q
ملفات - شهر رمضان

الابتزاز الالكتروني خطر العصر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الحادِيةُ عشَرَة (٣٠)

تنبيهُ الأَولادِ إِلى عدمِ الحديثِ عن حاجاتهِم ورغباتهِم في مواقعِ التَّواصلِ الإِجتماعي أَبداً، سواءً كانت حاجات ماليَّة أَو رغَباتٍ عاطفيَّةٍ أَو أَمنيَّةٍ أَو اجتماعيَّةٍ أَو أَيَّ نوعٍ آخر من الحاجاتِ والرَّغباتِ. على الأَبوَينِ تعليمهُم أَن لا يتحدَّثُوا عنها إِلَّا في المنزلِ فقط ومعَهُما على وجه...

 {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ}.

 إِنَّ مثلَ مَن يُتابعُ وسائل التَّواصل الإِجتماعي وهوَ يلهُو ويلعَب كمَن يقودُ سيَّارتهُ في طريقٍ وعرٍ ومُزدحِم وهوَ يعبث ويلهو بهاتفهِ الجوَّال.

 في الحالتَينِ فإِنَّ النَّتيجةَ واحدةٌ؛ وقُوع الكارِثة!.

 لا يختلفُ إِثنان على أَنَّ الإِبتزاز الأَليكتروني باتَ اليَوم خطرُ العصرِ الذي اقتحمَ حياتنا رغماً عنَّا، وهوَ خطرٌ عالمِيٌّ وليسَ محليّاً ولذلكَ فإِنَّ الوقايةَ منهُ والحلُول يجب أَن تكونَ عالميَّةً من جانبٍ ومحليَّةً [وطنيَّةً] تأخذُ بنظرِ الإِعتبار الخصوصيَّة والظُّروف وما إِلى ذلكَ، من جانبٍ آخَر.

 والإِبتزازُ هوَ توظيفٌ سيِّءٌ لـ ثلاثة أُمور يجبُ أَن ننتبِها لها جيِّداً؛

 الحاجةُ والأَسرارُ والخصُوصيَّةُ.

 وهيَ الأُمور الثَّلاثة التي تنتشِر في وسائلِ التَّواصل الإِجتماعي من دونِ انتباهٍ أَو رعايةٍ، والسَّبب هوَ الثِّقة العمياء بها وكأَنَّها آمنة [١٠٠٪؜] فما الدَّاعي للحذرِ مِنها أَو التردُّد والخَوف من نشرِ كُلِّ ما يخُصَّني؟!.

 إِنَّهُ الجَهل الذي يُنسي صاحبهُ أَنَّ في وسائلِ التَّواصُلِ عناصرَ شتَّى مزرُوعةٌ فيها مُهمَّتها اقتناصِ المعلوماتِ عن الأَشخاصِ وتحويلِها إِلى الجهاتِ المعنيَّةِ في عصاباتِ الإِبتزازِ لتتعاملَ معها بطُرُقٍ فنيَّةٍ وذكيَّةٍ تأخُذ بنظرِ الإِعتبار الجانب العاطفِي أَكثر من العقلِ والمنطقِ.

 ويعتمِدُ عملها على عُنصُرينِ وهُما اللَّذانِ وظَّفهُما السَّحَرَة لمُواجهةِ نبيَّ الله موسى (ع) كما يذكُرُ ذلك القرآن الكريم بقَولهِ تعالى {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} فالمُبتزُّونَ يسحرُونَ الضحيَّة بالإِستجابةِ لحاجاتهِ إِذا كانَ اهتمامهِ تلبيتها، ويُرهبُوهُ إِذا كانَ مُتورِّطٌ في أَسرارٍ أَو خصوصيَّات نشرها في وسائِل التَّواصلِ!.

 والأُسرةُ هي بدايةِ الوِقايةِ، والتي تقعُ على عاتقِها مسؤُوليَّةِ ما يلي؛ 

 ١/ تنبيهُ الأَولادِ إِلى عدمِ الحديثِ عن حاجاتهِم ورغباتهِم في مواقعِ التَّواصلِ الإِجتماعي أَبداً، سواءً كانت حاجات ماليَّة أَو رغَباتٍ عاطفيَّةٍ أَو أَمنيَّةٍ أَو اجتماعيَّةٍ أَو أَيَّ نوعٍ آخر من الحاجاتِ والرَّغباتِ.

 على الأَبوَينِ تعليمهُم أَن لا يتحدَّثُوا عنها إِلَّا في المنزلِ فقط ومعَهُما على وجهِ التَّحديدِ، وسعي الوالِدانِ للإِستجابةِ لها قدرَ الإِمكان.

 ٢/ تنبيههُم إِلى عدمِ التحدُّثِ عن أَسرارهِم حتَّى لأَقربِ النَّاسِ إِليهِم، فالأَسرارُ لا تبقى تحمِلُ صِفاتها إِذا تحدَّث بها الأَبناءُ خارجَ المنزلِ.

 والمعروفُ أَنَّ العِصابات والشَّبكاتِ الخطيرةِ يستغلُّونَ الأَسرار أَكثر من أَيِّ شيءٍ آخر لابتزازِ الضحيَّة، ولذلكَ يلزَم على الأَبوَينِ تحذيرِ أَولادهِم، وإِذا لزمَ الأَمرُ تخويفهُم من خطرِ الحديثِ عن أَسرارهِم خاصَّةً في وسائلِ التَّواصُلِ سواءً الشخصيَّةِ منها أَو أَسرار أَحد أَفراد الأُسرة.

 ومن جانبٍ آخر تعليمهُم وحثَّهُم على أَن يتحدَّثُوا بأَسرارهِم الشخصيَّة في المنزلِ وخاصَّةً مع الأَبوَينِ أَو أَحدهِما.

 يقولُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) عن إِبتزازِ الشَّيطانِ لضحاياهُ بأَسرارهِم {حَتَّى إِذَا انْقَادَتْ لَه الْجَامِحَةُ مِنْكُمْ واسْتَحْكَمَتِ الطَّمَاعِيَّةُ مِنْه فِيكُمْ فَنَجَمَتِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِيِّ إِلَى الأَمْرِ الْجَلِيِّ اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُه عَلَيْكُمْ ودَلَفَ بِجُنُودِه نَحْوَكُمْ فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ وأَحَلُّوكُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ وأَوْطَئُوكُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ طَعْناً فِي عُيُونِكُمْ وحَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ ودَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ وقَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ وسَوْقاً بِخَزَائِمِ الْقَهْرِ إِلَى النَّارِ الْمُعَدَّةِ لَكُمْ}.

 وكتبَ (ع) إِلى الحارثِ الهمذاني قائلاً {واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِه فِي السِّرِّ ويُسْتَحَى مِنْه فِي الْعَلَانِيَةِ واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْه صَاحِبُه أَنْكَرَه أَوْ اعْتَذَرَ مِنْه}.

 ويقُولُ (ع) مُحذِّراً من الثَّرثرةِ {الْكَلَامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِه فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِه صِرْتَ فِي وَثَاقِه فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ ووَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وجَلَبَتْ نِقْمَةً}.

وهي القاعدةُ الذهبيَّةُ التي يجبُ أَن يحفظَها النَّشء الجديد ليحمي نفسهُ من الإِبتزازِ الذي يوظِّف أَسرارهُم. 

 إِنَّ من دوافعِ ثرثرةِ الأَبناءِ في أَسرارهِم ومشاكلهِم ورغباتهِم خارجَ المنزلِ هو عدم شعورهِم بالأَمن عندما يريدُونَ أَن يتحدَّثُوا بها مع الأَبوَينِ، أَو أَنَّهُم لا يجِدونَ الآذان الصَّاغية لهمُ في الأُسرةِ وهذا أَمرٌ خطير جدّاً يقودُهُم إِلى مصائبَ جمَّةٍ.

 دعوهُم يتحدَّثونَ عن أَسرارهِم فتتحدَّثُ البِنت عن أَسرارِها مع أُمِّها والولدُ يتحدَّثُ عن أَسرارهِ مع أَبيهِ حتَّى إِذا كانت لا تليقُ بالأَخلاقِ العامَّة أَو ثوابتِ الأُسرةِ وعاداتِها وتقاليدِها، لأَنَّ مجرَّد شعور الأَولاد بالخَوفِ من الحديثِ عن أَسرارِهم في داخلِ الأُسرةِ يدفعهُم للفضفضةِ بها إِلى أَصدقائهِم مثلاً أَو حتَّى في مجموعاتِ التَّواصلِ، وعندها تقعُ الكارِثةُ.

 وإِنَّ مِن أَهمِّ الأَسرارِ التي يجبُ أَن يتعلَّمَ الأَولادُ الحديثَ عنها في الأُسرةِ هو [أَسرارُ الأَخطاءِ] التي يرتكِبونها خارجِ المنزلِ، فالإِسراعُ في الحديثِ عنها للأَبوَينِ يُسهِّلُ عليهِما حلَّها بأَقلِّ ثمنٍ، وقبلَ أَن تستفحِلَ وتنتهي إِلى عمليَّةِ إِبتزازٍ كُبرى.

 ٣/ أَمَّا الخصوصيَّة، فمنَ اللَّازمِ المُؤَكَّد على الأَبَوَينِ تنبيه الأَولادِ إِلى عدمِ التحدُّثِ عن خصوصيَّاتِهِم في وسائلِ التَّواصُلِ مثل؛ بُرجهِم وماذا يحبُّونَ وماذا لا يُحبُّونَ من الأَكَلاتِ والأَلوانِ والسيَّاراتِ وأَيِّ شيءٍ آخر يتعلَّق بالخُصوصيَّةِ، فمعرفةُ خصوصيَّاتِ الضحيَّة يُساعِدُ المُبتزِّينَ على رسمِ الخُططِ التي تُناسبهُ للإِيقاعِ بهِ، فضلاً عن أَنَّها تساعِدهُم في بناءِ قُصصِ المُحتوى الهابطِ عنهُم بتكنولوجيا الذَّكاءِ الإِصطناعي. 

 الشَّيء المُهم الآخر الذي يُساعِدُ النشء الجديد على تجنُّبِ الوقُوعِ في شِباكِ الإِبتزازِ هوَ حديثُ ضحاياه عن قصصهِم وتجاربهِم مع الإِبتزاز.

 للأَسفِ الشَّديد فإِنَّ ضحايا الإِبتزازِ مُلامُونَ دائماً فيما يفلتُ المُبتزُّ من العِقاب! وهذهِ مُصيبةٌ تُشجِّعُ على الإِبتزازِ ولا تُساعِدُ على مُكافحتهِ في المُجتمعِ.

 يلزم المُجتمع أَن يُشجِّع الضَّحايا على الحديثِ عن تجاربهِم مع الإِبتزازِ ويتعاطف معهُم ويُصغِ إِليهِم، وعليهِ كذلك واجب فضح المُبتز ونشرِ غسيلهِ القذِر ليتُمَّ عزلهِ عن المُجتمعِ ومُقاطعتهِ.

 بقيَ أَن نشيرَ الى تبريرِ [المُغفَّلِ] عندما تنكشِفَ حقيقةَ الإِبتزازِ أَمامهُ، وأَقصُد هُنا المُجتمع، فهو لا يعترِف بتقصيرهِ وخطئهِ الذي قادهُ إِليهِ جهلهِ مثلاً أَو غفلتهِ ولهوهِ واستخفافهِ بخطرِ الإِبتزازِ عندما يتعامَل مع مثلِ هذهِ المَخاطرِ، وإِنَّما يُسارع فوراً للبحثِ عن [شمَّاعةٍ] يُعلِّق عليها تقصيرهُ.

 فعندما سأَلَ نبي الله موسى (ع) القَوم عن سببِ اتِّباعهم [السَّامريِّ] {فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ۚ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي} كانَ جوابهُم {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}.

 فالسَّامريُّ هُنا هوَ [الشَّمَّاعة]!.

اضف تعليق