اعلى

التغيير الإداري كيف ولماذا؟

فــاضــل الصفــار   

[email protected]

بات معروفاً لدى الجميع أن التغيير أمر محتوم في كل مؤسسة ونظام.. لأن الزمان متحرّك والكفاءات البشرية في تنامٍ، والحاجات والضرورات في تزايد واتساع، وإلى هذا يستند القائلون بأن التغيير سنة من سنن الحياة.

وعليه فإنه لا يمكن أن تبقى الأعمال والمؤسسات والأنظمة على حالة واحدة دون تنام أو تغيير، فعلى الجميع أن يتغيّر ويغيّر من أساليبه وأفكاره، ابتداءً من الدول وأنظمة الحكم إلى المؤسسات وحتى الدوائر الاجتماعية الصغيرة في البيت والأسرة، ولعلّ قوله سبحانه: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (1) يشير إلى بعض ذلك؛ فليس الجيل السابق نفس الحالي ولا الأبناء اليوم نماذج مكرّرة لأبناء الأمس، كما إن ثقافة الغد ليست تكراراً لثقافة اليوم.. فلكلّ جيل أفكار وطموحات وهموم قد تتفق معها الأجيال الأخرى وقد تختلف. وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين(ع) : (لا تُقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم)(2)، فإذا لم نبدأ بتغيير أوضاعنا وتطويرها بحريّة وعقلانية وتوجيه، فإنه سيُفرض علينا التغيير، وربما في أشكال غير محمودة العواقب.

إذن لابد أن نغيّر ما في أنفسنا وأفكارنا ومناهجنا إلى الأفضل ما دام التغيير سنة من سنن الحياة وإلا فإن التغيير سيكون نحو الأسوأ.

دواعي التغيير

إن الدواعي التي ينشأ منها التغيير عديدة وربما نلخص بعضها فيما يلي:

1- المجتمع سواء أكان أيديولوجياً أم اجتماعياً أم تكنولوجياً.

2- المسؤولون والعاملون في مختلف الشؤون والمجالات.. باعتبار أن التغيير والمواكبة للظروف وسيلة للحفاظ على المؤسسة وضمان بقائها في مجتمع متغير ومتطور بشكل مستمر.

3- الضرورات والحاجات والتطلّعات.

4- الضغوطات الخارجية.

كلنا يشاهد اليوم دخول أنظمة الحواسيب والطفرات العلمية المتسارعة في جميع المؤسسات والدوائر (كنموذج إداري)، كما نلمس وبوضوح التطلّعات الكبيرة التي تحفّز في الجيل الجديد نوازع الحرية والانفتاح والتعايش مع الديمقراطية معايشة إيجابية فاعلة (كنموذج فكري وثقافي).

وكما نشاهد أيضاً الرقابة والحذر الذي تعيشه بعض الأنظمة المستبدّة - في انتهاكها لحقوق الإنسان والاعتقالات العشوائية والأحكام العرفية - من الإعلام والمنظمات الحقوقية العالمية (كنموذج للضغوطات الخارجية).

هذه بعض النماذج للضرورات والدواعي التي تشكّل بالتالي القوة الدافعة إلى التغيير في البلدان الأقل نموّاً أو الأكثر تورّطاً في الاستبداد والانغلاق الفكري، أو تلك التي تتعامل إدارياً بالروتين القديم والأنظمة البدائية، وتظهر هذه الضغوطات ليس في قوة الدفع والتحريك فقط. بل تظهر آثارها أيضاً حتى على الطابع العام للدول والمؤسسات؛ سواء في مستوى الأداء وتحسينه أو سرعته وتطوره؛ فلا يقدر أحد أن يراهن على بقائه إذا وقف أمام عجلة التطور والنمو، ولا يمكن لأحدنا أن يزعم أنه الأقوى على تحدي ضرورات الحياة ومخالفة سننها، فضرورة العقل والحكمة تدعو إلى عقلنة التغيير وتوجيهه نحو الأفضل.. لأننا لا نريد من التغيير مجرد التحول إلى وضع معين على خلاف ما كنا عليه من قبل، بأيّ شكل كان، لأن هذا إخلال بالتوازن غير معروف المصير، بل نريد من التغيير التطوير ذا الطموحات العالية والانفتاح الإيجابي، والخطط البناءة للوصول إلى الأهداف؛ فما لم يتصف بالسمات التالية لا يمكن أن نعدّه تغييراً إيجابياً:

1- أن يكون معروف الأهداف ومعروف الوسائل.

2- أن يكون ضمن خطة مدروسة ومتوازنة.

3- أن يكون ضمن الضوابط والتوجيه الصحيح لكي لا يخرج عن السيطرة المتوازنة.

4- أن يأتي بطموحات وتطلّعات جديدة للمؤسسة والعاملين فيها ويزيدهم حماساً وتماسكاً.

5- أن يأتي بفرص عمل جديدة تأخذ بأيدي الجميع إلى التقدم.

6- رفع مواقع الضعف والاختلالات السابقة عبر إزالة النواقص والسلبيات القديمة التي ثار التغيير عليها.

7- يزيل العوائق التي كانت تزيد من ضعف المؤسسة أو تقلل من إيجابياتها.

8- اكتساب الإدارة عناصر أو مهارات جديدة لتحقيق الأهداف.. وغير ذلك من السمات التي في مجموعها تعدّ مؤشراً حقيقياً للتغيير الإيجابي الذي يحقق طموح المؤسسة في البقاء ويضعها في قائمة المؤسسات المنافسة.

ويمكن أن تعرّف إدارة (التغيير) بأنها الجهاز الذي يحرك الإدارة والمؤسسة لمواجهة الأوضاع الجديدة وإعادة ترتيب الأمور بحيث يمكن الاستفادة من عوامل التغيير الإيجابي، وتجنّب أو تقليل عوامل التغيير السلبي، أي إنها تعبّر عن كيفية استخدام أفضل الطرائق اقتصاداً وفعالية، لإحداث التغيير لخدمة الأهداف المنشود(3).

وتستخدم إدارة التغيير أسلوبين في ذلك:

الأول - أسلوب دفاعي: ويتمثّل في الغالب في محاولة سدّ الثغرات وتقليل الأضرار التي يسببها التغيير، إذ إن من الواضح أن كل تغيير أو تجديد أو تطوير يستلزم هدم غير النافع أولاً قبل البناء. والإدارة التقليدية حيث لا تؤمن بضرورة التغيير، أو لا تملك شجاعة الإقدام عليه أصلاً أو أسلوباً، فإن حكمتها تدفعها لسدّ الثغرات والنواقص التي تنجم عن العملية التغييرية، لأن ذلك في نظرها أفضل أسلوب يحفظ إلى حدٍّ ما كيان المؤسسة مع خسائر أقل؛ لذلك فإن هذا الأسلوب يتّسم بأنه دفاعي، ويتخذ شكل رد الفعل عن فعل التغيير، أي إن الإدارة تنتظر حتى يحدث التغيير ثم تبحث عن وسيلة للتعامل مع الأوضاع الجديدة.. وغالباً ما تكتفي فيه الإدارة بمحاولة التقليل من الآثار السلبية الناجمة عن التغيير.

بينما قد تستدعي الحكمة في بعض الأحيان مواكبة التغيير بأسلوب مدروس والسعي للاستفادة من الفرص الجديدة التي يتيحها في تبديل بعض المواقع أو الأفراد والعاملين أو تطوير أساليب العمل، لأن هذا أضمن لبقاء المؤسسة وأحفظ لها من السقوط.

الثاني: أسلوب الاحتواء: وهو أسلوب هجومي في الغالب يقوم بالتنبؤ بما تتطلبه المرحلة من طموحات وآمال وما تملكه من قدرات، وتوجهها بالحكمة والحنكة نحو تحقيق الأهداف برويّة وموازنة، وهذا يتطلب من المدراء توقع التغيير بل والتنبؤ به ليمكّنهم من التعامل معه ثم تحقيق النتائج الأفضل.

وهذا الأسلوب يتطلب من الإدارة المبادرة لاتخاذ خطط وبرامج من جانبها لإحداث التغيير أو تنظيمه وضبطه ليصبّ في الصالح العام، هذا في البعد الإيجابي، أما في البعد السلبي فإنه يتطلب منها اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع التغيير السلبي المتوقع أو تجنبه.

إن التغييرات التي تحدث في المؤسسات غالباً ما تهزّ توازنها كلياً أو جزئياً، ولذا تتطلب أسلوباً إدارياً يختلف عن الأسلوب التقليدي لتكون الإدارة قادرة وعلى مستوى جيّد من الحكمة والهدوء على احتوائه وتنظيمه وتحقيق التوازن الجديد للمؤسسة وفق مبدأ عمل الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة بدلاً من مبدأ عمل الأشياء بطريقة صحيحة فقط، والذي يعتمد عليه الأسلوب التقليدي في الغالب.

وبهذا يظهر الفرق الجوهري بين الأسلوبين الدفاعي والهجومي؛ فإن الأول يعتمد على الضوابط لإعادة الأمور إلى نصابها، فإذا تجاوزت النصاب انفلت الزمام من أيدي الإدارة وعاد عليها بالضرر.

بينما الأسلوب الهجومي يدرس الصحيح ويقبله، ويردّ الخطأ ويتجنبه؛ لذلك فإنه ينحى منحىً وسطاً يواكب الطموحات والتطلّعات، فيأخذ بالصحيح ويتجنّب الفاسد؛ وبذلك فهو يعدّ أسلوباً أفضل لإبقاء المؤسسة والمحافظة على كيانها وعلى تفوّقها في الأداء.

التغيير المدروس وغير المدروس

إن التغيير ليس هدفاً بل هو طريق؛ فإن اتخاذ التغيير هدفاً بذاته ينتهي إلى ضدّه، ويتحوّل إلى فوضى واضطراب لا تحمد عواقبه.

لذا ينبغي أن نميز بين التغيير العشوائي الذي يحدث بلا إعداد وتهيئة ودراسة كافية له، وبين الآخر الذي يخضع لعمليات توجيه وقيادة حكيمة وخطط مدروسة؛ لذلك فإن الآثار التي تترتّب على كلا النوعين في التغيير متباينة؛ فالتغيير العشوائي أمر سهل وبسيط ويمكن البدء به بسرعة، لأنه هدم، والهدم أمره سهل وبسيط خصوصاً في الجماعات التي يعاني أفرادها من أزمة الوعي، أو تعاني صفوفها من التراكمات والتوتّرات السلبية الكامنة أو المحدودة، لذلك فإن مجرّد الدعوة إليه والسير باتجاهه يؤدي إلى تمزيق وحدة الصف، وتفكيك الأواصر، والانتهاء بالمؤسسة والعاملين فيها إلى أسوأ الأوضاع، بخلاف التغيير المخطط فهو أمر صعب ويحتاج إلى المزيد من العناية والتفكير والتصميم والإرادة، وقبل كل ذلك الوعي الخلاّق، وإدراك ضرورته، وضرورة العمل عليه لردم الفجوات ورفع النواقص وسدّ الثغرات، أو لرفع مستوى العمل والأداء، أو فتح آفاق التطلّعات والأهداف إلى الأعلى.

لذلك فإنه إذا تم الإعداد المناسب له فإنه سيحدث قفزة نوعية في العمل والعاملين، في أي مؤسسة كانوا، وعلى أي صعيد عملوا.

ومن هنا ينبغي على الإدارات أن تتنبأ بالمستقبل دائماً وتدرس أوضاعها وأفكارها وتخطط للتغيير والتطوير كلما أدركت أن هناك حاجة إليه أو ضرورة تتطلّبه، فإنها بهذا الأسلوب تكون قد احتوت الأمر واستثمرته على أحسن ما يرام وإلا فإن الأمور قد تنقلب، وتتبدّل الإيجابيات إلى سلبيات، وهذا الأمر نجده ملحوظاً في العديد من المؤسسات التي كانت تعمل وفق الأنظمة القديمة والأساليب المغلقة خصوصاً الأنظمة السياسية والمؤسسات الحكومية في العالم النامي والثالث؛ فإن ارتفاع مستوى الوعي لدى الجماهير والانفتاحات الفكرية والاقتصادية والسياسية التي جاءت بها العولمة وسائر برامج الاتصالات والفضائيات وغيرها فضحت الكثير من الأساليب القمعية والمستبدّة، وبات من الصعب على حاكم مستبد أو نظام قمعي أن يتكتّم على سياساته أو يخفي الحقائق عن الشعب، لذا باتت المطالبة بالانفتاحات السياسية والتعددية الحزبية والدستورية وغيرها من مظاهر الديمقراطية أمراً ضرورياً يدركه ويتمنّاه الجميع.

لذا نجد أن الحكومات انقسمت حياله إلى قسمين:

الأول: وقف أو أراد الوقوف أمام هذا المدّ الانفتاحي العارم الداعي إلى التغيير وتطوير الأساليب والممارسات السياسية والقانونية، فسرعان ما أطيح به وسقط بلا عودة، كما لاحظناه في العديد من أنظمة الحكم في أوربا الشرقية، ونفس الأمر صار يهدد الأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط وغيرها.

الثاني: وهو الذي أدرك ضرورة المرحلة وأخذ يواكبها عن كثب، وخطَّط واستعدّ لها، وبدأ بالسماح ببعض الانفتاحات والممارسات الديمقراطية؛ وبذلك يكون قد ضمن لنفسه البقاء، ولشعبه ومؤسساته المنفعة.

وهذه حقيقة علينا أن نؤمن بها جميعاً؛ إذ إن الرأي العام والمطالب المشروعة هي كالسيل الجارف، فإذا لم نخطط لاستثمارها إيجابياً، فإنها تنقلب إلى السلب، وتؤدي إلى مضاعفات ليست تصبّ في الصالح العام.

إذن علينا أن نتنبأ بالتغيير دائماً، وندرك ضروراته ونستعدّ له، ونخوض فيه بكل شجاعة وإنصاف، لنتمكّن من توجيهه وقيادته إلى النتائج الأفضل، فإنا بهذا نتمكن من أن نضمن المنافع ونتجنّب الأضرار والمساوئ ليكون التغيير في صالح الجميع.

مقاومة التغيير

تعتبر إدارة التغيير من أصعب المهمات الإدارية المبدعة؛ لأنها لا تتوقف على الممارسة الصحيحة فقط، بل التخطيط الناجح أيضاً ووضع النقاط على الحروف، والفكرة المناسبة في الظرف المناسب، والرجل المناسب في مكانه المناسب.. وتشتدّ الصعوبة إذا واجه المدراء أفراداً يفضلون ما اعتادوا عليه، أو يتخوّفون بدرجة كبيرة من الحساسية من التغيير، لأن بعض الأفراد يرون في التغيير تهديداً لجهود كبيرة بذلت لأجل إقامة العمل وتكوين علاقات وروابط متينة، أو هدراً للطاقات، وبعضهم الآخر يرى فيه تهديداً لمصالحه الخاصة، ولهذا فإن ردّ الفعل الطبيعي على التغيير في أغلب الأحيان هو مقاومته في البداية بقوة، وعرقلة مسيرته لإضعافه وإفشاله.

لذا تصعب مهمة المدراء هنا لأنها تتطلب منهم القيام بعمليات توجيه وتوعية وتطمين كافية لزيادة الثقة والاستقرار وتحويل الخوف منه إلى قناعة، والعرقلة إلى دفع، وهذا لا يتم إلاّ إذا تمكنا من إقناع الأطراف بأن التغيير هو تقدم نحو الأفضل، وأن التغيير من هذا المنظور سيكون في النهاية في نفع الجميع ويصبّ في خدمة العمل والمؤسسة؛ لذلك يجب على المعنيين بإدارة التغيير توضيح أسبابه وأهدافه للعاملين، لتكوين رأي عام جيّد، وكتلة من العاملين تدعم المشروع وتبني لبناته.

ذلك أن عدم فهم الدوافع والغايات، وعدم إيجاد من يحمي الفكرة ويتبنّى آلياتها، يوجد روح المقاومة له، وصياغة الأجواء المضادّة للحؤول دونه، ومن هنا لعلّ من المناسب أن نذكّر ببعض الأسباب التي تدعوا الكثيرين لمقاومة التغيير وهي كالتالي:

1- انعدام الاستقرار النفسي والطمأنينة؛ وذلك لأن التغيير يتطلب تبديلات وتغييرات في المناهج والأساليب، وفي ذلك تهديد للأمن النفسي خصوصاً عند الأفراد الذين لا يجدون ضرورة أو مصلحة في التغيير.

2- توقّع الخسارة؛ فغالباً ما يتوقع المعنيون بالتغيير أن هدف الإدارة من التغيير قد يكون التطوير، وقد لا يخلو من دوافع أخرى غير مصرّح بها قد تعود عليهم بالضرر لأن التغيير يتطلب إجراء بعض المحاسبات والتقييمات للمسيرة السابقة؛ الأمر الذي قد يعرّض العديد من الأفراد إلى المحك والميزان، وخصوصاً أولئك الذين يشعرون بالتقصير في إنجاز الوظائف أو الإحباط في الإنجاز. أو قد يكون من أجل استبدال بعض المسؤوليات والوظائف، وتغيير في جدول الأولويات أو ترقية بعض الأفراد مقابل إقصاء البعض أو إنزالهم من مراتبهم أو تصعيد غيرهم على حسابهم.

وغير ذلك من الدوافع والأسباب التي هي في المحصلة النهائية تعود عليهم بالخسارة، خصوصاً أولئك الذين يفترضون أن التغيير موجّه ضد مصالحهم.

3- التخوّفات الاقتصادية؛ فإن بعض الأفراد يتصور أن التغيير يهدر دخله، لأن التغييرات الجديدة تتطلب تغيّر في معادلات الدخل والصرف وميزانيات الأعمال؛ الأمر الذي قد لا يرتضيه أو يلبّي طموحاته، خصوصاً وأنه تعوّد على مجاراة وضع مستقر كانت قد تهيأت أسبابه ودواعيه وشروطه.

4- القلق الاجتماعي؛ فإن التغيير بطبيعته قد يولد تخوّفاً من المجهول عند بعض الأفراد، لأنه يؤدي إلى فكّ بعض الأواصر والارتباطات وتأسيس أواصر وارتباطات جديدة غير معروفة من حيث الأفراد والعناصر والمشارب والأمزجة، وربما يستلزم في بعض الأحيان الارتباط بعناصر لا يحبون التعامل معها، كما قد يفكّ ارتباطهم بعناصر يحبّذون التعامل معها.

5- الخوف من أن يؤدي التغيير إلى لزوم تعلّم مهارات جديدة وتجميد مهارات كانت مكتسبة ومختمرة، هذا فضلاً عما قد يسببه التغيير من تبدل في المواقع والأدوار والأمكنة والدوائر والمسؤوليات؛ إذ قد يخشى الإعلامي الذي يحبّ هذا الدور وتطبّع مع مهاراته، أن يبدّل التغيير دوره إلى إداري أو مدير مالي؛ الأمر الذي يجعله متعثراً في مسيرته ودوره، إلى غير ذلك من الأسباب والدواعي، وعلينا أن نعرف أن عمليات المقاومة للتغيير لا تنشأ من الأفراد فقط. بل قد تكون جماعية وحينئذٍ ستشكل خطورة كبيرة لأنها في هذه الصورة تكون قد تحوّلت إلى رأي عام وتكتلات تحمل نفس التصوّر والانطباع؛ وعليه فإنه إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل معها بإيجابية فإنه سيؤدّي إلى الانقسامات الداخلية أو تحطيم المؤسسة بالكامل، كما ينبغي أن نلتفت أيضاً إلى أن التغيير غير المدروس قد يسبّب تنظيم عمليّات المقاومة من قبل العديد من المدراء وأصحاب النفوذ ويجعل الموانع حينئذٍ خططا مرسومة بشكل دقيق ومحمية بالقدرة والنفوذ تؤدّي في محصلتها إلى فشل التطوير والتغيير بشكل كبير ويبرز ذلك في مظاهر عديدة في المؤسّسة نفسها التي منها ما يلي:

1- الجمود الهيكلي؛ أي يتم انتخاب العناصر المؤثرة والتي يمكن أن تساهم مساهمة إيجابية في التغيير لتحييدها أو جرّها إلى صفوف المقاومة، وبالتالي قد تنقسم المؤسسة إلى جماعات تمثّل كل جماعة تياراً يحميها ويؤيدها ويعرقل عمل التيار الآخر، والواضح أن هذا الشكل من العمل سيخرج من المنافسة إلى الصراع ثم يتبدل الصراع إلى حرب داخلية مستعرة تحرق الأخضر واليابس إذا لم نكن ماهرين في إدارته بالشكل المناسب.

2- كما قد تتخذ عمليات المقاومة بعض الأساليب الخفيّة والمبطنة بدلاً من أن تكون ظاهرة وعلنيّة ولعلّ هذا من أخطر الأمور تهديداً لمصالح المؤسسات والأنظمة لتشكّل المزيد من الضغط على المسؤولين أو التصعيد من مستوى الفشل.

3- تقييد جماعات العمل أو المشاريع والخطط أو عرقلتها بذرائع مختلفة.

4- زيادة تمسّك بعض الأفراد بما عندهم من مهام وإمكانات وتشديد القبضة عليها، لكي لا تفلت من الزمام، وتعطيهم القدرة على التحكم بها متى شاءوا خوفاً من فقدانها أو عناداً للتغيرات الجديدة.

5- اشتداد حالة التذمّر وتوسيع نطاقها لجعلها حالة مستشرية، وهذا الأمر يستفيد منه غالباً الأفراد الذين لهم قدرة عالية على التنظيم والإدارة لتحويل المقاومة إلى رأي عام وبالتالي فتح جبهات متعدّدة على الإدارة بما يحول دون وصولها إلى أهدافها في التغيير.

ومن هنا فإن الحكمة تتطلب دائماً أن نتحلّى بقدرٍ كاف من الشجاعة والصبر والإرادة والتصميم، بالإضافة إلى التحلّي بالحكمة والحنكة والتهيئة الكافية للتغيير من حيث الدراسة والموضوعية ورسم الخطط الصحيحة لتتم العملية بلا أضرار أو مع أضرارٍ أقل مع ضمان أكبر لقبول العاملين والأفراد وكسب تعاطفهم معها.

كيف نتعامل مع التغيير؟

ويمكن تلخيص بعض الوسائل في هذا المجال بما يلي:

1- إيجاد وعي التغيير والاقتناع بضرورته؛ وأول خطوة في هذا المجال وقبل كل شيء علينا تجنب المفاجآت والقرارات الفوقية أو الارتجالية عن طريق إحاطة العاملين علماً مسبقاً بما يراد عمله وأهدافه ودواعيه، والأفضل من ذلك إذا جعلنا الجميع يشعرون بضرورة التغيير والمساهمة في اتخاذ قراره حتى يستعدّوا للنقلة وتقبّل الجديد بل والدفاع عنه مع الحفاظ على مستوى كبير من الثقة وحسن الظن بالإدارة، ويمكن اتباع أسلوب الاجتماعات واللقاءات والسماح للأفراد بإبداء الرأي ومناقشتهم في مجالات وطرق التغيير.

2- العمل على إفهام العاملين بمضامين التغيير ودوافعه ودواعيه وأسبابه بحيث يدركون ويتفهّمون الأسباب الحقيقية من وراءه؛ مما يقطع دابر الشكوك والقلق، ويقطع سبل الإشاعات والإرباكات التي قد يثيرها بعض المعارضين ليشوّشوا الأفهام ويقلقوا الخواطر.

3- ضرورة إشعار العاملين المعنين بالأرباح والمكاسب التي يمكن أن تتحقّق لهم من جرّاء التغيير على اعتبار أنه عمل يراد منه الوصول بالجميع - أفراداً ومؤسسة - إلى الأفضل؛ الأمر الذي يسهم مساهمة فاعلة في زيادة المكاسب المادية والمعنوية للعاملين، ومن الواضح أنه كلما اطمأن العاملون للإدارة وحسن تدبيرها، بل وكلّما كانت الإدارة تحتل موقعاً جيداً في نفوس العاملين معها، كلما كانت عملية النجاح أكبر.

وتزداد النجاحات إذا شعر الجميع بالإنصاف، وستزداد أكثر إذا اطمأن العاملون بأن الإدارة لا تتعامل فقط بالثواب والعقاب والحق والواجب بل تزيد على ذلك لمسة من الإحسان والفضل واللطف والمحبة.

4- الاستعانة بالأفراد والأطراف الذين لهم تأثير فاعل على الآخرين، ولو من خارج المؤسسة أو من غير المعنيين لشرح التغيير وبيان دوافعه وأسبابه وفوائده، فإن ذلك قد يكون في بعض الحالات أبعد للشكوك والظنون السيئة.

5- إشراك العاملين بكافّة مراحل التغيير ما أمكن، كما إن الإشراك في بعض الأصول والكليات من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال؛ فإن الإنسان بطبيعته يتقبّل أكثر ما يستشار فيه أو يوضع في صورته من أمور، فضلاً عما يشترك فيه من تخطيط وتنفيذ.

وهكذا يجب على أي مؤسسة مهما كانت طبيعة عملها وحجمها ودورها، ومهما كان نوع الإدارة المستخدمة فيها أن تعمل على تحقيق الابتكارات والتغييرات التي تراها ضرورية بهدف ضمان بقائها بل ونجاحها واستمرارها في القمة.

الهـــوامـــش:

(1) سورة الرعد: 11.

(2) شرح ابن أبي الحديد/ حكمة رقم 102.

(3) دارة الابتكار: ج1 إعداد أ.رعد حسن الصرن، واتجاهات جديدة في الإدارة بين النظرية والتطبيق: د. عطية حسين أفندي.