هل ستصبح الجزائر مسرحا جديدا للحرب مع القاعدة؟

المركز الوثائقي والمعلوماتي*

شبكة النبأ: نشط تنظيم «القاعدة» خلال العام 2007، في منطقة المغرب العربي، بشكل يختلف عن ايقاع السنوات الماضية وذلك على المستويين الكمي والنوعي. ويمكن القول إن الجزائر استأثرت بنصيب الأسد من مخططات تنظيم القاعدة الذي اختار في الأيام الأخيرة حصد أكثر من ثلاثين روحا خلال تفجيرات استهدفت مكاتب الأمم المتحدة والمحكمة الدستورية بالجزائر، وهي تفجيرات رغم كل الأوصاف التي بثتها وكالات الأنباء والحكومات العربية والغربية المنددة، فإن المواطن الجزائري، الذي وصف التفجير كأنه القيامة، قد تفوّق على كل الواصفين.

وبالنظر الى مجموعة الأحداث البعيدة التواريخ نسبيا، يلحظ أن الهجوم الأخير تتوفر فيه خصائص تشير الى أن تنظيم القاعدة لا يزال يمتلك جهاز مناعة، يساعده على تسديد ضربات ذات دلالة، خصوصا أنه في شهر نيسان استهدف ثكنة تابعة للقوة البحرية وكذلك مقر الحكومة مما أسفر عن سقوط 23 قتيلا، وفي شهر أيلول الماضي تم استهداف موكب الرئيس بوتفليقة، الذي قتل فيه أكثر من ثلاثين شخصا. وهي أهداف نوعية، يعتقد أن تنظيم القاعدة يريد من خلالها أن يعبر عن قدرته في مواجهة فضاءات محصنة أمنيا.

أسلوب جديد في تنفيذ الهجمات

مع إعلان فرع "المغرب الإسلامي" من تنظيم القاعدة مسؤوليته عن التفجير الانتحاري الذي استهدف بسيارة مفخخة مركزا للشرطة في الجزائر مخلفا أربعة قتلى، تتكرّس القناعة بأنّ المتشددين في تلك البلاد الواقعة شمال أفريقيا قد غيّروا من أسلوبهم، بما يجعلها "ثالث دول العالم التي تكون مسرحا للأسلوب التقليدي لتنظيم القاعدة، بعد العراق وأفغانستان،" بحسب خبراء.

المحقق الفرنسي المتقاعد المختص في شؤون الجماعات المتشددة في أفريقيا، جان لوك برناردي، قال في تصريحات لـ وكالة CNN ، إنّه من الواضح أنّ الجماعة السلفية في الجزائر دخلت طورا يختلف تماما عن الماضي، "حيت كانت تعوّل أساسا على مهاجمة القرى النائية وسط الجبال والغابات للقيام بأعمالها الاستعراضية."

جيل جديد من المتشددين

وقال برناردي إنّه يرجّح أنّ "العلاقة أصبحت أوضح من أي وقت مضى" بين الجماعة السلفية في الجزائر وتنظيم القاعدة.

وأضاف أنّ المرحلة الآن تشير إلى بروز "جيل ثالث من النشيطين بعد جيل المتشددين الفكريين، ثمّ المتشددين العنيفين."

وأشار إلى أنّ الجيل الجديد تقلّ أعماره عن 30 سنة، ويرفض أي تقارب مع السلطة" فضلا عن قدرته على تنفيذ هجمات، تكون، في بعض الأحيان، متزامنة بواسطة السيارات المفخخة.

ومع بداية أعمال العنف في الجزائر بأواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، عُرف "السلفيون" بالجزائر بكونهم يركزون على الأهداف السهلة "لتنفيذ عمليات انتقام جماعية" ضدّ قرى أو عائلات لها أقارب في قوات الأمن والجيش أو في الأجهزة الحكومية.

وكان المتشددون ينفذون عملياتهم تحت جنح الظلام بواسطة عدد محدود من عناصره، يقومون "باحتلال" تجمعات سكانية، أو يعترضون قوافل عسكرية، وحتى مدنية وعادية، ومن ثمّ يقومون بعملياتهم، سواء بالذبح والطعن أو رميا بالرصاص، ومن ثمّ يلوذون بالفرار.

سيارات وأحزمة ناسفة

وبلغ العنف ذروته في الفترة ما بين أبريل/ نيسان وسبتمبر/ أيلول، مع محاولة اغتيال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مما أدى إلى سقوط 129 ضحية آنذاك.

غير أنّ عام 2007 شهد انتقالا نوعيا في الهجمات مع استخدام السيارات المفخخة وزرع عبوات في بعض الأحيان، و"في مرحلة أخرى أحزمة ناسفة"، وفقا للخبير بالجماعات المسلحة في الجزائر سيدي أحمد مرهوني.

وفعلا ففي سبتمبر/ أيلول 2007، نفذ التنظيم هجوما بحزام ناسف مستهدفا تجمعا لمواطني مدينة باتنة، شرقي الجزائر، قبل قليل من وصول الرئيس بوتفليقة.

كما استهدف هجوم انتحاري مقر الأمم المتحدة في العاصمة الجزائرية في ديسمبر/كانون الثاني، مما حدا بمجموعة الأزمات الدولية إلى وضع الجزائر ضمن الدول التي تعيش مواجهات مسلحة.

وقال الخبير بالجماعات المسلحة في الجزائر مرهوني، في تصريحات لـCNN بالعربية، إنّ المسؤولين الأمنيين أشاروا في الآونة الأخيرة إلى أنّ معلومات حصلوا عليها من مقبوض عليهم تجعلهم يرجحون تحولا في استراتيجية المسلحين باستخدام انتحاريين بواسطة الأحزمة الناسفة، بدلا من السيارات الملغومة.

وأضاف مرهوني أنّ الأسلوب يرمي إلى إحداث اختراق في الرقابة الأمنية المضروبة على المؤسسات والمصانع وغيرها، فضلا عن تنبّه الأمن الجزائري إلى أسلوب السيارات المفخخة.

وفعلا، فقد اعترف وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني في بداية العام،  بصعوبة مواجهة التهديد الخاص بالعمليات الانتحارية، إلا أنه أشار إلى أن مصالح الأمن تكيفت معها .

استراتيجية جديدة لقوات الأمن

وزيادة على ذلك، بدأ الأمن الجزائري سياسة جديدة في مكافحة أنشطة تلك الجماعات، حيث قام بتوزيع صور 29 عنصرا، يشتبه في أنهم مجندون من طرف ما يسمى بـ " تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" للقيام بعمليات انتحارية.

وقالت مصادر أمنية إنّ معلوماتها تشير إلى وجود فتاة مجندة ضمن تنظيم القاعدة، "ربما ستنفّذ هجوما انتحاريا بحزام ناسف."

وفي هذا الأمر، يرى الخبير الفرنسي جان لوك برناردي أنّ عام 2007 حمل معه للجزائر هجمات تتماثل مع الأساليب التي يستخدمها تنظيم "القاعدة" في أفغانستان، لاسيما في محافظة هلمند.

ويتفق الخبير الجزائري (مرهوني) مع برناردي ويستشهد بهجمات منطقتي إعكوران ومعاتقة، التي جرت في يوليو/ تموز، حيث أنها وقعت ليلا واستهدفت عدة مراكز أمنية بكيفية متزامنة، في محاولة لقطع الإمداد وشلّ الاتصال.

وبعد أن كانت العناصر المسلحة تتولى تنفيذ ضربات عشوائية، باتت تستهدف الأجانب ومحاولة اختطافهم، في تعبير واضح عن "أسلوب مستورد"، حيث لم يسبق  أن شكّل الأجانب هدفا ذا أولوية، وحتى الاختطافات التي تمّت خلال فترة "سنوات الجمر"، مثلما يطلق عليها في الجزائر، كانت ذات دوافع إجرامية أكثر منها عقائدية، وفقا لبرناردي.

أما مرهوني فيقول إنّ من عناصر التماثل أيضا ظهور "المجندين الأجانب"، وهم من جنسيات دول قريبة من الجزائر، ولاسيما تونس والمغرب وموريتانيا ومالي والنيجر، وهي نفس الدول التي أعلن التنظيم صراحة أنّها تشكّل "المغرب الإسلامي"، وهي مسرح عملياته.

تماثل وفوارق

الخبير الفرنسي برناردي يقول إنّ "تنظيم السلفيين في الجزائر أظهر مقدرة واضحة، وكشف فعلا عن كونه مرتبط بتنظيم القاعدة، لاسيما عندما شنّ هجمات متزامنة، مثلما حدث في بومرداس وتيزي وزو، وبدركانة والرغاية، وبعدهما تفجيرات الحادي عشر أبريل/ نيسان بالعاصمة الجزائرية، وكذلك في الأخضرية في 11 يوليو/تموز، وباتنة ودلس في سبتمبر/أيلول."

غير أنّ كلا من برناردي ومرهوني يرجحان أنّ الأمر لن يبلغ الأمر نفس ما وصل إليه الحال في أفغانستان والعراق.

وقال برناردي "أعتقد أنّ عام 2008، ولنقل 2010 ،على أقصى تقديرا سيكون حاسما، حيث لا يمكن مقارنة بلد مثل أفغانستان، وحتى العراق في وضعه الحالي، بدولة مثل الجزائر."

وأوضح "في أفغانستان والعراق لا توجد دولة بالمعنى الذي نعرفه، ولنقل في أسوأ الأحوال هناك دولتان مفككتا المؤسسات وتعيشان احتلالين، ربما يمنحان بعض القبول لدى فئات من المجتمع لما تقوم به الجماعات المسلحة هناك."

واضاف: "أما الجزائر فتملك كلّ مقومات الدولة العصرية، كما أنّ جيشها قوي واستخباراتها من ضمن الجيدة في المنطقة."

أما مرهوني فقد لفت النظر إلى أنّ "لجوء العناصر السلفية في الجزائر إلى هذه الأساليب هو دليل فشل لها وضعف واضح."

وتساءل: "إذا كانت هذه العناصر فشلت في ضرب الأهداف السهلة، فكيف سيكون الأمر مع الأهداف الصعبة؟"

وقال: "إنّ نصف الكأس الملآنة يشير إلى أنّ السلفيين المسلحين في الجزائر تكبدوا أفظع الخسائر في عام 2007، وهذا ما حدا بهم إلى تغيير استراتيجيتهم."

غير أنّه لفت إلى أنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت، لأنّ العمل "لا يقتصر فقط على الجانب الاستخباراتي، وإنّما أيضا على الجانب الاجتماعي لمنع هؤلاء من استقطاب أبناء الأحياء الفقيرة."

حسابات «القاعدة» في الجزائر

ومن الواضح أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، الذي انضمت إليه الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية لديه حسابات خاصة، أملت عليه التركيز على الجزائر أكثر من أي بلد مغاربي آخر، بمعنى أن تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي، يتخذ من الجزائر المركز وذلك على ما يبدو للاعتبارات التالية:

ـ تعتبر القاعدة الجزائر تربة خصبة مواتية لمخططاتها وأهدافها، مستندة في هذه الفرضية الى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر خلال التسعينات من القرن الماضي وذهب ضحيتها الآلاف من الجزائريين.

ـ هناك مرتكز تاريخي، يتمثل في طبيعة الاستعمار الفرنسي الاستيطاني، الذي عاشته الجزائر طيلة قرن وثلاثة عقود، استهدف هويتها الاسلامية والعرقية، الشيء الذي أنتج ردة فعل ضد التغريب وقوى الاستعمار وفسح المجال لظهور حالة من الصحوة الدينية، أساء توظيفها المتطرفون.

ـ تراهن القاعدة على الثقل الديمغرافي في الجزائر الذي يقارب الثلاثين مليون نسمة أي أنها تراهن على الرصيد الكبير من الشباب، الحَطب الأساسي لمشروعها.

ولكن هل أن هذه الحسابات «القاعدية»، ذات كفاءة عالية في الدقة ؟

إن ما فات القاعدة هو أن الشعب الجزائري من غير الممكن أن يسمح بأي انزلاق نحو سيناريو العنف والموت والقتل، فهو قد اكتوى واحترق بما فيه الكفاية على امتداد عشرية كاملة، مازالت جروحها وحرائقها ولم تندمل بعد في كل بيوت الجزائر.

ولعل الالتفاف الشعبي حول مشروع المصالحة الوطنية رغم صعوباتها النفسية، يعد دليلا قاطعا على تغلغل القناعة، بأن لا خيار غيرها لتستمر الحياة وطي ألبوم أسود من الصور المفجعة. فالشباب الجزائري اليوم يسعى الى تدارك ما فاته، لذلك تراه يقبل على الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة، بما يعكس رغبة مستبطنة للتواصل وللانتقام من عشرية العزلة. بل إن مشكلته الراهنة تتعلق بالبطالة والسكن وكيف يتحسس عمليا وماديا نصيبه من ثروات الغاز الطبيعي والنفط وفرص الاستثمار الأجنبية، التي هطلت على الجزائر في السنتين الأخيرتين.

من جهة أخرى لا ننسى أن جهاز الدولة اكتسب خبرة عالية في مواجهة هكذا تنظيمات وجماعات، بمعنى أنه يمكن أن يتلقى ضربات ولكن ليس واردا أن تمس مجال العمق وأن تخترقه. وكثيرة هي المؤشرات التي تدل أن الحكومة الجزائرية، هي اليوم متضاعفة القوة بعد أن اكتسبت ثقة مادية وشعبية. بالإضافة الى ان الشوط الذي قطعته منذ بداية الألفية الجديدة والى اليوم، قد جعلها أكثر صلابة وأقوى من حيث المناعة، بدليل نضج الدولة في موقفها الحاسم والرافض لإقامة أية قواعد أمريكية على التراب الجزائري.

لذلك، فإن مظاهر العنف والإرهاب في الجزائر اليوم، لا تمت بصلة الى كابوس العشرية السوداء الذي دفن الجزائريون شبحه الى الأبد: فالأوضاع كلها مختلفة والأسباب التي أنتجت الكابوس الطويل المذكور، لا نرى لها توالدا. فنحن أمام فرقعات، تربك للوهلة الأولى فقط ... ومن الصعوبة بمكان أن تفعل فعلها في أكثر الشعوب معرفة بالإرهاب وبالعنف وبجميع أقنعته.

......................................................................................

المصادر/

 وكالة cnn + جريدة الشرق الأوسط 

*مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام

www.annabaa.org

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 6 شباط/2008 - 28/محرم/1429