- الشورى في الإسلام

كل شيء يرتبط بشؤون الأمة، لا بد فيه من الاستشارة، سواء في أصل الجعل، أو توابعه، مثل المدارس، والجامعات، والمستشفيات، والمطارات، والمعامل الكبار، وما أشبه، فإنها تفتح وتعمل بمال الأمة ومقدراتها وكذلك حال الوظائف من الرئاسة، إلى الوزارة، إلى المجلسين، إلى المحافظين، إلى مدراء النواحي، وهكذا، وذلك لجهتين.. الأولى: إنها تكون بمال الأمة، سواء أموال الخمس والزكاة، أو المعادن أو ما أشبه، ولا يحق لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه، والثانية: إنها تصرف في الأمة، ولا يحق لأحد أن يتصرف في غيره إلاَ بإذنه، ومن الواضح أن رضى الأمة وإجازتهم، في طول رضى الله سبحانه وأجازته، فاللازم أن يكون التصرف حسب الرضائين المشورة: عبارة عن استطلاع الآراء ليظهر السر أي الأصوب، وهو في باب الحكم واجب، حيث قال سبحانه: (وأمرهم شورى بينهم) فإنه حيث ذكر في صفات المؤمنين، وكان بين الواجبات، دل على الوجوب سياقاً وإتصافاً.

- حرمة الاستبداد

فالاستبداد في الأمة بالحكم محرم حراماً بحجم الأمة، والاستبداد في اتحاد الطلبة مثلاً ، حرام بحجم اتحاد الطلبة، إذ معنى الاستبداد هو الاستئثار بحق الآخرين حقاً مالياً أو حقاً جسدياً، (فإن الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) هذا حتى إذا فرض أن الحاكم لم يفعل الحرام، في إدارته مثلاً أدار المستشفيات احسن إدارة من حيث الرعاية والعناية والموازين الشرعية، فهي كما إذا جاء الغاصب إلى دار الناس، وأدار العائلة احسن الإدارة أليس ذلك حراماً؟ أما إذا فعل الحرام، كما إذا أخذ المكوس والعشر، أو جعل الضرائب الخارجة عن الخمس وأخواته الثلاثة، أو منع الناس عن حرية الزراعة والتجارة والصناعة وما أشبه، فهو حرام في حرام كشرب الخمر في أناء الذهب، وعلى أي فمن يستولي على اتحاد الطلبة بدون شرائط الله وشرائط الأمة، وعددهم مثلاً ألف، يفعل ألف حرام، بينما من يستولي على بلد ذي مائة مليون يفعل مائة مليون من الحرام.

- وجوب المشورة

يلزم على الحاكم الإسلامي الاستشارة، وقد جرت عادة الرسول( ص) على الاستشارة في مهام الدولة عن أصحابه الأخيار، وكذا بعض أمراء المسلمين - مـن بعده - جرت عادتهم على تأليف جماعة من العلماء وأهل الخبرة حول أنفسهم للتشاور حول إدارة البلاد. لكن الرسول (ص) والمعصوم (ع) كان يفعل ذلك تعليماً واستماله، وغيرهما كان يفعل ذلك احتياطاً أو لجهات أخرى وهذا أمر طبيعي لكل رئيس عاقل محنَك. أما وجوب المشورة في مجيء الحاكم إلى الحكم، فلأنه نوع تسلط على الناس والناس لا يصح التسلط عليهم إلا برضاهم، أما الصغرى فواضح، وأما الكبرى فلقاعدة الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم هذا بالإضافة إلىوجوب كون الحاكم واجداً للشرائط المقررة في الشريعة وأما وجوب المشورة في أمور الناس بعد مجيئه إلى الحكم، لأن للحاكم بقدر تخويل الناس له الصلاحية، ففي غيره يحتاج إلى إذنهم. والحاصل: إنه ما كان من شأن الناس يحتاج إليه ابتداءاً واستدامة ثم إن الاستشارية سواء في الحكومات الزمنية - مما تسمى بالديمقراطية - أو في الحكومة الإسلامية، هي صمام الأمان، كذلك من لا يستشار يخرج على من أجاع فكره، مهما فرض نزاهة الحاكم، وكونه مطبقاً لقوانين البلاد، سواء كانت تلك القوانين إسلامية كما في بلد الإسلام أو غير إسلامية، كما في البلاد الديمقراطية.

- حقوق الإنسان في الإسلام

إن الإسلام سبق القوانين الوضعية في الزام الدولة بصيانة الحقوق الحيوية لكل إنسان، وهي: حق الحياة و حق الحرية الشخصية وحق الملكية الخاصة وغيرها فقد قال سبحانه بالنسبة إلى الحق الأول: من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، وفي رواية: (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله)، وقد قرر في الإسلام القصاص والدية حتى في الغمز بالكف ونحوها.  وأما حق الحريةالشخصية أي أن يكون الإنسان آمناً على حريته، فلا يحبس أو يعتقل أو تحدد أقامته أو ما أشبه ذلك من حقه في كل حرياته إلا في الموارد المنصوصة عليها في القرآن والسنة المطهرة فذلك واضح لكل أحد، وقد ورد في ذلك متواتر الروايات، وقد اشتهرت قاعدة: (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم ) بل قامت الأدلة الأربعة في الشريعة الإسلامية على ذلك.

- المجتمع السليم

فالمجتمع السليم هو المجتمع المؤمن بالله واليوم الآخر، الخاضع لأحكام الله ورسوله، ويكون الجميع فيه أخوة متساوين أمام القانون، والكل حر مسؤول عن عمله بدون إكراه فردي أو أجوائي، وله أجره بدون استغلال إنسان لإنسان آخر ولكل حقوقه السياسية والاجتماعية على قدم المساوات، وبقدر الكفاءات، ولو تعدى انسان على إنسان آخر عوقب المتعدي، وإن كان المتعدي عليه العفو، فالإنسان محترم، متخلق بالفضيلة وليس عبداً لشهوة أو مال أو جاه، وهو يملك كل آثاره مما حصله، فهو مسلط على نفسه وماله في اطار عدم الأضرار بالآخرين من جيله المعاصر والأجيال الآتية، وتحفظ في مثل هذا المجتمع أواصر العائلة والاقرباء، والاصل في هذا المجتمع بالنسبة إلى كل فرد فرد (البراءة) حتى تثبت إدانته أو دينه، والاصل في عمله الصحة فلا يحمل عمله على الفساد، وكل شيء للإنسان في هذا المجتمع طاهر حلال حتى يثبت خلافه، ومثل هذا المجتمع يصبح الفرد فيه كالمجتمع العام أيضاً باطنه الأمن والحب وظاهرة التنعم والتقدم.

 

 

 

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة المستقبل للثقافة والإعلام 1419-1423هـ  /  1999- 2002م

[email protected]