q
إطلاق المبادرات الحقيقية لملء ساعات الفراغ الكثيرة التي يعاني منها الشباب أولا ومن ثم عموم الناس، إذ لابد من وضع خطط لمواجهة سيول الفكر المنحرف، والمساعدة على إحاطة ذائقة الشباب بالحماية اللازمة، التركيز على القيم والضوابط والتقاليد الأخلاقية التي تنمي الشعور بالهوية الحقيقية والقوة والكرامة عند الشباب...

الذائقة أو التذوق تعد واحدة من الحواس الخمس التي يمتلكها الإنسان، بل هناك من ينظر إلى حاسة التذوّق على أنها الأهم من بين هذه الحواس، كونها البوابة الواسعة التي تقود الإنسان نحو الشعور بالسعادة والامتلاء، ولكن ربما هناك نوع من المبالغة في مثل هذا التقييم، فهل يمكن المفاضلة بين حاسة اللمس والتذوّق مثلا؟ أو سواها من الحواس.

ومع ذلك لا يمكن أن نستهين بالنتائج الكبيرة التي تعود بها الذائقة على الإنسان، خصوصا إذا عرفنا أن الذائقة والتذوق لا ينحصران باللمسة المادية لها، ولا بما يؤديه اللسان في عملية تذوق الأطعمة وأنواع العصائر والشربات، إنما هنالك ذائقة معنوية لها دورها الكبير في تشذيب شخصية الإنسان، وتنظّف أفكاره من كل شيء مسيء.

إذًا نحن أمام مهمة بناء ذائقة معنوية سليمة متميزة، بعد أن عرفنا بأن التذوق ليس مهمة خاصة باللسان فقط، وإنما للذائقة دور مهم وكبير في تشكيل شخصية الإنسان، وبالتالي نوع هذه الشخصية، وطبيعة المنجزات التي تقوم بها، لاسيما إذا قام الشخص نفسه، أو من يقومون على تربيته، بالانتباه إلى صناعة هذه الذائقة وطبيعتها.

سيول الثقافات الدخيلة

هناك علاقة وثيقة جدا بين الذائقة المعنوية، وبين الأفكار التي تتدفق على عقل الإنسان وعلى قلبه، فالعقل يتلقى جميع الأفكار التي توضع أمامه، وعالمنا اليوم كما نعرف جميعا هو عالم الأفكار المفتوحة للجميع، فالثقافات والسلوكيات متوافرة أكثر من أي عصر مضى للبشرية كلها، حيث تضج منصات الإعلام والتواصل والشوسيال ميديا بكميات ومسارات وتيارات ثقافية هائلة لا حصر لها على الإطلاق.

هذه كلها يمكن أن تكون أمام العقل بضغطة زر يقوم بها الإنسان في جهاز الموبايل أو الكومبيوتر العائد له، ولا سبيل لحجبها عنه، لذا فإن خطر تلويث الذائقة موجود على الدوام، وهو خطر داهم يتهدد النوعين من الذائقة، فبعد أن تم تلويث الذائقة المادية بأنواع الأطعمة والعصائر والسوائل المختلفة، لدرجة أن الإنسان بات يعاني من أمراض خطير لا حصر لها، هناك أيضا حملات كبيرة لتلويث الذائقة المعنوية للناس.

كيف يمكن أن تتم عملية تلويث الذائقة المعنوية، إن السلوب الأسرع لهذا النوع من التلويث هو الأفكار الملوثة، حيث تقوم بمهمة تلويث الذائقة وحرفها عن الجادة الصواب، مثلا يتم تلويثها بالأفكار المتطرفة، أو بأفكار التفسخ والانحلال، أو كراهية الاعتدال في الحياة، أو هناك أفكار تشجع على الانحراف بأنواعه كافة من خلال الأفكار الغريبة الصادمة غير السويّة يتم تقديمها بحجة التطوّر والاختلاف وما شابه.

هناك مثلا سيل من الأفلام يتم تقديمها عبر قنوات إلكترونية مختلفة وعديدة، هدفها تلويث ذائقة الفرد المعنوية وحتى الفكرية، وهناك أنواع لا حصر لها ضمن صناعة (المحتوى) الفكري عبر أعداد كبيرة من الفديوهات التي تنتشر بسرعة البرق في تطبيقات إلكترونية هدفها الترويج لثقافات منحرفة، تدمر الذائقة المعنوية للناس.

مواجهة التلويث الفكري المعنوي

في ظل الانفتاح الكلي، وغياب التنظيم، مع غياب التوعية، اصبحت الخطوة قائمة و واضحة، وهي تشكل خطرا داهما على الذائقة المعنوية لكل الناس، والخوف الأشد مما تشكله هذه الحملات المنتظمة من خطر على عقول الشباب، وتشويه ذائقتهم بشكل منتظم ومخطَّط له، وهذه قضية لا يمكن السكوت تجاهها، ولا السماح بتمريرها، أو التعامل معها على أنها من الأحداث العابرة التي تضرب حياتنا وقلبها رأسا على عقب.  

أما سبل المواجهة فهي مطلوبة، بل ضرورية في أقصى درجات الضرورة، وإلا هل يجوز ترك عقول الشباب وذائقتهم معرّضة لهذه السيول الجارفة من التلويث المنظّم لها؟

من أهم وأعظم سبل المواجهة لهذا التلويث المعنوي الفكري، كخطوة هامة ومنتظمة ومدروسة، تقديم سلسلة من التحذيرات الجادة للشباب أولا، والحذر من هذا التلويث المعنوي الفكري المستمر، وتقديم البديل الفكري الصالح لهم.

من المعالجات المهمة إطلاق المبادرات الحقيقية لملء ساعات الفراغ الكثيرة التي يعاني منها الشباب أولا ومن ثم عموم الناس، إذ لابد من وضع خطط لمواجهة سيول الفكر المنحرف، والمساعدة على إحاطة ذائقة الشباب بالحماية اللازمة.

التركيز على القيم والضوابط والتقاليد الأخلاقية التي تنمي الشعور بالهوية الحقيقية والقوة والكرامة عند الشباب وعموم الناس، والتنبيه إلى أن الجهات التي تبث هذا النوع من التلويث الفكري للذائقة المعنوية لا تريد الخير لنا ولا للبشرية كلها، فالهدف مادي ربحي بحت وهيمنة اقتصادية سياسية على الكرية الأرضية كلها بمن فيها، ومثل هذا الهدف الخطير يحتاج إلى مواجهة جادة مستدامة لا رجوع عنها.  

اضف تعليق