q
إنسانيات - تعليم

العراق: المدارس الجديدة وتحسين مستوى التعلم

يبعثان الأمل في نفوس الأطفال الأشد فقراً في العراق وهناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود

ولا تعد إعادة بناء المدارس إلا سوى جزء واحد من الحل، فكثير من الأطفال يذهبون إلى المدرسة لكنهم لا يتعلمون. وهذا الأمر صحيح في العراق وفي بلدان أخرى حول العالم. ويجب أن تقترن الاستثمارات في البنية التحتية للمدارس، باستثمارات كبيرة في التعلم ومنها: تدريب المُعلمين، وتوفير اللوازم الدراسية...

في 15 مايو/ أيار من هذا العام، كنا في بغداد في يوم كان مميزاً للغاية، لنحو 350 طفلاً في المرحلة الابتدائية. وكنتُ قد سافرت إلى شمال المدينة مع فريق التعليم بالبنك الدولي، لحضور حفل افتتاح مدرسة أبو حيان، الواقعة في واحدة من أفقر الأحياء في البلاد. ودمر تنظيم داعش المدرسة وأعيد بناؤها بدعم من البنك الدولي.

وتوفر المدرسة التي أعيد بناؤها حديثاً، مساحة للتعلم للطلاب الذين كانوا يُضطرون فيما سبق إلى السفر لمدة ساعتين، من أجل تلقي تعليمهم بمدرسة تعمل بنظام الفترات الثلاث. ولم يذهب العديد من الأطفال إلى تلك المدرسة أبداً، لأنهم ببساطة لم تتوفر لهم الامكانات المادية لدفع ثمن الانتقال اليومي، لمدة 4 ساعات إلى المدرسة. وكان لدى العديد منهم تجربة تعليمية سيئة، حيث لم يكن لديهم سوى ثلاث ساعات من الدراسة كل يوم. وتسرب بعض الطلاب من المدرسة في نهاية المطاف.

ضرورة لبناء المدارس في العراق

تُعتبر مدرسة أبو حيان، واحدة من 26 مدرسة قامت وزارة التربية بإعادة بنائها في الآونة الأخيرة، بدعم من البنك الدولي. ولكن هذه ليست سوى البداية، حيث إن هناك حاجة ماسة إلى بناء المزيد من المدارس، في جميع أنحاء العراق، لضمان حصول مليوني طفل عراقي غير ملتحقين بالمدارس اليومَ، على فرصة للتعلم. وهذه المدارس مطلوبة بسرعة.

واليوم، هناك حاجة إلى بناء أكثر من 8 آلاف مدرسة في العراق. ودمر تنظيم داعش العديد منها، ناهيك عن تداعيات سنوات من الصراع والهشاشة. وبالرغم من الحاجة إلى عدد هائل من المدارس، فمن الأهمية بمكان الإقرار بأن كل مدرسة جديدة، تحدث فروقا هائلة في حياة الأطفال الذين يلتحقون بها. ويمكن للمدارس تعزيز التماسك المجتمعي والتقدم الاجتماعي. ولم يخصص العراق سوى نحو 1% من نفقاته الرأسمالية للبنية التحتية التعليمية، وهي نسبة منخفضة بكل المقاييس. وسيتعين على البلاد أن تنفق بشكل أكبر وأفضل على البنية التحتية لقطاع التعليم على وجه السرعة.

الاستثمار في إنشاء المدارس والتعلم يُعد ركيزة أساسية لتحسين نتائج التنمية البشرية في العراق

ولا تعد إعادة بناء المدارس إلا سوى جزء واحد من الحل، فكثير من الأطفال يذهبون إلى المدرسة لكنهم لا يتعلمون. وهذا الأمر صحيح في العراق وفي بلدان أخرى حول العالم. ويجب أن تقترن الاستثمارات في البنية التحتية للمدارس، باستثمارات كبيرة في التعلم ومنها: تدريب المُعلمين، وتوفير المواد واللوازم الدراسية، وتكنولوجيا التعليم، وغيرها من مدخلات جودة التعليم. وكما نعلم، فإن مسؤولية المعلمين هي ضمان أن كل طالب يتعلم. لكن المعلمين بحاجة إلى الوسائل والدعم للقيام بذلك.

وبالحديث مع المعلمين ومدير مدرسة أبو حيان، فقد كانت رسالتهم واضحة: إنهم بحاجة إلى المزيد من المواد التعليمية، والأهم من ذلك، المزيد من التدريب. وعالميا، تُظهر بعض الشواهد والأدلة الدامغة أن مواصلة تدريب المعلمين وتوجيههم، إلى جانب خطط الدروس وكراسات الأنشطة والتدريبات للأطفال، يمكن أن تؤدي إلى نتائج هائلة، من أهمها ارتفاع مستوى المعرفة والثقة لدى المعلمين، وتحسن مستوى التعلم لدى الطلاب.

الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق التي تم إطلاقها مؤخراً تمهد الطريق نحو تحسين عملية التعلم

وهناك أمل في أن تنال المزيد من المدارس العراقية ما تحتاجه. وفي ذلك اليوم نفسه لزيارتنا إلى مدرسة أبو حيان، اجتمع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مع حكومته بأكملها، والعديد من المسؤولين الحكوميين والأوساط الأكاديمية وممثلي البنك الدولي واليونيسف واليونسكو، فضلاً عن أصحاب المصلحة في مجال التعليم والصحافة، لإطلاق الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031، والتشديد على التزام الحكومة القوي بتحسين التعليم في العراق.

وتقر هذه الإستراتيجية الوطنية بأن الاستثمار في تعليم الأطفال والشباب، يمثل أهم التحديات الإنمائية للعراق. ومن جانبنا، فقد أوضحنا أمام مجلس الوزراء أنه لكي تكون الاقتصادات قادرة على المنافسة، ولكي يتمتع الشباب بكل المهارات اللازمة لبناء مستقبلهم، فلا يوجد سوى سبيل واحد وهو الاستثمار في البشر. وعلى بلدان مثل العراق أن تستثمر في البنية التحتية للتعليم والمعلمين والتكنولوجيا، كما يجب أن تستثمر في التعليم لتحسين رأس المال البشري.

وتحدد إستراتيجية التعليم الرؤيةَ والمسار الصحيح نحو إنشاء نظام تعليميٍ أفضل وتعلمٍ أفضل لجميع الأطفال العراقيين على مدى السنوات العشر القادمة. والأهم من ذلك، أن الإستراتيجية تؤكد بحقٍ على أنه لا يمكن تحقيق المساواة في الحصول على التعليم لجميع الأطفال العراقيين إلا من خلال ضمان توفير مساحات تعلم كافية ومدخلات جيدة للتعليم.

وتحدد إستراتيجية التعليم في العراق أهدافا طموحة لتحقيق هذه الرؤية، وهذه الأهداف تشمل، على سبيل المثال لا الحصر؛ تعميمَ إتمام التعليم الابتدائي والمتوسط بحلول عام 2031 -الذي يبلغ حالياً 80% و60% فقط على التوالي- ورفع نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي العالي إلى حوالي 70% بدلا من 45% حالياً، علاوة على زيادة مستوى توفير خدمات التعليم غير الرسمي.

كما تتضمن أهدافاً طموحة لتعزيز جودة التعليم ومنها: تقليل كثافة الفصول الدراسية، وضمان التدريب المستمر في أثناء الخدمة للمعلمين، وزيادة حجم قوة التدريس لمواكبة زيادة نسب الالتحاق بالمدارس، وتزويد كل مدرسة وطالب بالموارد والمواد اللازمة. أما زيادة الربط باحتياجات سوق العمل والارتقاء بجودة التعليم والأبحاث فيشكل أيضاً مكوناً أساسياً في هذه الإستراتيجية.

الإستراتيجية خطوة أولى واعدة- والآن حان وقت تنفيذها

يمثل إطلاق هذه الإستراتيجية خطوة أولى واعدة، ولكن الإستراتيجيات يجب تنفيذها. وسيتطلب التنفيذ التزاماً مالياً وسياسياً ثابتاً ودعماً من المجتمع الدولي.

وهناك حاجة الآن إلى استثمارات أكثر وأفضل في قطاع التعليم، حيث تدعو هذه الإستراتيجية إلى زيادة نسبة الإنفاق على التعليم من إجمالي الموازنة العامة، من 10% فقط في السنوات الأخيرة إلى 16% في السنوات العشر القادمة لتحقيق أهدافها. وهذه خطوة أساسية، وإن كانت لا تزال أقل مما هو مطلوب لتلبية الاحتياجات الكبيرة للبلاد من رأس المال البشري.

إن زيادة الالتزام المالي، إلى جانب الالتزام السياسي بالاستثمار بكفاءة في البنية التحتية للتعليم، والاستثمار في تأهيل المعلمين وإعدادهم للمهنة، وضمان وضع مصالح الطلاب العراقيين قبل أي أولوية وطنية أخرى، من شأنها أن تضع العراق على طريق التنمية المستدامة ورفع مستوى معيشة جميع مواطنيه.

* بقلم: خايمي سافيدرا، المدير العام، قطاع الممارسات العالمية للتعليم بمجموعة البنك الدولي
إليزابيث سيدميك، اقتصادي

اضف تعليق