الهيمنة هي السيطرة الكلية والاحتواء من قوة كبرى على قوة أصغر أو تحديد الأشياء جميعها في إطار واحد والسيطرة عليها. هنا فأن العمليات الاتصالية التي تستخدمها القوى (دول الشمال) كسلاح ماضٍ للهيمنة على دول الجنوب ( البلدان النامية) (1) ومن ضمنها وكالات الأنباء الدولية تؤدي دوراً كبيراً في إشهار هذا السلاح بوجه الشعوب.
ولن تدور رحى معركة الهيمنة الصناعية بين جدران مراكز التصميم أو في غرف اجتماعات مجالس الإدارات، بل ستخوضها الشركات الافتراضية سواء بالنصر أم الهزيمة على جبهة مواقع العمل الافتراضية(2).
وتتضح مثل هذه الهيمنة والسيطرة في عدم الاهتمام الملحوظ لدى وسائل الإعلام في البلدان المتقدمة، ولا سيما في الغرب، بمشكلات البلدان النامية واهتماماتها وتطلعاتها، فهي تقوم على القوة المالية والصناعية والثقافية والتكنولوجية وينجم عن ذلك عُدّ معظم البلاد النامية مجرد مستهلكة للمعلومات التي تباع مثل أية سلعة أخرى(3).
ونظراً لأن غالبية الناس تبني وجهات نظرها باعتمادها على الإعلام المهيمن، لذلك أصبح الإعلام من أهم وسائل الهيمنة، وقد تتحول الهيمنة وتتطور وتقوم بتعبئة الرأي العام بحسب تقلبات الأوضاع(4). وعليه فأن عملية التبادل الإعلامي الدولي بالدرجة الأولى على أخبار الدول الكبرى المتطورة والغنية وأخبار بعض الدول الأقل تطوراً المؤثرة في ميدان الأحداث والسياسة الدولية، والسبب سيطرة هذه الدول ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وعلى نحوٍ أقل روسيا وغيرها من الدول المتطورة على وسائل الإعلام الدولية مما يتيح لتلك الدول فرض وجهة نظرها عن طريق عملية التبادل الإعلامي الدولي الأحادي(5)، بحيث يكون نزوع القوة الدولية الساعية إلى الهيمنة نحو ترويض الثقافات الأخرى بخاصة الجادة احتواء لدورها في تأجيج التحدي لها، ولا سيما أن الثقافة الجادة تمثل الوعي والإحساس بالخطر والقدرة على الرفض(6).
إن المجتمعات المتطورة صناعياً والمهيمنة على الإعلام العالمي تنقل صيغاً للتعبير تتناسب مع وتيرة تغلغلها في بلدان أخرى، ومن شأن تلك الصيغ إفساد قيمها وقوانين نموها الداخلية وتوازنها الاجتماعي والثقافي وتجري ممارسة هذا ( العدوان) بطرائق مختلفة منها الأخبار وطريقة العيش والأزياء والسلوك والإيديولوجيات التي تبثها وتفرضها وكالات الدعاية وبرامج الراديو والتلفاز التي تعود للبلدان المتقدمة التي غالباً ما تكون غير مناسبة لغيرها من الدول(7).
كما ساعد التقدم العلمي والتكنولوجي على تدعيم الهيمنة الاتصالية لدول الشمال التي تجسدت كأوضح ما تكون في سطوة التدفق الإخباري وتدفق المعلومات من نصف الكرة الشمالي الغني إلى دول الجنوب الفقيرة، وفي قلبها الوطن العربي، والتي بلغت نسبتها (100) مرة من دول الشمال مقابل مرة واحدة من دول الجنوب(8).
فبدلاً من أن تنازع الهيمنة الإعلامية الأمريكية في حقل القيم الموجهة للرسالة الإعلامية اكتفت بمنازعتها على حيز الهيمنة الهيكلية(9).
إذ إن أخطر ما يواجه الإنسان في البلدان النامية في العصر الحديث وبخاصة في البلدان العربية هو التسابق الدولي في مجال الأقمار الصناعية وتطويرها لجعلها أداة للسيطرة والهيمنة واختراق حدود الدول من دون حدود قانونية، وما يمثله هذا الخرق مستقبلاً من مخاطر على أمن الدول ثقافياً وإعلامياً واجتماعياً.
ويقوم الإعلام المهيمن بتعبئة الرأي العام بحسب الأطر التي يعرض بها الأحداث أو الأشخاص(10). فالتغطية الإعلامية التي يقام بها الإعلام المهيمن للشركات عن أكبر تدخل عسكري أمريكي في الخليج منذ فيتنام ركز أساساً على لوجستية العملية وتأثيرها على عوائل الجنود أكثر من تأثيرها في سلامة هذا التحشد العسكري، وإلى أين سيؤدي(11). على أن هذه الهيمنة التقليدية لبعض الدول المصدرة يوازيها توجه متنام نحو التبادلات الجوية، ونلاحظ تزايداً في حركة التبادل على الصعيد الجوي بالخصوص بين البلدان العربية ودول أمريكا اللاتينية(12). وتستعمل النخبة الحاكمة الإعلام المهيمن في الترويج لبرامجها وتعزيز مصالحها(13). إذ يميل الإعلام المهيمن إلى دعم الإدارات التي تتطابق سياساتها وبرامجها مع مصالحه( 14). كما أن التماس والتفاعل بين الغرب وبين البلدان النامية، لن يكون حوار حضارات للوصول إلى حضارة عالمية ذات جوهر إنساني، وإنما هو فرض هيمنة ناتجة عن التباين في القدرات، ذلك أن الغرب يتمتع بمستويات اقتصادية عالية ويمتلك ـ في الوقت نفسه ـ التقنية والعلم، وكل ذلك تحتاج إليه البلدان النامية لكي تحقق نقلاتها التاريخية النوعية من مستوى إلى آخر أرفع منه، مع إصرارها على احتفاظها بهويتها القومية وأصالتها الحضارية(15).
اضف تعليق