آراء وافكار - مقالات الكتاب

استراتيجية الرئيس الأمريكي ومبادئه الاقتصادية

كيف يتحرك ترامب؟ وما الذي فعله للاقتصاد الأمريكي؟

(وظائف وظائف وظائف) هكذا تفاخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في احدى تغريداته على تويتر حول نجاح سياساته الاقتصادية، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي ما يقارب (263) ألف وظيفة خلال شهر نيسان 2019، وانخفضت البطالة إلى مستوى (3.6%) وهي الأدنى منذ عام 1969، بينما بلغ مؤشر داو جونز مستوى (27000) نقطة

(وظائف.. وظائف.. وظائف) هكذا تفاخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في احدى تغريداته على تويتر حول نجاح سياساته الاقتصادية، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي ما يقارب (263) ألف وظيفة خلال شهر نيسان 2019، وانخفضت البطالة إلى مستوى (3.6%) وهي الأدنى منذ عام 1969، بينما بلغ مؤشر داو جونز مستوى (27000) نقطة، ويمثل الداوجونز من أبرز المؤشرات التي يستشهد بها الرئيس ترامب حول صحة الاقتصاد الأمريكي.

ورغم تلك النجاحات، ما زال الاقتصاديين منقسمين بين مؤيد وأخر معارض، ونحن في هذا المقالة لا يهمنا صواب او خطأ سياسات الرئيس الأمريكي الاقتصادية، بقدر ما يهمنا فهم وجهة نظره والخلفية الاقتصادية التي يستند عليها في سياساته.

يمكن القول، إن الرئيس الأمريكي ينتمي في سياساته لمدرسة اقتصادية تدعى (المدرسة النقودية) أو (النيوكلاسيكية) او مدرسة (اقتصاديو جانب العرض)، وقبل الولوج في معمعة المدارس الاقتصادية، من الضروري التذكير ببعض الأساسيات.

الأساسيات:

يتألف اقتصاد كل الدولة من جانبين: (منتجين ومستهلكين)؛ حيث ينتج المنتجون سلعاً وخدمات، يستهلكها الجانب الاخر وهم المستهلكون.

ينقسم المستهلكون إلى 4 فئات أو تيارات رئيسية:

أولها تيار الحكومة: التي تدفع الرواتب للأفراد لقاء شراء جهودهم! وكذلك تشتري المواد الأساسية من المصانع لتشييد البنى التحتية.

ثانيا تيار العوائل، الذين يشترون الخضراوات، السلع المعمرة، الخدمات الطبية والترفيهية وغيرها.

ثالثا تيار المستثمرين: الذي يشيدون المصانع ويوظفون الافراد، حيث أن توظيف الافراد هو بمثابة شراء جهود العاملين والموظفين مقابل المال.

رابعا تيار المجتمع الدولي: التي تمثل مشترياته الصادرات التي يصدرها البلد إلى العالم.

ويُقاس حجم الاقتصاد بالنقود، فإذا اشترى المستهلكون (أي الفئات الـ 4 أعلاه) سلعاً وخدمات بـ مليار دولار، فحجم الاقتصاد هو مليار دولار. وهو ما يُطلق عليه بـ (الناتج المحلي الإجمالي أو GDP)، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للعراق لعام 2018 (226 مليار دولار أي ما يقارب الربع تريليون) بينما بلغ GDP للولايات المتحدة (20 تريليون دولار). وهذا الناتج المحلي هو حجم الاقتصاد.

ينمو الاقتصاد وينكمش، تماماً كمحرك السيارة الذي قد يتسارع أو يتباطأ في حركته، فعندما يشتري المستهلكين في السنة الثانية منتجات بـ (1 مليار و50 مليون دولار) أي أكثر بـ (50مليون دولار) عن العام الماضي، فذلك يعني أن الاقتصاد قد نما بمعدل 5%،

وهذا هو ما يقوم به الرئيس ترامب وما يجب أن تقوم به الدول، وهو الحفاظ على اقتصاد ينمو سنة بعد سنة، وخصوصاً عندما يكون عدد السكان في تزايد، فعندما ينمو سكان البلد بمعدل 1% سنوياً، فيجب أن ينمو الاقتصاد بمعدل 2% أو (على الأقل بـ 1%)! وعندما ينمو السكان بمعدل 3% بينما ينمو الاقتصاد بمعدل 2% فإن الاقتصاد في حالة انكماش!

ولغرض الدقة في التعبير، لم نذكر أن "الحكومة" هي المسؤولة عن النمو الاقتصادي، بل ذكرنا "الدولة".

فاقتصادات الدول اليوم، تعتمد في نموها على خليط سياسات ثلاث مؤسسات داخل الدولة:

أولاً/ مؤسسة الحكومة، وتؤثر على نمو الاقتصادي من خلال التلاعب بعدادات (الضرائب والانفاق الحكومي) وهذا التلاعب هو ما يطلق عليه السياسات المالية.

ثانيا/ مؤسسة البنك المركزي للدولة، وتؤثر على النمو الاقتصادي من خلال تلاعب البنك المركزي بعدادات (سعر الفائدة على القروض) التي تؤثر على حجم القروض المصرفية والتي تؤثر بالنتيجة على حركة الاستهلاك والاستثمار.

ثالثا/ مؤسسة البرلمان، وتؤثر على النمو الاقتصادي من خلال تشريعاتها التنظيمية، التي تسهل او تصعب عمل الاقتصاد والانتاج.

من الضروري ان تتسق سياسات هذه المؤسسات الثلاث مع بعضها البعض، فقد تمارس الحكومة سياسات مالية جيدة، إلا أن السياسات النقدية للبنك المركزي تثبط النمو! وقد تبدو السياسات المالية للحكومة والسياسات النقدية للبنك المركزي مشجعة للاقتصاد، إلا إن البيئة التنظيمية سيئة وطاردة للأعمال.

المدارس الاقتصادية:

تتفق المدارس الاقتصادية المختلفة فيما بينها على الأساسيات أعلاه، إلا أن لكل مدرسة اقتصادية تفسيراتها ووصفاتها العلاجية الخاصة لتحفيز أو للحفاظ على النمو الاقتصادي.

يمكن القول إن الرئيس الأمريكي ينتمي إلى حد كبير للـ (المدرسة النقودية) ويطبق نظرياتها في سياساته التي يمارسها لتحفيز ونمو الاقتصاد الأمريكي، وبطبيعة الحال، لا يمكن فهم (المدرسة النقودية) بدون التطرق لمدرسة أخرى مهمة، وهي (المدرسة الكينزية Keynesian economics) نسبة للاقتصادي البريطاني (مينارد كينز).

والان جاء دور وضع الأساسيات أعلاه مع بعضها البعض!

المدرسة الكينزية:

بزغ نجم المدرسة الكينزية عقب الكساد الكبير الذي ضرب العالم عام 1930، حيث تباطأت حركة محرك الاقتصاد العالمي، وأُغلقت المصانع وسرحت موظفيها وعمالها، لقد كاد المحرك أن يتوقف!

حينها اقترح مينارد كينز وصفته لتحريك الاقتصاد، وهو ان تقوم مؤسسة الحكومة بزيادة إنفاقها؛ لأن الحكومة كما ذكرنا في الاساسيات:

- إنها إحدى مؤسسات الدولة الثلاث المؤثرة على الاقتصاد من خلال سياساتها المالية.

- وهي احدى أكبر تيارات المستهلكين الأربع.

هل نتذكر ذلك؟

وذلك يعني، ان مينارد كينز قد اقترح تحريك الاقتصاد من خلال تحريك جانب الطلب، فعندما يزداد الطلب على المنتجات ستعمل المصانع، وسيقبض العمال اجورهم، ويشترون بها منتجات أخرى! وهكذا سيدور محرك الاقتصاد مرة أخرى.

ولهذا كثيراً ما يُوصف مؤيدو النظرية الكينزية بـ (اقتصاديو جانب الطلب)؛ لأنهم يرون الحل يبدأ بتحفيز الطلب والاستهلاك.

هذه هي النظرية الكينزية ببساطة، التي عملت بصورة جيدة حتى عام 1973.

المدرسة النقدية:

في عام 1973 أخفق الكينزيون في تقديم تفسير للازمة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي، وهي ازمة "الركود التضخمي"، وهنا بزغ نجم المدرسة النقودية، الذي يُعتبر العبقري الاقتصادي (ميلتون فريدمان) احدى أبرز منظريها، حيث قدم تفسيرات ووصفات سياسية لمواجهة الأزمات وتحقيق النمو المستقر للاقتصاد.

يمكن وصف مؤيدو المدرسة النقودية بـ (اقتصاديو جانب العرض) الذين يرون أن على الحكومة – باعتبارها احدى المؤسسات الثلاث المؤثرة بالاقتصاد – تقديم تخفيضات ضريبية للمستثمرين ورجال الاعمال، لكي تحفزهم على المزيد من الاستثمار وبناء المصانع، وبهذه الطريقة ستعمل عجلة الاقتصاد بصورة مستمرة.

هذا هو التمييز الأكبر بين الكينزي والنقودي، حيث يعتقد الكينزي أن المستهلكين وطلباتهم على السلع والخدمات هو المحرك الرئيسي للاقتصاد. لذا فهم (اقتصاديو جانب الطلب)

بينما يعتقد النقوديون إن المنتجين ورغبتهم في إنشاء سلع وخدمات هي التي تحدد وتيرة النمو الاقتصادي. ولذا فهم (اقتصاديو جانب العرض)

تقوم المدرسة النقودية (اسمها الاخر هو النيو كلاسيكية) على أربعة أعمدة، التي يعتبرونها وصفتهم لتحقيق نمو اقتصادي مستقر، وهذه الاعمدة هي:

أولاً: السياسة الضريبية.

ثانيا: السياسة التنظيمية.

ثلاث: السياسة النقدية.

رابعا: السياسة التجارية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق