q
كلٌّ يفكر في المكاسب العاجلة التي قد تعود عليه من نشر ورقة بحثية في مكان ما، فلا أحد يفكر في الاستدامة طويلة الأمد للبيئة التي تترعرع فيها البحوث، هل سيكون بمقدور الأشخاص الوصول إلى البحوث التي اشتغلتَ عليها بعد مئة عام من رحيلك...

يشير تحليل مُعرّفات الوثائق الرقمية إلى أن الحفظ الرقمي لا يواكب المعرفة البحثية المتنامية، كشفتْ دراسة أن ما يزيد على مليوني مقال بحثي لا أثر لها على أرشيف رقمي رئيس، رغم امتلاكها مُعرّفات رقمية عاملة.

ما ينيف على ربع الأوراق البحثية يؤرشَف ويُحفظ على نحو غير سليم، بحسب دراسة أُجريت على أكثر من على 7 ملايين مادة علمية تحمل مُعرّفات رقمية. تشير النتائج، التي نُشرت في الرابع والعشرين من يناير الماضي1 في دورية «جورنال أوف ليبريريانشيب أند سكولارلي كوميونيكيشن» Journal of Librarianship and Scholarly Communication، إلى أن الأنظمة المضطلعة بحفظ الأوراق البحثية على الإنترنت قد جانبها النجاح في مواكبة وتيرة النمو التي يشهدها الإنتاج البحثي.

يقول مؤلف الدراسة، مارتن إيف، الباحث في مجال المؤلفات العلمية والتقنيات والنشر بكلية بيركبيك في جامعة لندن: "تُعوّل نظريتنا المعرفية للعلوم والبحوث بأكملها على سلسلة من الحواشي. فإذا لم يتسنَ لنا التحقق بأنفسنا مما قاله شخص آخر في بحث ما، فليس بوسعنا سوى التيقن يقينًا جازمًا أنها مقتبسة على نحو سليم".

وفي الدراسة تَحقَّق إيف، الذي يشارك أيضًا في أعمال البحث والتطوير في منظمة البنية التحتية الرقمية «كروسريف» Crossref، مما إذا كانت 7,438,037 مادة علمية موسومة بمعرّفات الوثائق الرقمية (DOIs) مؤرشفة. ومعرّفات الوثائق الرقمية – المؤلَّفة من سلسلة من الأرقام والحروف والرموز – هي بمثابة بصمات فريدة مستخدمة للتعرف على مؤلفات بعينها، مثل المقالات البحثية والتقارير الرسمية، والربط بها. وتُعد منظمة «كروسريف» أكبر وكالة لتسجيل معرّفات الوثائق الرقمية، حيث إنها تتولى منح المُعرّفات لنحو 20 ألف عضو من ناشرين ومتاحف وغيرها من المؤسسات.

كانت عينة المُعرّفات الرقمية التي شملتها الدراسة مؤلَّفةً من اختيار عشوائي لما يصل إلى 1000 مُعرّف موثق لكل منظمة عضوة. فإذ بـ28% من هذه المواد، أي ما يزيد على مليوني مقال بحثي، لا أثر لها على أرشيف رقمي بارز، رغم امتلاكها مُعرّفات رقمية نشطة. ولم يُشر سوى 58% من المُعرّفات إلى مراجع لدراسات محفوظة فيما لا يقل عن أرشيف واحد. وأما نسبة الـ14% المتبقية فقد جرى استبعادها من الدراسة إما لأنها كانت حديثة النشر، أو لم تكن بحوثًا منشورة في دوريات، أو لم يكن لها مصدر يمكن تتبّعه.

تحديات حفظ الأوراق البحثية

يشير إيف إلى مَواطن القصور التي اعترت الدراسة، وبالتحديد أنها لم تتتبّع سوى المقالات التي لها مُعرّفات رقمية، وأن بحثها لم يُغطِ المستودعات الرقمية جميعها بحثًا عن المقالات (فهو مثلًا لم يتحقق مما إذا كانت المواد التي لها مُعرّفات رقمية كانت محفوظة في مستودعات المؤسسات البحثية).

ورغم هذا، أثنى المتخصصون في مجال الحفظ والأرشفة على هذا التحليل، حيث إنه "كان من الصعب الوقوف على المدى الحقيقي لتحدي الحفظ الرقمي الذي تجابهه الدوريات الإلكترونية"، على حد قول ويليام كيلبرايد، المدير الإداري لـ«تحالف الحفظ الرقمي» الذي يقع مقره في مدينة يورك بالمملكة المتحدة، والذي يتولى نشر دليل يسرد ممارسات الحفظ والأرشفة السليمة.

من جهته يقول ميكائيل لاكسو، الذي يدرس النشر العلمي في كلية هانكين للاقتصاد في هلسنكي: "يعتقد الكثيرون اعتقادًا جازمًا أنك إن حصلت لمقالك على مُعرّف رقمي، فهو باقٍ إلى الأبد. لكن هذا لا يضمن أبدًا أن الرابط سوف يعمل دائمًا". وكان لاكسو قد أشار2 هو وزملاؤه في عام 2021 إلى اختفاء أكثر من 170 دورية متاحة مجانًا من على الإنترنت في الفترة ما بين عامي 2000 و2019.

وتنوه كيت ويتنبرج، المديرة الإدارية لخدمة الأرشفة الرقمية «بورتيكو» Portico التي يقع مقرها في مدينة نيويورك ستي، إلى أن احتمال الإخفاق في الحفاظ على المقالات البحثية يزيد بين صغار الناشرين عنه بين كبار الناشرين، "فالحفاظ على المحتوى الرقمي أمر مُكلف" على حد قولها، مضيفة أن الأرشفة تتطلب من البنية التحتية والقدرة التقنية والخبرة ما لا يتوفر للعديد من الشركات الصغيرة.

وتقدم دراسة إيف بعض الإجراءات المقترحة لتحسين عملية الحفظ الرقمي؛ منها أن تعزز وكالات تسجيل المُعرّفات الرقمية شروطها، وزيادة نشر التثقيف والتوعية بالمسألة بين مصاف الناشرين والباحثين.

يقول إيف: "كلٌّ يفكر في المكاسب العاجلة التي قد تعود عليه من نشر ورقة بحثية في مكان ما، فلا أحد يفكر في الاستدامة طويلة الأمد للبيئة التي تترعرع فيها البحوث. هل سيكون بمقدور الأشخاص الوصول إلى البحوث التي اشتغلتَ عليها بعد مئة عام من رحيلك؟".

اضف تعليق