حين ظهرت الانفوميديا (Infomedia)، أي (تقنيات المعلومات) زادت من تعميق الفروق بين الموسرين والمعسرين، فالمدن المكدسة بالسكان تجد طريقها إليها قبل غيرها، إذ تكون قادرة على نفقات الخدمات الجديدة التي لا تقدر عليها المدن الأخرى.

إن القول بأننا نسير نحو (قرية عالمية) فيه الكثير من عدم الواقعية، لأن كل دول العالم مستمرة في التعامل إطلاقاً من أنموذجها الخاص مع الأحداث. وهذا الأنموذج يحدد الأهمية التي تعطيها وسائلها الإعلامية للأحداث، كما يحدد المواضيع التي تتعرض لها أو تركز عليها هذه الوسائل، ومن هنا نرى عدم التوازن في تغطية المآسي التي تواجه الأبرياء في العالم، ولا سيما تلك التي تواجه أبرياء العالم النامي، فحياة الأبرياء في هذا العالم لا تعطى أهمية حياة الأبرياء في أمريكا والكيان الصهيوني، وكذلك نرى أن ( الديمقراطية) و( الحرية) و ( الكرامة الإنسانية) هي مبادئ توضع على الرف كلما كان ذلك مناسباً للقوي فالنقاش الحر الذي هو أساس الديمقراطية ممنوع في دول العالم النامي إذا ما تعارض مع مصالح الدول القوية. وقد فرضت وكالات الأنباء الدولية نفسها على إعلام الدول النامية مفيدة من تطور التقنيات والإمكانات الفنية العالمية ومن منهج أدائها وطريقته، التي تمثل في شمولية التغطية للأحداث في العالم وكتابة النص بصيغة توحي بالموضوعية والتجرد، وسرعة توصيل الخبر وتأمين التسهيلات التقنية لتلقي الخبر، وإننا من دون أن نشعر روجنا لهذا التدفق الإعلامي الآتي باتجاهنا عن طريق البرامج الوافدة التي ركبت موجاته محطاتنا الوطنية. وهذا الترويج لم يأتِ مباشراً بل جاء عن طريق تقديم البرامج لأغراض المتعة أو التسلية دون النظر إلى أغراضها الأبعد، وهذا سببه أيضاً الضعف الإعلامي. ومما لا شك فيه أننا أمام اختلال أو عدم التوازن بين البلدان العربية في مجال تقنية الاتصال والإعلام، بين من يحتاج إلى القليل ولديه الوفرة، ومن يحتاج إلى الكثير ويعاني من عجز في قدراته المالية وهو الذي يجعل امتلاك تقنيات حديثة في هذا المجال عبئاً ثقيلاً في برامج التنمية التي قد تكون أكثر إلحاحاً، كما أن التطور عرف العالم منذ أزمته الأولى نظام (المركز والأطراف) الذي يتألف من دولة أو دول مهيمنة غنية قوية تحت المركز، وأطراف في المحيط أقل تأثيراً وأضعف وأفقر، ولطالما كان المركز يفرض هيمنته العسكرية والاقتصادية والثقافية، وفي الأخيرة هو يعطي ويؤثر أكثر مما يأخذ ويتأثر.

* تتمتع دول المركز عادة باقتصاديات قوية(*)، في مقابل اقتصاديات هشة ضعيفة في دول المحيط، الأمر الذي يستدعي وجود أنشطة: اقتصادية، خدمية، إنتاجية، صناعية، تجارية، معلوماتية أهم وأكثر في الدول المتقدمة وهو الشيء الذي ينتج أخباراً وقصصاً إعلامية ذات أهمية كبيرة، لأنها ترتبط بمصالح الناس في العالم أجمع وتحديداً بأكثر مصالحهم حيوية.

* تتمتع دول المركز عادة بحياة سياسية ثرية، وتحظى بديمقراطية وقدر أكبر من الشفافية، وتنتعش فيها منظمات المجتمع المدني وفعالياته، وتحترم فيها الحقوق المدنية، ومنها حرية الصحافة وهو الأمر الذي يمد تلك الأخيرة بمعلومات أكثر وأهم وأشد جذباً لاهتمام الآخرين.

* تمتلك الدول المتقدمة مقدرات ثقافية أعلى وذات جاذبية، وتنتج وسائل إعلامها خدمات بلغات أكثر انتشاراً في العالم.

* تمتلك تلك الدول أعلى تجليات التقنية وأحدثها وتكرسها لخدمة قطاعاتها المختلفة وعلى رأسها الإعلام والاتصالات.

* تمتلك الدول المتقدمة ملاكات مهنية مدربة ومحترفة، تُعزز على أسس معيارية موضوعية غالباً، وهو الأمر الذي يزيد كفاءة الملاك الإعلامي بها ومن ثم رواج منتجه.

* الدول النامية أو دول العالم النامي (وهي الدول التي تشكو من اختلال التدفق الإخباري غالباً) لا تمتلك أياً مما تم استعراضه سابقاً.

* تلك الدول أيضاً هي التي تسمح بنشر الأخبار الآتية من الدول المتقدمة في صحفها التي تسيطر عليها وتخضعها ـ في الغالب ـ لأمور السياسية، قبل أن تشكو هي ومثقفوها في المحافل الدولية من اختلال التدفق الإخباري.

* الدول النامية لا تقدم منتجاً إعلامياً مصنعاً مشغولاً باحتراف ولكنها تقدم في الغالب معلومات خاماً ناقصة أو أخباراً وقصصاً تخدم أيديولوجياتها ومواقفها السياسية بمباشرة وعدم احتراف.

* الرسالة الإعلامية في الدول العربية تركز على أمرين أثنين على نحوٍ أساسي : أحدهما الدعاية لسياسة الحكومة في البلد المعني، والآخر الأعمال الترفيهية. وهو أمر لا يخلق رسالة منافسة تستطيع الصمود أمام الرسالة الآتية من الوسائل المحترفة.

* تكتظ الرسالة الإعلامية في بلدان الوطن العربي بالممنوعات الكثيرة وبالوعظ المباشر، وتدور حول حركة المسؤول ونشاطه، بدلاً من أن تعكس نشاط الدولة بشقيها الرسمي والأهلي.

* التبعية الكاملة لوسائل الإعلام في العالم النامي للأنظمة السائدة، وبرغم وجود استثناءات محدودة فأنها تمثل حالات ضعيفة وهشة، وبما أن معظم الأنظمة في الوطن العربي منهمكة في ضمان استمراريتها فقد تحولت وسائل الإعلام الجماهيري في تلك الدول إلى مجرد أدوات تابعة لتلك الأنظمة.

* تقدم صحافة هذه الدول صورة غير واقعية عن الواقع، بمعنى أنها تقدم وعياً زائفاً الأمر الذي أدى إلى هيمنة خطاب رسمي بيروقراطي سطحي ومدجن وعقيم، وذلك على الرغم من الشعارات الضخمة المعلنة الخاصة بتحول الصحافة إلى مدرسة توظفها لخدمة قضايا التنمية.

* كثرة المشكلات التي تعتري الأداء الإعلامي لوسائل إعلام الدول التي تعاني الاختلال الإخباري وآثاره، أدت إلى انصراف المواطنين المستهدفين كجمهور لتلك الوسائل وما تحمله من رسائل إلى وسائل الإعلام الأجنبية التي تمتلكها دول المركز وثبتت ثقة تلك الجماهير في هذه الوسائل الوافدة مما عمق الاختلال وزاد من أثره.

* إن الفهم الكامل لأبعاد التطور الحاصل في وسائل الإعلام الدولية لا يمكن إدراك مغزاه الحقيقي بدون محاولة استيعاب الطفرة الهائلة التي حدثت في إنتاج المعلومات من ناحية والثورة التكنولوجية التي تحققت في مجال الاتصال من ناحية ثانية، ولعل أبرز الأسباب التي أحدثت خللاً كبيراً في تبادل الأخبار هي :

1ـ التطور التكنولوجي الهائل.

2ـ الانفجار المعلوماتي.

3ـ الانترنيت.

4ـ التبعية.

5ـ البنية الاتصالية.

6ـ هجرة العقول الإعلامية الكفوءة من الوطن العربي إلى الدول المتقدمة لانعدام البيئة الموافقة مع أطروحاتها ضمن التوجه نحو الديمقراطية وحرية الرأي التي تستطيع احتضانها في بلدانها، وقد استغلت هذه العقول في مخاطبة بيئاتها كونها الأقرب في كيفية مخاطبة جماهيرها النابعة منها ( إصدار صحف / تحليل البنى التحتية لبلدانها ).

7ـ الدراسات الانثروبولوجية للمجتمعات النامية التي أعدت من الدول المتقدمة، وهذه تعد مهمة في فك رموز هذه المجتمعات وكيفية مخاطبتها، بخلاف إعلام الدول النامية الذي لا تتوافر لديه مثل هذه الدراسات لمعرفة كيفية مخاطبة مجتمعات الدول المتقدمة.

اضف تعليق


التعليقات

الشفيع محمد
السودان
ان التطور ملحوظ ولكن لم نراه في دولنا الإفريقية وأنا اريد معلومات زياده عن الأنوفو ميديا2021-07-05