قبل نحو 1400 سنة وبالتحديد في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك ضرب رأس الإيمان والعلم والتقوى والزهد والرضا، واغتيل ضمير البشرية النابض بالحق والحقيقة، وقتل صوت العدالة الإنسانية، صاحب المقام الرفيع الذي لا يضاهى في الشرف والمكانة والعلم والحلم والبطولة والفداء والقيادة والتقى وبمصابه...

قبل نحو 1400 سنة وبالتحديد في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك ضرب رأس الإيمان والعلم والتقوى والزهد والرضا، واغتيل ضمير البشرية النابض بالحق والحقيقة، وقتل صوت العدالة الإنسانية، صاحب المقام الرفيع الذي لا يضاهى في الشرف والمكانة والعلم والحلم والبطولة والفداء والقيادة والتقى، وبمصابه تهدمت أركان الهدى، انه إمام الأوصياء والمتقين الإمام علي -عليه السلام- نفس الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم.

الذي قدم خلال حكمه القصير من الناحية الزمنية، والخالد من حيث الأهداف السامية انموذجا للحكم الإسلامي الحقيقي، وذلك بعد تراجع الناس في ذلك العصر عن الإسلام المحمدي الحقيقي، في ظل سيطرة أصحاب الأهواء والمصالح حيث يشير الإمام لذلك بأن أحد الأسباب التي جعلته يتولى الحكم، بعد طلب واللحاح شديد من جماهير الأمة من المهاجرين والأنصار لمبايعته بالخلافة على أساس انه صاحب الاحقية بها بحسب وصية رسول الله (ص) ؛ والأمر الأهم هو نصرة المنهج الإسلامي وتقديم النموذج الصحيح للحكم والحاكم والتعامل مع الشعب وذلك بقوله (ع):"فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً".

خسارة للبشرية

لقد خسرت البشرية وتراجعت الأمة الإسلامية الكثير بعدم الإلتفاف حول القائد الكامل المواصفات حسب المعايير الإلهية الذي نصبه رسول الله (ص) الذي ينفذ أوامر الله -عز وجل-.

بعد وفاة النبي(ص) بذل الإمام(ع) كل ما يستطيع لتأكيد احقيته بمنصب القيادة وتذكير الأمة بما قاله الرسول (ص) بحقه بالطرق السلمية بعيدا عن القوة لكي لا يقال ان علي (ع) استخدم القوة وسفك الدم لفرض رأيه لأجل منصب دنيوي، فالمنصب والزعامة لا تعني لديه شيئا في شخصيته (ع) بل في نظره فهي لا تساوي عفطة عنز ولا شسع نعل، وإنما هي وسيلة لا غاية في سبيل إحقاق الحق وإقامة العدل والمساواة والحرية.

ومن أراد التعرف على أقوال الإمام علي حول احقيته بالخلافة وانتزاعها منه بشكل غير شرعي يمكنه الإطلاع على خطبة الشقشقية في نهج حيث يقول:"

أَما وَاللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَها..، وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْها مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحى..". فصبر الإمام أكثر من عقدين من الزمن حيث يقول: " فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى".

ولكن الناس مغلوبة على أمرها مرعوبة غير واعية وغير مطيعة فقال كلمته المشهورة "لا رأي لمن لا يطاع".

المحاسبة ورفض الرشوة والفساد

عندما استلم الإمام علي (ع) الحكم وقيادة الأئمة وطبق العدالة والمساواة بين الجميع، ورفض الرشوة والفساد وطبق نظام من أين لك هذا لكل مسؤول، اجتمع أعداء الحق والعدل وأهل التكفير على إثارة الفتن والتخلص منه بقتله وهو في محراب الصلاة، رافعا صوته فزت ورب الكعبة، الكعبة التي شهدت مولده الشريف.

منذ تاريخ قتل الإمام علي -عليه السلام- والعالم وبالخصوص العربي والإسلامي يعاني الويلات والآلام والحرمان والتخبط والضياع والفشل، في ظل إصرار أعداء البشرية والرسالات السماوية على تغييب شخصية أمير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- كنموذج وقدوة في الحكم وكصوت للعدالة الاجتماعية.

العالم بحاجة لفكر علي (ع)

العالم بحاجة لفكر ومنهج وعدالة وضمير وإنسانية علي ابن أبي طالب (ع) الذي طبق مبدأ الأخوة بين الناس لتذويب الفوارق والاحقاد ورفع مستوى العلاقة فيما بينهم بقوله عليه السلام: "الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، والقضاء على الظلم والاستبداد وعلى الفقر والحرمان والتمييز، وقد كان شعاره في الحكم إحقاق الحق وتطبيق العدالة والمساواة حيث يقول (عليه السلام): " وَاللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّدا، أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَغَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا".

الأفضل والأعدل

الإمام علي -عليه السلام- شخصية عظيمة وفريدة ومميزة ليس هناك أفضل منه إلا شخصية الرسول الأعظم (ص)، فهو الأطهر والأعلى والأعلم والأفضل والأحسن والأعظم والأكمل والأعدل في كل المجالات: الروحية والأخلاقية والبطولة والشجاعة والفقه والقضاء والبلاغة والفصاحة والإدارة والحكم.

فهو (ع) أشرف الناس نسبا، والده ابوطالب ابن عبدالمطلب بن هاشم. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية تتزوج من هاشمي، والده هو الذي دافع عن النبي وحماه من اعتداء الكفار، وامه هي كانت بمثابة الام الحنون للنبي (ص) فهي التي رعته واهتمت به من صغره، والنبي كان يحبها ويقدرها، ويقول لها أمي، بعد وفاتها كفنها بقميصه، واضطجع في قبرها. ومن عظيم الشرف ان الامام علي (ع) ولد في أطهر بقعة في الكعبة المشرفة، ثم أنتقل ليتربى بين يدي خير البشر النبي الأكرم محمد (ص) بل هو نفس رسول الله (ص)، وزوج بضعته السيدة فاطمة الزهراء البتول، ووالد سبطي النبي الكريم الحسن والحسين، وصاحب التاريخ المشرف في الفداء والبطولة والإباء والعطاء والإعمار والعدالة الإنسانية، وهو شهيد محراب الصلاة، لقد اغتيل أثناء صلاة الفجر حيث انه في (حالة توجه في عالم العشق الإلهي)، في ليلة هي خير من ألف شهر -ليلة القدر العظيمة-، في أفضل وأعظم وأشرف الشهور شهر رمضان المبارك.

تفرد وتميز

وما العجب فالإمام علي (ع) تربى في أحضان النبوة، وتغذى الإيمان المحمدي الأصيل، ولم يسجد لغير الله قط (فتفرد بلقب كرم الله وجه)، هو موضع ثقة الرسول في كل المواقف والمشاهد وهو الممثل الشخصي وصاحب المنزلة الخاصة الرفيعة فقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقدم أفضل الدروس في الفداء والبطولة والإباء فكان (لافتى إلا علي ولا سيف الا ذو الفقار)، وفي يوم الغدير نصبه الرسول الأكرم للولاية والامارة قائلا: "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وانصر من نصره"، وقال (ص): "علي مع الحق والحق مع علي"، انها مكانة عظيمة مرموقة لا يستحقها إلا الإمام علي ابن ابي طالب (ع).

طهارة النسب والمولد والتربية

من مثل علي ابن ابي طالب -عليه السلام- في طهارة النسب الهاشمي والمولد في الكعبة المشرفة وشرف التربية والرعاية بين أحضان رسول الله (ص) وأول الناس اسلاما وفداءا وتضحية وحمل الأمانة وتمثيل لرسول الله، وقوة العقيدة والإيمان والروحانية، والشجاعة في الحروب: بدر وأُحد والخندق وخيبر وغيرها بطولات وانتصارات غيرت مجرى الرسالة والتاريخ. إنه مفخرة البشرية.

النزاهة والمساواة

لقد قدم الإمام علي (ع) أفضل انموذج للحاكم العادل للإنسانية في كل مكان وزمان، في التضحية والنزاهة والمحاسبة حيث يقول: "هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى".

لقد رفض أمير المؤمنين كافة أشكال الطبقية للمنتفعين والوجهاء والاستغلالين، وطبق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع بمبدأ العدالة والمساواة، بلا اي تفضيل لقرشي أو هاشمي أو لأفراد العائلة أخوة أو أبناء أو من المهاجرين أو الأنصار أو عربي أو أعجمي مسلم أو غير مسلم. وهذا الأمر لم يعجب البعض الذين عبروا عن غضبهم بأنهم عرب أو مسلمين من المهاجرين و الانصار... فقال عليه السلام في خطبة توعوية للناس:" «يا معشر المهاجرين والأنصار: أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم، بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين.. فأمّا هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أَثَرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون..». وقال:

«..ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النيّر غداً عند الله، وثوابه وأجره على الله، وأيما رجل استجاب لله وللرسول فصدَّق ملتنا، ودخل في ديننا، واستقبل قبلتنا، فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسويّة، لا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غداً أحسن الجزاء، وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجراً ولا ثواباً وما عند الله خير للأبرار».

وعندما رأى شيخا كبيرا فاقد البصر يستجدي الناس يطلب المساعدة سأل من حوله له ما هذا؟ قالوا انه نصراني، فقال: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه. أنفقوا عليه من بيت المال". أي لا بنبي في حكومة علي أن يوجد فقير ومحتاج مهما كان دينه وطائفته وعرقه ولونه.

الحرية والشفافية

تطبيق العدالة بشفافية وأمام الناس في أحكام القضاء. وأطلق الحريات والتعبير عن الرأي ولو كان ضده الذي وصل لدرجة تكفيره من قبل الخوارج فلم يعاقبهم ولم يزج بهم في السجون، بل كانت حرية الرأي في حكمه مكفولة للجميع بشرط عدم الاعتداء بالعنف والسلاح اي الحرب. وكان يفضل الرأي مقابل الرأي، وإطلاق العفو والتسامح.

نصرة المظلوم والإهتمام باليتامى

وكان أمير المؤمنين الإمام علي- عليه السلام- طوال حياته مع الله وفي سبيل الله ومع الحق والعدل ونصرة المظلومين. وفي آخر لحظات حياته أوصى الحسن والحسين عليهما السلام وأبنائه (ع) بوصاية قال: "أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ،.. وَقُولاَ بِالْحَقِّ، وَاعْمَلاَ لِلْأجْرِ، وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً ".

ورغم شجاعة الإمام علي (ع) وقوته في ميدان المعارك بين يدي رسول الله محمد (ص)، والدفاع عن المظلومين، دون أن يبدأ حربا، حيث أنه ينهي عن شن الحروب والبدء بقتال، إلا أنه ينهار بين أيدي الأطفال اليتمى والمساكين أو المظلومين، فالإمام علي -عليه السلام- هو والد المساكين وأبو اليتامى ففي حضرته لم يشعر الأيتام باليتم والحاجة، ولكن بعد وفاته شعر أبناء الأمة الكبير قبل الصغير باليتم. فهو يمثل الأب للجميع.

قال الإمام علي (ع) في وصيته عند وفاته: "الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيّعوا بحضرتكم". انه إمام الرحمة الإنسانية وضمير البشرية.

السلام عليك يا وليد الكعبة المشرفة ويا شهيد المحراب المضرج بدمائك الزكية، يا أمير المؤمنين يا أبا الحسن يا علي ابن ابي طالب يا إمام الأوصياء وسيد المتقين يا صوت العدالة الإنسانية وضمير الأمة الحي الخالد النابض بالعطاء، ويا مفخرة البشرية.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
الإمام علي رضي الله عنه هو رمز خالد للعدالة والإيمان
وهو الذي آمن برب العالمين ورسوله (ص ) وهو صبي يسبق فكره الزمان
ومن سوء حظنا ماحدث له من غدر مازال تأثيره مستمرا على بني الإنسان
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن التعليق وآدابه...واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-05-30