سياسة - عنف وارهاب

الإرهاب

حتى الان لازال مصطلح الإرهاب لم يحقق الاجماع المطلوب على تحديد تعريف له بين الشرق والغرب. طالما ان النظرة المتبادلة بين الطرفين محكومة بالكثير من العوامل التاريخية والثقافية والسياسية، إضافة الى الصورة النمطية المتكونة في وعي ولا وعي الطرفين اتجاه بعضهما.

وربما هذا الاختلاف يعد سببا رئيسيا من أسباب انتشار جماعات العنف المتطرفة داخل المجتمعات المسلمة نتيجة لتوفر حواضن اجتماعية لها، تساهم في توفير الحماية والبنى التحتية لتلك الجماعات، طالما هي لاتعترف بتصنيفها تحت خانة الجماعات الإرهابية، او انها تراها جماعات تدافع عن حقوقها ضد الآخرين.

غير المجالات الاجتماعية والسياسية، يتداخل الارهاب مع مجال اخر هو وسائل الاعلام والاتصال والذي يشهد ثورة شديدة الاندفاع في تطور وسائله وتكنولوجيته، والتي تساهم مساهمة فعالة في انتشار جميع صور العنف والإرهاب والتطرف، وتساهم في تقديم وجهات نظر بعيدة كل البعد عن الحقيقة وترسم توجهات الملايين نحو تلك الاعمال.

يذهب (بروس بالمر) في تعريفه للارهاب الى إنه قابل للتعريف فيما إذا كانت الأعمال التي يضمها معناه يجري تعدادها وتعريفها بصورة دقيقة وبطريقة موضوعية دون تمييز فيما يتعلق بالفاعل مثل الأفراد وأعضاء الجماعات السياسية وعملاء دولة من الدول.

في بحثه المعنون (مفهوم الإرهاب - دراسة في القانون الدولي والداخلي) يرصد الدكتور كريم مزعل شبي توجه جانب من الفقه القانوني الى تحديد صفات معينة للجرائم الإرهابية لتمييزها من غيرها ومن تلك الصفات على سبيل المثال:-

1- إن الأعمال الإرهابية تتصف بأنها أعمال عنف، أو تهديد به، وأضاف البعض الى هذه الصفة، ان يكون العنف غير مشروع. وفي ذلك يقول (يورام دينستن) ((أنا اعتبر الإرهاب على انه عمل عنف غير قانوني)).

2- أن يتضمن هذا العنف إحداث الرعب، أو التخويف ، وتقوم بهذا الدور الأداة أو الوسيلة المستخدمة في العمل الإرهابي.

3- أن يكون هذا العنف منسقا، أو منضماً، ومستمرأ ، وعلى ذلك فعمل الاغتيال الذي لا يكون جزءاً من نشاط منظم لا يعد إرهابياً.

وقد عرفت لجنة القانون الدولي في المادة (19) من المشروع المقدم من قبلها الى الدورة الأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة الإرهاب ((هو كل نشاط إجرامي موجهٌ الى دولة معينة ويستهدف إنشاء حالة من الرعب في عقول الدولة أو أي سلطة من سلطاتها وجماعة معينة منها)).

ويعد من قبيل الجرائم الإرهابية بعض الأمثلة الواردة في تقارير لجنة القانون الدولي في نفس الدورة:

1 – الأفعال غير المشروعة التي من شأنها أن تحدث الموت أو الألم الجسمي الشديد إذا وجهه الى رئيس الدولة، أو أحد أفراد أسرته، أو معاونيه، وكذلك الأشخاص المكلفين بالوظائف العامة إذا ما وجه العدوان إليهم بصفتهم العامة، والشرط الوحيد لاعتبار الفعل الواقع عليهم إرهاباً هو أن يتم الاعتداء بمناسبة الصفة التمثيلية، وليس لاعتبارات أو دوافع خاصة تتصل بهم كأشخاص عاديين كالقتل للأخذ بالثأر أو السرقة.

2- الأفعال غير المشروعة التي تستهدف تحطيم، أو إتلاف الملكية العائدة للدولة، أو المال العام.

3- أي فعل غير مشروع آخر من شأنه ان يعرض للخطر حياة الرهائن، أو أي شكل آخر من أشكال العنف يتخذ ضد الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية الدولية، أو بالضمانة الدبلوماسية.

وقد عرفت وزارة العدل الأمريكية عام 1984 الإرهاب بأنه سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف. بينما ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي الى تعريفه بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطراً على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دوله.

تعرّف (موسوعة النظرية الثقافية – المفاهيم والمصطلحات الأساسية) الإرهاب بانه ارتكاب أفعال عنيفة ضد المدنيين بهدف خلق إحساس بالذعر بين عموم الناس (او وسط جماعة قومية او اثنية معينة) وذلك من اجل بلوغ اهداف سياسية او أيديولوجية او اقتصادية او دينية معينة.

ويختلف الإرهاب عادة عن الحرب، على اعتبار ان الحرب تسمح بممارسة سلوك عنيف بين الفريقين المتحاربين، وذلك وفق قواعد قتال متفق عليها بينهما. ويعرف الكافة ان العمل الإرهابي ينطوي – في اكثر مستوياته تطرفا - على قتل بعض الناس. ولكنه يمكن كذلك ان يوجه ضد الممتلكات او الموارد الطبيعية، التي يؤدي اتلافها او تدميرها الى الحاق ضرر مباشر.

ويتسم الفعل الإرهابي ببعض الملامح الجوهرية. فالإرهاب قد يكون ذا طبيعة قومية او عالمية. كما قد ترتكبه جماعات إرهابية مناوئة لدولة معينة، وقد ترتكبه الدول نفسها، وهو ما يعرف بـ(إرهاب الدولة). ويتعين وجود فاعل (او مجموعة فاعلين) يمكن اسناد العمل الإرهابي اليهم. ولابد ان يكون واضحا – بالضرورة – ان هذا الفاعل يستهدف تحقيق غرض، بدونه لا يكون للعمل الإرهابي أي معنى. وعلى هذا يكون اقتراف الفعل المحتمل (الإرهابي) وإلحاق الأذى امرا مبررا في عقل الفاعل في ضوء تحقيق هذا الهدف. وهذا الهدف هو الذي يسبغ على الفعل الإرهابي صفة الوضوح والجلاء. من هنا يمكن القول - ترتيبا على ذلك – انه لا يمكن في الحقيقة ان يوجد عنف إرهابي (بلا غاية ولا هدف). فكافة ألوان العنف الارهابي هي في حقيقتها مفهومة. على ان هذا لايعني ان المعتقدات التي تحرك مثل هذا العنف لايمكن ان تكون ضحية لخداع او تضليل، وحينئذ يكمن عبث مثل هذه الأفعال في الحقيقة. ولابد ان يستهدف الفعل الإرهابي إصابة بعض الضحايا المحددين، ولكنه لايمكن ان يستهدف ضحية وحيدة او معزولة. فعلى حين يمكن ان نتصور من حيث المبدأ ان فعل القتل يمكن ان يلحق بضحية وحيدة منفردة (بافتراض ان القتيل ليس له أقارب احياء او أصدقاء او أبناء يعولهم ويمكن ان يتضرروا لما حدث له) على خلاف ذلك تستهدف الأعمال الإرهابية احداث تأثير واسع الانتشار. والاثر المستهدف هو ببساطة تأثير عاطفي مطلوب احداثه في شهود الواقعة الإرهابية، أي خلق حالة من مشاعر الخوف اللامحدود (الافراط في العنف المضاد للمجتمع) من ناحية، والعجز (الراجع الى التهديد الدائم بتكرار مثل هذا العنف) من ناحية أخرى.

وهكذا تكون غاية مثل هذا التأثير تحويل شهود العمل الإرهابي الى طرف مشارك في الحدث الذي رأوه بأعينهم او سمعوا قصصا عنه. وعن هذا الطريق تحدث الاعمال الإرهابية الأثر المنشود بان تزرع في نفوس شهود العمل الإرهابي على غير إرادة منهم سياقا تفسيريا لهذا الخوف لامناص منه. وبذلك يكون العمل الإرهابي قد وصل الى هدفه الرئيسي المنشود. معنى ذلك ان ضحايا الإرهاب ليسوا فقط أولئك الضحايا الذين قد يفقدون حياتهم او يلحق بهم اذى مادي او معنوي نتيجة تلك الاعمال الإرهابية، وانما كذلك أولئك الذين يتعين عليهم من وجهة نظر الإرهابي ان ينتبهوا ان شاؤوا تحقيق أهدافهم.

فالارهاب من هذه الناحية يمثل دائما شكلا من اشكال الذرائعية: أي ان الغاية تبرر الوسيلة. ولايمكن من نواح عدة، تصور الإرهاب الدولي الحديث دون الإشارة الى نظم الاتصال والاعلام. فكلما كانت شبكة الاتصال أكثر كفاءة وأقدر تعبيرا خاصة من الناحية البصرية، كلما ازداد احتمال تنامي قوة التأثير الذي يمكن ان يحدثه العنف الارهابي، وذلك على اعتبار انه كلما كان تدفق المعلومات والصور اسرع اندفاعا، كلما زاد عدد الضحايا المحتملين.

من المعروف ان هجوم تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول 2001 يجسد حالة الافراط في العنف التي تعد سمة مميزة للإرهاب الدولي. ويعتقد ان الإرهاب في كثير من الحالات يؤثر بشكل حاسم على النظم السياسية التي يستهدفها بأعماله. فمن بين نتائج ذلك، خاصة في نظم الحكم الديمقراطية الليبرالية، تضييق نطاق او خنق مجالات تطبيق القانون، خاصة تلك التي ترتبط بحقوق الفرد وتوفير الامن.

عندئذ يتراجع استقلال النظام القضائي الى حد يهدد حرية الافراد امام القانون التي تحظى بمكانة عليا في الديمقراطيات الليبرالية. وينجم عن ذلك في العادة اشتعال التوتر بين السلطتين القضائية والتنفيذية في كثير من الحالات. وفي الأحوال التي يصور فيها الارهابيون القوى الغربية بانها قوى استعمارية تسعى الى احتلالها كم هو الحال في خطاب تنظيم القاعدة، نجد ان التشريعات التي تمنح السلطة التنفيذية مزيدا من القوة يمكن ان تقلل من الكلام الجميل عن الحرية.

ومن النتائج الأخرى التي ترتبت على هجوم الحادي عشر من أيلول ازدياد التعاون الدولي بين الأجهزة الحكومية للدول المختلفة. واشد مايلفت الانتباه هنا استجابة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بإعلان (الحرب على الإرهاب). وقد ترتبت على هذا الإعلان جملة من النتائج . من ابرزها العمل العسكري ضد أفغانستان الذي حدث بسبب وجود تنظيم القاعدة هناك.

في مايو 2010 قررت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التخلي عن مصطلح "الحرب على الإرهاب"، والتركيز على ما يوصف بـ"الإرهاب الداخلي"، وذلك في إستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي. ونصت الوثيقة على أن الولايات المتحدة "ليست في حالة حرب عالمية على "الإرهاب" أو على "الإسلام"، بل هي حرب على شبكة محددة هي تنظيم القاعدة و"الإرهابيين" المرتبطين به.

واذا تأملنا على المستوى النظري مفهوم الحرب على الإرهاب واخذناه على محمل الجد، سوف نتبين انه تعبير مثير للخلط فيما يتعلق بمفهوم الحرب، الذي يقتصر على العلاقات بين الدول القومية. اما مفهوم الحرب المستخدم لمقاومة الإرهاب فيختلف اختلافا نوعيا عن التصور المعتمد نظريا للحرب. من تلك الاختلافات: ان الأطراف المتحاربة لاتلتقي في ساحة محددة للمعركة، ولا هي تتصرف كما تفعل اثناء الحرب، كقاعدة عامة على الأقل، أي وفقا لمواثيق محددة سلفا للسلوك العسكري والزي العسكري وغير ذلك. وطبيعي ان قواعد السلوك العسكري تلك تستند بالضرورة الى مواثيق وقواعد أخلاقية. من هنا فان الخلط بين تلك القواعد والمواثيق العسكرية يفتح الباب للخلط بين المواثيق والقواعد الاخلاقية.

اضف تعليق