q
تعددت الجنسيات في عصر الإمام الهادي عليه السلام، وأصبح المجتمع متكوناً من العرب والفرس والأتراك والمغاربة والروميين والأقباط.. وهذا التنوع في المكونات المجتمعية أثر كثيراً في اختلاف اللغة وشكل الملابس وطريقة التعامل

تعددت الجنسيات في عصر الإمام الهادي عليه السلام، وأصبح المجتمع متكوناً من العرب والفرس والأتراك والمغاربة والروميين والأقباط.. وهذا التنوع في المكونات المجتمعية أثر كثيراً في اختلاف اللغة وشكل الملابس وطريقة التعامل، وساعد على دخول عادات مختلفة في الوسط الإسلامي، وتغيرت بعض مضامين الدين من حيث التطبيق في مثل هذه الأجواء والمراحل الصعبة.

هنا كان لابد وأن يأخذ الإمام بيد الأمة لينجيهم من التراجع وربما الهلاك، خصوصا بعد انغماس ملوك بني العباس بالغناء واللهو، مما دفع بالمجتمع صوب الحرمان بسبب التدهور الاقتصادي، لأن الأموال كانت تُبذل على بناء القصور، وتُصرَف بإسراف في الليالي الماجنة على حساب فقر المجتمع، وحرمانه من الحياة الطيبة والعيش الرغيد، فهذا النظام الحياتي غير المسؤول لا زال متعارفاً بين الملوك والطغاة، حيث يركّزون جل طاقاتهم على ادخار الأموال وبناء القصور لأنفسهم، ويتركون الشعب يغرق في بحر الألم والحرمان.

لذلك يشبّه الإمام دار الدنيا بالسوق حيث يقول: الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون.

بالتأكيد من يسعى لإشباع رغباته الغريزية هو الذي يخسر ويخرج من هذا السوق - سوق الدنيا-خالي الوفاض، بل ربما يحمل على عاتقه حقوق الناس حيث سيأتي يوم يقف فيه أمام ربه وسوف يُحاسب على ما اقترفته يداه ونفسه من محرمات.

وهذا التنافس المقيت بين رجال بني العباس على المال والسلطة، دفعهم لرسم المؤامرات والتخطيط للاغتيالات والخضوع للإغراءات، وأصبح هذا الصراع الداخلي سبباً في سقوط الدولة العباسية فيما بعد، وأيضا في ضعف الدين حيث تغيرت المفاهيم الدينية كثيراً وانتشرت الفرق الغنائية وساد الانحلال الأخلاقي في المجتمع، وظهرت أفكار خرافية وهدامة، كالفلسفة اليونانية الملحدة والأفكار الجبرية التي ترى ان الانسان مجبور في أفعاله وليس مخيّرا.

وفي مثل هذه الأجواء لم يترك إمامنا الهادي الأمة تائهة في لجّة الضياع، بل عمل بأساليب رائعة وطرق هادئة على حفظ الشريعة، فقد كان يحارب الأفكار المنحرفة عن طريق الرجوع الى كلام الله تعالى، والتمسك بحبله المتين والعقل السليم، فقد ربط الإمام الهادي عليه السلام عن طريق أحاديثه الشريفة الأمة بأهل البيت عليهم السلام، وبيَّن إنهم أبواب النجاة للأمة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا".

ويروي الإمام الهادي عن آبائه، عن جده النبي صلى الله عليه وآله: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة، المحب لأهل بيتي، والموالي لهم والمعادي فيهم، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم فيما ينوبهم من أمورهم.

وعمل عليه السلام على توضيح مكانة أهل البيت عليهم السلام، ومنزلتهم الرفيعة التي يتمتعون بها لأن الإمامة هي الامتداد للنبوة، وتكملة الرسالة، حيث نقرأ في الزيارة الجامعة التي خرجت من ثناياه الشريفة: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفِ المَلائِكَةِ، وَمَهْبِطَ الوَحْيِ، وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ، وَخُزَّانَ العِلْمِ، وَمُنْتَهَىٰ الحِلْمِ، وَأُصُولَ الكَرَمِ، وَقادَةَ الأُمَمِ)

ارتباط الأمة بأهل البيت طريق النجاة

ارتباط الأمة بأهل البيت عليهم السلام في كل زمان، يوضح لسالك الطريق ما هو صحيح ومناسب له، لذلك يسعى العدو في كل زمان أن يبعد الأمة عن المعصومين، كما نرى اليوم وجود مراقد أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم ومبادئهم تزلزل عروش الطغاة، لذلك يصبون اهتمامهم على إبعاد الناس عن التواصل مع أهل البيت عليهم السلام، أو حتى زيارة مراقدهم الشريفة.

فقد كانوا يقطعون الأرجل والأيادي لكل من سلك هذا الطريق، وإلى يومنا هذا هناك مؤامرات لأجل إبعاد الناس عن أهل البيت عليهم السلام، لأن من تمسك بهم سوف يعرف كيف ينهض ويقف في وجه الظلم، ويهزم سياسات الظالمين الذين يسعون لإسكات صوت الحق والعدل والحرية، بأي ثمن كان!.

إن لله قاع يحب أن يُدعى فيها

يبيّن الإمام الهادي مدى عظمة أهل البيت، وشهيد كربلاء، فقد ورد إنه عندما مرض الإمام الهادي عليه السلام بعث بعض أصحابه وأعطاهم أموالاً لكي يذهبوا إلى كربلاء، ويدعون عند مرقد سيد الشهداء بالشفاء للإمام الهادي عليه السلام، وقد تعجب هؤلاء الأصحاب من طلب الإمام، فقال محمد بن حمزة: يوجهنا إلى الحائر من هو بمنزلة من في الحائر؟.

فقال عليه السلام: إن لله مواضع يحب أن يُعبد فيها وحائر الحسين من تلك المواضع.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل من البيت والحجر وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر، وان لله تعالى بقاعاً يُحب أن يُدعى فيها فيستجيب لمن دعاه، والحائر منها وكان هذا التصريح من الإمام لبيان عظمة الإمام الحسين عليه السلام، وقدسية قبر سيد الشهداء، وان هذه البقعة من البقاع جعلها الله تعالى باب الإجابة والرحمة، كي يعرف الناس هناك أمور غيبية تفوق إدراك البشر، حيث انها متصلة بما وراء الطبيعة.

ويتعلم الناس من نهج الحسين عليه السلام التضحية والوقوف في وجه الظلم مهما بلغ من جو وأذى وجبروت، وقد رسخ الإمام الهادي بأفعاله وأقواله مقامات الشموخ في ذاكرة الدهر، لذلك شعر المتوكل بالخوف وأمر بتهجير الإمام الهادي من المدينة إلى سامراء كي يراقب الإمام ويمنعه من ملاقاة الشيعة، وأمره بأن يأتي إلى البلاط العباسي كل اثنين وخميس، وأمر بعدم خروجه من البيت، وهكذا عمل الامام الهادي على احتواء الشيعة عن طريق ارسال الوكلاء ومن ثم جاء المعتمد وضيق على الإمام الهادي، فارتكب المعتمد هو الآخر جريمة عظمى ودسّ السّم إلى الإمام الهادي، فإنتقل الإمام إلى ربه، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
1- من سيرة المعصومين.
2- مفاتيح الجنان.

اضف تعليق