مثلما يعاني العالم اليوم من خطر انشار فيروس كورونا القاتل، فان الاشاعات هي فيروس الوعي الذي يستهدف العقل الجمعي العراقي ويحاول اخذ المجتمع الى حافة الجهل والفوضى المعلوماتية، وإذا ما أردنا مواجهة هذا الفيروس فلا يمكن ذلك الا بالعمل المشترك على تبني قيم التعايش والمحبة...

تشهد البلاد حركة مظاهرات واحتجاجات وعلى مدى الأربعة أشهر الماضية في معظم المحافظات لتصحيح العملية السياسية الجارية في العراق وذهب ضحيتها المئات من ابنائنا والاف الجرحى، وظهرت معها حركة إعلامية مكثفة للقنوات الفضائية والصحف والمواقع الالكترونية اثارت الكثير من مناطق الغموض واعادت الفضاء الإعلامي العراقي الى واجهة البحث والتساؤل.

فمنذ بداية الانتفاضة الشعبية ونحن نترقب بحذر من جهات سياسية لها مصالح خارجية او فئوية ضيقة مستغلة الأوضاع التي تعيشها البلاد بدأت تعمل لتمرير أفكارها وتوجهاتها عن طريق وسائل الإعلام فمنها من يحاول تقليل وتحجيم المظاهرات التي خرج فيها الالاف المطالبين بالحقوق التي كفلها الدستور العراقي ولم تسلط الضوء عليها ولم تكلف نفسها بتغطيتها ومتابعتها، في حين البعض الآخر من وسائل الإعلام عملت على تغطية التظاهرات ونقلت مطالب المتظاهرين وضغطت على الرئاسات الثلاث لتحقيق جزء منها، الا أن هنالك قنوات مدعومة خارجياً تحاول أقناع الجمهور على ضرورة ادامة زخم التظاهرات باي طريقة كانت حتى وان أدى ذلك الى سفك الدماء، مستعينة بصفحات ممولة وقنوات فضائية ناطقة لتلك السياسة لتظهر أنها مع الشعب عبر مضامين مختلفة تتناغم مع تطلعاته وأهدافه المرسومة وتبين تعاطفها معهُ الا أن ما خفي كان أعظم .

وربما يطرح التساؤل دائما لماذا وسائل الإعلام تعمل على صرف عدد كبير من الأموال مقابل مضامين يشعر الجمهور أن جميعها تحقق له الفائدة والثقافة الأ ان هذه المضامين بمثابة ضريبة تتقاضاها منه وسائل الإعلام الموجهة او المدعومة خارجيا ليصبح الجمهور متعلقا فيها وبكل ما ينشر منها حتى توصل بعض الأحيان أن شخص ما يصدق حدثا في مضامينها مهما كان مبالغا فيه ويكذب شخص آخر رأى الحدث بنفسه .

فأسلوب عرض المضامين او الرسائل لبعض وسائل الإعلام تشعر الجمهور لا أراديا أن الوسيلة الإعلامية مهتمة بتحقيق غايته لتحقيق اشباعاته من المعلومات التي يطلبها الا أن هذه الأشباعات وغيرها ليس مجانية وأنما لتمرير بعض المعلومات التي تخدم سياستها الإعلامية والتي تعد الهدف الأساسي من إنشائها وبما يتلائم مع الاستراتيجية الموضوعة من قبل الجهات السياسية التي تشرف عليها سواء كانت داخلية أم خارجية وتدعمها مادياً لديمومة بث مضامينها وأفكارها.

وتعد الإشاعة واحدة من أخطر وأهم الأساليب التي تتبناها تلك الجهات في أوقات الأزمات عن طريق وسائل الإعلام أو من خلال صفحات وهمية ممولة واللتان تعدان من أسرع الوسائل لأنتشارها في الوصول للجمهور عبر رسائل مكتوبة أو مقروءة أو مسموعة في محاولة لخلط الأوراق واللعب على وتر الفتنة والأقتتال الداخلي ، فقد عرف المتخصصون في الإعلام الإشاعة بأنها أسلوب من أساليب الحرب النفسية وهي أخبار ملفقة غير متحقق من صحتها ولا تمتلك معايير المصداقية وتكون مجهولة المصدر في الغالب، يقوم عليها طرف ما، وتعتمد تزييف الحقائق وتشويه الواقع بهدف تحقيق اهداف سياسية واقتصادية واجتماعية، والتي تختلف عندئذ الدعاية التي هدفها التأثير في آراء أو أفعال أفراد أو جماعات أخرى أو اقناع الجمهور بوجهة نظر ما من خلال أساليب تجعل المتلقي مستسلماً أمامها .

ويعمل صناع الإشاعة إلى تحقيق أهداف محددة وان أبرزها في الوقت الحالي تكمن في إثارة ثقافة العنف وإشاعة الفوضى والأخلال بالأمن والنظام وتزيد من الكراهية تجاه طرف واحد وتشويه صورة الأفراد والجماعات بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي وهدم الروابط الوطنية بين أبناء البلد الواحد .

وتمتلك وسائل الإعلام عدة اساليب للتأثير في الجمهور وإعادة صياغة الوقائع لتظهر بشكل مختلف عن الواقع وممارسة التضليل عليهم بتوظيف الاخبار التي تهم الجمهور كأسلوب تحقير الخصوم واسلوب الإيهام بنشر الاخبار الكاذبة وأسلوب خلط الصدق بالكذب واسلوب التضخيم واسلوب المصادر المجهولة وأسلوب التعميم والخلط بين الرأي والخبر في نقل المعلومة واسلوب التلفيق والتشويه واسلوب التشكيك وإثارة البلبة واسلوب الارتباط الزائف، أن هذه الأساليب تعتمدها وسائل الإعلام ولاسيما في أوقات الأزمات لتحقيق غاياتهم وتحقق من خلالها تغيير الأراء والاتجاهات الفكرية بمرور الزمن بهذه الاساليب وبطرق فنية مختلفة بالنص المقروء او المسموع او المرئي بشقيه الصوت والصورة.

على المجتمع أن يمتلك القدر الواعي في التعامل مع الإشاعات المغرضة التي يحاول مطلقيها جر البلاد الى مناطق الصراعات التي لا تحمد عقباها لذا نأمل أن يأخذ العقلاء وقادة الرأي والعشائر الأصيلة دورهم في التصدي للاشاعات التي اخذت تتسع تدريجيا يوما بعد آخر وتوعية أفراد المجتمع بعدم الترويج لها عن طريق تبنيها ومشاركتها في صفحات التواصل الاجتماعي قبل التحقق من الأخبار والمعلومات التي تحتويها للحد من انتشار ثقافة العنف والتعصب الفكري التي تسعى أطراف معينة لتمريره .

فمثلما يعاني العالم اليوم من خطر انشار فيروس كورونا القاتل، فان الاشاعات هي فيروس الوعي الذي يستهدف العقل الجمعي العراقي ويحاول اخذ المجتمع الى حافة الجهل والفوضى المعلوماتية، واذا ما اردنا مواجهة هذا الفيروس فلا يمكن ذلك الا بالعمل المشترك على تبني قيم التعايش والمحبة والتسامح وتحويل الخلاف إلى حوار واتباع لغة العقل بديلا عن الصراع من خلال توسيع النشاط الإعلامي الحر الهادف الى نقل الحقائق دون تزييف ان انحياز لطرف ضد طرف اخر.

.....................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق