مسلسل العنف والعنصرية الذي تمارسه الشرطة الأمريكية ضد السكان السود، الفئة المهمشة في المجتمع الأمريكي والتي تعاني أكثر من غيرهما من مشاكل الفقر والبطالة وتدني مستوى التعليم والخدمات الاجتماعية، لا يزال وعلى الرغم من الانتقادات والادانات الكبيرة والمتواصلة في تصاعد خطير، اثار قلق العديد من المنظمات والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان, خصوصا مع ازدياد حدة التوتر بين البيض والسود، حيث دعت الأمم المتحدة السلطات الأمريكية إلى احترام الحريات وعدم التميز، مطالبة إياها بتعزيز محاسبة رجال الشرطة على أفعالهم. وعبرت منظمات حقوقية ومؤسسات دولية عن قلقها بشأن عنف الشرطة الأمريكية والاستخدام المفرط للقوة من قبل رجال الشرطة ضد المحتجين وكذلك الاعتقالات، ناهيك عن قضية التمييز العنصري. وكان الأمين العام لمجلس أوروبا ثوربيورن يغلاند قد أكد في وقت سابق أن أعمال الشرطة الأمريكية هذه "تعد خرقا لكل القوانين والمواثيق الدولية". وأثارت حوادث قتل السود المتكررة وتبرئة الشرطة تساؤلات كثيرة حول هذه التجاوزات وعدالة القضاء الأمريكي، وبحسب بعض الخبراء فأن هذه الممارسات قد اثبتت زيف الشعارات التي ترفعها الولايات المتحدة بخصوص الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان.
وقد كشف تقرير أعده ناشطون حقوقيون يفيد بقيام دوائر الشرطة الأمريكية بقتل أشخاص سود بشكل رهيب وغير إنساني، وأفاد التقرير أن 33 في المائة من السود الذين قتلتهم الشرطة لم يكونوا مسلحين، مقابل 18 بالمائة من الضحايا البيض، دون أن تقدم السلطات الأمريكية أي تقرير عن الوفيات التي تورط فيها ضباط.
عنف مستطير
في هذا الشأن فقد أفادت بيانات جمعها ناشطون يديرون مشروع رصد عنف الشرطة إن الشرطة في الولايات المتحدة قتلت 1152 شخصا على الأقل في الولايات المتحدة خلال عام 2015 حيث قتلت 60 من أكبر دوائر الشرطة أشخاصا سودا بشكل غير متناسب. وقالت الجماعة إن أغلب دوائر الشرطة لم تقدم بيانات عن الوفيات التي تورط فيها ضباط. لذا فإن البيانات تأتي من ثلاث قواعد بيانات ذات مصادر متعددة: موقع فاتال إنكاونترز دوت أورج وقاعدة بيانات حوادث إطلاق النار على يد الشرطة وموقع كيلد باي بوليس دوت نت. وبالإضافة إلى ذلك كانت تجرى بحوث عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وإعلانات النعي وتقارير الشرطة وغير ذلك من المصادر.
وتابع التقرير أن ما نسبته 40 في المئة من الناس الذين قتلتهم الشرطة في 60 من أكبر دوائر الشرطة كانوا من السود. يأتي هذا بينما بلغت نسبة الأمريكيين من أصل أفريقي في تلك المناطق 20 في المئة فقط. وقالت الجماعة التي شكلها أستاذ الإحصاء صمويل سينيانجوي والناشطان جونيتا إلزي وديري مكيسون إن أرقام عام 2015 تأتي بالمقارنة بما سجل في العام الماضي وهو 1172 حالة وبعام 2013 حيث سجلت 1140 حالة.
ويجمع المشروع البيانات عن كل استخدامات القوة من جانب الشرطة والتي ينجم عنها سقوط وفيات بما في ذلك إطلاق النار والخنق والسيارات ومسدسات الصعق الكهربائي. ويشمل ذلك القتل غير المتعمد مثل الذين يتوفون بسبب حالة طبية طارئة أثناء اعتقالهم أو تقييد حركتهم وكذا الحوادث التي يقوم بها أفراد الشرطة وهم خارج الخدمة. وأدت أعمال القتل على يد الشرطة لا سيما التي يذهب ضحيتها سود إلى اندلاع احتجاجات في عدد من المدن الأمريكية خلال العام ونصف الماضيين.
وعلى الرغم من أن أعمال القتل هذه ليست جديدة- فمثلا قتلت شرطة نيويورك أكثر من 40 شخصا كل عام في سبعينات القرن الماضي وتقتل الآن نحو 12 شخصا سنويا- فإن الاستخدام الواسع للهواتف في تصوير الحوادث ووجود كاميرات للشرطة مثبتة على أجساد أفرادها وعلى سيارات الشرطة ركزت الأنظار من جديد على الاستخدام المميت للقوة. وأثارت التسجيلات المصورة أسئلة بشأن الأعذار التي يسوقها ضباط الشرطة لإطلاق النار مثل القول أن المشتبه به اشهر سلاحا في وجههم أو أنه بدأ الاقتراب منهم. بحسب رويترز.
وقال التقرير إن دوائر الشرطة ذات النسب الأعلى من عمليات القتل النسبية هي بيكرفيلد بكاليفورنيا وأوكلاهوما سيتي بولاية أوكلاهوما وأوكلاند بولاية كاليفورنيا ونيو أورليانز وسان فرانسيسكو. وتشمل هذه القائمة أيضا إدارة شرطة إنديانابوليس متروبوليتان وإدارة شرطة سانت لويس متروبوليتان. ويقول التقرير أيضا إن التهم التي توجه لضباط الشرطة الذين يستخدمون القوة المميتة نادرة للغاية وإن استخدام الشرطة للقوة المميتة غير مرتبط بنسب الجريمة العنيفة. وأفادت الدراسة أيضا أن 33 في المئة من السود الذين قتلتهم الشرطة لم يكونوا مسلحين مقابل 18 في المئة من الضحايا البيض.
مخاطر متزايدة في العمل
الى جانب ذلك يواجه رجال الشرطة الأمريكيون مخاطر متزايدة في العمل وسط ارتفاع معدلات الجريمة والمراقبة اللصيقة من وسائل الإعلام والسلطات الاتحادية بعد نشر تسجيلات مصورة تظهر حوادث إطلاق نار تورط فيها رجال شرطة في انحاء البلاد. وفي أكبر 30 مدينة أمريكية ترك تسعة من كبار رجال الشرطة مناصبهم خلال عام مقارنة بمعدل أربعة في المتوسط في العقد السابق. وتقاعد أربعة من قادة الشرطة وفصل ثلاثة وغادر اثنان منصبيهما بعد تقييم سلبي من وزارة العدل تحدث عن استخدام مفرط للقوة في الأقسام التي يديرانها.
وقال تشاك ويكسلر المدير التنفيذي لمنتدى الأبحاث التنفيذية للشرطة الذي تستعين به عشرات المدن الامريكية لتجنيد رجال الشرطة إن "رؤساء بلديات المدن باتوا يتصرفون بسرعة وهم يضعون معايير لقادة الشرطة لم نرها من قبل خصوصا بشأن مواضيع مثل مسألة الاستخدام القوة وثقة المجتمع." وتزداد الضغوط على قادة الشرطة في الولايات المتحدة وسط تزايد جرائم القتل ومعدلات الجريمة بشكل عام هذه السنة فضلا عن سلسلة من حوادث إطلاق رجال الشرطة النار على مواطنين سلط عليها الضوء بشكل كبير وأثارت توترات عرقية.
على صعيد متصل استجاب قائد شرطة مدينة شيكاجو الأمريكية لطلبات التنحي عن منصبه بعد أيام من الاحتجاجات على مقتل شاب أسود على يد شرطي أبيض أطلق عليه 16 رصاصة ورفض إدارة الشرطة لأكثر من عام نشر فيديو يوثق عملية القتل. وأعلن رام إيمانويل رئيس بلدية شيكاجو في مؤتمر صحفي أنه طلب من قائد الشرطة جاري مكارثي الاستقالة. وقال إيمانويل أيضا إنه أنشأ قوة مهام جديدة دورها مساءلة الشرطة.
واتهم الشرطي الأبيض جيسون فان دايك بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الأولى في واقعة قتل الشاب لاكوان مكدونالد عام 2014. ونشر في اليوم نفسه الفيديو الذي صورته كاميرا مثبته داخل سيارة دورية. وأشعل قتل رجال سود على يد ضباط- أغلبيتهم من البيض- من قوات إنفاذ القانون في مدن أمريكية احتجاجات لنحو عامين وأذكى جدلا في عموم الولايات المتحدة محوره العلاقات العرقية وأساليب الشرطة. وقال إيمانويل وهو ديمقراطي سبق له العمل ككبير موظفي البيت الأبيض في إدارة الرئيس باراك أوباما إنه مسؤول عما حدث في القضية بنفس قدر مسؤولية قائد الشرطة. وقال إن إنشاء قوة المهام يراد به إعادة الثقة في إدارة الشرطة في واحدة من كبرى المدن الأمريكية. بحسب رويترز.
وتحمل نحو 150 متظاهرا درجات حرارة تصل للتجمد وخرجوا أمام مقر شرطة شيكاجو في مسيرة احتجاج. وبرزت أساليب الشرطة وعنف الشوارع كأحد أبرز القضايا أمام إيمانويل منذ انتخابه لفترة ثانية رئيسا لبلدية شيكاجو في أبريل نيسان الماضي. وواجه هو ومكارثي وأنيتا ألفاريز التي تشغل منصب الادعاء بولاية إيلينوي انتقادات بعدما استغرق الأمر 13 شهرا لنشر فيديو إطلاق النار وتوجيه اتهام لفان دايك. وقال إيمانويل إن قوة المهام الجديدة ستتكون من خمسة أشخاص وسيكون مستشارها ديفال باتريك حاكم ماساتشوستس السابق الذي نشأ في شيكاجو. وقال باتريك إنه يأمل أن ينجح في المساعدة على استعادة ثقة المجتمع في الشرطة وإعادة بناء نظام المساءلة.
من جانب اخر عين القومندان الاسود اندريه اندرسن رئيسا بالإنابة لشرطة مدينة فيرغسن في ولاية ميزوري والتي شهدت اضطرابات بعد مقتل شاب اسود برصاص شرطي ابيض وصدور تقرير يتهم سلطات المدينة بالعنصرية. وقال رئيس بلدية المدينة جيمس نولز للصحافيين انه يأمل ان يترشح اندرسن البالغ من العمر 50 عاما للمنصب بصفة دائمة بعد تعيين مدير للجهاز، وقدم نولز اندرسن بوصفه "يتمتع بخبرة 24 عاما ومشهودا بكفاءته ليس فقط في الادارة وانما ايضا في الابتكار، وهذا مهم جدا لمدينتنا". وقال القومندان اندرسن انه سيعمل في البداية على "بناء الثقة وتطوير عمل الشرطة في المجتمع" ووعد باستقطاب اشخاص "يحظون بالاحترام ويعبرون عن المجتمع الذي نخدمه". ويبلغ عدد سكان المدينة 21 الفا ثلثاهم ذوو اصول افريقية لكن غالبية موظفي الشرطة والبلدية من البيض.
احكام قضائية
في السياق ذاته وجه القضاء الاميركي تهمة القتل الى شرطي ابيض اردى رجلا اسود خلال تفتيش مروري في اوهايو (شمال)، كما افاد المدعي العام المكلف القضية مؤكدا ان تصرف الشرطي "لم يكن له معنى" وانه كان مدفوعا بالغضب. وقال المدعي العام في مقاطعة هاميلتون جوزف ديتيرز خلال مؤتمر صحافي ان الشرطي "لم يكن يتعامل مع شخص مطلوب في جريمة قتل، ولم يكن يتعامل مع شخص يقود سيارة من دون لوحة تسجيل".
واذ اكد ان تصرف الشرطي كان خاطئا بالكامل لانه اطلق النار على السائق ما ان لاذ بالفرار، شدد على انه كان يجب عليه ان يدعه يهرب لا ان يرديه قتيلا. وقال "اذا فر دعه يذهب. ليس عليك ان تطلق عليه رصاصة في الرأس". وكان الشرطي راي تينسينغ (25 عاما) قتل سام دوبوز (43 عاما). وفي بادئ الامر قال الشرطي للمحققين انه اطلق النار على ضحيته بعدما حاول الاخير صدمه، الا ان كاميرا الشرطي اثبتت ان الاخير لم يكن ابدا عرضة للخطر.
واضاف المدعي العام "لا يمكن ان تصدقوا السرعة التي اخرج فيها (الشرطي) مسدسه واطلق النار على رأسه. ربما انها ثانية واحدة. هذا غير معقول ولا معنى له بالمرة". وعرض المدعي العام شريط الفيديو الذي التقطته الكاميرا للواقعة. واضاف "اظن انه فقد رباطة جأشه لان دوبوز رفض الخروج من سيارته". ويظهر في شريط الفيديو الشرطي وهو يدنو من سيارة سوداء ثم يطلب من سائقها اوراقه الثبوتية فيسأله الاخير عن سبب توقيفه ويشرح للشرطي انه نسي رخصة القيادة في المنزل. بعدما تنطلق السيارة ويبدو الشرطي وكانه وقع ارضا في حين تبتعد السيارة.
وما هي الا ثانية واحدة او حتى اقل حتى يستل الشرطي مسدسه ويطلق النار ويبدأ بالركض خلف السيارة التي سرعان ما تتوقف الى جانب الطريق. وقتل السائق في الحال بحسب المدعي العام الذي اكد ان سرعة تحرك النيابة العامة تثبت ان النظام القضائي يعمل جيدا. وتأتي هذه القضية في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة تصاعدا للتوتر العرقي في أعقاب سلسلة حوادث قتل خلالها اميركيون سود على ايدي رجال شرطة بيض في ظروف مثيرة للجدل.
الى جانب ذلك حكم على شرطي سابق بالسجن سنتين في الولايات المتحدة لانه تقاضى اموالا في مقابل توفيره نصائح حول كيفية الالتفاف على اجهزة كشف الكذب على ما ذكرت وزارة العدل الاميركية. وكان دوغلاس وليامز (69 عاما) المقيم في ولاية اوكلاهوما، يدير موقعا الكترونيا بات مغلقا الان، يوفر عبره النصح حول استراتيجية الالتفاف على جهاز كشف الكذب الذي يستخدم كثيرا في النظام القضائي والاداري الاميركي. بحسب فرانس برس.
وكان الشرطي السابق يفرض على "زبائنه" دفع الف الى خمسة الاف دولار وهم قد يكونون اشخاصا ملاحقين قضائيا او مرشحين الى منصب اداري فدرالي مضطرين تاليا للخضوع لفحص كشف الكذب. وخلال هذه الحصص التدريبية كان دوغلاس وليامز يحدد للمشاركين ما هي التصريحات والاعترافات الواجب القيام بها وما ينبغي في المقابل تجنبه خلال خضوعهم لفحص كشف الكذب. وهذه الاجهزة تقوم على درس ردود فعل الشخص الخاضع للفحص من خلال قياس نشاطه الجسدي من نبضات قلبه الى ضغط الدم او من خلال تقييم التوتر في الصوت او نشاط الدماغ. وهذا النظام ليس مضمونا بالكامل.
غضب في شيكاغو
من جانب اخر عقد أقارب شخصين أسودين قتلا برصاص الشرطة الأمريكية بشيكاغو مؤتمرا صحافيا عبروا فيه عن غضبهم وطالبوا بمحاسبة الشرطيين المخطئين. ووفق الصحافة المحلية، فإن الشرطة استدعيت إثر إقدام شاب يدعى كوينتونيو لوغرييه (19 عاما) ويعاني من اضطرابات عقلية على تهديد والده بواسطة مضرب بيسبول.
وأضافت الصحيفة أن والد الشاب طلب من جارته بيتي جونز، وهي أم لخمسة أطفال، إرشاد عناصر الشرطة حال وصولهم إلى المنزل. ووفق رواية شرطة شيكاغو فإن عناصرها وصلوا إلى الموقع استجابة لطلب نجدة بسبب حادث عنف منزلي، "وواجه عناصر الشرطة شخصا عنيفا ما اضطر أحدهم لاستخدام سلاحه ما أدى إلى إصابة شخصين بجروح قاتلة". وأضافت أن "امرأة تبلغ من العمر 55 عاما أصيبت عن طريق الخطأ وللأسف فارقت الحياة"، معربة عن تعازيها لأقاربها.
ولكن أقارب القتيلين عقدوا مؤتمرا صحافيا مؤثرا في الحي حيث وقعت الحادثة، أعربوا خلاله عن غضبهم لمسارعة الشرطة إلى استخدام الرصاص الحي وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عما جرى. وقالت جانيت كوكسي والدة كوينتينو للصحافيين إن "ابني كان ولدا محترما يكد بكل اجتهاد في الكلية". وحضر المؤتمر الصحافي مناصرون لأقارب الضحيتين، وقد ارتدى الكثير منهم قمصانا كتب عليها شعار "رام خاننا"، في إشارة إلى رئيس بلدية شيكاغو رام إيمانويل الذي يواجه انتقادات بسبب طريقة تعامله مع أخطاء سابقة مماثلة ارتكبتها شرطة المدينة. من جهته، أصدر النائب بوبي روس بيانا سأل فيه الشرطة "لماذا؟" أطلقت النار فورا ولم تستخدم وسائل ردع أخرى مثل مسدس الصعق الكهربائي.
اضف تعليق