في الوقت الذي تتجه معظم دول العالم نحو تخفيف إجراءات مواجهة فيروس كرورنا كالحجر الصحي وغيرها، تأتي لحظة الحقيقة، إذ فقد الكثيرون أعمالهم بسبب أزمة كورونا فيما تمكن آخرون من استغلالها لجني أموال طائلة، فقراء بلا حدود، مقابل اغنياء بلا حدود، فهل هذا من العدل في شيء؟

ألحق فيروس كورونا المستجد بالاقتصاد العالمي خسائر كبيرة، وفقد عشرات الملايين وظائفهم في مختلف أنحاء العالم، ولكن كما في كل أزمة يكون هناك مستفيدون دائما، وفي الولايات المتحدة، خسر أكثر من 26 مليون أميركي وظائفهم خلال 4 أسابيع تقريبا، لكن الأثرياء أصحاب المليارات، الذين لا تزيد نسبتهم على 1 في المئة، حققوا مبالغ طائلة خلال هذه الفترة، حيث أضافوا إلى مجموع ثرواتهم ما يصل إلى 208 مليارات دولار.

ووفقا لتقرير حديث صدر عن المركز البحثي والفكري "معهد دراسات السياسة"، في الفترة بين 18 مارس و22 أبريل، نمت ثروة أصحاب النفوذ الأميركيين بنسبة 10.5 في المئة، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية،

وكشف تقرير لصحيفة "ميرور" البريطانية، أن أربعة من أغنى الأثرياء في العالم، كسبوا 144 مليار جنيه إسترليني (184 مليار دولار)، منذ بداية الإغلاق الذي شهده العالم عقب تفشي جائحة كورونا وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن مؤسس "أمازون"، جيف بيزوس، أصبح الشخص الأكثر ثراء في العالم، بعدما كسب 10 مليارات جنيه إسترليني، وباتت ثروة بيزوس تبلغ 149 مليار حنيه، أي ما يوازي 190 مليار دولار، بينما لم تتجاوز في مارس 89 مليار جنيه.

وأرجعت "ميرور" تنامي ثروة بيزوس إلى ارتفاع أسهم "أمازون" بنسبة 8 في المئة، فضلا عن تزايد الإقبال على التسوق عبر الإنترنت خلال الإغلاق الذي شهده العالم بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، أما ثروة الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، إيلون ماسك، فقد وصلت إلى 59 مليار جنيه استرليني، بعد أن كانت لا تتجاوز 19.7 مليارات في مارس، ويعود الارتفاع في ثروة ماسك الذي يحتل المرتبة الخامسة عالميا بقائمة أغنى أثرياء العالم، إلى الارتفاع بأسهم الشركة والذي وصل لـ270 في المئة منذ مارس، حيث باتت قيمة "تسلا" حاليا تقدّر بـ230 مليار إسترليني، أي أكبر من قيمة فورد وفيراري وجنرال موتورز وبي إم دبليو مجتمعة.

ثروة المليارديرات زادت 20% في زمن كورونا

يرى شريف عثمان الخبير المالي في مؤسسة واشنطن أناليتيكا بالعاصمة الأمريكية أن هناك أسبابا أدت لزيادة عدد المليارديرات وحجم ثرواتهم، وقال "لم تؤثر جائحة فيروس كورونا المستجد على كل القطاعات بصورة متوازنة، قطاع التكنولوجيا بصفة عامة انتعش كثيرا بسبب إجراءات الإغلاق التي اتبعتها أغلب الولايات الأمريكية"، وأضاف عثمان "دفعت زيادة التسوق على الإنترنت، إضافة إلى عقد اجتماعات الأعمال بطرق إلكترونية، وكذلك التعليم إلى زيادة أرباح شركات التكنولوجيا وارتفاع قيمة أسهمها في البورصات المختلفة".

وأظهر تقرير بثه الراديو القومي الأمريكي أن نسبة قوة العمل الأمريكية التي كانت تعمل عن بعد إلكترونيا قبل انتشار فيروس كورونا لم تتخط 5%، لكنها وصلت في منتصف يونيو/حزيران الماضي إلى أكثر من 60%. ودفع ذلك إلى اعتماد الكثير من الشركات على تطبيقات تكنولوجية مؤمّنة تسمح باللقاءات الوظيفية والنقاشات وتبادل الملفات والعروض، وشهد قطاع التعليم نفس الخبرة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وأثر ذلك على حجم دخول الكثير من رؤساء شركات التكنولوجيا نادي المليارديرات الأمريكية.

من ناحية أخرى، دفعت سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب (هو أيضا ملياردير) المتعلقة بالإعفاءات الضريبية إلى استفادة قطاع الأعمال من الكثير من الإعفاءات التي لم تكن متاحة من قبل، كما استفاد الأغنياء من انخفاض الالتزامات الضريبية خلال السنوات الماضية، وأشارت دراسات اقتصادية إلى انخفاض الالتزامات الضريبية للمليارديرات الأمريكية بنسبة 79% بين عامي 1980 و2018، وأشارت دراسات متخصصة في الثروات إلى عدة حقائق عن مليارديرات أمريكا:

- %56 من أصحاب المليارات في أمريكا هم من صنعوا ثرواتهم ولم يرثوها، وتعد هذه النسبة أكبر كثيرا من نظيرتها في الدول الغربية.

- المليارديرات بشكل عام من كبار السن، ومتوسط العمر يزيد قليلا على 65 عاما.

- كانت هناك استثناءات في قطاع التكنولوجيا، حيث إن 10% فقط من المليارديرات هم أقل من الـ50 من العمر.

- يمثل الرجال 88% من مليارديرات أمريكا مقابل 12% من النساء.

- تضم مدينة نيويورك 113 مليارديرا حيث توجد وول ستريت وكبريات أسواق العالم.

أغنى 5 أشخاص في الولايات المتحدة

- جيف بيزوس (شركة أمازون 113 مليار دولار)

- بيل غيتس (شركة مايكروسوفت 98 مليار دولار)

- وارن بافيت (شركة بيركشاير هاثاواي 68 مليار دولار)

- لاري إليسون (شركة أوراكل 59 مليار دولار)

- مارك زوكربيرغ (شركة فيسبوك 55 مليار دولار)

كيف تتضخم ثروات فاحشي الثراء؟

ويُرجع المفكرون، المتابعون لتوجه السوق، تضخم ثروات هؤلاء المليارديرات إلى أنهم يخلقون قيمة للمساهمين في أصول رأس مال شركاتهم– وهي ضرورة أساسية للرأسمالية – وإن كان المليارديرات في حد ذاتهم بعض من أكبر المساهمين في هذه الشركات ومع ذلك فإن هذا التفسير هو السبب في جعل أرقام ثروات الفئات العليا من النخبة الأمريكية تستحق للتقييم، وأردف الكاتب قائلًا: على مدى الأسابيع القليلة الماضية تحديدًا، قفزت ثروات أقطاب قطاع التكنولوجيا إلى آفاق جديدة وهذا لا ينطبق على أحد من أصحاب الثراء الفاحش أكثر من "بيزوس"، إذ قفزت أصوله في عام 2020 بمقدار 75 مليار دولار؛ وتُقدر ثروته حاليًا بحوالي 200 مليار دولار.

الأثرياء تتضاعف ثرواتهم والفقراء يزدادون فقرًا

يعتمد أكثر من 30 مليون أمريكي حاليًا على إعانات البطالة، والتي من المقرر أن ينتهي بعضها في نهاية الشهر، كما أن العمال ذوي الأجور المنخفضة خصوصًا معرّضون إلى التسريح، فيما تسحق الجائحة الأحياء الفقيرة التي تسجل معدلات أعلى من الإصابة بـ(كوفيد-19)، وأن الأصوات اليسارية في الولايات المتحدة ترى في ذلك معادلة صفرية – إذ إن هذه المليارات الهائلة يمكنها أن تُحدث فرقًا إذا أُعيد توزيعها – وطالبوا بإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكي بعد هذه الأزمة، فهم يودون رؤية الأثرياء يدفعون ضرائب أكثر من أجل إصلاح ما يعتقدون أنها شبكة أمان غير كافية.

مقابل تلك الثروات الطائلة هناك من لا يمتلك رغيف الخبز في هذا الوقت العصيب ولا يكترث من بيده مقاليد الامور لاناس جوعى يعيشون في دائرة الفقر المدقع الى حين يقضى اجلهم، وستتركز شريحة كبيرة من الفقراء الجدد في بلدان تكابد معدلات فقر مرتفعة بالفعل، فيما سوف تتأثر البلدان متوسطة الدخل بشدة هي الأخرى حيث يتوقع أن يكون ما يقرب من نصف الفقراء الجدد (23 مليوناً) من سكان منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، بالإضافة إلى 16 مليوناً آخرين في جنوب آسيا كما يتوقع أن يضاف إلى أعداد الفقراء المدقعين 17 مليوناً آخرين، في البلدان الأشد فقراً المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدوليوفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يكون 22 مليوناً من الفقراء الجدد في بلدان متوسطة الدخل، وأن ينضم 10 ملايين شخص جديد إلى قائمة الفقراء المدقعين، بالاقتصادات الهشة والمتأثرة بالصراعات بحسب.

كيف تصبح من أثرياء حرب الكورونا؟

فجأة وبدون مقدمات انقلبت حياتنا والعالم رأسا على عقب.. كأننا نعيش كابوسا مزعجا أو فيلم رعب! لو تحدث أحد عن الأمر قبل وقوعه لقالوا إنه مجنون.. "الزموا بيوتكم" أمر أو نصيحة ترددت بكل اللغات تدعو الناس للتوقف عن الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى! مدن بأكملها تحولت إلى مساكن أشباح والسبب فايروس لا يرى بالعين المجردة.. شأنه شأن أقرانه لكنه هذه المرة بدا مرعبا وفريدا في التأثير وحل ضيفا ثقيلا غير مرغوب فيه إما في أجساد المرضى أو في أحاديث كل لسان.

كورونا الجديد لم يستأذن سياسيا مسؤولا أو مواطنا عاديا.. لم يفرق بين غني أو فقير.. لم ندر كيف ولد وبأية ظروف وقد تعددت النظريات في هذا الإطار لكن المشاهد الملموس أن العالم بعد كورونا المستجد أو كوفيد تسعة عشر ليس كما قبله.. خسائر بمئات المليارات وأحاديث عن إعادة تشكل النظام العالمي وتفكك اتحادات وانهيار دول وصعود أخرى؛ حتى الدولة الأقوى في العالم بدت مرتبكة عاجزة متخبطة لا تدري كيف تتصدى للعدو الخفي الذي دفع المواطن الأميركي لإخلاء الشوارع في ولايات منكوبة والتهافت على السلاح والمواد الغذائية بطريقة هستيرية.. فتحول الغني الثري المرتاح في أميركا وغيرها إلى مواطن قلق عاجز عن امتلاك الحل لا يفكر إلا بكيفية الوقاية من مرض فتاك وتعقيم كل شيء تبلغه يداه!

إنه بلاء عظيم؛ وباء عالمي كما صنفته منظمة الصحة العالمية؛ حل على البشرية لكنه يشكل فرصة للأذكياء كي يستفيدوا من هذه الظروف! فالتاجر الناجح هو الذي يستغل الفرصة ويعقد صفقته الرابحة في موسم الرخاء أو في زمن البلوى! التاجر الرابح هو الذي يعلم من أين تؤكل الكتف فيقدم حيث يخاف الناس ويحسم حين يتردد الناس، كيف يمكنك ويمكنني أن نصبح أغنياء في زمن الكورونا؟ هل هذا متاح وممكن؟

في زمن الكورونا نستذكر قدرة الله تعالى فنعود إليه ونستغني عمن سواه.. نعيد النظر في معاملاتنا مع أنفسنا وأهلينا وأقاربنا ومجتمعنا.. نعيد التفكر في مخلوقات الله وفي قدرة الخالق

إن أول درس يعلمه لنا الكورونا هو التذكير بحقيقة معنى الفقر والغنى وأن المال والعقار والذهب والأسهم لم تكن يوما علامة سعادة وأمان ورضا، إن أول خطوة مطلوبة في عصر الكورونا أو زمن الحجر الصحي الإجباري أو الاختياري هي مراجعة الذات وعقد صفقة رابحة مع الكريم الحليم! نعم أيها القراء الأعزاء.. التجارة مع الله تعالى هي أفضل تجارة وهي تجارة كلها غنى لا فقر فيها ولا خسارة ولا مغامرة.. إنها التجارة مضمونة الأرباح لا تحتاج وسيطا ولا كفيلا.. لا تحتاج ضامنا ولا خبيرا.. لا إجراءات ولا أوراق ولا مخاطر.. سوقها مفتوح بشكل دائم والسهم فيها مضمون العوائد.

في زمن الكورونا نستذكر قدرة الله تعالى فنعود إليه ونستغني عمن سواه.. نعيد النظر في معاملاتنا مع أنفسنا وأهلينا وأقاربنا ومجتمعنا.. نعيد التفكر في مخلوقات الله وفي قدرة الخالق وضعف وعجز المخلوق، في زمن الكورونا نعلم أن الإنسان مهما بلغت قوته وتجبر على عباد الله وظلم وخان وقتل ودمر وشرد ونشر بالمناشير واستخدم الأسلحة والبراميل المتفجرة واستعان بجبابرة الأرض فإن هناك قوة فوقه وإرادة أعلى من سلطاته وأوامر أقوى من طغيانه وجنودا أشد بأسا وفتكا من مرتزقته وميليشياته وعصاباته!

في زمن الكورونا تتغير المفاهيم ويتغير معها سلوك الكثيرين؛ سيبحث أناس عن استثمار المحنة فيقدمون على تشغيل أموالهم في المنتجات الأكثر طلبا؛ قد يستثمرون في وسائل التعقيم؛ في المواد الغذائية؛ في البرمجة وخدمة الشراء عبر التطبيقات الهاتفية؛ في صناعة الكمامات والقفازات الواقية؛ في برامج التعليم عن بعد؛ في الأدوية والمستلزمات الطبية؛ في العلاج عن بعد أو حتى في إيجاد دواء كورونا وغير ذلك من الأبواب التي تشكل فرصة سانحة لجني الأرباح وكسب الأموال وهذا مطلب مباح وعمل متاح ومنافسة حميدة لخدمة الناس وتأمين احتياجاتهم دون استغلال أو احتكار.. لكن السعادة والغنى الأكمل والثراء الأفضل لا يكون إلا بالمعاني الجميلة التي نسمعها في القصص والحكم والمثاليات والروايات.. غنى النفس وطمأنينة القلب وصفاء الروح.

هذا زمن الاعتبار والاستغفار.. وجرد الحساب في الذي وقع وصار من خطأ وذنب وضغينة؛ من حسد وكره ونميمة، فلنقض على كورونا ومعاصينا؛ ولنملأ هذا الكون حبا وطمأنينة قبل أن نمضي من دنيا بدت كجناح بعوضة يرحل عنها الإنسان في زمن الكورونا دون جنازة ولا وداع ولا تعزية! ياه! ما أصعبها من صورة.. وما أتعس وأفقر الغافلين عنها!

أين يقضي مليارديرات العالم فترة الإغلاق بسبب كورونا؟

فرضت إجراءات الإغلاق على أكثر من نصف سكان العالم البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلى الشوارع، في محاولة لاحتواء تفشي فيروس كورونا، ولكن أين ذهب أغنى أغنياء العالم، وكيف يقضون أوقات الإغلاق والعزل؟

يعيش بعض مليارديرات العالم في مخابئ حديثة مجهزة بأحدث الوسائل، واستأجر البعض قصورا في الجزر مثل جزيرة غرينادين في منطقة البحر الكاريبي، فيما يقضي بعضهم هذه الأوقات على يخوتهم في منتصف البحار.

على سبيل المثال، نشر قطب الترفيه منتج الأفلام الملياردير ديفيد غيفن صورا له وهو على متن يخته البالغ طوله 454 قدماً، وكتب عليها: "آمل أن يكون الجميع في أمان".

وفي مدينة الريفيرا الفرنسية أحد أشهر الأماكن السياحية في العالم، هناك مجمع خاص يسمى "Les Parcs de Saint-Tropez"، يقيم فيه عدد من مليارديرات العالم مثل مالك فندق ريتز باريس محمد الفايد، وقطب الصلب الهندي لاكشمي ميتال، ورئيس مجموعة "LVMH" الفاخرة برنارد أرنوK ويضم هذا المجمع الذي يقع على مساحة 270 فدان، 150 فيلا ومختبر خاص يتم فيه إجراء اختبارات كورونا لأصحاب القصور المتواجدين هناك.

وسادت حالة من الغضب بين سكان المدينة بسبب هذا المجمع، واعتبروه مثال واضح على عدم المساواة في التعامل مع المرض، وبالرغم من فرض إجراءات العزل والإغلاق على المجمع مثل باقي أنحاء فرنسا، لكن محلات البقالة والمخابز ظلت مفتوحة، وهناك عدة نشاطات تقام في الداخل.

مصائب قوم عند قوم فوائد.. أثرياء زادوا ثراء مع كورونا

القيصر الروماني كان بحاجة إلى المال، إلى الكثير من المال وبسرعة. فما الذي نفعل في هذا الوضع؟ الأمر واضح، رفع الضرائب. والقيصر ابتدع ضريبة جديدة هي ضريبة المرحاض التي يريد بها فرض ضريبة على التبول. وأمام ابنه الذي اشمأز من فعلة أبيه قال القيصر: " المال ليس له رائحة كريهة".

هذه المقولة يستخدمها الأشخاص الذين يجمعون الأموال الطائلة. لكن هل يجب قبول هذه الحقيقة بهذه البساطة؟ الجواب هو بلا، بل ثلاث مرات لا، كما يهتف أولئك الذين يرون أن كل سلوك يخضع للتمييز الأخلاقي. لكن آخرين يؤيدون ذلك، لأنهم يقولون إنه يوجد دوما شخص في كل أزمة يستخرج منها المال. كما أننا نعيش في الرأسمالية وجني المال لا يتعارض معها بل هو سلوك طبيعي يتواءم معها.

ظاهرة الكمامة، وبما أنه يعمل عدد قليل من الفلاسفة في قسم تحرير الشؤون الاقتصادية، ويعمل فيه براغماتيون كثر، فلننظر بشكل ملموس إلى القضية: من يستفيد من الأزمة؟ أحدهم اشترى الخريف الماضي كمامات من إحدى الصيدليات، لأنه كان مصابا بالزكام ولم يشأ نقل العدوى لأحد. علبة من ست قطع مقابل قليل من المال لا يتذكر به السعر الحقيقي. والكمامة الأخيرة التي اشتراها هو نفسه في الأسبوع الماضي كانت تساوي ثلاثة يوروهات صنعتها خياطة لم يعد لها محل. لكن إذا طلب الصيدلي الآن فجأة سعرا أعلى من وقت حلول الأزمة، فهل هذا مناف للأخلاق؟

والسبب الحقيقي لهذا التضخم يعود لعدم وجود ما يكفي من الكمامات. فعندما يتجاوز الطلب العرض، فإن الأسعار ترتفع. وإذا كنا مجبرين على استيراد هذه الأشياء من الصين، فإن هذا ليس بسبب الخياطة أو الصيدلي.

لأن الفائزين الحقيقيين من الأزمة ليسوا هم الخياطة أو الصيدلي وأمثالهما، بل الأثرياء الكبار الذين كانوا في الأصل يحوزون على ثروات طائلة. إنهم الآن لا يقدرون على مواكبة تعداد الأموال التي جنوها. وهنا يطرح السؤال نفسه هل القيصر الروماني كان على حق أم أن المال يحمل أحيانا رائحة كريهة؟.

قائمة المستفيدين من الأزمة طويلة يتصدرها أشخاص مثل جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون والميلياردير إيلون موسك والمدير التنفيذ السابق في مايكروسوفت ستيف بالمر ومؤسس زوم إريك يوان بالإضافة إلى روكو كوميسو المؤسس والرئيس والمدير التنفيذي لشركة ميدياكوم للاتصالات.

وقد أصدر معهد الدراسات السياسية، أحد أقسام البحوث الكبيرة في واشنطن، في الأسبوع الماضي تقريرا يضم أسماء هؤلاء الرجال ويبين أن الأغنياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرا وبالتحديد في هذه الأزمة.

ويحاول الكثير من المراقبين التمييز بين المستفيدين "الجيدين" و"السيئين". فعلى الموقع الإلكتروني الألماني تيليبوليس يكتب فلوريان روتسير عن أغنى رجل في سنغافورة. لي شيتينغ المساهم في تأسيس شركة Mindray للإلكترونيات الطبية والذي أضاف في غضون شهر واحد فقط مليار دولار إلى ثروته. ومن بين الأشياء التي تنتجها شركته أجهزة التنفس، والطلبيات تأتي من أكثر من 100 دولة.

وهناك شركات أخرى مثل أمازون التي تستفيد من إجراءات الحجرالصحي التي يعاني منها ملايين البشر. وكذلك ميكروسوفت وزوم اللتان تستفيدان من العمل المنزلي الذي أجبر عليه الكثيرون في كل أنحاء العالم، إذ تبيعان تجهيزات المؤتمرات بالفيديو.

بالإضافة إلى الشركات التي تقفز عائداتها إلى الأعلى لأنها تتاجر بعقارات مرتفعة الثمن. جميعها لا تقدم شيئا إيجابيا للمجتمع، كما هو الاتهام السائد. فعوض الإيثار يسود عندها فقط الجشع. كما أن الأثرياء الكبار يتبرعون بكثير من المال ولا يخفون ذلك. وقد يكون ربما من الأفضل دفع ضرائب، لكن هذا موضوع آخر. وهذا يبين أنه لا يكفي الإشارة بالبَنان إلى المستفيدين الأثرياء من الوباء، لأن الموضوع للأسف معقد أكثر من ذلك.

فوارق في النظام، فمنذ منتصف مارس/ آذار الماضي فقد نحو 50 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية أعمالهم. في المقابل زادت ثروة المليارديرات الأمريكيين في الفترة نفسها حسب موقع تيليبوليس الألماني بعشرة في المائة أو زادت ثرواتهم بـ 282 مليار دولار. وفي الوقت الذي اكتفى فيه أمريكيون محتاجون بتسديد بمبلغ 1200 دولار، حصل 43.000 مليونير أمريكي (بينهم الرئيس دونالد ترامب وأفراد عائلته) على تعويضات ضريبية بمبلغ 70 مليار دولار.

محاسبة الذات، وإذا واصلنا إنتاج القليل من الأجهزة الطبية في أوروبا ـ من الكمامات إلى أجهزة التنفس ـ ونبقى مرهونين لبلدان أخرى نستورد منها هذه الأجهزة فكيف لنا أن نوجه اللوم إلى من يكسبون المال الطائل في هذه الظروف؟

........................................................................................................................
المصادر
- ساسة بوست
- سكاي نيوز عربية
- مدونات البنك الدولي
- MBC NEWS
- الجزيرة نت
- الحرة
- D.w

اضف تعليق