الفقر والجوع هي أشد الأخطار التي واجهت وستواجه المجتمعات المدنية منذ أن خلق الله البشر واستعمروا الأرض، كما إن مخاطر التفشي السريع الوبائي أتت على قطاعات اقتصادية معينة فعطلتها بشكل تام ما يعني المزيد من البطالة والعمالة التي سيتم تسريحها حول العالم، ومنع التجوال الكلي...

مع تزايد المخاطر الناتجة عن الانتشار الواسع للأمراض المعدية والتي تتسبب بأزمة إنسانية كبيرة خلال الثلث الأول من العام 2020، يبرز إلى الواجهة أهمية التضامن الإنساني لمواجهة الخطر وتبعاته أو ارتداداته على الشعوب لاسيما الأكثر فقراً وضعفاً، كونها هي من سيتحمل عبء الجائحة في حقيقة الأمر، إذ إن هذه الجائحة تسببت في تعطيل شبه كامل لمظاهر الحياة في أغلب دول العالم وتوقف للحركة الاقتصادية العالمية، أو على الأقل التقليص منها إلى حد كبير جداً، ما سينعكس سلباً على معدلات الفقر والفاقة حول العالم.

ومن الثابت أن الفقر والجوع هي أشد الأخطار التي واجهت وستواجه المجتمعات المدنية منذ أن خلق الله البشر واستعمروا الأرض، كما إن مخاطر التفشي السريع الوبائي أتت على قطاعات اقتصادية معينة فعطلتها بشكل تام ما يعني المزيد من البطالة والعمالة التي سيتم تسريحها حول العالم، ومنع التجوال الكلي أو الجزئي أثر على طبقة العمال والكسبة بشكل خاص، لذا يكتسب الحديث عن التضامن الوطني والدولي في هذه الظروف أهمية مضاعفة كونه الوسيلة الأنجع للإحاطة بالخطر وتحجيمه ومحاولة القضاء عليه، فحين نتذكر الأهداف التي يسعى التنظيم الدولي لتحقيقها من بوابة الأمم المتحدة والمنظمات العالمية والإنسانية على وجه الخصوص.

تظهر لنا الأهداف الآتية كغاية يسعى إليها الجميع وهي:

1- العيش المشترك: فكل الاتفاقيات والقوانين العالمية أو الوطنية هدفها تحقيق التعايش السلمي لبني الإنسان وهذا الفايروس يهدد هذا التعايش من خلال:

‌أ- ظهر جليا من بعض السلوكيات الرسمية وغير الرسمية في معاقبة بعض مواطني الدول التي تضررت نتيجة الانتشار المفاجئ للفايروس فيها، وهم كأفراد لا يمكن أن يحملهم أحد عبء ذلك فان كان من تقصير أو مسؤولية فهي تلقى على الحكومات التي تقاعست عن التصدي لمصادر الخطر، فقد طالب البعض بترحيل العمالة الأجنبية أو عدم معالجتهم أو تعرض الكثير منهم إلى التنمر في الشوارع والأماكن العامة.

‌ب- ما برز إلى السطح أيضا من تقاذف للتهم بين الأنظمة الحاكمة على مستوى العالم فعلى سبيل المثال تتهم الولايات المتحدة الصين بأنها من نشر الفايروس في العالم وبالمقابل تتهم الصين الولايات المتحدة بالتقاعس والتأخير في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لإنقاذ الأرواح، بدل أن يتم التركيز على توحيد الجهود العلمية والإنسانية للتصدي المبكر وبحزم للفايروس، فلو إن العالم تصدى للفايروس وهو في مهده (مدينة صغيرة في الصين) ولم يقف الجميع للتفرج لما أزهق هذا العدد الهائل من الأرواح ولما أنفقت هذه الأموال الطائلة ولما أصاب العالم هذا الهلع.

‌ج- ونحن في خضم العاصفة تظهر إلى الواجهة بعض التصرفات غير السوية في استغلال الأزمة للحصول على مكاسب ولو كانت غير مشروعة على المستوى الوطني والعالمي، بل إن بعض الدول بادرت إلى المنافسة غير الشريفة في الحصول على بعض المستلزمات التي خصصت لدولة ما للغرض ذاته ألا وهو إنقاذ البشر من مخاطر الجائحة.

2- السلام: فمن مقاصد الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية والمعاهدات أو المواثيق الدولية هي تحقيق السلام العالمي، فقد ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945 "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا...أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وان نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وان نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي.."، ولا يتحقق السلام العالمي بمنع الحروب والحد من مخاطرها فحسب بل تحقيق السلام العادل أي التجرد من الشعور بالخوف وهذه الغاية لا يمكن إدراكها في عالم متوحش همه الهيمنة والتوسع وتتحكم فيه المصالح وتقدم على الأرواح والحرمات، فلا سبيل إلى تحقيق السلم العادل بإنهاء العنف أو التهديد بالعنف إلا بتحقيق الأمن العالمي على جميع الأصعدة وبالأخص على المستوى الصحي الذي يترجم بتوفير المأكل والشرب والمسكن المناسب للجميع والعلاج المجاني أو المعقول للجميع وبلا استثناء.

3- المساواة: فهي هدف الهي بالنهاية أن تتحقق المساواة بين بني البشر وينعم الجميع بخيرات الأرض بلا تمييز لأي سبب كان وما يقف عائقاً دون ذلك هو الطمع أو ما يسمى في العرف السياسي بالمصالح التي تقدم على الثوابت في كل زمان ومكان حتى بات الإنسان وسيلة لتحقيقها وليس غاية تخصص لإسعاده.

4- التعاون: فالمخاطر التي تتهدد العالم والإنسانية لا سبيل لمواجهتها إلا بالتعاون وهذا ما أشارت إليه المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945 "...تحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء"، فهيئة الأمم المتحدة ينبغي ان تكون المرجعية التي يعول عليها لتحقيق غاية التعاون الدولي لإسعاد الإنسانية وإزالة الخوف عنها.

5- ضرورة تحقيق المصلحة العالمية: بوصفها مصلحة عامة تقدم على المصالح الخاصة إلا أنه وللأسف قد انقلبت المفاهيم فمن المسلم به أن العلم يخصص للإنسانية جمعاء لغرض الاستفادة مما توصل إليه من نتائج تترجم لوسائل تنعكس إيجابياً على حياة الشعوب لتبعد عنها المخاطر والابتلاءات وتزيد من رفاهيتها، إلا ان الدول العظمى سخرت العلم للأغراض العسكرية والتجسسية لتتمكن من التنمر على البلدان الأقل منها والأضعف، واليوم صارت حقوق الملكية الفكرية عبارة عن ذريعة للاحتكار والتربح بشكل غير منصف على حساب الآخرين ما قاد إلى ما نعيشه اليوم من نقص حاد في بعض التجهيزات الطبية اللازمة للحفاظ على حياة الناس.

باختصار إن النهج غير الصحيح في التعاطي مع المشكلات الدولية والتضحية بمصالح الشعوب لتحقيق الأهواء الشخصية أو الذاتية سبب الكثير من المصائب التي ابتليت بها الإنسانية، فالناس الأكثر فقراً وضعفا في العالم هم الأكثر عرضة للمخاطر التي تسببت بها الجائحة، وانها كوباء أتت على ما تحقق من نتائج إنمائية إيجابية بسبب حظر التجول والتجمع ومنع العمل وما شاكل.

وباختصار نحن والعالم كله يصبو إلى ما يأتي:

1- العيش الكريم لكل بني البشر بلا تمييز في حياة حرة كريمة تتوافر فيها المأكل والمشرب والملبس للجميع بشكل آمن وعادل.

2- العيش في بيئة نظيفة وآمنة ويتصالح معها الإنسان بما لا يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه أو ما يعرف اليوم بالتغير المناخي ومخاطره التي تتزايد يوما بعد آخر.

3- عالم يخلو من الصراع لأجل تحقيق المصالح الضيقة على حساب جراحات الشعوب الفقيرة والمسحوقة.

4- عالم يعيش فيه الجميع وهم ينعمون بخيرات العلم ونتاجات العلماء برفاهية تامة ما يمكن الجميع من بلوغ الصحة التامة البدنية والذهنية.

5- عالم تزدهر فيه معايير الشفافية والمسؤولية وتنمو فيه مبادئ وثوابت الحكم الديمقراطي الراشد، وتنبذ كل أشكال التفرد بالسلطة أو تسخيرها لسعادة الحاكم على حساب الشعب.

6- أهمية أن يكون التعافي من الأمراض مستدام بالنسبة لكل الناس ونعني بذلك توفير السبل الكفيلة بمنع تفشي الأمراض مستقبلاً واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق التعاون الإنساني بين الدول لمعالجة المرضى وتبادل الخبرات الطبية في هذا الخصوص والنأي بالجوانب الصحية عن الاستغلال التجاري البشع والاحتكار غير المسوغ.

7- أهمية أن يكون الحق في الصحة وتمامها متاحاً للجميع بلا أي نوع من أنواع التمييز، وان يكرس التعاون الدولي لتحقيق ذلك في ضوء ما تقوم به الأمم المتحدة ووكالاتها التخصصية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية والمنظمات الأخرى ذات الصلة.

8- الاحترام التام لحقوق الإنسان بالنسبة للمصابين وعدم التعامل معهم بأي شكل من أشكال التمييز التي من شأنها أن تضعف عزيمتهم في التشافي أو تلحق بهم أي صورة من صور الضرر المادي أو المعنوي.

9- لابد من تحقيق التعاون العالمي لمواجهة ارتدادات الأزمة بعيدة المدى التي من شأنها ان تنعكس سلباً على أوضاع ضحايا المرض سواء من المتوفين أو المتشافين أو أسرهم بما يلبي تعويضهم النفسي أو المعنوي على الأقل ويوفر لهم الفرص المتكافئة مع الآخرين للعيش في مجتمعاتهم من جديد.

10- أهمية الاهتمام بالكوادر الصحية بوصفها الجدار العازل بين السلامة الإنسانية وبين الأمراض والأوبئة التي ما لبثت تتفشى بين الحين والآخر.

وبصدد الجهود التي تبذلها المنظمة العالمية صدر إعلان الأمم المتحدة للتضامن في مواجهة فايروس كورونا 2019 والذي استدعى إعلان حالة الطوارئ العالمية بموجب البند رقم (126) من جدول أعمال الجمعية العامة لأمم المتحدة بتاريخ (27/أذار/2020) وتضمن بعض النقاط الإيجابية التي يمكن أن تؤسس لمرحلة التعاون والتضامن الدولي الإنساني وأعقبه صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم (74/270 في 2/نيسان/2020)، والتي نعتقد جازمين ان ما يكملها أو يعطيها الفاعلية هو:

1- إبرام معاهدات دولية برعاية الأمم المتحدة تضع الأولوية في نفقات الدول جميعا باتجاه تطوير الصحة العامة ومتطلباتها لاسيما ما يتعلق بتطوير المختبرات وإيجاد اللقاحات والعلاجات المناسبة لإنقاذ حياة الناس.

2- تضامن الدول جميعاً مع الدول الأشد ضعفاً في مواجهة وباء كرونا بمساعدتها على تخطي الأزمة لاسيما ونظامها الصحي يعاني بالتأكيد من ضعف مزمن، لتتمكن التدابير الوطنية في تلك الدول من تجاوز الأزمة.

3- التأكيد على علاقات حسن الجوار بين الدول جميعاً بالامتناع عن وضع الحواجز غير الضرورية لاسيما التجارية التي من شأنها زيادة العبء على الدولة ومواطنيها.

4- أن يتم التبادل الشفاف الخاص بالبيانات الأساسية للمرضى والمصابين بين الدول لزيادة التوعية على المستوى الدولي والوطني والاجتماعي واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع التفشي أو الحد منه.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق