q
منذ سنوات والعراق تحول الى ساحة تصفية حساب بين حكومتي طهران وواشنطن، بينما الحكومة العراقية تريد خلق التوازن وعدم الانحياز لأي جهة على حساب الأخرى، لكن الولايات المتحدة لاسيما في الفترات الأخيرة انخفضت نسبة موثوقيتها في الحكومة العراقية، واعتمدت على مبدأ السرية في تنفيذ المهمات خوفا من التسريبات الى الجانب الآخر وافشال المخططات...

العراقيون متعطشون لما تحمله الأيام القادمة في جعبتها، القادم غير معلوم، والمعلوم ان زمن الهدوء قد ولى، هكذا يبدو المشهد في بعض المدن العراقية التي تحتضن قواعد أمريكية، فكيف ستمر الأيام على الحكومة والفصائل المسلحة معا؟

الاحداث الدائرة في البلاد تتشابه الى حد قريب مع التي حصلت في عام 2003 ابان دخول قوات التحالف الدولي لتغيير النظام، مع فارق ان القوات الامريكية في الوقت الراهن مستقرة على ارض الرافدين وتؤدي مهامها الانتقامية دون اخذ اذن من المجتمع الدولي، فهي لا تحتاج الى مزيد من التجييش طالما هي صاحبة الأرض والمتمركزة في المنطقة.

الولايات المتحدة الامريكية يبدو انها اتخذت قرارا لا رجعة فيه، مع تدارس الأوضاع ومعرفتها بجدية الفصائل ورغبتها المنقطعة في الخروج من البلاد، وفي خطوة تعد ردا صريحا ومباشرا على تحركات الفصائل اتخذت قرار تصفية رموز تلك الفصائل وتصفية قادتها المؤثرين والمخططين للكثير من الهجمات التي تنفذ ضدها بحسب الجانب الأمريكي.

التطورات الأخيرة اخذت بالتسارع، وقد تنذر بمواجهة وشيكة بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة الامريكية، التي اقتنعت تماما ان لا سبيل للوصول الى حل يرضي جميع الأطراف، بينما الحكومة تقف عاجزة عن مسك العصى من الوسط.

معالم الحملة الامريكية للتصفية بانت عندما استهدفت مسيرة أمريكية مقر حركة النجباء اللواء 12 في الحشد الشعبي في العاصمة بغداد، وأسفر ذلك عن استشهاد معاون قائد عمليات حزام بغداد بالحشد الشعبي والمسؤول العسكري للحركة أبو تقوى السعيدي ومرافقه.

بهذا الاستهداف اشعلت الولايات المتحدة الضوء الأصفر لتحذر الفصائل من الاستمرار في عمليات التصعيد، وحين ايقنت ان لا جدوى من التحذير، أعطت الضوء الأخضر لصواريخها بان تستهدف قائد آخر، اذ لم يمض شهر حتى جاء الاستهداف الثاني مساء الأربعاء 7 شباط عبر ضربة جوية لقيادي بارز في كتائب حزب الله العراقي الملقب بأبو باقر الساعدي في منطقة المشتل شرقي بغداد، مستهدفة سيارة تقلّه واثنين من قيادات الكتائب.

الولايات المتحدة لا تحتاج الى مبرر للاستهداف لكنها ارادت ان تقول للفصائل ان الجدار الذي تحتمون وراءه لا يمنعنا من ذلك، وان الجميع بالمتناول كل حسب التوقيت المناسب وظرف الجو العام الذي تسير فيه الاحداث، فالأخير جاء بعد الهجوم على القاعدة الأميركية قرب المثلث العراقي – السوري – الأردني والذي نفذ في 26 كانون الثاني الماضي وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح أكثر من 30 شخصا.

قبل حادثة المشتل بأقل من 24 ساعة أعلن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ان حكومته توصلت الى اتفاق بين الولايات المتحدة والفصائل من اجل التهدئة وعدم الانجرار وراء دعوات التصعيد التي لا تخدم في الدرجة الأولى الوجود الأمريكي في البلاد، وفي الدرجة الثانية تكبد الفصائل خسائر بشرية قد تعوض بمرور الوقت.

من يقول ان حرب الوكالة بين الولايات المتحدة والفصائل الموالية لإيران قابلة لوضع الاوزار فهو غير عارف بحيثيات المنطقة وطبيعة الصراع بين الدولتين، إيران لا ترغب بأي وجود امريكي، والاخيرة حذفت قضية الانسحاب من اجندتها الموضوعة لمنطقة الشرق الأوسط، وقد يعطيها الهجوم المكثف للفصائل سبب منطقي للبقاء حماية لمصالحها.

منذ سنوات والعراق تحول الى ساحة تصفية حساب بين حكومتي طهران وواشنطن، بينما الحكومة العراقية تريد خلق التوازن وعدم الانحياز لأي جهة على حساب الأخرى، لكن الولايات المتحدة لاسيما في الفترات الأخيرة انخفضت نسبة موثوقيتها في الحكومة العراقية، واعتمدت على مبدأ السرية في تنفيذ المهمات خوفا من التسريبات الى الجانب الآخر وافشال المخططات.

خيارات المواجهة بالنسبة للفصائل مع الولايات المتحدة انحسرت في الوقت الراهن، وتقلصت فرص الصدام المباشر، وقد تكتفي بشن هجمات متباعدة تستخدمها للمناورة مع حكومة واشنطن في محاولة منها توليد ضغط مباشر على حكومة السوداني المحرجة في الأساس امام البيت الأبيض.

اضف تعليق