هذه الجماعات مع الغرب (النصارى الكفار) وتتلقى منهم السلاح لمحاربة جماعات إسلامية؟.

3- جزء من هذه الجماعات تقوم بدور وظيفي لخدمة مصالح الدول الكبرى، وتجد الدعم المباشر من هذه الدول الأجنبية أو غير مباشرة عن طريق دول عربية وإسلامية تلتقي مصالحها مع مصالح الغرب.

4- واشنطن والدول الغربية غير معنية وغير صادقة بقولها بالقضاء على الإرهاب بقدر ما هي معنية باحتوائه وتوجيهه لخدمة مصالحها. ومن يرصد تطور الأوضاع في العالم العربي خلال السنوات الأربع الماضية سيلمس أن المتضرر الأكبر مما يجري هم العرب : كفكرة قومية وهوية وانتماء وكدول وطنية، أيضا الإسلام كدين حيث تم تشويه صورة الإسلام حتى عند المسلمين انفسهم، بالإضافة إلى الضرر الذي أصاب الشعب الفلسطيني، بينما المستفيدون من هذه المواجهات والحروب الأهلية : الغرب وإسرائيل ودول الجوار وخصوصا إيران وتركيا.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق