تعد السينما الأمريكية وبحسب بعض الخبراء السينما الأولى في العالم، حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مستمر الى دعم وتشجيع قطاع السينما لاعتبارات اقتصادية وسياسية، وكان للسينما في الولايات المتحدة والتي تشتهر غالباً باسم هوليوود تأثيرٌا عميقا على السينما في مختلف أنحاء العالم منذ أوائل القرن 20. أحياناً يتم فصل تاريخ السينما في الولايات المتحدة إلى أربع فتراتٍ رئيسيّةٍ هي: عصر السينما الصامتة، وسينما هوليوود الكلاسيكية، وهوليوود الجديدة، والفترة المعاصرة. وسرعان ما أصبحت السينما الأمريكية القوّة الأبرز في الصناعات الناشئة. منذ عشرينيات القرن الماضي، وصناعة الأفلام الأمريكية تحصد أرباحاً كل عامٍ متفوّقةً على صناعات الأفلام في جميع أنحاء العالم. حيث تظهر التقارير والإحصاءات الخاصة ان نصيب هوليود من إيرادات دور العرض في كل العالم هو 92%، بينما لا تحظى جميع صناعات السينما الأخرى بما فيها الإنتاجان من بقية الولايات المتحدة سوى بـ8 % فقط.

ويرى البعض ان صناعة السينما هي اليوم سلاح مهم وأساسي بيد الإدارة الأمريكية، اعتبر العديد من النقاد وكما تشير بعض المصادر أن هوليوود وواشنطن تعودان إلى نفس الجينات وأنهما تسيران في ذات الخط وتعملان لذات الهدف. ففي كافة مراحل التاريخ الأمريكي كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تلجأ إلى صناع السينما لإنتاج أفلام تدعم السياسة الخارجية الأمريكية.

من جانب اخر يرى بعض الخبراء ان هذا نجاح السينما الأمريكية لم يستطع يخفي الوجه الحقيقي للولايات المتحدة وسياساتها العنصرية التي شملت حتى الأنشطة الفنية، وخصوصا فيما يتعلق ببعض الجوائز المهمة ومنها جائزة الأوسكار، التي تقدمها سنويا الأمريكية لفنون السينما، وهي من أرفع الجوائز السينمائية في الولايات المتحدة ويعدها البعض أهم جائزة سينمائية في العالم. ويرى البعض وكما تذكر بعض المصادر إن الأكاديمية الأمريكية تتمتع بقدر عالٍ من العنصرية وعدم المساواة بين الجنسين، خصوصا مع خلو قائمة المرشحين لجوائز من أي ممثل أسود.

عدم تنوع المرشحين

وفي هذا الشأن قال منظمون إن جماعات حقوق مدنية طالبوا بمقاطعة مراسم جوائز الأوسكار للمطالبة بتنوع أكبر بين المصوتين على جوائز الأكاديمية وذلك اثر عدم حصول اي ممثلين من جماعات الاقلية العرقية على ترشيحات هذا العام. وقالت شبكة العمل الوطني للناشط والمعلق السياسي آل شاربتون وجماعة الحقوق المدنية "مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية" والمائدة المستديرة للسياسات المدنية في لوس انجليس انها سوف تتظاهر.

وقال ناجي علي المدير السياسي لشبكة العمل الوطني خلال مؤتمر صحفي "ندعو الى مقاطعة مراسم جوائز الأكاديمية. ونعتقد أن الاوسكار يتعين ان يكون أكثر تنوعا فيما بين أعضائه". وقال على إن مكان مظاهرة لوس أنجليس لم يتحدد بعد مع الشرطة. ولم تكشف أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي تمنح جوائز الاوسكار عن التوزيع الديموغرافي لاعضائها البالغ عددهم نحو 6100 عضوا لكنها تواجه انتقادات منذ فترة طويلة نظرا لانها غالبيتها من البيض والذكور.

ووجد تحقيق في عام 2012 اجرته صحيفة لوس أنجليس تايمز ان أعضاء الاكاديمية كانوا 94 في المئة من البيض و77 في المئة من الذكور. وقالت الدراسة ان الاعضاء الذين تم اختيارهم على اساس اعمالهم وبتوصية من الاعضاء الحاليين تبلغ متوسط اعمارهم 62 عاما.

ولا تضم ترشيحات هذا العام اي ممثلين من اقليات عرقية من بين 20 مرشحا في كل فئات التمثيل الأربع. ووجد استطلاع أن 34 في المئة من بين نحو الف مجيب يعتقدون ان هوليوود لديها مشكلة عامة مع الاقليات. وقال 62 من السود الذين أجابوا في الاستطلاع إن صناعة السينما لديها مشكلة مع الاقليات مقارنة مع 48 في المئة من كل جماعات الاقلية التي تم استطلاع رأيها.

الى جانب ذلك شكل الاوسكار فرصة للتنديد بالتمييز العنصري الذي لا يزال قائما اليوم. وقال الفنان الاميركي جون ليجند عند تسلمه جائزة اوسكار افضل اغنية عن "غلوري" ، ان "الحقوق التي ناضل من اجلها قبل خمسين عاما" ابطال فيلم "سيلما"، "مهددة اليوم". واضاف "نعيش في بلد فيه اكبر عدد من السجناء في العالم فعدد الرجال السود وراء القضبان اليوم اكبر من عدد العبيد في العام 1850". بحسب فرانس برس.

اما الفائز الاخر بالجائزة المغني كومون فتحدث عن روح "الجسر" الذي تجرى عليه مسيرة الاحتجاج الشهيرة والتي "تربط بين فتيان احياء شيكاغو الجنوبية الذين يحلمون بحياة افضل وفتيان فرنسا الذين ينهضون من اجل الحرية والديموقراطية". وكانت الممثلة باتريسيا آركيت التي فازت بجائزة اوسكار افضل ممثلة في دور ثانوي دعت قبل ذلك الى احقاق المساواة في الاجر بين النساء والرجال.

هوليوود والأقليات

في السياق ذاته أظهر الاستطلاع بشأن جوائز الأوسكار ان في العام الذي تفتقر فيه الترشيحات للتنوع مما ساهم في نشر وسم (هاشتاج) على موقع تويتر عنوانه #الأوسكار أبيض جدا #OscarsSoWhite‭ ‬قال ثلث الأمريكيين إن هوليوود لا تهتم بالأقليات والنساء بشكل مناسب. وقال 34 بالمئة من نحو 2000 شخص تم استطلاع ارائهم عبر الإنترنت إنهم يعتقدون ان هوليوود لديها مشكلة عامة مع الأقليات وقال 32 بالمئة إن عاصمة صناعة السينما تنأى بنفسها عن تقديم أفلام على مستوى الأوسكار تميل اليها الأقليات.

وقال نحو ثلثي الذين استطلعت اراؤهم من السود أو 62 بالمئة إن هوليوود لديها مشكلة مع الأقليات مقارنة مع 48 بالمئة من جماعات الاقليات مجتمعة. وكانت النظرة لتناول قضايا المرأة أفضل قليلا بشكل عام اذ قال 32 بالمئة إن هوليوود لديها مشكلة مع النساء وأعرب 29 بالمئة عن اعتقادهم أنها لم تنجح في صنع أفلام للأوسكار للجمهور من النساء. لكن النساء شعرن بسلبية أكثر قليلا من الرجال عند السؤال عن وضع المرأة في صناعة السينما. وأعرب 28 بالمئة من الرجال و30 بالمئة من النساء عن اعتقادهم ان هوليوود لم تقدم أفلاما للأوسكار عن النساء بالشكل الكافي. بحسب رويترز.

وجاءت هذه النتائج بعد شهر من إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار والتي لم تتضمن أحدا من ذوي البشرة الملونة ضمن الجوائز الأربعة الرئيسية للممثلين كما لم تظهر أي امرأة في قائمتي أفضل اخراج وافضل سيناريو فيما وصفه خبراء بانه "الأوسكار الأكثر بياضا" منذ سنوات. وشمل الاستطلاع 1988 أمريكيا عبر الإنترنت في الفترة وبلغ هامش الخطأ للعينة 2.5 بالمئة بالزيادة أو النقصان.

في خفايا الاكاديمية

على صعيد متصل يعمل براين كولينان ومارتا رويز مستشارين في مجموعة "برايس ووترهاوس كوبر" للتدقيق، لكنهما وحتى بدء حفل توزيع جوائز اوسكار، سيكونان الوحيدين في العالم اللذين يطلعان على نتائج اهم جوائز للسينما الاميركية. ويروي براين ومارتا كيف تجري الامور في كواليس أكاديمية العلوم والفنون السينمائية التي يشارك ستة الاف من اعضائها في اختيار الفائزين في جوائز اوسكار.

ويقول براين حول طريقة التصويت المتبعة في الاكاديمية "على مدى 84 عاما كان التصويت يجري بواسطة الرسائل، فكان الاعضاء يبعثون تصويتهم بالبريد، لكن قبل ثلاثة اعوام فتحت الاكاديمية باب التصويت الالكتروني، مع اعطاء كلمة سر خاصة لكل من اعضاها". ومنذ ذلك الحين، صار معظم الاعضاء يصوتون الكترونيا، لكن رسائل التصويت تطبع على اوراق لتسهيل العد، وخوفا من امكانية وقوع خلل او قرصنة معلوماتية.

ويشير براين الى وجود فريق من خمسة اشخاص او ستة يقدمون المساعدة في هذه العملية ويفرزون الاصوات بحسب الفئات. ويقول "هناك 24 فئة (في جوائز اوسكار)، وستة الاف عضو ينبغي احصاء تصويتهم يدويا. وتقول مارتا رويز "في معظم الفئات (افضل ممثل وافضل ممثلة، وافضل صوت، وغيرها) لا يصوت الاعضاء سوى لفيلم واحد او فنان واحد، وعلى ذلك فان الحاصل على اكبر عدد من الاصوات يفوز بالجائزة".

وقد حدث ست مرات ان تعادلت الاصوات، فمنحت الجائزة مرتين، وكان ذلك آخر مرة في العام 2013 مع جائزة افضل صوت. اما في فئة افضل فيلم فيبدو التصويت اكثر تعقيدا، اذ يرتب اعضاء الاكاديمية في قسيمة التصويت الافلام بحسب تفضيلهم لها. وينبغي ان يحصل الفائز على نصف الاصوات زائد واحد.

وتوضح مارتا هذه الآلية بالقول "يجري احتساب كل قسائم التصويت (..) وتحذف الافلام التي نالت اقل عدد من الاصوات من قوائم التصويت، ويحتسب تصويتها للفيلم التالي في القائمة، وهكذا دواليك الى ان يظهر الفائز". وبحسب مارتا، فان هذه الآلية المعقدة اعتمدت بهدف ضمان ان يكون الفيلم الفائز يحوز على ما يشبه الاجماع". بحسب فرانس برس.

وحول الاجراءات المتخذة لحماية النتائج من التسرب قبل الحفل يقول براين "يقوم المكلف بطباعة المغلفات بوضع اسماء الفئات عليها وطباعة البطاقات، لكننا نحن من يضع البطاقات في المغلفات ونختمها، ونكون قد حفظنا اسماء الفائزين في كل فئة عن ظهر قلب". ويضيف "لا احد في العالم يعرف النتائج سوى نحن الاثنين". وتقول مارتا "منذ لحظة انتهائنا من هذا العمل، نصبح تحت مراقبة مشددة من حراس مسلحين، ويستمر ذلك الى لحظة البدء بحفل توزيع الجوائز". ويتوجه براين ومارتا الى مكان الحفل، كل يسلك طريقا مختلفا عن الآخر وفي جعبته نسخة عن النتائج، تحسبا لوقوع طارئ ما في الطريق.

العرب وهوليوود

من جانب اخر أظهرت دراسة قامت بها جامعة نورث ويسترن ومركز الدوحة للأفلام بقطر، بعنوان "Entertainment Media Use in the Middle East" أن 45 في المائة ممن تضمنهم مسح الرأي من العرب أشاروا إلى مشاهدتهم للأفلام التي تنتجها هوليوود، لكن 34 في المائة منهم رأوا بأن الأفلام الأمريكية "تضر الأخلاق." وقد تضمنت الدراسة ستة آلاف شخص من قطر ومن مغتربين من بلاد عربية أخرى مثل قطر والسعودية ولبنان ومصر وتونس والإمارات العربية المتحدة.

ووفقاً لمسح الرأي فإن 15 في المائة يرون أن الأفلام الأمريكية تدعم الجانب الأخلاقي، مقابل 71 في المائة منهم رأوا بأن الأفلام العربية تعمل على ذلك أيضاً. وتعددت الإجابات حول الأفلام الأجنبية الأخرى، إذ رأى ثلثا مجموعة البحث أن المشاهدين يمكن أن يستفيدوا من متابعة الأفلام الصادرة عن مناطق مختلفة من العالم، بينما يظن 65 في المائة منهم يفضلون الأفلام التي تعرض ثقافاتهم. وأكثر من نصف عينة البحث (أي 54 في المائة) قالوا إن الأفلام تعد مصدراً أساسياً للمعلومات عن ثقافتهم، في الوقت الذي يفضل 80 في المائة منهم مشاهدة الأفلام العربية.

وقد رأت الأغلبية أن الهدف من الترفيه يجب أن يتمحور حول الأفلام ذات محتوى العنف أو الرومانسية، وأكثر من ثلثي العينة رأوا بأن أفلام الترفيه يجب منعها فيما لو صنفت بأنها مهينة. وأشار ما بين 77 في المائة إلى 76 في المائة من المستجيبين لأسئلة مسح الرأي من السعودية ومصر إلى أنهم يدعمون الرقابة، بينما أظهر التونسيون التحمل الأكبر من بين الأصول العربية التي تناولها البحث، ولكن مع ذلك فإن أكثر من نصف التونسيين بقليل دعموا تواجد الرقابة في الأفلام.

وأشار المدير التنفيذي لجامعة نورث ويسترن في قطر، إفريت دينيس في بيان له إن "هذه الأرقام قد تبدو متناقضة بشكل كبير لكنها حقيقية، إذ تظهر كيف يحاول العالم العربي التأقلم مع العولمة والحفاظ على ثقافته المحلية في الوقت ذاته." في بداية مارس/آذار الماضي، قامت قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة بمنع عرض فيلم "نوح" في شاشات السينما، اعتباراً من أن تشكيل أو تمثيل أدوار الأنبياء محرم في الإسلام.

وقبل ذلك بشهرين قام المراقبون في الإمارات العربية المتحدة باقتطاع 40 دقيقة من فيلم "ذا وولف أوف وول ستريت" من إخراج مارتن سكورسيزي، الذي تطول مدته لثلاث ساعات، وذلك لأن "اللغة والمحتوى" أغضبا المشاهدين في تلك المقاطع. ويأتي هذا في الوقت الذي أشار فيه مسح الرأي إلى أن 72 في المائة من القطريين و68 في المائة من الإماراتيين يؤيدون منع المحتوى الذي يمكن اعتباره سيئاً أو مهيناً. بحسب CNN.

إن أفلام هوليوود ليست الوحيدة التي سحبت من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ قامت قطر بسحب فيلم "راز 3" الهندي من شاشات السينما عام 2012، كما منعت دولة الإمارات الفيلم الهندي الكوميدي "غراند ماستي" العام الماضي. وفي عام 2012 أمرت محكمة تونسية بأن يدفع مدير أحد القنوات الخاصة بأن يدفع ما يساوي 1400 دولار أمريكي بعد أن عرضت قناته "Nessma TV" فيلم "بيرسيبوليس" وهو فيلم رسوم متحركة يظهر شخصية تمثل الله، مما أثار جدلاً بين بعض القادة الدينين، لإهانة المحتوى التعاليم الإسلامية.

75 عاما

الى جانب ذلك احتفت الولايات المتحدة بمرور 75 عاما على عرض فيلم "غون ويذ ذي ويند" (ذهب مع الريح) مع عروض خاصة للفيلم في دور السينما في ارجاء الولايات المتحدة. عرضت 650 قاعة سينما في البلاد الفيلم بنسخته الاصلية مع تقديم خاص بمبادرة من محطة "ترنر كلاسيك موفيز" (تي سي ام) التي تصدر للمناسبة اسطوانة "دي في دي/بلو راي" خاصة. وعرض الفيلم الممتد على 224 دقيقة والمقتبس من رواية تحمل العنوان نفسه لمارغريت ميتشل ، للمرة الاولى في اتلانتا (جورجيا) في 15 كانون الاول/ديسمبر 1939.

وفاز الفيلم الذي تدور احداثه في خضم حرب الانفصال الاميركية بعشر جوائز اوسكار من بينها اول جائزة تمنح الى ممثلة سوداء هي هاتي ماكدانييل. وبالتعاون مع "تي سي ام" اقترح مركز "هاري رانسوم سنتر" في جامعة تكساس في اوستن التي تضم ارشيف المنتج ديفيد سيلزنيك معرضا عن تاريخ الفيلم. وفي المعرض فساتين التي ارتدها بطلة الفيلم سكارليت اوهارا. بحسب فرانس برس.

وتظهر وثائق السيناريو ان العبارة الشهيرة التي يطلقها البطل ريت باتلر في نهاية الفيلم وهي "فرانكلي ماي دير اي دونت غيف ايه دام" (بصراحة عزيزتي انا لا ابالي ابدا) كانت ستستبدل بجملة اخرى اقل عامية. ويشير المعرض الى ان ممثلات كثيرات من امثال تالولا بنكهيد وبوليت غودار وسوزان هايوارد ولانا ترنر وجين ارثر تقدمن للحصول على الدور في تلك الفترة الا ان فيفيين لي هي التي ظفرت به في نهاية المطاف.

اضف تعليق