مجلة النبأ - العدد 41 - شوال 1420 - كانون الثاني 2000

اكتب لنا

اعداد سابقة

الكتّاب

الموضوعات

العدد41

الصفحة الرئيسية

وعاظ السلاطين

محمد تقي باقر(1)

كان (سنوحي) طبيباً للفرعون أمفسيس الذي عاش في القرن العاشر قبل الميلاد، و قد كتب مذكراته عن حياة هذا الفرعون و عن الشعب المصري الذي كان يعاني استبداد (أمفسيس) و اكتشف علماء الآثار هذه المذكرات ضمن ما خلفته السنون بين الكتب الهيروغليفية، و ترجمت مذكرات هذا الطبيب التي كتبها بأسلوب رائع و بديع إلى اللغات العالمية الحية و طبعت أكثر من مرة و هي الآن بين أيدينا يستطيع القراء قراءتها كل بلغته و استخلاص دروس العجب منها.

يقول (سنوحي) في مذكراته:

(كنت أمشي في شارع من شوارع مصر و إذا بالرجل الوجيه الشريف الثري المعروف (إخناتون) ملقى على الأرض مضرجاً بدمائه و قد قطعت يداه ورجلاه من خلاف و جدعت أنفه و ليس في بدنه مكان إلا و فيه طعنة رمح أو ضربة سوط و هو قاب قوسين أو أدنى من الموت، فحملته إلى دار المرضى و جاهدت جهاداً عظيماً لإنقاذه من الموت، و بعد شهرين أو أكثر و عندما أفاق من غيبوبته قص عليّ قصته المحزنة المفجعة قائلاً:

لقد أمرني الفرعون (أمفسيس) أن أتنازل له عن كل شبر أرض أملكه و أن أهبه أزواجي و عبيدي و كل ما أملك من ذهب و فضة، فاستجبت لما أراد بشرط أن يترك لي داري التي أسكن فيها و معشار ما أملكه من الذهب و الفضة لأستعين بها على معيشة
أولادي، فاستثقل فرعون هذا الشرط و استولى على كل ما كان عندي، ثم أمر بأن يفعل بي تلك الأفاعيل الشنيعة و ، أطرح في الشارع عارياً لأكون عبرة لمن يخالف أوامر الإله (أمفسيس).

ودارت الأيام و إخناتون المسكين يعاني الفقر و الحرمان و كل أمله في هذه الدنيا هو القصاص من فرعون الظالم و لو على يد غيره.

ومات الفرعون و حضرت مراسيم الوفاة بصفتي كبير الأطباء، فكان الكهنة يلقون خطب الوداع مطرين الراحل العظيم و كانت الكلمات التي يرددونها لا زلت أتذكرها جيداً، فقد كانوا يقولون: (يا شعب مصر، لقد فقدت الأرض و السماء و ما بينهما قلباً كبيراً كان يحب مصر و ما فيها من إنسان و حيوان و نبات و جماد. كان للأيتام أباً و للفقراء عوناً و للشعب أخاً و لمصر مجدداً. كان أعدل الآلهة و أرحمهم و أكثرهم حبّا لشعب مصر. ذهب (أمفسيس) لكي ينضم إلى الآلهة الكبار و ترك الشعب في ظلام).

ويضيف (سنوحي):

وبينما كنت أصغي إلى كلام الكهنة و دجلهم في القول و أندب حظ مصر و شعبها المسكين الذي يرزح تحت سياط الفراعنة و الكهنة معاً، و بينما كانت الجماهير المحتشدة التي لقي كل فرد منهم على حدة من بطش فرعون و سياط أذى و عذاباً تجهش بالبكاء: سمعت رجلاً يبكي كما تبكي الثكلى و صوت بكائه علا الأصوات كلها؛ و يردد عبارات غير مفهومة، فنظرت مليّاً و إذا صاحب البكاء هذا هو إخناتون المعوق العاجز الذي كان مشدوداً على ظهر حمار.

وأسرعت لأهدئه بعض الشيء، فقد ظننت أنه يبكي سرورا و ابتهاجاً على وفاة الظالم ظلمه إلى حد الموت بالتعذيب، و لكن إخناتون خيب مالي عندما وقع نظره عليّ أخذ يصرخ عالياً بقوله:

(يا سنوحي؛ لم أكن أعلم أن (أمفسيس) كان عادلاً و عظيماً و بارّاً بشعبه إلى هذه المرتبة العظيمة الا بعد أن سمعت ما قاله كهنتنا فيه(!!) و ها أنا أبكي يا سنوحي لأنني حملت في قلبي حقداً على هذا الإله العظيم بدلاً من الحب و الإجلال طوال سنوات عديدة، حقّاً لقد كنت في ضلال كبير).

ويقول (سنوحي):

وعندما كان إخناتون يكرر هذه الكلمات بإيمان راسخ كنت أنظر إلى أعضائه المقطوعة و صورته المشوهة و أنا حائر فيما أسمع و كأنه قرأ ما يدور في خلدي و إذا به يصرخ فيّ بملء شدقيه:

(لقد كان (أمفسيس) على حق فيما فعله بي؛ لأنني لم أستجب إلى أوامر الآلهة و هذا هو جزاء كل من يعصي الإله الذي خلقه و أحبه، وأي سعادة أعظم للمرء من أن ينال جزاء أعماله الذي يستحق على يد الإله لا على يد غيره)!!

من هو (أمفسيس) هذا؟

كان (أمفسيس) كاهناً صغيراً في شبابه يشرف على تحنيط و دفن الموتى في المقابر العامة و يأخذ أجراً زهيداً مقابل عمله؛ فادعى في غفلة من الزمن ملكية المقابر و زاد في أجره؛ فقبل الناس ادعاءه و خضعوا لما فرضه عليهم من ضريبة جديدة.

ثم ادّعى ولاية المدينة فخضع الناس لولايته بدون اعتراض؛ فبدأ يحكم الناس و هم بما يأمرهم مطيعون.

ثم ادعى الملكية؛ فبايعه الناس على ذلك؛ فأصبح الملك (أمفسيس).

وعندما رأى ان ارادته تفرض على الناس بدون أدنى مقاومة أو أي اعتراض ادعى الألوهية؛ ووافق الشعب بذلك؛ وسجدوا له طائعين؛ فكان (أمفسيس) فرعون مصر. ثم بدأ يحكم الشعب بالنار و الحديد فكان عهده عهد خراب و دمار لم يكن له مثيل من قبل.

وأصبح فرعون من فراعنة مصر، حكمها بالنار و الحديد طوال عشر سنوات، دخل في حرب خاسرة مع بلاد النوبة الجارة؛ قتل فيها خمس شعب مصر، خرّب المزارع؛ و قطع الأشجار؛ و أباد شباب مصر متهماً إياهم بالهزيمة في الحرب التي شنها ضد النوبة، وأحرق العاصمة في إحدى ليال مجونه كما فعل بعده (نيرون) بسبعة قرون؛ الذي أحرق روما عاصمة الرومان.

لقد كان عهد (أمفسيس) أسوأ عهد عرفته مصر في تاريخ الفراعنة الذين حكموها مبتدئاً من الأسرة الأولى حتى الأسرة الخامسة التي كان (أمفسيس) أول أفرادها.

وهكذا هو وضع وعّاظ السلاطين و دورهم في كل العصور.

1 ـ الأمين العام لـ(لمسلم الحر).

الحرية

ولاية الفقيه

التعددية

السيادة

الاقناع

النشوء الحضاري

الكتابة

الثقافة

الامام الصادق

العقوبة

الهولوكوست

التجديد

الاعلام

الفكر الاقتصادي

اعلام الشيعة

السجود

عودة الى محتويات العدد41

عودة الى الصفحة الرئيسية