q
اندلع القتال في السودان في 15 نيسان بسبب الصراع على السلطة وشرد ما يزيد على ثلاثة ملايين منهم أكثر من 700 ألف فروا إلى دول مجاورة. ويعد السودان أحد أفقر بلدان العالم، إذ يحتاج أكثر من نصف السكان إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، وصلت فيه حالة التحذير من المجاعة...

اندلعت اشتباكات في أجزاء من السودان يوم الأحد مع دخول الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع يومها المئة في ظل عدم تمكن جهود الوساطة التي تقوم بها قوى إقليمية ودولية من إيجاد سبيل للخروج من صراع بات مستعصيا على الحل.

واندلع القتال في السودان في 15 أبريل نيسان بسبب الصراع على السلطة مما أشاع الدمار في العاصمة الخرطوم وتسبب في زيادة حادة في العنف العرقي في دارفور وشرد ما يزيد على ثلاثة ملايين منهم أكثر من 700 ألف فروا إلى دول مجاورة.

ويعد السودان أحد أفقر بلدان العالم، إذ يحتاج أكثر من نصف السكان إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، في الوقت الذي وصلت فيه حالة التحذير من المجاعة إلى أقصاها، وبينما بات أكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة.

ويبلغ عدد الموظفين الذين لم يتقاضوا رواتبهم حوالي مليون موظف. ومن بين هؤلاء، أكثر من 300 ألف معلم ومعلمة في قطاع التدريس الحكومي.

ويحتاج 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف عدد السكان، لمساعدة إنسانية وحماية، بحسب الأمم المتحدة.

وتقول وزارة الصحة إن القتال أودى بحياة زهاء 1136 شخصا، لكن المسؤولين يعتقدون أن العدد أكبر من ذلك.

ولم يتمكن الجيش ولا قوات الدعم السريع من تحقيق انتصار، إذ تصطدم هيمنة قوات الدعم السريع على الأرض في العاصمة الخرطوم بنيران سلاح الجو والمدفعية بالجيش.

وانهارت البنية التحتية والحكومة في العاصمة بينما امتد القتال غربا، لا سيما إلى منطقة دارفور الهشة، وكذلك إلى الجنوب حيث تحاول الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال السيطرة على أراض.

وتتركز المعارك في العاصمة الخرطوم ومناطق قريبة منها، بالإضافة إلى إقليم دارفور بغرب البلاد حيث حذّرت الأمم المتحدة من أن ما يشهده قد يرقى إلى "جرائم ضد الإنسانية" والنزاع فيه يتّخذ أكثر فأكثر أبعاداً عرقية.

وتوغلت قوات الدعم السريع مطلع الأسبوع في قرى بولاية الجزيرة الواقعة جنوبي الخرطوم مباشرة حيث استهدفهم الجيش بضربات جوية وفقا لما ذكره شهود.

وقال شهود في نيالا، إحدى أكبر مدن البلاد وعاصمة جنوب دارفور، إن الاشتباكات مستمرة منذ يوم الخميس في مناطق سكنية. وتقول مصادر طبية إن 20 شخصا على الأقل قتلوا. وتقول الأمم المتحدة إن 5000 أسرة شُردت. ويقول سكان إن منشآت رئيسية تعرضت للنهب.

وقال صلاح عبد الله (35 عاما) "الرصاص يتطاير إلى داخل المنازل. نشعر بالرعب ولا أحد يحمينا".

وأفسح القتال المجال لهجمات عرقية من ميليشيات عربية وقوات الدعم السريع في غرب دافور التي فر منها مئات الآلاف إلى تشاد.

واتهم سكان قوات الدعم السريع بالقيام بعمليات نهب واحتلال مساحات شاسعة من العاصمة. وقالت قوات الدعم السريع إنها ستحقق في الأمر.

وفي حين أبدى الجانبان انفتاحا إزاء جهود الوساطة التي تقوم بها أطراف إقليمية ودولية لم تسفر أي من تلك الجهود عن وقف دائم لإطلاق النار.

ورأس قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع مجلسا مشتركا منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 2019 واختلفا حول الخطط الرامية للانتقال إلى الديمقراطية.

واتهمت جماعات سياسية مدنية وقوات الدعم السريع الجيش بغض الطرف عن الظهور العلني لموالين للبشير، مطلوبين للعدالة، في الآونة الأخيرة.

الجوع يقتل ان لم تقتل الحرب

فتحت لجنة مقاومة في منطقة وسط بحري ضاحية شمال العاصمة السودانية باب التبرع من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية للمحاصرين في منازلهم ولم يتمكنوا من الفرار منذ بدء المعارك التي دخلت شهرها الرابع بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وأفادت لجنة الدناقلة أحد أحياء وسط بحري في بيان نشرته على صفحتها على موقع فيسبوك بعنوان "حوجة غذائية" أن سكان الحي "يعيشون وضعا معقدا جدا لظروف الحرب وانقطاع التيار الكهربائي والماء وعدم وجود محال تجارية".

وأشارت إلى "توقف العمل منذ أكثر من ثلاثة شهور وعدم وجود مرتبات ونفاذ ما تبقى من المخزون الإستراتيجي لكل أسرة أو فرد".

وقررت اللجنة، حسب ما أفادت، "فتح باب التبرع لنسند بعضنا البعض من خلال توفير مواد تموينية أو المساهمة المالية لشراء مواد تموينية من أقرب مكان وتوزيعها على المتواجدين بالحي".

ولجان المقاومة هي مجموعات شعبية كانت تنظّم الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح نظام عمر البشير في 2019، وتنشط في تقديم الدعم منذ بدء النزاع قبل ثلاثة أشهر.

وتمتد شكاوى السكان من عدم توافر الغذاء إلى أحياء وضواح أخرى. ففي حي المزاد وسط بحري أكد عباس محمد بابكر أحد السكان لوكالة فراس برس إنه لم يغادر منزله بسبب تقدم عمر والدته ومرضها.

وقال "نتناول وجبة واحدة يوميا منذ شهرين للحفاظ على مخزوننا من المواد (...) واليوم معنا فقط ما يكفي ليومين ولا ندري ما سيحدث بعد ذلك".

والأسبوع الماضي توفي عازف الكمان السوداني المعروف خالد سنهوري بعد أن أفاد أصدقاؤه على منصات التواصل الاجتماعي بأنه "مات من الجوع ودفن أمام منزله بحي الملازمين وسط أم درمان"، ضاحية غرب الخرطوم الكبرى.

تتركز المعارك التي اندلعت في منتصف نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو في العاصمة الخرطوم وضواحيها وفي إقليم دارفور بغرب البلاد.

ويعد السودان أحد أفقر بلدان العالم، إذ يحتاج أكثر من نصف السكان إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة، في الوقت الذي وصلت فيه حالة التحذير من المجاعة إلى أقصاها، وبينما بات أكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة.

من ناحية أخرى، يستمر العاملون في المجال الإنساني في المطالبة سُدى بالوصول إلى مناطق القتال ويقولون إنّ السلطات تمنع وصول المساعدات إلى الجمارك ولا تُصدر تأشيرات دخول لعمّال الإغاثة.

في الأثناء، أعلنت السلطات في مدينة بورتسودان الساحلية (شرق) التي ظلت بمنأى من الحرب ويتواجد فيها الكثير من المسؤولين، إتمام أول عملية تصدير للذهب منذ بداية الحرب، علما أن السودان ثالث أكبر منتج للمعدن الثمين في إفريقيا.

وقال مسؤولون في مؤتمر صحافي إنه تم شحن 226 كيلوغراما إلى الإمارات العربية المتحدة، المشتري الرئيسي للذهب السوداني.

في الوقت نفسه، أعلنت "الشركة السودانية للموارد المعدنية" المملوكة للدولة عن وفاة ثمانية من عمال المناجم جراء الاختناق في منجم غير مرخص في ولاية البحر الأحمر (شرق).

صعوبة زرع المحاصيل

وقال مزارعون في عدة ولايات سودانية إن الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع تعرض إنتاج المحاصيل الأساسية هذا العام للخطر، وهو ما يهدد بتفاقم الجوع والفقر في الدولة الأفريقية.

وتحدثت رويترز مع أكثر من عشرة أشخاص بينهم مزارعون وخبراء وعمال إغاثة أفادوا بحدوث تأخيرات في زراعة محاصيل مثل الذرة الرفيعة والدخن، وذلك لأسباب منها نقص الإقراض المصرفي وارتفاع أسعار مدخلات رئيسية مثل الأسمدة والبذور والوقود.

وقال أربعة من المزارعين الذين تحدثت معهم رويترز إنهم ربما لا يستطيعون الزراعة على الإطلاق قبل هطول أمطار غزيرة متوقعة هذا الشهر، وهي فرصة تقليدية للري.

ويشي تدهور أوضاع المزارعين بأن أزمة جوع تلوح في الأفق قد تكون أشد وطأة مما تتوقعه الأمم المتحدة وعمال الإغاثة. ففي مايو أيار، قالت الأمم المتحدة إن تقديراتها تشير إلى أن عدد الجياع في السودان سيرتفع إلى 19.1 مليون بحلول أغسطس آب من 16.2 مليون قبل الصراع الذي بدأ في أبريل نيسان.

والنقص في المواد الغذائية الأساسية، الذي يفاقمه نهب المستودعات في مدن مثل العاصمة الخرطوم، من شأنه زيادة حدة أزمة الجوع الآخذة في التفاقم منذ سنوات.

ومن شأن ذلك أيضا الحد من وسائل الكسب وتجريد السودان من النقد الأجنبي اللازم لاستيراد سلع أساسية، إذ تشير أرقام البنك المركزي إلى أن محاصيل ذات قيمة تجارية مرتفعة مثل السمسم والفول السوداني أسهمت بواقع 1.6 مليار دولار في عائدات التصدير عام 2022.

وتفيد منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بأن ما يقرب من 65 بالمئة من سكان السودان البالغ عددهم 49 مليون نسمة يتصل عملهم بالقطاع الزراعي.

وبينما يقول خبراء من الأمم المتحدة إن من السابق لأوانه الإعلان رسميا عن مجاعة في السودان، قال أربعة مزارعين لرويترز إنهم يعتقدون أن الوضع يسير بالفعل في هذا الاتجاه.

وقال عبد الرؤوف عمر، وهو مزارع وقيادي في تحالف للمزارعين في ولاية الجزيرة، وهي منطقة زراعية رئيسية في وسط السودان لم تشهد قتالا "كان يجب زرع الفول السوداني. كان يجب أن يبدأ الناس في زراعة الذرة الرفيعة. حتى الآن، استعدادنا صفر... نعتقد أننا مهددون بالمجاعة".

وذكرت الفاو الأسبوع الماضي أنها بدأت في توزيع طارئ لبذور الذرة الرفيعة والدخن والفول السوداني والسمسم، وتأمل في مواجهة "تحديات أمنية ولوجستية معقدة" لتوفير ما يكفي لتغطية احتياجات ما بين 13 و19 مليون شخص.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه سيواصل تحليل الوضع خلال الأشهر الستة المقبلة وبعد موسم الزراعة والحصاد.

وقال عمر إنه يخشى أن يكون أوان الزراعة قد فات بالفعل، وهي وجهة النظر التي يتبناها ثلاثة مزارعين آخرين. وأضاف عمر أنه على الرغم من أن القتال لم يؤثر بشكل مباشر على مزارعهم، فإن هناك مشكلة رئيسية تتمثل في نقص التمويل وعدم الوفاء بوعود الإقراض أو الدعم العيني من البنوك.

وتعرضت البنوك للنهب واضطرت للحد من أنشطتها مع اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي قوات شبه عسكرية كبيرة، في 15 أبريل نيسان بالعاصمة الخرطوم.

وعلى الرغم من أن معظم المناطق الزراعية في السودان هادئة نسبيا، فإن سلاسل التوريد المتمركزة في العاصمة تعطلت إلى حد كبير. وأفاد شهود بتعرض بعض مستودعات مدخلات مثل الأسمدة والبذور والمبيدات للنهب.

وفي الجزيرة، يمر مزارعون بصعوبات مالية منذ سنوات مع زيادة انزلاق السودان في أزمة اقتصادية. وقال محمد بلة، وهو قيادي بتعاونية زراعية، إنهم يواجهون الآن صعوبات في سداد القروض من أجل الحصول على تمويل جديد، مضيفا أن ما تم تجهيزه للزراعة نسبة صغيرة فقط من الأراضي.

مخاطرة كبيرة

يعاني المزارعون في مناطق أخرى من السودان من محنة مماثلة.

ويقول محمد عجب صديق، وهو مزارع في ولايات سنار والنيل الأزرق والنيل الأبيض، إنه يواجه صعوبات في الحصول على تمويل من أجل المدخلات لزراعة نحو عشرة آلاف فدان بالذرة الرفيعة والسمسم وعباد (دوار) الشمس.

وكان يعتمد عادة على إيرادات بيع المحاصيل التي يحصدها في الموسم السابق لكن الصراع جعل الأمر شبه مستحيل إذ أن السوق مركزية في الخرطوم.

وفي مايو أيار، أصدر مجلس الوزراء السوداني توجيها باستمرار الإعداد للموسم الزراعي الصيفي وتذليل العقبات التي قد تعيق العملية. ويشمل ذلك تحديد المساحات المستهدفة بالموسم الصيفي ووضع خطة لتوفير المدخلات الزراعية المطلوبة.

وصديق مثل مزارعين آخرين تلقوا وعودا بالحصول على بذور ووقود من البنك الزراعي المرتبط بالدولة، لكن بحلول أوائل الشهر الجاري كان لا يزال في الانتظار.

وقال إن هناك احتمالا كبيرا ألا يحصل على هذا الدعم، مضيفا "أنا شخصيا 60-70 (بالمئة) حنجمد نشاط الزراعة. الموضوع في مخاطرة كبيرة مو مخاطرة بسيطة".

وأشار مزارعون من القادرين على الحصول على تمويل إلى ارتفاع حاد في أسعار المدخلات التي تشمل البذور والأسمدة والمبيدات والوقود، وفقا لما قاله أربعة مزارعين وبرنامج الأغذية العالمي.

وقال مهدي أحمد وهو مزارع في شمال كردفان "الوقود يباع بالسعر الأسود وتضاعفت الأسعار 300 (بالمئة).. للأسف هذه كلها تدل على فشل الموسم الزراعي".

وفي مناطق غرب البلاد حيث تقول جماعات الإغاثة إن مخزونات الأغذية تتناقص، يقول أحمد ومزارع آخر هو محمد عبد الله من شمال دارفور إن المزارعين تعرضوا للنهب والسرقة على يد عصابات بينها جنود من قوات الدعم السريع لدى محاولتهم الوصول إلى حقولهم.

ويقول عبد الله "يقولون حمد الله على سلامتك اترك أغراضك هنا وارحل... يعتمد الناس على زراعتهم. يأكلون ما يزرعون".

ولم ترد قوات الدعم السريع بعد على طلب من رويترز للحصول على تعليق.

تناقص إمدادات الغذاء

يقول آدم ياو مندوب منظمة الفاو بالسودان إن هناك أنباء عن تأخيرات في مزارع تجارية أكبر تنتج للتصدير وتنتج كذلك الذرة الرفيعة والدخن.

وتابع قائلا "أي تعطل... سيكون له تأثير ضخم على اقتصاد البلاد وعلى سبل عيش الشعب السوداني أيضا".

ووفقا لثلاثة مصادر بالقطاع، تأثرت واردات الأغذية والسلع الأولية سلبا بسبب الحرب والانهيار المالي.

كما حد القتال وعمليات النهب والقيود البيروقراطية من وصول المساعدات الإنسانية. واتهمت وكالات إغاثة الجانبين بعرقلة إيصال المساعدات بما في ذلك المواد الغذائية. وقال الطرفان علانية إنهما سهلا عمليات الإغاثة وتبادلا الاتهامات بعرقلتها.

وفي ولاية الجزيرة التي استقبلت أكثر من 169 ألفا من النازحين الفارين من القتال في الخرطوم، تم الإبلاغ عن نقص بعض المواد الغذائية ويقدم برنامج الأغذية العالمي الدعم هناك لأول مرة.

وقالت المسؤولة الإعلامية لدي برنامج الأغذية العالمي في السودان ليني كينزلي "هذا يزيد من الضغوط على الموارد الأساسية في تلك المنطقة".

وتشير منظمة الإغاثة الإسلامية إلى أن بعض المزارعين لجأوا لاستهلاك بعض مخزونات بذور الذرة الرفيعة والدخن مما قلل الكميات المتاحة للغرس مع تدهور الأوضاع خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأبيض وسنار.

ويواجه من بقوا في ولاية الخرطوم نقصا في الإمدادات وارتفاعا في الأسعار مع نضوب السيولة بينما تؤثر عمليات النهب وإغلاق المتاجر ومشكلات سلاسل الإمداد سلبا على المتاح.

وقال اثنان من السكان لرويترز إن كل المخابز في الحيين اللذين يقطنان بهما أغلقت.

ويقول عماد عدلي من غرفة طوارئ أم درمان، وهي مجموعة تطوعية، إن سعر الرغيف قفز بأكثر من 130 بالمئة إلى 70 جنيها سودانيا (0.12 دولار).

وتقول رزان بهاء التي تعيش في بحري إن سعر الرغيف في منطقتها تضاعف لأربعة أمثال ليصل إلى 200 جنيه (0.33 دولار).

كارثة توقف رواتب الموظفين

باتت أسرة السوداني عماد محمد الذي يعمل في قطاع التدريس منذ 32 عاما، تكتفي بتناول وجبة واحدة في اليوم، نظرا لعدم تقاضيه راتبه منذ اندلاع النزاع في بلاده، حاله كحال نحو مليون من موظفي القطاع العام.

وقال محمد الذي تتكون عائلته من خمسة أفراد، لوكالة فرانس برس "أنا وأسرتي نأكل وجبة واحدة في اليوم منذ شهر".

وتابع ومعالم اليأس ترتسم على وجهه "لا ندري إذا كان هذا سيستمر، أم ستتوقف هذه الوجبة إذا لم تدفع الحكومة رواتب أبريل ومايو ويونيو (نيسان وأيار وحزيران)".

يقيم محمد في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم، والتي بقيت في منأى عن نيران الحرب التي اندلعت في 15 نيسان/أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

وعلى رغم تواجده بمكان يبعد نسبيا عن أعمال العنف والقتال، يعاني محمد مشكلة مالية حادة، إذ لم يتقاضَ راتبه منذ ثلاثة أشهر، فضلا عن حلول عيدي الفطر والأضحى من دون أن يتم صرف المنح الحكومية المعتادة في المناسبتين.

ومنذ اندلاع المعارك، تغلق المصارف أبوابها في العاصمة، ما ترتب عليه تعذر التواصل بين فروعها في الولايات ومقارها المركزية في الخرطوم خصوصا مع انقطاع خدمات الكهرباء والاتصالات وتواصل القصف والاشتباكات في المدينة.

ووفق إحصاءات غير رسمية، يبلغ عدد الموظفين الذين لم يتقاضوا رواتبهم حوالي مليون موظف. ومن بين هؤلاء، أكثر من 300 ألف معلم ومعلمة في قطاع التدريس الحكومي كانوا يتقاضون رواتب زهيدة أصلا، بحسب ما أفاد رئيس لجنة المعلمين عمار يوسف.

وقال لفرانس برس "المعلمون في السودان في القطاعين العام والخاص يعيشون أوضاع كارثية في ظل الحرب الدائرة بجانب معاناة الانتهاكات التي يتعرضون لها بشكل يومي".

وتابع "هم أصلا يعانون من انخفاض الرواتب، وبعضهم أجبروا على البقاء في مناطق القتال"، في إشارة إلى عدم القدرة على تحمل تكاليف السفر سواء داخليا أو إلى خارج البلاد في ظل تضاعف أسعار الوقود 20 مرة منذ بدء الحرب.

وقال يوسف إن لجنة المعلمين سعت مع الجهات الحكومية المعنية لتوفير الرواتب، ولكن "اتضح لها (للجنة) توجيه الحكومة بصرف رواتب الجيش فقط طوال الفترة الماضية".

موت من الجوع

وفي هذا الصدد يقول الموظف في وزارة الزراعة السماني محمد "لا نفهم لماذا لا تدفع الحكومة حقوقنا".

ونتيجة تأخر صرف الرواتب، هددت جبهة نقابية تضم أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة جامعيين وصحافيين باتخاذ خطوات تصعيدية ضد إحجام الحكومة عن الايفاء بالحقوق المالية للموظفين.

في مطلع تموز/يوليو، أعلن البنك المركزي السوداني استئناف تشغيل فروعه في معظم ولايات البلاد، ما أعاد بعض الأمل للمواطنين.

ويحتاج 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف عدد السكان، لمساعدة إنسانية وحماية، بحسب الأمم المتحدة.

وفي حين يعقد وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم مؤتمرات صحافية دورية لتأكيد متانة الوضع النقدي للدولة، يحمّل خبراء اقتصاديون الحكومة مسؤولية التلكؤ في دفع المستحقات.

وقال الخبير السوداني محمد الناير إن تأخر الرواتب هو "قصور من الحكومة".

وأضاف لفرانس برس "لم تتأثر إيرادات 15 ولاية في السودان (من أصل 18) بالحرب ورغم ذلك لم تدفع الحكومة الرواتب"، متوقعا أن تسوء الأوضاع أكثر خلال الأشهر المقبلة في بلد كان يعدّ من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة.

وإزاء ذلك، يجد السودانيون أنفسهم عالقين بين نارَي الحرب والعوز.

وعلّق يوسف على سوء الأوضاع بالقول "من لم تقتله الحرب سيموت من الجوع".

اضف تعليق