إسلاميات - الإمام الشيرازي

أولوية الحفاظ على مكانة الرموز الاسلامية

رؤى من افكار الامام الشيرازي

تعد المرجعيات الدينية من أهم  الرموز الاسلامية، ليس على المستوى الديني المعنوي، وإنما على المستوى الفعلي لحياة المسلمين، فقدت أثبتت الأزمات التي مر بها المسلمون عبر التاريخ، ذلك الدور التوجيهي المهم بل المصيري للمراجع في كيفية معالجة الأزمات، ولعل المثال الساخن الذي لا يزال قائما حتى اللحظة في هذا الخصوص، يتمثل بدور المرجعي الحالي في كيفية مقارعة التهديد الذي مثلته عصابات تنظيم داعش، والخطر الذي كان ولا يزال يتهدد حياة المسلمين في العراق وفي عدة بلدان، حاول داعش ولا يزال انتهاك حرمتها، كما فعل في المناطق التي أسس فيها له موطئ قدم وراح يعيث فيها فسادا وظلما وجورا.

وكلنا عايشنا الدور الأساس في التصدي لهذا التنظيم الارهابي، والكيفية التي تعاملت وفقها المرجعية لكبح جماح هذا التنظيم، وكل هذا ينطلق من المكانة الكبيرة للمرجعية في المجتمع، الذي ما أن تصل إليه اشارة او توجيه حتى يبادر الى تنفيذها والتزام بهاد درءاً للمخاطر التي تتهدد المجتمع، ولعلنا نتفق على ان المجتمع الاسمي ينطوي على سلبيات مصدرها أناس لا يمتلكون الوعي اللازم ولا المستوى التربوي الكافي ولا الثقافة التي تجعلهم قادرين على تقييم الرموز الدينية والمراجع بما تستحقه من مكانة كبيرة، لذلك يحاول المرجع الديني في مجتمع كهذا، أن يتعامل مع هؤلاء وفق مضمون النص القرآني المبارك الذي يقول: (إدفع بالتي هي أحسن).

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (المرجعية الاسلامية)، في هذا المجال: (يعيش المرجع في مجتمع مملوء بالسلبية، فكان عليه تطبيق الآية  الكريمة – ادفع بالتي هي أحسن - وانتهاج طريق الإيجابية ومنع تسرّب السلبية إلى هذا المجتمع(. ويضاعف المرجع من دوره المحوري في بث الوعي والثقافة والتوجيه المجتمعي، انطلاقا من مكانته الدينية المتَّفق عليها بين الجميع، فيؤدي دوره في هذا المجال على الوجه الأمثل.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي، عندما يقول حول هذا الجانب، بكتابه المذكور نفسه: (يقوم المرجع الديني بنشر الفضيلة بين الناس بالأخص بين العاملين معه والناشطين في أجهزته المتحرّكة، وذلك بترويج الأحاديث والقصص والحكايات الداعية إلى العزة وباستخدام الأساليب المختلفة المشجعة على هذا المنهج .كما أن دعوة الخطباء والكتاب إلى التركيز حول هذه الفضيلة أمرٌ مهمّ ونافعٌ أيضاً).

العزة وامتلاك قوة النفس

 

إن شخصية المرجع كرمز ديني للمسلمين، تستدعي الكثير من البناء الذي سيأتي على مراحل متعاقبة، تتطلب من ذات المرجع متابعة مرهقة لتنمية قدرات الذات الفكرية والمادية والروحية التي تجعل منه شخصية بالغة التميّز والثراء، لكي يكون قادرا على اداء الدور الديني الكبير في تطوير المجتمع، لذلك يسعى المرجع بصورة استثنائية، الى امتلاك عزة النفس والترفّع عن الصغائر، والسعي الحثيث لبناء الذات، بالطريقة التي تجعل منه قادرا على السمو فوق صغائر الحياة، مهما بلغ حجمها او اغراءاتها، ولكن هذا لا يعني عدم مقارعة التعالي في النفس، فالمرجع بعيد كل البعد عن التكبر على الناس بل هو من أشد المتواضعين كونه يبني هذه الملَكة في ذاته من بداية رحلته في البناء الذاتي، ولذلك تكون مكانته عالية وكبيرة بين المسلمين، الامر الذي يستدعي عدم الاساءة إليها او المساس بمكانتها مهما كانت التبريرات او الحجج التي يسوقها المعادون والحاسدون له.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: إن (العزة هو شعور بالترفع ينمو في داخل الإنسان، ويجعله غالي النفس لا يسقط في مهابط الرذيلة، ولا يحني ظهره للباطل، كما وأنه يكون متواضعاً مع الناس على عكس الإنسان المستعلي الذي يصبح متكبراً مترفَّعاً فوق الناس، يشعر بأنّه مميزٌ عن الآخرين).

وغالبا ما يكون الانبياء والأئمة عليهم السلام، هم النماذج التي يقتدي بها المرجع في مسيرته التي غالبا ما تكون مكللة بالمصاعب والازمات، نظرا لسعة حجم الاهداف التي يسعى المرجع الى تحقيقها للمسلمين ضمن المجتمع الذي يعيش فيه وخارجه ايضا، لذلك يسعى المرجع باصرار واجتهاد دؤوب الى امتلاك الرفعة وعزة النفس والشخصية العميقة الهادئة المتوازنة المؤمنة، حتى يستطيع معالجة الازمات الكبرى التي غالبا ما تواجه المسلمين في الاصعدة والمستويات والمجالات كافة، الدينية، السياسة، الاقتصادية، العلمية، التعليمية، الصحية، الاجتماعية، وغيرها، وهذا ليس بصعب او مستحيل على من يتبع حياة وسيرة الانبياء وأئمة اهل البيت، فيكتسب بذلك مكانه الكبيرة والعميقة والمتميزة بين عموم مكونات وشرائح المجتمع.

لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع، بكتابه المذكور نفسه: (يسعى المرجع إلى امتـلاك قـوة النفس، وذلك بالمزيـد من التفرغ للعبادة، والتفكير في عظمة الله سبحانه، وأخذ العبر من حياة الأنبياء والأئمة عليهم السلام).

محاولات الإساءة للمرجعية

نظرا للتميّز والمكانة العالية التي يحصل عليها الرمز الديني الموثوق، كنتيجة طبيعية لسعيه الدائم والمستمر في بناء الذات بالمجالات كافة، في الأصعدة المختلفة الروحية والثقافية والمعنوية على وجه الخصوص، ونظرا لكونه محط احترام الناس عموما، لاسيما أولئك الذين (يقلدونه) ويصغون لتوجيهاته، بالاضافة الى اكتسابه ثقة متزايدة بسبب علميته وتوازنه، لهذه الاسباب وربما هناك غيرها، قد يكون المرجع مستهدَفا من جهات وشخصيات وجماعات وربما جهات ذات مناصب سياسية سلطوية عليا، وهذا الاستهداف مبعثه المكانة الكبيرة للمرجع، واحترام المسلمين له، والسير وفق توجيهاته، لذلك لابد ان هذه الامور والمواصفات تثير حفيظة المعادين للمرجعية، لأسباب كثيرة قد يكون منها الحسد والحقد، وهو سلاح الفاشلين بطبيعة الحال ضد كل من يحقق النجاح ويكسب الناس ويحصل على المكانة المتميزة، نتيجة لدأبه وتعبه وسعيه في اكتساب العلم والتعامل بتوازن ومحبة مع الجميع، فضلا عن الحنكة والهدوء واستقرار النفس والايمان العميق في القدرة على مواجهة الازمات والصعوبات والمشاكل، ومثل هذه الصفات لا يمكن أن يحققها الجميع بين الناس، لذلك يكون المرجع هدفا للاساء من لدن البعض، وقد يكون هدفا للتسقيط وإلصاق التهم غير الصحيح بشخصيته واتباعه. 

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (المرجع باعتباره شخصية بارزة في المجتمع، فإنّ هناك الكثير ممن يحاول الإيقاع به بسبب الحسد والحقد، فيشهرون بوجهه ألسنتهم وأقلامهم، ويتهمونه بشتى التهم لإبعاد الأمة عنه).

من هنا لابد أن تُصان شخصية المرجع، وينبغي أن تكون هناك أولويات متفَّق عليها بين الجميع حول حتمية وألولية صيانة المرجعيات، وعدم الاساءة لها ولا المساس بها، فنحن جميعا نعرف كيف تُبنى المرجعيات الموثوقة، وما هو حجم الجهود الاستثنائية التي يبذلها المرجع حتى يكون في المركز والمكانة التي يستحقها كرمز ديني يتبعه المسلمون وينهجون نهجه وتوجيهاته، ولأن المرجع الديني يضع حياة الانبياء والاوصياء عليهم السلام نماذج يهتدي ويقدي بها، فإن الاساءة له ستكون مجحفة، ولا يمكن أن تصب في مصب وحدة المسلمين واتحادهم وتضامنهم في مواجهة الشدائد والازمات التي تستهدفهم هلى نحو متواصل، حتى لا يبلغون مرتبتهم الصحيحة في العالم، لذلك ينبغي ان تكون هناك حدود وضوابط في التعامل مع المراجع، لا ينبغي تجاوزها، وينبغي ان يكون هناك اتفاق واضح بين الجميع، يردع ويصد كل من يحاول الاساءة للمراجع الدينية، المعروفة بتأريخها الطويل، ولابد أن يكون هذا الهدف من الأولويات التي لا ينبغي تجاوزها، او عدم الاهتمام بها، لاسيما اذا عرفنا أن الأسوة الحسنة لمرجعنا الكرام، هم خيرة خلق الله (الأنبياء والأوصياء).

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي عندما يقول في هذا المجال: إن (المرجع يجعل حياة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، أسوة حسنة لحياته، ولتعامله مع المعتدين والحاسدين).

اضف تعليق