q
أول الأسئلة التي تخطر على بالك: كيف ستتعامل الدولة مع هذه الحشود البشرية غير المسبوقة ؟، صدقوني هذا ما سيخطر على بالكم أيضا، واذا راودكم شك، قوموا بزيارة واحدة من كلياتنا الأهلية او الحكومية، وضعوا في حسبانكم ان من أمثال هذه الكليات المئات في مختلف أرجاء العراق...

أول الأسئلة التي تخطر على بالك: كيف ستتعامل الدولة مع هذه الحشود البشرية غير المسبوقة ؟، صدقوني هذا ما سيخطر على بالكم أيضا، واذا راودكم شك، قوموا بزيارة واحدة من كلياتنا الأهلية او الحكومية، وضعوا في حسبانكم ان من أمثال هذه الكليات المئات في مختلف أرجاء العراق. في محافظة واحدة  بلغت أعداد الطلبة في كلية أهلية عشرون ألف طالب وطالبة، بضمنها أقسام تقرب أعداد الدارسين فيها من الألف، طبعا تغاضى الجميع عما يطلق عليه بالطاقة الاستيعابية، بالمقابل وصلت أعداد الطلبة الى تسعة عشر الف طالب وطالبة في جامعة حكومية، والاثنان في المحافظة نفسها.

في محافظة أخرى تزامنت مشاركتي بفعالية علمية نظمتها جامعة أهلية مع حفل تخرج طلبتها، فهالني عدد الخريجين، لا أريد ان أسمي الكليات الأهلية لكي لا يندرج كلامي في اطار التشهير او الدعاية لهذه الكلية او تلك، كما ان أصحابها صاروا قوة مالية نافذة، بل وتسللت مخالب البعض منهم الى عالم السياسة ايضا، ليمسكوا الأمور من جوانبها الثلاثة الأكثر تأثيرا في حياتنا، المال والسياسة والتعليم. وكنت قلت في مقال سابق: ليس ببعيد ذلك اليوم الذي يكون فيه تعيين وزراء التربية والتعليم ومدرائها العامين بما يتفق مع مصالح المستثمرين في هذا المجال، كما ليس ببعيد اليوم الذي يقنعون أصحاب القرار بشراء الجامعات الحكومية او افراغها من محتواها.

لا نختلف حول أهمية تفعيل القطاع الخاص في التعليم الأولي والعالي، لكن علينا ان نضبط جودة التعليم فيه، ذلك ان توجهنا لتفعيله جاء بهدف رفع ثقل كبير عن كاهل المؤسسات الحكومية، لكننا في الواقع لم نرفع ثقلا ولم نضبط جودة، لا في الأهلي ولا في الحكومي الا بحدود ضيقة للغاية، فالتوسع في الجامعات الحكومية أبقى الثقل على حاله، بينما تحولت الكليات الأهلية الى مشاريع ربحية أكثر منها تعليمية، وهذا يناقض جوهر فكرة الدولة في تفعيل مشاركة القطاع الخاص في التربية والتعليم، ما يُجنى من أرباح فيها يفوق أضعافا مضاعفة فيما لو استثمرت أموالها في قطاعات أخرى، لذا زاد الاستثمار الخاص في التعليم العالي، بينما يكاد يكون غائبا في مجالات أخرى كالصناعة والزراعة وغيرهما.

المخيف في هذه الظاهرة انها وضعتنا بازاء مئات الآلاف من الخريجين سنويا وتتزايد سنة بعد أخرى، فهل الدولة قادرة على توظيف هذه الأعداد المهولة في مؤسساتها، لا أظنها قادرة، وبما ان القطاع الخاص متعثر فان حصول الخريجين على فرص عمل فيه محدودة، وبالتالي فان فرص العمل في القطاعين الخاص والعام لا تتناسب اطلاقا مع أعداد الخريجين، اذا كيف سيجري التعامل مع هذا الكم الهائل من الخريجين ؟  ليس سهلا هذا الكلام، فترك الأمور سائبة أمر خطير.

ان الاعداد الهائلة التي يكتظ بها الحرم الجامعي الأهلي والحكومي ليس بالضرورة حالة ايجابية، مع ان البعض يريد تصويرها على انها كذلك، مع ان هذا الكم يحرم الطلبة من التأهيل المناسب بحسب واقع طاقات الكليات، وبالتالي يضيع النوع ضمن الكم، مع ان ارتقاء البلدان مرهون بالنوع وليس بالكم. ان الكم المنخفض التأهيل يجعلنا أمام وهم الكفاءة التي يرفع شعارها الخريجون للمطالبة بالتعيين في القطاع العام، بينما يرفضهم سوق العمل الخاص الباحث عن مهارات متقنة، فضلا عن ان هذا الوهم يقف حائلا دون العمل في مجالات يظن الخريجون انها غير لائقة بهم. وعليه يذهب النوع والكم الى المجهول.

مرارا قلنا ان دوافع الطلبة وأهاليهم لإكمال الدراسة الجامعية يأتي بهدف الحصول على الشهادة والتعيين في مؤسسات القطاع العام، اما فكرة التنوير فهي أبعد ما تكون عن أذهانهم، لذا فالقول ان الدولة غير مسؤولة عن توظيفهم، وان مهمتها تكمن في توفير فرصة التعليم والتثقيف،  كلام لا يُقنع المشمولين به أبدا.

اضف تعليق