q

قضية تدفق المهاجرين واللاجئين إلى الدول الأوربية عن طريق البحر، الذي تحول في السنوات الأخيرة الى ما بات يعرف بطريق الموت بسبب كثرة الحوادث والوفيات، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان العديد من المنظمات الدولية وكما تنقل بعض المصادر فقد دقت ناقوس الخطر حيال هذه الكوارث، التي تؤكد مدى الحاجة إلى إعادة وضع عملية متينة للإنقاذ في البحر بصورة عاجلة، يضاف الى ذلك قرارات بعض الدول الاوربية الجائرة التي تعزيز سياسات مكافحة الهجرة الامر الذي اسهم ايضا بزيادة معاناة اللا جئين، وقد شهد عام 2015 أرقاما قياسية للاجئين والمهاجرين الذين حاولوا العبور إلى أوروبا عن طريق البحر. ويعرف العالم في العصر الراهن حركة نزوح اكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية هروبا من الصراعات وخوفا من الاضطهاد، وخلق تدفق المهاجرين واللاجئين إلى الدول الأوربية تجارة كبيرة لشبكات تهريب البشر النشطة، التي سعت الى الاستفادة من هذه الازمة حيث يتعرض المهاجرون الذين ينتظرون فرصة العبور إلى الدول الاوربية إلى مخاطر كبيرة منا الموت في عرض البحر ومخاطر الاحتيال وغيرها، وقد أصدرت بعض المؤسسات في وقت سابق، تقارير خاصة توثق كوارث غرق قوارب المهاجرين غير الشرعيين ، وندّدت بتقصير السلطات الاوربية حيال الضحايا. وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف المهم فقد أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "أنّ هناك مخاوف من وفاة نحو 700 مهاجر غير شرعي كانوا على متن ثلاثة قوارب وُجد حطامها جنوبي إيطاليا خلال الأيام القليلة الماضية". وأوضحت الناطقة باسم المفوضية كارلوتا سامي "أنّ هناك نحو 100 مفقود من سفينة انقلبت أنقذت البحرية الإيطالية عدداً كبيراً من ركابها"، مضيفةً أن" هناك 550 آخرين في عداد المفقودين، كانوا على متن قارب آخر انقلب ايضا.

الموت في عرض البحر

الى جانب ذلك قالت منظمة أطباء بلا حدود ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن 700 مهاجر على الأقل ربما يكونون قد توفوا في عرض البحر المتوسط الذي شهد أكبر عدد من محاولات عبور من ليبيا إلى إيطاليا هذا العام. وجرى إنقاذ نحو 14 ألف شخص في الايام القليلة الماضية حيث سادت في البحر أجواء هادئة. وتأكدت ثلاث حالات انقلاب لقوارب. ولكن عدد القتلى يمكن تقديره استنادا إلى روايات لا تزال السلطات تجمعها من الناجين.

وقالت أطباء بلا حدود عبر موقع تويتر بعد أن قدرت عدد المتوفين بنحو 900 شخص خلال الأيام الماضية "لن نعرف أبدا الأرقام الدقيقة." وقالت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين إن أكثر من 700 قد غرقوا. وقال مهاجرون في لقاءات معهم في ميناء بوتزالو إن قارب صيد كبيرا قد انقلب وغرق وعليه كثير من النساء والأطفال. وتشير تقديرات أولية إلى وفاة 400 شخص لكن مفوضية شؤون اللاجئين قالت إن عدد الركاب على متن القارب ربما كان نحو 670.

ووفقا لشهادات جمعتها وكالة فرونتكس المختصة في مجال حدود الاتحاد الأوروبي فإن 25 شخصا سبحوا نحو القارب الذي كان يسحب قارب المهاجرين- الذي لم يكن مزودا بمحرك- لدى انقلابه بينما قام فريق الإنقاذ بإنقاذ ما بين 79 و89 آخرين وانتشل 15 جثة. وقالت مفوضية شؤون اللاجئين إن ذلك يعني وفاة أكثر من 550. وكثيرا ما يكون المهاجرون الفارون من جحيم الحروب والاضطهاد والفقر لا يجيدون السباحة ولا يملكون سترات للنجاة. ويدفع هؤلاء مئات أو آلاف الدولارات للعبور من ليبيا إلى إيطاليا. وهو من أخطر طرق عبور المهاجرين في العالم.

وتقول جماعات إغاثة إنسانية إن بين الواصلين إلى أوروبا إريتريون وسودانيون ونيجيريون وكثيرون جاؤوا من دول غرب أفريقيا. وقالت وزارة الداخلية الإيطالية إنه رغم زيادة عدد المهاجرين هذا الأسبوع فإنه جرى حصر وصول 40660 شخص وهو رقم أقل بنسبة اثنين في المئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي. وبدا أن معظم القوارب التي أبحرت خلال هذه الفترة انطلقت من صبراتة في ليبيا. وتقول منظمة أطباء بلا حدود إن المهربين اعتدوا بالضرب على المهاجرين وجرى اغتصاب النساء. وللمنظمة ثلاثة قوارب إنقاذ في المنطقة. بحسب رويترز.

ويتكدس اللاجئون في قوارب مطاطية واهية أو قوارب صيد قد تطيح بركابها في البحر في ثوان. ومن المعتقد أن نحو مئة مهاجر محتجزون في هيكل القارب أو ربما يكونون قد غرقوا بعد أن أطاحت مياه البحر بالقارب. وقالت البحرية الإيطالية إن السفينة الحربية فيجا انتشلت 45 جثة وأنقذت 135 شخصا من قارب مطاطي "نصف غارق". ولا يعرف تحديدا كم كانوا على متنه لكن القوارب المطاطية عادة ما تقل نحو 300 شخص. وقال رفائيل مارتينو قائد السفينة فيجا في ميناء ريجيو كالابريا حيث رست السفينة فيجا مع الناجين والجثث "كان البعض أكثر انهيارا من الآخرين بعد فقدهم أحباءهم." وبين الجثث ثلاثة رضع. وقال توماسو فابري من منظمة أطباء بلا حدود "حان الوقت لأن تتحلى أوروبا بالشجاعة لتقدم بدائل آمنة وتسمح لهؤلاء الناس بالمجيء من دون تعريض حياتهم أو حياة أطفالهم للخطر."

عمليات انقاذ مستمرة

من جانب اخر قالت البحرية الإيطالية إن السفينة فيجا التابعة لها انتشلت 45 جثة من البحر المتوسط قرب زورق مطاطي نصف مغمور بينما تم إنقاذ أكثر من 2000 من قوارب تقل مهاجرين مع رصد زيادة في عدد المهاجرين الوافدين على أوروبا عبر إيطاليا. وذكرت الأمم المتحدة وخفر السواحل أن حوالي 14 ألف شخص انتشلوا على مدى اسبوع من قوارب متهالكة وأضاف ناجون وأفراد من طواقم القوارب أن المئات ربما غرقوا على الرغم من عدم وجود تقديرات رسمية عن أعداد من قتلوا.

وانتشلت السفينة فيجا نحو 135 شخصا من قارب مطاطي كبير كان نصفه مغمورا بالمياه في واحدة من 17 عملية نسقها خفر السواحل. وقالت البحرية الإيطالية إن فيجا انتشلت 45 جثة ولا تزال تبحث عن مفقودين. وهذا ثالث يوم على التوالي ترد فيه أنباء عن وفاة مهاجرين في البحر المتوسط. ولا تتوفر معلومات عن عدد من كانوا على متن القارب قبل غرقه. وتقول قوات خفر السواحل إن ارتفاع درجات الحرارة والبحار الأكثر هدوءا تسببت في زيادة أعداد من يحاولون العبور من ليبيا والتي يتمكن فيها مهربو البشر من العمل دون رقابة تذكر. والأعداد التي تمكنت من الوصول إلى إيطاليا مقاربة لتلك التي سجلت في ذات الفترة من العام الماضي والعام قبل الماضي.

وتظهر الصور لحظة انقلاب قارب صيد أزرق اللون ليسقط منه مئات المهاجرين في البحر. وتم بالفعل إنقاذ نحو 240 امرأة وطفلا لكن عددا غير معلوم كانوا محاصرين في قبو القارب. وانتشلت خمس جثث فقط بينما تم إنقاذ 562 شخصا. وتشير شهادات الناجين إلى أن كثيرين كانوا لا يزالون في قبو القارب لم يتمكنوا من الفرار وفقا لما أفادت به مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بينما قدر قائد السفينة بيتيكا أن "نحو مئة" ربما فقدوا حياتهم. وبينما تم إنقاذ 4000 شخص في 22 عملية منفصلة ذكر مصدر في وزارة الداخلية أن ناجين من انقلاب زورق صيد آخر قالوا إن نحو 200 ربما غرقوا وهي زيادة حادة عن التقدير الأولي الذي تراوح بين 20 و30. وأضاف المصدر أن 15 جثة انتشلت. بحسب رويترز.

وقال فيدريكو فوسي المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في روما "من الواضح أنه بغض النظر عن الجهد العظيم الذي يبذله المنقذون فإنه عندما تكون الأعداد مرتفعة كما شهدنا هذا الأسبوع .. ينطوي الأمر على مخاطرة كبيرة." وأضاف "لكن فيما يخص الأعداد فهذا هو العام الثالث على التوالي الذي يعتبر التدفق ’عاديا’... إنها بداية الموسم وما زلنا نشهد وصول أعداد أقل قليلا من ذات الفترة العام الماضي." وقدرت المنظمة الدولية للهجرة عدد من فقدوا حياتهم في البحر المتوسط هذا العام بنحو 1475.

سياسة الهجرة في أستراليا

على صعيد متصل ألقت استراليا باللوم على المدافعين عن اللاجئين لتشجيعهم طالبي اللجوء المحتجزين في مخيمات نائية للقيام بأفعال تؤذي النفس بعدما أضرمت امرأة النار في نفسها بينما جددت الأمم المتحدة انتقادها لسياسة الهجرة في أستراليا. وقال مسؤولون استراليون إن امرأة صومالية عمرها 21 عاما في حالة حرجة بعد أن أضرمت النار في نفسها بمعسكر احتجاز استرالي في جزيرة ناورو الصغيرة بجنوب المحيط الهادي في ثاني حادث من نوعه خلال أسبوع.

وأضرم أيضا رجل إيراني عمره 23 عاما النار في نفسه احتجاجا على المعاملة في ناورو وتوفي في وقت لاحق. وقال مسؤولون إن المرأة الصومالية نقلت إلى استراليا لتلقي العلاج. وبموجب سياسة الهجرة المتشددة في استراليا يتم إرسال طالبي اللجوء الذي يتم اعتراضهم أثناء محاولة الوصول إلى استراليا لمخيمات في ناورو والتي تضم نحو 500 شخص وفي جزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة. ويتم إبلاغهم بعدم إمكانية توطينهم في استراليا.

وكانت حكومة بابوا غينيا الجديدة أمرت بإغلاق مخيم جزيرة مانوس الذي يضم نحو 850 شخصا بعد أن قضت المحكمة العليا بأن المنشأة غير قانونية. وأثارت الظروف القاسية وتقارير عن إساءة معاملة الأطفال في المخيمات انتقادات واسعة داخل استراليا وخارجها وأصبحت مشكلة كبيرة لرئيس الوزراء الاسترالي مالكوم تيرنبول خلال حملته لانتخابات يوليو تموز. ومع ذلك تعهدت استراليا بعدم تغيير السياسة التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة.

واعترف وزير الهجرة بيتر دوتون بأن هناك زيادة في حالات إيذاء النفس في المخيمات لكنه اتهم المدافعين عن اللاجئين بإعطاء طالبي اللجوء أملا كاذبا بتوطينهم في استراليا ذات يوم. وقال إن بعض المدافعين عن طالبي اللجوء "شجعوا بعض الأشخاص على التصرف بطريقة معينة". وأضاف دوتون خلال مؤتمر صحفي في كانبيرا "التصرفات الأخيرة ليست احتجاجا على ظروف المعيشة. فهي ليست احتجاجات على الرعاية الصحية أو احتجاجات على نقص الدعم المالي." بحسب رويترز.

لكن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين قالت إن مثل هذه الحوادث في المخيمات التي تضم طالبي اللجوء الفارين من العنف في الشرق الأوسط وأفغانستان وجنوب آسيا نتيجة سياسة الاحتجاز المتشددة التي تنتهجها استراليا في البحر. وقال مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين في استراليا في بيان "مر هؤلاء الناس بالفعل بمحنة كبيرة وفر كثير منهم من الحرب والاضطهاد وعانى بعضهم من الصدمة." وأضاف "يتفق خبراء الصحة على أن ظروف الاحتجاز والفحص تلحق ضررا بالغا بالصحة الجسدية والعقلية."

من جهة اخرى قال مسؤولون استراليون إن لاجئا من بنجلادش توفي بأزمة قلبية في ناورو وقالت إدارة الهجرة وحماية الحدود الاسترالية في بيان "دخل الرجل بنفسه مستشفى جمهورية ناورو في التاسع من مايو وهو يشكو من آلام في الصدر."تلقى علاجا في المستشفى ولكن توفي بعد عدة أزمات قلبية." ورفض متحدث باسم الإدارة الحديث عن السجل الطبي للمتوفي البالغ من العمر 26 عاما أو الرد على ما ردده أحد النشطاء من اللاجئين من أن مرضه كان ناجما عن جرعة دواء زائدة تناولها متعمدا. وقال النشط ويدعى إيان رينتول إن لاجئين في الجزيرة أبلغوه أن الشاب "رجب" انتحر بتناول جرعة أقراص زائدة. وأضاف رينتول منسق ائتلاف اللاجئين ومقره استراليا "يقول أصدقاء رجب إنه انتحر بسبب شعوره باليأس مثله مثل آخرين في ناورو."

تحديد هويات الموتى

الى جانب ذلك يحاول اطباء شرعيون ونشطاء في منظمات انسانية تحديد هويات مهاجرين قضوا اثناء محاولتهم العبور بحرا من منطقة كاليه في الشمال الفرنسي الى بريطانيا، وتأمين دفن لائق لهم. فمنذ حزيران/يونيو من العام 2015، قضى نحو ثلاثين مهاجرا، منهم من صدمته سيارة، ومنهم من قضى غرقا، او مسه التيار الكهربائي في النفق الواصل بين فرنسا وبريطانيا تحت بحر المانش.

وسجل آخر هذه الحوادث في التاسع من ايار/مايو الماضي، حين صدمت سيارة شابا باكستانيا في الرابعة والعشرين من عمره كان يحاول بلوغ بريطانيا، ارض احلامه، من كاليه الفرنسية. وحين يقضي اي شخص على طريق عام في فرنسا، تقضي القوانين بان تشرح جثته تلقائيا "لقطع اي شك حول سبب الوفاة"، بحسب ما يشرح الطبيب الشرعي ستيفان شوشوا، رئيس وحدة الطب الشرعي في مدينة كاليه، بعد ذلك يتعين التعرف على هوية القتيل، ويتطلب ذلك اشهرا عدة في بعض الحالات، تبقى خلالها الجثث في المشرحة دون ان تدفن.

فالتعرف على هويات هؤلاء الموتى ليس بالامر السهل، بل يتطلب التحري في اتجاهات عدة، من رفاق رحلة الهجرة، الى البحث عن اوراق ما قد تدل على هوية صاحبها، الى البحث في شرائح الهاتف، وفحوص الحمض الريبي النووي. وتتعقد هذه المهمة اكثر فأكثر حين تكون ظروف الوفاة معقدة وفظيعة، بحسب الطبيب الذي يتذكر واحدة من افظع الحوادث، حين دهس قطار احد المهاجرين وتناثر جسمه على عشرين مترا.

وتتكفل المنظمات الانسانية حاليا بالتنسيق بين الشرطة والمستشفيات وخدمات دفن الموتى وعائلات الضحايا، بحسب لو، وهي طبيبة نفس تعمل مع منظمة "اطباء من العالم". وتقول "غالبا ما ترسل لي الشرطة صورا للضحايا، اطبعها، وابدأ البحث عن اقاربهم في مخيم اللاجئين" قرب كاليه. والدعم النفسي مهم جدا في هذه الظروف لاقارب الضحايا، بحسب الطبيبة.

وتقول "في تشرين الثاني/نوفمبر، قضى شاب سوري في السادسة والعشرين من عمره، حين دهسته سيارة على مرأى من طفله البالغ تسع سنوات". وتضيف "هناك الكثير من العمل ينبغي القيام به". من اعمال الدعم التي تقوم بها هذه الطبيبة، مرافقة اقارب الضحايا في اجراءاتهم الادارية والقانونية لاستعادة الجثث واعادتها الى بلدها. وفي حال تم التعرف على اقارب الضحية، وكانوا قادرين على تسديد النفقات اللازمة لاعادة الجثة الى بلد الاصل، وهي ترواح بين ثلاثة الاف يورو وستة الاف، فان الامر لا يستغرق وقتا طويلا بعد ذلك. بحسب رويترز.

اما في ما سوى ذلك، فان الجثث تدفن في مكان مخصص للمهاجرين في كاليه، يعلو كل قبر منها صليب خشبي صغير يحفر عليه تاريخ الوفاة، وتنثر الورود فوقه. وتشير الطبيبة النفسية الى مكان ناء في المقبرة تدفن فيه بقايا من لم يعرف اي اصل لهم، وتأسف لمصير هؤلاء الضحايا المجهولين الذين دفع بهم الفقر او الحرب الى ان يقضوا ويدفنوا وحدهم في هذا المكان.

اضف تعليق