q

عُرفت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالعلم الغزير، والمعرفة العميقة، والثقافة الواسعة، والبصيرة الثاقبة، إذ كانت تتلقى العلوم والمعارف الإسلامية من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مباشرة، ومن باب مدينة العلم (زوجها) أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكانت عالمة بالإسلام وأحكامه ومفاهيمه وأخلاقه وآدابه، فهي قامة علمية شامخة.

كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) أعلم نساء زمانها، وسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين؛ فمقاماتها السامية، وعلومها الغزيرة، ومعارفها الزاخرة جعلتها الأقدر على القيام بدور المعلم والمرشد والموجه والمربي لنساء عصرها اللاتي كنَّ يتجمعن حولها ويتلقين منها أحكام الإسلام وعلومه.

ان السيدة الزهراء (عليها السلام) كانت من أهل بيت النبوة والإيمان، وقد أعطاهم الله تعالى من العلم ما لم يعطِ أحداً غيرهم، وقد سميت فاطمة بهذا الاسم لأن الله فطمها بالعلم، ولم يكن لها نظير من النساء فسميت بالبتول.

والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تعد أول امرأة مسلمة ألّفت كتاباً يحتوي على أحداث الحياة وما سيحدث فيها حتى يوم القيامة بإملاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ورد في روايات مستفيضة.

ان هذا الكتاب كان يسمى (مصحف فاطمة) وكلمة مصحف لم تكن كلمة اصطلاحية أو خاصة بالقرآن الكريم إلا في القرن الهجري الثاني، أما في القرن الهجري الأول فكانت لفظة (المصحف) تطلق على مجموعة الأوراق إذا جلدت وخيطت وجمعت فيه منعاً من الضياع والاندثار، فالمقصود من (مصحف فاطمة) كتاب فاطمة، وليس بقرآن آخر.

وهناك من يروج أكذوبة أن الشيعة يقولون بأن لديهم قرآناً آخر وهو مصحف فاطمة؛ وهذا من الافتراءات الكاذبة ضد شيعة أهل البيت.

فالشيعة ليس لديهم قرآناً مغايراً لما عند سائر المسلمين كما روج له بعض المؤرخين والخصوم ضد أتباع مدرسة أهل البيت، وليس لدى الشيعة إلا القرآن الكريم الموجود لدى كافة المسلمين، وهو الذي يعتمد عليه أتباع مدرسة أهل البيت في أحكامهم ومسائلهم، ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ويعتبرونه المصدر الأول للتشريع.

ورغم قصر عُمر السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلا أنها روت جمهرة من الأحاديث الشريفة عن أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد كانت (عليها السلام) من أبرز العالمات وأجلهنّ، وأكثرهنَّ فكراً وثقافة وعلماً ومعرفة.

بالنظر إلى مسند فاطمة نجد أن معظم ما روته السيدة الزهراء (عليها السلام) عن أبيها (صلى الله عليه وآله) يتناول الأخلاق والآداب ومحاسن الصفات والتي تجتمع تحت أخلاق الإسلام وآدابه. وقد روى عنها الأئمة الأطهار كأمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) والسيدة زينب الكبرى (عليها السلام) والسيدة فاطمة بنت الإمام الحسين (عليهما السلام)، كما روى عنها كبار الصحابة من الرجال والنساء، كابن عباس، وعبدالله بن مسعود، وأبو سعيد الخدري، وأم سلمة، وأم رافع، وغيرهم.

وقد اهتمت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنشر العلوم والمعارف الإسلامية بين النساء، فكان لها مجلس علمي يحضره نساء المهاجرين والأنصار حتى يأخذن منها أحكام الإسلام وأخلاقه ومفاهيمه وأسسه وفلسفته.

ومن هنا فإن المرأة المسلمة المتعلمة لابد أن تقوم بدور تثقيفي ونشر العلوم والمعارف بين النساء، إذ أن نشر العلم في المجتمع، يساهم في تنمية الوعي العلمي والثقافي مما ينعكس بدوره على التنمية الثقافية والعلمية بين أفراد المجتمع وخصوصاً في الوسط النسائي.

فللثقافة الواعية والمستنيرة دوراً مهماً ومؤثراً في بعث روح الإحياء والنهضة في المجتمع، ويمكن للمرأة المثقفة أن تقوم بدور فاعل في تفعيل المناشط الثقافية والعلمية من خلال التأليف والخطابة وتأسيس نوادي ثقافية وأدبية تهتم بثقافة المرأة وقضاياها المعاصرة.

ان مجتمعنا المحلي يزخر بالكفاءات النسائية المتميزة في كل الحقول العلمية والعملية، لكن المجتمع بحاجة مستمرة للكفاءات والكوادر المتميزة لدفع المجتمع نحو المزيد من التطور والازدهار العلمي والمدني.

ويجب على المرأة امتلاك الوعي الثقافي لأنه عنصر هام من عناصر نضج المرأة ورشدها، وهذا ما يجب أن يدفعها نحو إنماء وعيها الثقافي كي تستطيع الثبات في ظل الإغراء المادي في الحياة المعاصرة؛ وكي تتمكن من القدرة على التعامل والتفاعل مع قضايا العصر بصورة علمية ومعرفية.

وإنماء الوعي الثقافي يتطلب من المرأة التسلّح بالمعرفة والثقافة والعلم؛ وهذا ما يستوجب المطالعة الواعية والقراءة المركّزة، ومتابعة الحركة الثقافية والمعرفية، والتواصل مع النخب الثقافية، والاطلاع على ثقافة العصر.

فكلما كانت المرأة المسلمة أكثر وعياً ورشداً ونضجاً كلما امتلكت القدرة على تجاوز التحديات والصعوبات والمشاكل المتنوعة. كما أن المرأة الواعية تمتلك من الأفق الواسع، والفهم الصائب، والبصيرة الثاقبة، ما يجعلها تتحمل المسؤولية، وتشارك في صناعة التقدم والنهوض الثقافي والمعرفي لمجتمعها وأمتها وحضارتها.

* من خطبة الجمعة 12 جمادى الأولى 1438هـ الموافق 10 فبراير 2017م

اضف تعليق