هل مازالت تحملُ مَحتوىً أَم أَنَّها اليَوم مجرَّد إِستعرض إِعلامي لذرِّ الرَّمادِ في العيُونِ وإِلهاءِ الشَّارعِ بشيءٍ فقطَ طعمهُ ولَونهُ ورائحتهُ. فعندما تكون المُحاصصة حاكِمة على كُلِّ مفاصلِ وتفاصيلِ العمليَّةِ السياسيَّةِ بما فيها نتائِج صُندوق الإِقتراع، فهذا يعني أَنَّ الديمقراطيَّة بهذهِ الحالة تكونُ محكومةً بالتَّوافُقاتِ وليس بنتائجِ صندُوق...

١/ لا أَدري إِن كانت الحاجةُ إِلى صندُوق الإِقتراع مازالت قائمةً في العراق أَم أَنَّها انتفت بعد تجربةِ الإِنتخاباتِ النيابيَّةِ الأَخيرةِ؟!.

هل مازالت تحملُ مَحتوىً أَم أَنَّها اليَوم مجرَّد إِستعرض إِعلامي لذرِّ الرَّمادِ في العيُونِ وإِلهاءِ الشَّارعِ بشيءٍ فقطَ طعمهُ ولَونهُ ورائحتهُ؟!.

فعندما تكون المُحاصصة حاكِمة على كُلِّ مفاصلِ وتفاصيلِ العمليَّةِ السياسيَّةِ بما فيها نتائِج صُندوق الإِقتراع، فهذا يعني أَنَّ الديمقراطيَّة بهذهِ الحالة تكونُ محكومةً بالتَّوافُقاتِ وليس بنتائجِ صندُوق الإِقتراع، وهوَ الأَمرُ المعمُولُ بهِ في كُلِّ الديمقراطيَّاتِ بالعالَم إِلَّا العِراق!.

فالديمقراطيَّةُ تعني أَنَّ صَوتاً إِنتخابيّاً واحداً [زائداً] يُشكِّلُ حكومةً، وأَنَّ صَوتاً إِنتخابيّاً واحداً [ناقِصاً] يُشكِّلُ مُعارضةً، فهل هوَ كذلكَ في العراق [الدِّيمقراطي]؟!.

٢/ وعندما تكونُ الديمقراطيَّةُ وأَدواتها [نتائج الإِنتخابات] محكومةً بالتَّوافُقاتِ والمُحاصصاتِ فليسَ باستطاعتِها أَن تبني دولةً أَبداً فهي بهذهِ الحالةِ وجهٌ آخر من أَوجهِ الديكتاتوريَّة، ولذلكَ تُلاحظُ أَنَّ صُندوق الإِقتراع عندَنا لم يستطِع أَن يُحقِّق مبدأ تداوُل السُّلطة الذي وردَ في الدُّستور [٦] خلال العقدَينِ الماضيَينِ على الرَّغمِ من كُلِّ الإِختلاف الذي كانَ يُنتِجهُ في كلِّ مرَّةٍ في أَحجامِ القُوى السياسيَّة تحتَ قُبَّة البرلمان لكن ظلَّت نفس هذهِ القُوى هي الحاكِمة وهي التي تُمسِكُ بتلابيبِ وبزمامِ السُّلطةِ منذ التَّغييرِ ولحدِّ الآن على قاعدةِ [أَنَّ كُلَّ البرلمان يشترك في تشكيلِ الحكومةِ] ما ضيَّعَ فُرصة وجود أَقليَّة برلمانيَّة مُعارِضة تُراقب وتُحاسِب وتُعاقب فتتكامَل بواجباتِها الدستوريَّة والقانونيَّة مع الأَكثريَّة البرلمانيَّة التي تُشكِّل الحكُومة.

إِذا لم تتَّفق القُوى السياسيَّة الحاكِمة على صيغةٍ جديدةٍ للحُكمِ تعتمد نتائِج الإِنتخابات حصراً فيُشكِّل الفائز حكومتهُ ويذهب الخاسِر للمُعارضةِ، فلا يُمكنُ أَن نتصوَّرَ بأَنَّ للإِنتخاباتِ فائدةً تُذكر!.

٣/ وعلى هذا الأَساس هناكَ قُوى سياسيَّة أَخذت بهذهِ الرُّؤية في المرَّةِ الأَخيرةِ [وأَقصد بها التيَّار الصَّدري] فسعت بكُلِّ جُهدِها لتطبيقِها بعدَ أَن وقَّعَ كُلَّ زُعماء الكُتل السياسيَّة عليها قبلَ الإِنتخابات النيابيَّة الأَخيرة ولمَّا فشلَ التيَّار في تحقيقِها إِنسحبَ من كُلِّ العمليَّة السياسيَّة رافضاً العَودة من جديدٍ إِلى المُربَّع الأَوَّل الذي تتشكَّل أَضلاعهُ الأَربعة من المُحاصصة والتَّوافق، وذلكَ من خلالِ رفضهِ الإِشتراك بـ [خلطَةِ العطَّار] تاركاً السَّاحة للإِطار الذي انقلبَ على التزاماتهِ حالَ إِعلانِ النَّتائج الأَوَّليَّة للإِنتخاباتِ ليتحمَّل مسؤُوليَّتهِ لوحدهِ من دونِ مُنافسٍ هذهِ المرَّة حتَّى يعجَز عن البحثِ عن شمَّاعاتٍ يعلِّق عليها فشَله!.

وبرأيي فإِنَّ أَصحاب هذهِ الرُّؤيةِ هُم الأَقرب لرُؤيةِ بناءِ الدَّولة.

وهُناكَ قُوىً سياسيَّة ما زالت ترفع شِعار [بعد ما ننطِيها] وبأَيِّ ثمنٍ كانَ، فإِذا كانَ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين قد قالَ مرَّةً [أَنَّ مَن يُريد العِراق فليأخُذه أَرضاً بِلا شعبٍ] فإِنَّ هؤُلاء اليَوم يزيدُونَ عليها بالقَولِ [مَن يُريدُ السُّلطة فليأخُذها بالدَّم] ولذلكَ نراهُم يدمِّرُونَ الديمقراطيَّة وأَدواتها من أَجلِ أَن يستمرُّوا بالإِمساكِ بالسُّلطةِ بأَيِّ ثمنٍ وهؤُلاء هُم السلطويُّونَ الذين لا يُمكنُ في يومٍ من الأَيَّامِ أَن يبنُوا دولةً أَبداً!.

إِنَّهُم يتصوَّرونَ بأَنَّ السُّلطة تحميهِم من مُلاحقةِ العدالةِ الَّتي ستقبض عليهِم إِن عاجلاً أَم آجلاً لينالُوا جزاءهُم العادِل جرَّاءَ ما اقترفتهُ أَيديهِم من ظُلمٍ فاحشٍ بحقِّ العراقيِّينَ، وما مصيرِ الطَّاغية ببعيدٍ عنهُم.

٣/ قُوى الإِطار منقسِمةٌ على نفسِها بهذا الخصُوص، فقسمٌ يرى ضَرورة إِقناع التيَّار للعودةِ إِلى العمليَّةِ السياسيَّة والمُشاركةِ في الإِنتخاباتِ القادِمةِ المُزمعِ إِجراؤُها نِهاية هذا العام حتَّى إِذا احتاجَ الأَمرُ إِلى تأجيلِها بعض الوَقت لإِيجادِ المَخرجِ المُعتبرِ لمُشاركتهِ.

هذا القسمُ يرى، وهي رُؤية النِّسبةِ العُظمى من الشَّارع العراقي والتي لم تشترِك في الإِنتخاباتِ الأَخيرةِ، أَنَّ العمليَّة الإِنتخابيَّة ستفقُد المزيد من مصداقيَّتها إِذا ظلَّ التيَّار بعيداً عن المشهدِ الإِنتخابي، وبالتَّالي فبحسبِ رُؤيتهِم، فإِنَّ مُشاركة التيَّار ستمنح العمليَّة الإِنتخابيَّة زخَماً إِضافيّاً أَو على الأَقلِّ ستحتفظ بزخمِها السَّابق على الرَّغمِ من كُلِّ الإِشكالاتِ الواردةِ فيها وعلَيها.

أَمَّا القسم الثَّاني وهُم السلطويُّونَ وبعضهُم يتزعَّم ميليشيات، فهؤُلاء لا يفكِّرُونَ بعقليَّة بناء دَولة فالمُهم عندهُم أَن يكونُوا هُم داخِل السُّلطة وليسَ خارجَها وليكُن بعدَ ذلكَ ما يكُونُ!.

٤/ برأيي فإِنَّ السيِّد مُقتدى الصَّدر سيظل ثابتاً متمسِّكاً برأيهِ بعدمِ المُشاركةِ في أَيَّةِ إِنتخاباتٍ قادمةٍ إِلَّا بعدَ أَن تجدَ القُوى السياسيَّة ورُبما بمساعدةٍ من مجلس الأَمن الدَّولي وبِعثة [يونامي] طريقةً يتمُّ فيها اعتماد نتائجِ صندُوق الإِقتراع حصراً في تشكيلِ مُؤَسَّسات الدَّولة من دونِ تدخُّل المُحاصصة والتَّوافق في الأَمرِ والذي أَثبتت تجارِبِ عقدَينِ من الزَّمن أَنَّها فاشِلة بامتياز، ولعلَّ آخر شاهد إِثبات هو طريقةِ تمريرِ قانُون المُوازنة الأَخير وبالطَّريقةِ المُضحكةِ وما تابعهُ العراقيُّونَ من مهازِلَ بطريقةِ الإِستعراضاتِ الإِعلاميَّة قلَّ نظيرَها!.

وبعدَ كُلِّ هذا فقد تطعن الحكُومةُ بها وتعيدَها إِلى سابقِ عهدِها كما دوَّنتها وزارة الماليَّة وصادقَ عليها مجلس الوُزراء وتوافقت عليها رِئاسة البرلمان معَ [الكِبار] ليتدحرجَ الصِّغارُ كالكُرةِ بينَ أَقدامهِم!.

٥/ وما يُشجِّع الصَّدر على الثَّبات على رأيهِ بمُقاطعةِ العمليَّة السياسيَّة بما فيها الإِنتخابات، هو هذا الكمُّ الهائلِ من الفسادِ والفشلِ الذي ينخُر الآن بحكومةِ الإِطارِ [حكُومة السيِّد السُّوداني] فهو شاهدٌ آخر ودليلٌ آخر يسوقهُ الصَّدر للنَّاخبِ العراقي ليُثبتَ لهُ بأَنَّ حكومات المُحاصصة وأَنَّ البرلمان الذي ليسَ فيهِ أَغلبيَّة حاكِمة وأَقليَّة مُعارضة تُدمِّر البلد ولا تبني دَولةً بغضِّ النَّظر عمَّن يُشكِّل الأَغلبيَّة ومَن يذهب للمُعارضةِ!.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق