في الثامن من كانون الثاني عام 2006 أقر مجلس النواب العراقي (قانون مؤسسة السجناء السياسيين رقم 4 لسنة 2006)، وكان الهدف منه تعويض السجناء والمعتقلين المناهضين للنظام البعثي السابق.

اذ مر العراق بمرحلة عصيبة قلما شهد التاريخ مثيلا لها شهدت نظام تسلطي دكتاتوري. وقد تمخض عن ذلك تعرض الكثير من العراقيين الى الحبس والسجن والاعتقال وانتهاك لحقوق الانسان لمن يعارضه بالرأي او بالعقيدة او بالانتماء السياسي او انهم تعاطفوا او ساعدوا معارضيه. وقد ترتب عن ذلك الحاق الضرر بالسجناء والمعتقلين الذين تحملوا مصاعب جمة.

ولاجل تعويض هؤلاء سن هذا القانون وحدد الفئات المشمولة به وهم حسب نص المادة الخامسة منه " يسري هذا القانون على السجين والمعتقل السياسي من العراقيين في ظل نظام البعث البائد ويقصد بالمعاني الواردة في هذا القانون ". وعرف القانون السجين السياسي: من حُبس او سُجن بسبب معارضته للنظام البائد في الراي او المعتقد او الانتماء السياسي او تعاطفــــــه مع معارضيه او مساعدته لهم. كما عرف المعتقل السياسي: كل من اعُتقل لنفس الاسباب المذكورة في تعريف السجين السياسي.

وفي عام 2013 تم تعديل هذا القانون وأصبح النص القانوني كالآتي: "تسري احكام هذا القانون على السجين والمعتقل السياسي ومحتجزي رفحاء".

من هم محتجزو رفحاء؟ عرفت المادة ذاتها محتجزي رفحاء وهم "وـ محتجزو رفحاء: هــم مجاهــــدو الانتفاضة الشعبانية عام 1991 الــذين اضطرتهم ظروف البطش والملاحقة مغادرة جمهورية العراق الى المملكة العربية السعودية وعوائلهم ممن غادروا معهم والذين ولـــــدوا داخـــل مخيمات الاحتجاز وفقا للسجلات والبيانات الرسمية الموثقة دولياً وضحايا حلبجة الذين لجأوا الى الجمهورية الاسلامية الايرانية بسبــب قصفهم مــــن قبل النظام البائد بالأسلحة الكيماوية).

مخيم رفحاء هو مخيم أنشأ للاجئين العراقيين بعد حرب الخليج والانتفاضة الشعبانية في العراق. ويقع قرب الحدود العراقية -السعودية يبعد عن محافظة رفحاء السعودية 20 كم. ضم المخيم اكثر من 40 الف محتجز خلال المدة 1991 - 2003 بعد غلقه نهائياً، اذ تبنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين حصول المحتجزين على اقامة في دول عديد منها أستراليا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك وفنلندا والمملكة المتحدة وإيران وهولندا والنرويج والسويد وسويسرا وسوريا.

اي ان مخيم رفحاء لايعد سجن ولا معتقل تابع للنظام السابق، ولم يتعرض الموجودين فيه إلى اي نوع من انواع التعذيب، وكان خاضع لمنظمة الأمم المتحدة وتم الاشراف على عملية نقل المتواجدين فيه من العراقيين إلى دول آمنة، بخلاف السجين السياسي في العراق الذي تعرض لأنواع التعذيب، فكيف يتم المساواة بينهما؟

ومن جانب اخر اتخذ المشرع العراقي في الآونة الاخيرة منحى قانوني جديد مغاير لما استقر عليه العمل التشريعي في السابق، الا وهو (جواز الجمع بين راتبين) وهو مخالف لما كان سائدا كقاعدة قانونية جرى العمل بها والنص عليها في أكثر من قانون مثل قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960، وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991، وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم (39) لسنة 1971، وذكرت قاعدة عدم جواز الجمع بين راتبين في أكثر من رأي قانوني لمجلس شورى الدولة وهو يمثل قمة هرم القضاء الإداري في العراق والمرجع للاستفسار عن اي نص غير واضح من قبل الوزارات.

وهذا ما تم الاشارة إليه بصريح العبارة في قراره رقم 39/2014 والصادر في6/4/2014 وتضمن مايأتي: تستوضح مؤسسة السجناء السياسيين بكتابها المرقم بــــ(م ر/2305) في 12/11/2012 الرأي من مجلس شورى الدولة استناداً الى احكام البند (خامساً) من المادة (6) من قانون المجلس رقم (65) لسنة 1979 بشأن قيام احد موظفيها بالجمع بين راتبه التقاعدي عن دمج (المليشيات) وراتبه الذي يتقاضاه من المؤسسة كموظف، ثم قيامه بإعادة الراتب التقاعدي الى هيئة التقاعد الوطنية قبل اجراء التحقيق معه فهل هنالك مساءلة قانونية لمجرد الجمع بين راتبين؟ وهل ترفع المسؤولية اذا اعاد احدهما؟ وهل يُضمن رغم الاعادة؟ وهل ان مبلغ التضمين يُضاعف ام لا؟

وحيث ان الفقرة (1) من المادة (53) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 نصت على ان " لايحق للموظف ان يتقاضى راتبين عن وظيفتين في آن واحد".

وحيث ان البند (11) من المادة (21) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 نص على " لايجوز للمتقاعد تقاضي اكثر من راتب تقاعدي استحقه بموجب اكثر من قانون وله ان يختار ولمرة واحدة فقط مبلغ الراتب التقاعدي الافضل".

وحيث ان المادة (7) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 نصت على: " اذا خالف الموظف واجبات وظيفته او قام بعمل من الاعمال المحظورة عليه يعاقب بإحدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون ولايمس ذلك بما قد يتخذ ضده من اجراءات اخرى وفقاً للقانون".

وحيث ان المادة (8) من القانون المذكور انفاً حددت العقوبات الانضباطية التي يجوز فرضها على الموظف عند مخالفته لأحكامه.

وحيث ان المادة (1) من قانون التضمين رقم (12) لسنة 2006 قضت بتحمل الموظف مسؤولية التعويض عن الاضرار التي تكبدها المال العام بسبب مخالفته القوانين والانظمة والتعليمات.

وحيث ان الموضوع المستوضح عنه لايدخل ضمن مفهوم التعويض المنصوص عليه في قانون التضمين المذكور انفاً.

وتأسيساً على ماتقدم من اسباب يرى المجلس:

ان الجمع بين راتبين من خزينة الدولة يعد مخالفة انضباطية.

لايمكن تطبيق احكام قانون التضمين على الحالة المستوضح عنها.

ـــــ المبدأ القانوني ــــ

ان الجمع بين راتبين من خزينة الدولة يعد مخالفة انضباطية.

ولا يخفى على أحد إن الهدف من الأخذ بهذا المنحى أو التوجه حتى لا يتم إثراء فئة من المواطنين على حساب غيرهم. فهدف تحقيق المساواة بين المواطنين بكل حساباتها الدقيقة لايدرك، لذا لابد من العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية التي تمكن الكل من العيش بمستوى جيد. اذ أن المساواة لا تعني العدالة بلا شك، لأن المساواة في بعض المواقف والظروف قد تجافي العدالة وتحقق الظلم، والعكس صحيح فقد يكون التمييز بين الافراد وعدم مساواتهم في أمر معين هو عين العدالة.

وكلامنا هذا لاينكر ماقدمه الشهداء والسجناء السياسيين وحتى محتجزي معتقل رفحاء من تضحيات كبيرة ومميزة وتم بالفعل مكافئتهم بعدة امتيازات بمقتضى هذا القانون لا يحصل عليها غيرهم وهي منح قطع اراضي ونسبة من التعيينات والحج ومقاعد الدراسية داخل وخارج العراق وهذا امتياز لايحصل عليه المواطن غير المشمول بهذا القانون.

وعليه هذه دعوة للمشرع العراقي إعادة النظر بقانون التعديل الأول لقانون السجناء السياسيين رقم (35) لسنة 2013 بحيث يصبح أكثر أنصافا واتساقا مع المبادئ القانونية.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق


التعليقات

علي
العراق
كلام جميل ولكن هل هناك مهتم في مركز القرار لتحقيق العدالة الاجتماعية ونهب الثروات على حساب مئات الاف المحرومين الذين صبرو وتحملو وخسرو كثيرا لينظر لهم الان على انهم حمقى واغبياء وعليهم ان يستمرو بنفس الحال في حين ان ذوي الشهداء والسجناء والفحاويين والمسؤولين السابقين وهم بالالاف بنهبون ثروات العراقيين بالقانون الذي شرعوه بانفسهم رغم الوضع الماساوي للبلد فاذا كانو ضحو من اجل العراق فعلا فهذا وقت اثبات ذلك والله من وراء القصد2019-01-01