بات الاغتصاب أكثر الجرائم الجنسية شيوعاً في العالم بكل أشكاله وتصنف جريمة الاغتصاب على أنها من الجرائم الجنائية التي تستحق عقوبات قاسية ضد مرتكبيها، فممارسة الاغتصاب والعنف الجنسي والسبي معروفة على مدى التاريخ القديم فقد كان الاغتصاب سلاحا يستخدمه الانسان لقهر واذلال خصمه الاخر وفي ظل الحروب والصراعات كان يستخدم هذا السلاح لتدمير الخصم جسميا ومعنويا واجباره على الهروب والاستسلام بعد اذلاله وقهره، والاغتصاب جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية من الصعب تحليلها وحصر عدد ضحاياها في العالم، حيث يمتنع أغلبهم عن الإبلاغ عن حادثة الاعتداء لاسباب تختلف من شخص لاخر.

هذه الجريمة وعلى الرغم من خطورتها انتشرت بشكل كبير في العديد من دول العالم ولاسباب مختلفة، منها ضعف القوانين والرقابة الحكومية وتفشي البطالة والفساد الادراي، الذي ساعد في انتشار الاباحية والمخدرات وهو ما ساعد في ارتفاع نسبة جرائم الاغتصاب، وهو ما اثار غضب واستياء العديد من الجهات والمنظمات الانسانية والحقوقية، التي طالبت بتشريع قوانين خاصة ومشددة من اجل التصدي لمثل هكذا جرائم خطيرة.

واستنادا لدراسة حديثة للاتحاد الأوروبي نقلتها بعض المصادر، فأن ثلث الأوروبيات ٦٢ مليونا تعرضن لنوع من الاعتداء الجسدي وواحدة من كل ١٠ سيدات تعرضت لاعتداء جنسي بينما تعرضت واحدة من كل ٢٠ سيدة للاغتصاب مرة واحدة في حياتها لكن الجريمة حاضرة أيضا في القارة الإفريقية وفي أمريكا اللاتينية وآسيا .

ويعتقد بعض علماء النفس أن القليل من الرجال هم الذين يرتكبون جريمة الاغتصاب بقصد المتعة الجنسية والباقون يرتكبون جريمتهم معاداة للمجتمع الذي يعيشون فيه ويرى بعض علماء النفس أن الكثير من المغتصبين لديهم إحساس بالكره أو الخوف من النساء وفي بعض الأحيان يكون الإغتصاب بسبب الانتقام بين العائلات أو الأعداء عامة مما يقودهم إلى الرغبة في إثبات قوتهم وسيطرتهم من أجل إذلال وإيذاء هؤلاء النسوة المغتصَبات، واستنادا لمنظمة "لوبي النساء" التي تعنى بقضايا المرأة في أوروبا فأن ٨٠ بالمئة من النساء الأمريكيات يتعرضن للاغتصاب مرة واحدة على الأقل في حياتهن بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره فإن جريمة ضرب النساء في الولايات المتحدة تعد في أعلى مستوياتها، ويعتبر التحرش الجنسي جريمة عنيفة وليس جريمة جنسية فقط حيث يستخدم المتحرش الجنس كوسيلة لإلحاق المعاناة الذي يسببها للضحية جراء العنف والإذلال الذي يفرضه عليها لإضعافها وللسيطرة عليها والتحكم بها

وفي كل دقيقة في الولايات المتحدة الأمريكية هنالك 1.3 حالة اغتصاب لنساء بالغات وتغتصب ٧٨ امرأة في كل ساعة في الولايات المتحدة الأمريكية وهكذا في كل يوم هنالك ١٨٧١ امرأة بالغة تغتصب في أمريكا أي ما يعادل ٦٥٩١٦ امرأة شهريا وقد أثبتت الدراسات أن ٩٠ بالمئة من كل حالات الاغتصاب يخطط لها سابقا إذ إنه في ٨٧ بالمئة من حالات الاغتصاب إما إن المعتدي يحمل سلاحا أو يهدد الضحية بالموت إذا قاومته، و أيضاً أن ٩٠ بالمئة من النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب في اروبا وحصرا في فرنسا لا يرفعن قضايا ضد من اغتصبهن وفي بعض الاستبيانات الأخرى تبين أن ٧٥ بالمئة من الرجال و55 بالمئة من النساء كانوا يشربون الكحول أو يتعاطون المخدرات قبل حادثة الاغتصاب وقد تبين أن نسبة التحرش الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر بين الأمم المتقدمة صناعيا في العالم.

الولايات المتحدة

في هذا الشأن اعادت فضيحة الاعتداء الجنسي على شابة من جانب طالب في جامعة ستانفورد، وهي قضية كانت لها تفاعلات على صعيد العالم اجمع، احياء الجدل في الولايات المتحدة في شأن تفشي جرائم الاغتصاب في حرم الجامعات. وقالت ايمي زيرينغ منتجة عمل وثائقي عن الاغتصاب بعنوان "ذي هانتنغ غراوند" إن "هذه الحالة ترمز الى ثقافة الاغتصاب في مجتمعنا". وقد سادت موجة تأثر في الولايات المتحدة جراء الحكم المخفف الصادر في 2 حزيران/يونيو في حق الطالب السابق في جامعة ستانفورد العريقة بروك تورنر بتهمة اغتصاب شابة فاقدة للوعي: السجن ستة اشهر بينها ثلاثة مع النفاذ.

كما أن التصريحات التي ادلى بها والد المعتدي في محاولة لطلب الرأفة من القاضي أججت الجدال الدائر في المجتمع الاميركي بشأن الامتيازات الممنوحة على خلفية عرقية، اذ انه اعتبر ان ايداع ابنه السجن بسبب "20 دقيقة من الاثارة" عقوبة "شديدة القسوة". كذلك سادت حال من التأثر في البلاد بعد تلاوة رسالة واقعة في 12 صفحة كتبتها الضحية لبروك تورنر امام المحكمة من ثم نشرها عبر الانترنت. وبدأت الرسالة بجملة "انت لا تعرفني لكنك دخلت علي". واضافت الضحية في الرسالة "لقد سرقت قيمتي وخصوصيتي وطاقتي ووقتي وسلامتي وحميميتي وثقتي في نفسي وحتى صوتي، حتى اليوم".

وقد حصدت عريضة للمطالبة بتنحية القاضي ارون بيرسكي الذي اصدر العقوبة في حق تورنر، اكثر من مليون توقيع. كذلك اثارت القضية تعليقات في شأن الامتيازات الممنوحة للبيض في الولايات المتحدة. ونشرت الناشطة الحقوقية ميسي هاريس خصوصا عبر صفحتها على فيسبوك صورة لتورنر الى جانب اخرى للاعب كرة قدم سابق من السود الاميركيين هو كوري بايتي الذي يواجه احتمال الحكم عليه بالسجن بين 15 و20 عاما بتهمة المشاركة في اغتصاب امرأة ثملة.

ووصلت ترددات القضية الى اعلى المرجعيات الحكومية الاميركية. فقد كتب نائب الرئيس الاميركي جو بايدن رسالة الى الضحية البالغة حاليا 23 عاما ابدى فيها "اعجابه بشجاعتها" وعبر عن "استيائه العارم". وندد بالتالي بجرائم الاغتصاب التي باتت متفشية في حرم الجامعات الاميركية. ولفتت استاذة الحقوق في جامعة ستانفورد ميشال داوبر الفاعلة بقوة في الحملة لتنحية القاضي بيرسكي الى ان "الجامعات ومؤسسات التعليم العالي تدير عموما على نحو سيء للغاية الاعتداءات الجنسية في حرمها، سواء لناحية الوقاية او طريقة التعاطي".

واعتبرت داوبر، وهي صديقة شخصية للضحية، أن عقوبة الاشهر الستة سجن لبروك تورنر تحد من الطابع الجدي للوقائع. وأضافت "لدينا هنا الضحية المثالية التي قامت بكل شيء كما يلزم، اذ توجهت للشرطة وتقدمت بدعوى وخضعت لفحص طبي (...) كان لديها شهود حتى (...) وعلى رغم ذلك لم تحصل حقها". وخلصت داوبر الى ان الرسالة الموجهة بالتالي مفادها "لا تتكبدوا حتى عناء الاتصال بالشرطة".

وأظهر تحقيق وطني ان ما يقرب من امرأة من كل ست نساء في الولايات المتحدة تتعرض لاعتداء جنسي. كما أن دراسة اخرى صادرة عن جامعة براون سنة 2015 خلصت الى ان اكثر من امرأة من كل ست نساء تعرضت للاغتصاب خلال سنتها الجامعية الاولى، وهن يكن في كثير من الاحيان في حالة ثمالة او عجز عن الدفاع عن انفسهن. واعتبرت ايمي زيرينغ أن فضيحة ستنانفورد تسلط الضوء في شكل "غير مسبوق" على هذه المشكلة.

ولفتت الى ان "14 مليون شخص قرأوا الرسالة (الموجهة من الضحية) خلال خمسة ايام عبر الانترنت (...). ولد هذا الامر نقاشا في شأن الامتيازات والشعور بالقدرة على القيام بأي شيء". وندد البعض في جامعة ستانفورد بموقف هذا الصرح التعليمي اذ ان ادارتها "لم تقدم اي اعتذار ولم تعبر عن تعاطفها" وفق داوبر. ونشرت عريضة عبر الانترنت تطالب الجامعة بنشر اسماء الطلاب الضالعين في اعتداءات جنسية.

الى جانب ذلك وفي قضية أثارت استنكارا واستهجانا كبيرين، مثل أربعة رجال أمام القضاء في ولاية يوتاه غرب الولايات المتحدة، بتهمة الضلوع في اغتصاب مفترض لطفلة في التاسعة من العمر، عندما كانت والدتها تتعاطى المخدرات. ونقلت الفتاة إلى المستشفى ووضعت تحت وصاية الحكومة. ويواجه المتهمون احتمال السجن مدى الحياة، وأشار مكتب المسؤول المحلي في مقاطعة يونتاه في بيان إلى أن الاغتصاب وقع عندما كانت الوالدة تزور أصدقاء لها في مدينة فيرنال الصغيرة. وقد توجهت إلى المرآب لتدخين مخدرات في وقت كانت ابنتها تنام على الأريكة. وأضاف البيان "في هذا الوقت، تم نقل الفتاة إلى غرفة أخرى في المنزل حيث تعرضت للاغتصاب من أربعة رجال". بحسب فرانس برس.

وبينت وثائق قضائية أن هؤلاء الرجال، وهم لارسون روندو (36 عاما) وجوزياه روندو (20 عاما) وجيري فلاتليب (29 عاما) وراندال فلاتليب (26 عاما)، الذين كانوا يقيمون مؤقتا في هذا المنزل، تناوبوا على اغتصاب الطفلة قبل إعادتها إلى الأريكة وتهديدها بالقتل في حال فضح الأمر. وذكرت الوالدة أنها لدى خروجها من المرآب، وجدت ابنتها في حال "اضطراب" مع فستانها "مرفوعا فوق خصرها". وطلبت عندها سيارة أجرة لإعادتها إلى منزلها. وفي اليوم التالي، أخبرتها ابنتها عن حادثة الاعتداء واتصلت بالشرطة. ولفتت السلطات إلى أن الفتاة نقلت إلى المستشفى ووضعت تحت وصاية الحكومة. ولم يدل المعتدون المفترضون الأربعة بأي تعليق عما إذا كانوا يقرون بذنبهم أم لا.

البرازيل

على صعيد متصل لايزال البرازيليون تحت وقع الصدمة إثر نشر شريط فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فتاة في السادسة عشرة من العمر تتعرض لاغتصاب جماعي من قبل أكثر من 30 شخصا. ولم يخف مدير الشرطة بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية تأثره لما تعرضت له مراهقة برازيلية في السادسة عشرة من عمرها ، حيث كانت ضحية اغتصاب جماعي وقال "العنف البالغ لهذه الجريمة صدم جميع الناس، حتى رجال الشرطة".

وتم اختطاف هذه الفتاة عندما كانت في طريقها بشرق ريو، وتعرضت للتعنيف والتخدير من قبل 33 شخصا حسب تصريح للشرطة المحلية. وعلى خلفية هذه الجريمة، تعهد الرئيس المؤقت ميشال تامر بخلق هيئة للشرطة مختصة في التصدي للعنف ضد النساء، فيما نددت منظمات نسائية برازيلية بما اعتبرته "ثقافة" الاغتصاب المنتشرة وسط فئات واسعة من البرازيليين. وتظهر في الفيديو فتاة عارية شبه واعية على سرير في حين يكيل لها رجال الإهانات، ويتباهون بأن 30 شخصا اغتصبوها. ويمكن مشاهدة رجل يلمس عضوها التناسلي.

وبلغ عدد جرائم الاغتصاب في سنة 2014 بالبرازيل 47646، ما يفيد وقوع اغتصاب واحد في كل 11 دقيقة، حسب إحصائيات رسمية، ويمكن أن يتجاوز هذا العدد بكثير حسب معهد الدراسات الاقتصادية التطبيقية البرازيلي لإنه "لا يتم الإبلاغ إلا عن 10 بالمئة من الاعتداءات". ويقدم المعهد إحصائيات مغايرة حيث 527 ألف شخص يتعرضون للاغتصاب في البرازيل بحسبه، بينهم 89 بالمئة من النساء و70 بالمئة من المراهقين. بحسب فرانس برس.

وأعربت الضحية على فيس بوك عن شكرها لمن تضامنوا معها، وكتبت على حائطها "اعتقدت في البدء أنه ستصدر بحقي أحكاما خاطئة، يمكن لنا جميعا أن نعيش يوما مثل هذا". وأضافت أن "الأمر يؤلمني نفسيا أكثر من الآلام التي أشعر بها في رحمي، عندما يتواجد أشخاص متوحشين لهذا الحد دون أن ينالوا العقاب". وقالت الشرطة إنه تم القبض على شخصين من المشتبه بهم. وتوجد أربع مذكرات اعتقال معلقة بحق أربعة آخرين. وقالت كبيرة المحققين كريستيانا بينتو في مؤتمر صحفي "أنا مقتنعة بحدوث الاغتصاب، إنه واضح في المقطع المصور عندما لمس الشاب الفتاة". وأضافت بينتو "يوجد دليل على الاغتصاب... ما أريد أن أفعله الآن هو التحقق من حجم هذا الاغتصاب، وكم عدد المشاركين فيه."

الهند

من جانب اخر تعرضت طالبة هندية عمرها 21 عاما لاغتصاب جماعي على يد مجموعة من الرجال منهم من سبق أن اغتصبها أيضا قبل ثلاث سنوات وينتظر محاكمته. وقالت عائلة الشابة إنها تلقت تهديدا قبل أيام لدفعها إلى إسقاط الدعوى المقامة ضد من اغتصبوها عام 2013. وأعلنت الشرطة الهندية أن طالبة نقلت إلى المستشفى في ولاية هاريانا الشمالية بعد تعرضها لاغتصاب جماعي.

وتبحث الشرطة عن خمسة رجال أقدموا على خطف الشابة البالغة من العمر 21 عاما من أمام جامعتها، ثم خدروها واغتصبوها في سيارة. وقد عثر على هذه الشابة التي تنتمي إلى طبقة المنبوذين فاقدة للوعي في أحد الأحراش المحاذية لطريق سريع. وتمكنت الشابة من تحديد المعتدين عليها، منهم اثنان ينتظران محاكمتها بتهمة اغتصاب الفتاة نفسها في العام 2013، وفقا لمسؤول في الشرطة.

وقالت عائلة الشابة أنها تلقت تهديدا قبل أيام لدفعها إلى إسقاط الدعوى المقامة ضد من اغتصبوها عام 2013. وقال شقيق الضحية لصحيفة "هندوستان تايمز" المحلية "لقد درج المتهمون على تهديدنا لدفعنا إلى التوصل إلى تسوية، وقد عرضوا علينا مبالغ كبيرة من المال لكننا رفضنا". ونظم أفراد من طبقة المنبوذين تظاهرات صغيرة مطالبين بإحلال العدل. وكانت حادثة اغتصاب طالبة في حافلة في نيودلهي عام 2012 أثارت سخطا كبيرا في البلاد وكشفت النقاب عن الوضع الصعب الذي تعيش فيه نساء الهند.

بعد ذلك، شددت السلطات العقوبات على جرائم الاغتصاب، لكن هذه الجرائم ظلت في معدلات عالية. ففي العام 2014، سجلت 36 ألفا و735 قضية اغتصاب، غير أن الخبراء يرون أن هذه الأرقام أقل بكثير من حجم المشكلة الحقيقية، إذ أن كثيرا من النساء لا يبلغن عن الاعتداء عليهن خجلا أو خوفا. بحسب فرانس برس.

على صعيد متصل أعلنت الحكومة الهندية أنها ستزود حافلات النقل بأزرار إنذار للتصدي لجرائم الاغتصاب التي تكون ضحيتها النساء. وقال الوزير نيتين غادكاري، خلال مؤتمر صحافي عقد في نيودلهي، "بغية ضمان سلامة النساء، قررنا تزويد الحافلات العامة بشكل ملزم بـ زر إنذار وكاميرات مراقبة وأنظمة لتحديد المواقع الجغرافية، وستطبق التوجيهات الجديدة بداية في ولاية راجستان مع تزويد 20 حافلة من حافلاتها بهذا النظام. وستوضع الأزرار فوق الباب الأمامي وهي ترسل، عند الضغط عليها، رسالة استغاثة إلى مركز الشرطة للمراقبة الذي يمكن له على الفور أن يشاهد ما يحصل داخل الحافلة ويحدد الموقع الجغرافي. وكانت الحكومة الهندية قد أعلنت في وقت سابق أن جميع الهواتف المحمولة التي ستباع في البلاد اعتبارا من كانون الثاني/يناير 2017 ستكون مزودة بكبسة إنذار يمكن من خلاله الضغط عليها لإبلاغ خدمات الطوارئ.

روسيا وأوكرانيا

من جهة اخرى وفي خطوة نادرة لمواجهة حوادث الاغتصاب في أوكرانيا وروسيا، قررت الناشطة الحقوقية الأوكرانية أناستازيا ملنيتشنكو أن تحكي قصة تعرضها لاعتداء جنسي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لتدفع بذلك عددا كبيرا من مثيلاتها من الضحايا إلى كسر الخوف والبوح عبر صفحات الإنترنت بما تعرضن له. وجعلت هذه الحملة التي حملت اسم "لست خائفة من الكلام" مئات النساء في أوكرانيا وروسيا وأرمينيا وأذربيجان يخرجن عن صمتهن ويروين حكايات تعرضهن للاغتصاب، في بلدان ما زال الحديث فيها عن التعرض للاعتداء الجنسي من المحرمات الاجتماعية.

وبعدما نشرت الناشطة الحقوقية قصتها، حذت حذوها أعداد كبيرة من النساء، على غرار الناقدة الفنية آسيا بازديريفا التي كتبت "كنت في المدرسة حين جرى ذلك، تبعني رجل وأمسكني من ثيابي ودس يديه في جسمي". وروت فاليريا بيزلبيبكينا، وهي أم لأربعة أولاد "كنت في التاسعة عشرة من العمر، كان المعتدي هو صديق صديقي، طوله متران، وجسمه ضخم، كان الشارع خاويا، ولم أكن قادرة على مقاومته". وتحدثت الطالبة نارمينا أخميلدي عما جرى معها وهي في الثانية عشرة من عمرها، وقالت "اليوم أشعر للمرة الأولى في حياتي أني أجرؤ على الحديث عما جرى معي بصوت عال، لم أعد خائفة".

وأتاحت هذه الحملة كسر الصمت المفروض على ضحايا الاغتصاب، بحسب ما تقول مطلقتها أناستازيا. وتضيف "في مجتمعاتنا يميل الناس إلى تحميل الضحية المسؤولية عما جرى معها، ولذا تفضل النساء الصمت حتى مع المقربين ومع الشرطة، خشية أن يوضعن في خانة الاتهام". ويبدو أن الاغتصاب في هذه البلاد لا ينظر إليه على أنه شديد الخطورة، بحسب المحامية الأوكرانية آنا ساينكو. ففي روسيا مثلا، دعت لجنة ممثلي المجتمع المدني النساء إلى عدم "المبالغة" في الدفاع عن النفس في حوادث الاغتصاب، حتى لا يقعن تحت طائلة الملاحقة القانونية. وقال أحد أعضاء اللجنة أنطون تسفيتكوف "إذا اغتصب رجل امرأة فقتلته، سيلاحقها القضاء لأن الرجل لم يكن يهدد حياتها". وفي أوكرانيا، حيث يعيش 45 مليون نسمة، بلغ عدد الشكاوى المقدمة في حوادث الاغتصاب 320 فقط، وهو رقم أقل بكثير من الحوادث التي تقع فعلا، بحسب المنظمات الحقوقية. بحسب فرانس برس.

وبعد سنوات طويلة، قرر عدد كبير من الضحايا كسر الصمت في هذه القضايا، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي للتنديد بالمعتدين عليهن ولتشجيع غيرهن على البوح وتقديم شكاوى للسلطات. ومن شأن هذا الأمر أن يكبح جماح المعتدين جنسيا من جهة، وأن يشكل نوعا من العلاج النفسي للضحايا، بحسب خبراء علم النفس. وتقول الطبيبة النفسية إليفينا شفتشنكو "العنف ينمو في ظل الصمت، لذا فالحديث بصوت عال عن وجود المشكلة يشكل الخطوة الأولى للحل". لكن هذه الحملة لم تنج من الانتقادات، فكثير من مستخدمي الإنترنت، ومعظمهم من الرجال، وصفوها بأنها "حملة للتعري العلني"، أو "مهرجان للإباحية". وترد أناستازيا على ذلك بالترحيب بهذا النقاش الدائر، وتقول "النقاش العام حول هذه المسألة التي كانت من المحرمات خطوة مهمة في مجتمعنا".

الاخصاء الكيماوي

في السياق ذاته يسعى باحثون من السويد لجمع تمويل جماعي لاختبار نوع من الإخصاء الكيماوي للرجال ممن تفيد الفحوص بأن لديهم ميولا قوية للاعتداء الجنسي على الأطفال. ويبحث الفريق من معهد كارولينسكا فيما إذا كان عقار اسمه (ديجارليكس) -وهو علاج هرموني يعطل إشارات المخ التي تنشط عمل الخصيتين في إفراز التستوستيرون- يقلل من الشهوة الجنسية لدى الرجال. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن نحو خمسة في المئة من عدد السكان لديهم ميول جنسية للواط الأطفال ممن هم دون سن البلوغ أو في أوله.

ويقول كريستوفر رام وهو استشاري سويدي في الطب النفسي يشرف على هذه الدراسة المرتقبة إنه في حين أنه ليس جميع الناس ممن يميلون لممارسة الجنس مع الأطفال يقدمون على التحرش بهم فإن الاعتداءات الجنسية على الأطفال مشكلة منتشرة تمثل طفلة بين كل عشرة وطفل بين كل عشرين طفلا. ويقول الخبراء إن هرمون التستوستيرون أساسي لثلاثة على الأقل من عوامل الخطر بشأن الانتهاك الجنسي للأطفال -هي تهيج الإثارة الجنسية وانعدام القدرة على التحكم في الذات واللامبالاة- لذا فإن الحد من التستوستيرون قد يقلل من شهوة الرجال وبالتالي من إقدامهم على التحرش بالأطفال.

وقال رام إن عددا كبيرا من المرضى بالاضطرابات الخاصة بلواط الأطفال في حاجة ماسة للمساعدة لكنهم لا يعرفون كيف وأين يجدوها. وأضاف أن من المشاكل الرئيسية عدم وجود علاجات وقائية تستند إلى الأدلة وعدم توافر أدوات موثوق بها لتقييم المخاطر. "ثمة ضرورة عاجلة لإجراء مزيد من البحوث". وأضاف إن معظم البحوث في هذا المجال تجئ في إطار ردود الفعل وتبدأ "كتحصيل حاصل بعد أن يكون الضرر قد وقع بالفعل" وتقف هذه البحوث عند حد منع الجناة من معاودة ارتكاب مثل هذه الأفعال. بحسب رويترز.

وعقار (ديجارليكس) يؤخذ عن طريق الحقن وهو سريع المفعول ويخفض هرمون التيستوستيرون إلى مستوى ضئيل في غضون ثلاثة أيام ويستمر مفعوله ثلاثة أشهر. وفي حالة جمع الأموال اللازمة فان الدراسة ستجري خلال الفترة بين عامي 2016 و2018 وتشمل نحو 60 رجلا وستتم بصورة عشوائية بحيث لا يعرف الرجل أو الباحث ما إذا كانوا قد تعاطوا العقار أو مجرد عقار مموه آخر.

اضف تعليق